8 البداية والنهاية
تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوَادِي،
خَلْفَ الْعَقَنْقَلِ وَبَطْنِ الْوَادِي، وَهُوَ يَلْيَلُ بَيْنَ بَدْرٍ وَبَيْنَ
الْعَقَنْقَلِ، الْكَثِيبِ الَّذِي خَلْفَهُ قُرَيْشٌ، وَالْقَلِيبُ بِبَدْرٍ، فِي
الْعُدْوَةِ الدُّنْيَا مِنْ بَطْنِ يَلْيَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
قُلْتُ: وَفِي هَذَا قَالَ تَعَالَى: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ أَيْ مِنْ
نَاحِيَةِ السَّاحِلِ. وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ
وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا [ الْأَنْفَالِ: 42 ].
وَبَعَثَ اللَّهُ السَّمَاءَ، وَكَانَ الْوَادِي دَهْسًا، فَأَصَابَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مِنْهَا مَاءٌ، لَبَّدَ
لَهُمُ الْأَرْضَ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ السَّيْرِ، وَأَصَابَ قُرَيْشًا
مِنْهَا مَاءٌ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ.
قُلْتُ: وَفِي هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ
عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ [ الْأَنْفَالِ: 11 ] فَذَكَرَ
أَنَّهُ طَهَّرَهُمْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَأَنَّهُ ثَبَّتَ أَقْدَامَهُمْ،
وَشَجَّعَ قُلُوبَهُمْ، وَأَذْهَبَ عَنْهُمْ تَخْذِيلَ الشَّيْطَانِ،
وَتَخْوِيفَهُ لِلنُّفُوسِ وَوَسْوَسَتَهُ
لِلْخَوَاطِرِ وَهَذَا
تَثْبِيتُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَأَنْزَلَ النَّصْرَ عَلَيْهِمْ مِنْ
فَوْقِهِمْ، فِي قَوْلِهِ: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي
مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا
الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ أَيْ عَلَى الرُّءُوسِ وَاضْرِبُوا
مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ أَيْ لِئَلَّا يَسْتَمْسِكَ مِنْهُمُ السِّلَاحُ. ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ
عَذَابَ النَّارِ [ الْأَنْفَالِ: 12 - 14 ]
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ
الْمِقْدَامِ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنَ الْمَطَرِ،
يَعْنِي اللَّيْلَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي صَبِيحَتِهَا وَقْعَةُ بَدْرٍ،
فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ، نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِنَ
الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي
قَائِمًا يُصَلِّي، وَحَرَّضَ عَلَى الْقِتَالِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنَ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ: ( مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرُ الْمِقْدَادِ، وَلَقَدْ
رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ، إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي
وَيَبْكِي حَتَّى
أَصْبَحَ. وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ
بُنْدَارٍ، عَنْ غُنْدُرٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَنْزَلَ
عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ، فَأَطْفَأَ بِهِ الْغُبَارَ، وَتَلَبَّدَتْ بِهِ الْأَرْضُ،
وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ.
قُلْتُ: وَكَانَتْ لَيْلَةُ بَدْرٍ، لَيْلَةَ الْجُمْعَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَ
مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ بَاتَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي إِلَى
جِذْمِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ، وَيُكْثِرُ فِي سُجُودِهِ أَنْ يَقُولَ: " يَا
حَيَّ يَا قَيُّومَ " يُكَرِّرُ ذَلِكَ وَيُلِظُّ بِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُبَادِرُهُمْ إِلَى الْمَاءِ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ
بَدْرٍ، نَزَلَ بِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحُدِّثْتُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، أَنَّهُمْ
ذَكَرُوا أَنَّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ، لَيْسَ
لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ وَلَا نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ
وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ؟ قَالَ: " بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ
وَالْمَكِيدَةُ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ
بِمَنْزِلٍ، فَامْضِ
بِالنَّاسِ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلَهُ، ثُمَّ
نُغَوِّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقُلُبِ، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا
فَنَمْلَأَهُ مَاءً، ثُمَّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ أَشَرْتَ
بِالرَّأْيِ
قَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: وَزَعَمَ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ الْأَقْبَاصَ، وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، إِذْ
أَتَاهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ
يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هُوَ السَّلَامُ، وَمِنْهُ السَّلَامُ، وَإِلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ
الْمَلَكُ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكَ إِنَّ الْأَمْرَ هُوَ الَّذِي أَمَرَكَ
بِهِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا جِبْرِيلُ هَلْ تَعْرِفُ هَذَا ؟ فَقَالَ: مَا كُلَّ
أَهْلِ السَّمَاءِ أَعْرِفُ، وَإِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ.
فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ
النَّاسِ، فَسَارَ حَتَّى أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ، نَزَلَ عَلَيْهِ،
ثُمَّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوِّرَتْ، وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الَّذِي
نَزَلَ عَلَيْهِ، فَمُلِئَ مَاءً ثُمَّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ
أَنَّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ لَمَّا أَشَارَ بِمَا أَشَارَ بِهِ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ
السَّمَاءِ، وَجِبْرِيلُ عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْمَلَكُ: يَا مُحَمَّدُ، رَبُّكَ يَقْرَأُ
عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: إِنَّ الرَّأْيَ مَا أَشَارَ بِهِ
الْحُبَابُ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
جِبْرِيلَ، فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ الْمَلَائِكَةِ أَعْرِفُهُمْ، وَإِنَّهُ مَلَكٌ
وَلَيْسَ بِشَيْطَانٍ. وَذَكَرَ الْأُمَوِيُّ، أَنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى
الْقَلِيبِ الَّذِي يَلِي الْمُشْرِكِينَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَأَنَّهُمْ نَزَلُوا
فِيهِ، وَاسْتَقَوْا مِنْهُ، وَمَلَئُوا الْحِيَاضَ حَتَّى أَصْبَحَتْ مِلَاءً،
وَلَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ مَاءٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ
حُدِّثَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلَّا نَبْنِيَ
لَكَ عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ، وَنُعِدُّ عِنْدَكَ رَكَائِبَكَ، ثُمَّ نَلْقَى
عَدُوَّنَا، فَإِنْ أَعَزَّنَا اللَّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، كَانَ
ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى، جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ
فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ
مَا نَحْنُ بِأَشَدِّ حُبًّا لَكَ مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنُّوا أَنَّكَ تَلْقَى
حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَمْنَعُكَ اللَّهُ بِهِمْ، يُنَاصِحُونَكَ
وَيُجَاهِدُونَ مَعَكَ. فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ، ثُمَّ بُنِيَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشٌ كَانَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ،
فَأَقْبَلَتْ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَصَوَّبُ مِنَ الْعَقَنْقَلِ، وَهُوَ الْكَثِيبُ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ إِلَى
الْوَادِي، قَالَ: اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا
وَفَخْرِهَا، تَحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ فَنَصْرَكَ الَّذِي
وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ أَحِنْهُمُ الْغَدَاةَ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَأَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فِي
الْقَوْمِ، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ:
إِنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ
مِنَ الْقَوْمِ خَيْرٌ، فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، إِنْ يُطِيعُوهُ
يَرْشُدُوا. قَالَ وَقَدْ كَانَ خُفَافُ بْنُ إِيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ، أَوْ
أَبُوهُ إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ، بَعَثَ إِلَى قُرَيْشٍ ابْنًا لَهُ
بِجَزَائِرَ أَهْدَاهَا لَهُمْ، وَقَالَ: إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نَمُدَّكُمْ
بِسِلَاحٍ وَرِجَالٍ، فَعَلْنَا. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ مَعَ ابْنِهِ، أَنْ
وَصَلَتْكَ رَحِمٌ وَقَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ، فَلَعَمْرِي إِنْ كُنَّا
إِنَّمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ، مَا بِنَا ضَعْفٌ عَنْهُمْ، وَإِنْ كُنَّا إِنَّمَا
نُقَاتِلُ اللَّهَ، كَمَا يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ، فَمَا لِأَحَدٍ بِاللَّهِ مِنْ
طَاقَةٍ. قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ النَّاسُ، أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى
وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِمْ
حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: دَعُوهُمْ فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إِلَّا قُتِلَ،
إِلَّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ، ثُمَّ
أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَكَانَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي
يَمِينِهِ قَالَ لَا وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، كَمَا سَيَأْتِي
بَيَانُ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ نَعْقِدُهُ بَعْدَ الْوَقْعَةِ، وَنَذْكُرُ
أَسْمَاءَهُمْ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ
أَصْحَابَ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ، عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ
طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ، وَمَا جَاوَزَهُ مَعَهُ إِلَّا
مُؤْمِنٌ. وَلِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ
عُمَرَ يَوْمَ
بَدْرٍ، وَكَانَ
الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا عَلَى سِتِّينَ، وَالْأَنْصَارُ نَيِّفًا
وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ نَصْرِ بْنِ بَابٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ
الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَهْلُ
بَدْرٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ
سِتَّةً وَسَبْعِينَ، وَكَانَ هَزِيمَةُ أَهْلِ بَدْرٍ لِسَبْعَ عَشْرَةَ،
مَضَيْنَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا
لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ الْآيَةَ
[ الْأَنْفَالِ: 43 ]. وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. وَقِيلَ:
إِنَّهُ نَامَ فِي الْعَرِيشِ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا حَتَّى
يَأْذَنَ لَهُمْ، فَدَنَا الْقَوْمُ مِنْهُمْ، فَجَعَلَ الصِّدِّيقُ يُوقِظُهُ،
وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَنَوْا مِنَّا، فَاسْتَيْقِظْ. وَقَدْ أَرَاهُ
اللَّهُ إِيَّاهُمْ فِي مَنَامِهِ قَلِيلًا. ذَكَرَهُ الْأُمَوِيُّ. وَهُوَ
غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَالَ تَعَالَى: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي
أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ
أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا [ الْأَنْفَالِ: 44 ] فَعِنْدَمَا تَقَابَلَ
الْفَرِيقَانِ، قَلَّلَ اللَّهُ كُلًّا مِنْهُمَا فِي أَعْيُنِ الْآخَرِينَ،
لِيَجْتَرِئَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، لِمَا لَهُ
فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ
تَعَالَى فِي سُورَةِ " آلِ عِمْرَانَ " قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي
فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ
يَشَاءُ
فَإِنَّ الْمَعْنَى فِي
ذَلِكَ، عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، أَنَّ الْفِرْقَةَ الْكَافِرَةَ تَرَى
الْفِرْقَةَ الْمُؤْمِنَةَ مِثْلَيْ عَدَدِ الْكَافِرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ
أَيْضًا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، وَالْمُسَايَفَةِ أَوْقَعَ
اللَّهُ الْوَهَنَ وَالرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَاسْتَدْرَجَهُمْ
أَوَّلًا بِأَنْ أَرَاهُمْ إِيَّاهُمْ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ قَلِيلًا، ثُمَّ
أَيَّدَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِهِ، فَجَعَلَهُمْ فِي أَعْيُنِ الْكَافِرِينَ
عَلَى الضِّعْفِ مِنْهُمْ، حَتَّى وَهَنُوا وَضَعُفُوا وَغُلِبُوا، وَلِهَذَا
قَالَ: وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً
لِأُولِي الْأَبْصَارِ
قَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ: لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى إِنِّي
لَأَقُولُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي: أَتَرَاهُمْ سَبْعِينَ ؟ فَقَالَ: أَرَاهُمْ
مِائَةً
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، وَغَيْرُهُ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: لَمَّا اطْمَأَنَّ
الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ، فَقَالُوا: احْزُرْ لَنَا
الْقَوْمَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ. قَالَ: فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ
الْعَسْكَرِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ،
يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ، وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتَّى أَنْظُرَ،
أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ. قَالَ: فَضَرَبَ فِي الْوَادِي
حَتَّى أَبْعَدَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا، وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحَ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النَّاقِعَ، قَوْمٌ لَيْسَ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إِلَّا سُيُوفُهُمْ، وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ، فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ ؟! فَرَوْا رَأْيَكُمْ. فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ، مَشَى فِي النَّاسِ فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، إِنَّكَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا، وَالْمُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ لَا تَزَالَ تُذْكَرُ فِيهَا بِخَيْرٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ ؟ قَالَ: تَرْجِعُ بِالنَّاسِ، وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِكَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، أَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ حَلِيفِي، فَعَلَيَّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ، فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيَّةِ - يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ - فَإِنِّي لَا أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ أَمْرَ النَّاسِ غَيْرُهُ. ثُمَّ قَامَ عُتْبَةُ خَطِيبًا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلْقَوْا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَاللَّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ، لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ، قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ، أَوِ ابْنَ خَالِهِ، أَوْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهِ، فَارْجِعُوا، وَخَلُّوا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ أَصَابُوهُ، فَذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ، أَلْفَاكُمْ وَلَمْ
تَعَرَّضُوا مِنْهُ مَا تُرِيدُونَ. قَالَ حَكِيمٌ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى جِئْتُ أَبَا جَهْلٍ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ نَثَلَ دِرْعًا لَهُ، فَهُوَ يُهَنِّئُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، إِنَّ عُتْبَةَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ بِكَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: انْتَفَخَ وَاللَّهِ سِحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَلَا وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةَ جَزُورٍ، وَفِيهِمُ ابْنُهُ، فَقَدْ تَخَوَّفَكُمْ عَلَيْهِ. ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ هَذَا حَلِيفُكَ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَقَدْ رَأَيْتُ ثَأْرَكَ بِعَيْنِكَ، فَقُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ وَمَقْتَلَ أَخِيكَ. فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فَاكْتَشَفَ ثُمَّ صَرَخَ وَاعَمْرَاهُ وَاعَمْرَاهُ. قَالَ: فَحَمِيَتِ الْحَرْبُ، وَحَقِبَ أَمْرُ النَّاسِ، وَاسْتَوْثَقُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ، وَأَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ الرَّأْيَ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ عُتْبَةُ. فَلَمَّا بَلَغَ عُتْبَةُ قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ: انْتَفَخَ وَاللَّهِ سِحْرُهُ. قَالَ: سَيَعْلَمُ مُصَفِّرُ اسْتِهِ مَنِ انْتَفَخَ سِحْرُهُ، أَنَا أَمْ هُوَ.
ثُمَّ الْتَمَسَ عُتْبَةُ
بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا فِي رَأْسِهِ، فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً
تَسَعَهُ، مِنْ عِظَمِ رَأْسِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ عَلَى رَأْسِهِ
بِبُرْدٍ لَهُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ مُسَوَّرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
الْيَرْبُوعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: بَيْنَا
نَحْنُ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، إِذْ دَخَلَ حَاجِبُهُ فَقَالَ: حَكِيمُ
بْنُ حِزَامٍ يَسْتَأْذِنُ. قَالَ: ائْذَنْ لَهُ. فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ:
مَرْحَبًا يَا أَبَا خَالِدٍ، ادْنُ، فَحَالَ لَهُ عَنْ صَدْرِ الْمَجْلِسِ حَتَّى
جَلَسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوِسَادَةِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ: حَدِّثْنَا
حَدِيثَ بَدْرٍ. فَقَالَ خَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْجُحْفَةِ، رَجَعَتْ
قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بِأَسْرِهَا، فَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْ
مُشْرِكِيهِمْ بَدْرًا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى نَزَلْنَا الْعُدْوَةَ الَّتِي
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، فَجِئْتُ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا
الْوَلِيدِ هَلْ لَكَ فِي أَنْ تَذْهَبَ بِشَرَفِ هَذَا الْيَوْمَ مَا بَقِيتَ ؟
قَالَ: أَفْعَلُ مَاذَا ؟ قُلْتُ: إِنَّكُمْ لَا تَطْلُبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ
إِلَّا دَمَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، وَهُوَ حَلِيفُكَ، فَتَحَمَّلْ بِدِيَتِهِ،
وَيَرْجِعُ النَّاسُ. فَقَالَ: أَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ، وَاذْهَبْ إِلَى ابْنِ
الْحَنْظَلِيَّةِ، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، فَقُلْ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَرْجِعَ
الْيَوْمَ بِمَنْ مَعَكَ عَنِ ابْنِ عَمِّكَ ؟ فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ فِي
جَمَاعَةٍ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَإِذَا ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَاقِفٌ
عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: فَسَخْتُ عَقْدِي مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ، وَعَقْدِي
الْيَوْمَ إِلَى بَنِي مَخْزُومٍ. فَقُلْتُ لَهُ: يَقُولُ لَكَ عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ: هَلْ لَكَ أَنْ
تَرْجِعَ الْيَوْمَ عَنِ
ابْنِ عَمِّكَ بِمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ: أَمَا وَجَدَ رَسُولًا غَيْرَكَ ؟ قُلْتُ:
لَا، وَلَمْ أَكُنْ لِأَكُونَ رَسُولًا لِغَيْرِهِ. قَالَ: حَكِيمٌ فَخَرَجْتُ
مُبَادِرًا إِلَى عُتْبَةَ لِئَلَّا يَفُوتَنِي مِنَ الْخَبَرِ شَيْءٌ، وَعُتْبَةُ
مُتَّكِئٌ عَلَى إِيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ أَهْدَى إِلَى
الْمُشْرِكِينَ عَشْرَ جَزَائِرَ، فَطَلَعَ أَبُو جَهْلٍ وَالشَّرُّ فِي وَجْهِهِ،
فَقَالَ لِعُتْبَةَ: انْتَفَخَ سِحْرُكَ فَقَالَ لَهُ عُتْبَةُ: سَتَعْلَمُ.
فَسَلَّ أَبُو جَهْلٍ سَيْفَهُ، فَضَرَبَ بِهِ مَتْنَ فَرَسِهِ. فَقَالَ إِيمَاءُ
بْنُ رَحَضَةَ: بِئْسَ الْفَأْلُ هَذَا. فَعِنْدَ ذَلِكَ قَامَتِ الْحَرْبُ.
وَقَدْ صَفَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ
وَعَبَّأَهُمْ أَحْسَنَ تَعْبِئَةً، فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: صَفَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ لَيْلًا.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ
بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ أَسْلَمَ أَبَا عِمْرَانَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا أَيُّوبَ يَقُولُ: ( صُفِفْنَا يَوْمَ بَدْرٍ فَبَدَرَتْ مِنَّا بَادِرَةٌ
أَمَامَ الصَّفِّ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَعِي مَعِي " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَهَذَا
إِسْنَادٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حَبَّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ
أَشْيَاخٍ
مِنْ قَوْمِهِ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ
يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ يُعَدِّلُ بِهِ الْقَوْمَ، فَمَرَّ بِسَوَادِ
بْنِ غَزِيَّةَ حَلِيفِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنَ
الصَّفِّ، فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ بِالْقِدْحِ وَقَالَ: " اسْتَوِ يَا سَوَادُ
". فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْجَعْتَنِي، وَقَدْ بَعَثَكَ اللَّهُ
بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، فَأَقِدْنِي. فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَطْنِهِ، فَقَالَ: " اسْتَقِدْ " قَالَ:
فَاعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَ بَطْنَهُ، فَقَالَ: " مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يَا
سَوَادُ ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ
يَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِكَ، أَنْ يَمَسَّ جِلْدِي جِلْدَكَ. فَدَعَا لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرٍ وَقَالَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أَنَّ
عَوْفَ بْنَ الْحَارِثِ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ، قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا
يُضْحِكُ الرَّبَّ مِنْ عَبْدِهِ ؟ قَالَ: غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ
حَاسِرًا فَنَزَعَ دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَهَا، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ،
فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ عَدَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الصُّفُوفَ، وَرَجَعَ إِلَى الْعَرِيشِ فَدَخَلَهُ، وَمَعَهُ أَبُو
بَكْرٍ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَاقِفًا
عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ
مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ، وَمَعَهُ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ
يَدْهَمَهُ الْعَدُوُّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَالْجَنَائِبُ النَّجَائِبُ
مُهَيَّأَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنِ احْتَاجَ
إِلَيْهَا رَكِبَهَا وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، كَمَا أَشَارَ بِهِ سَعْدُ بْنُ
مُعَاذٍ.
وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَطَبَهُمْ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ،
مَنْ أَشْجَعُ النَّاسِ ؟ فَقَالُوا: أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ:
أَمَا إِنِّي مَا بَارَزَنِي أَحَدٌ إِلَّا انْتَصَفْتُ مِنْهُ، وَلَكِنْ هُوَ
أَبُو بَكْرٍ، إِنَّا جَعَلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَرِيشًا، فَقُلْنَا: مَنْ يَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِئَلَّا يَهْوِي إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ؟
فَوَاللَّهِ مَا دَنَا أَحَدٌ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، شَاهِرًا بِالسَّيْفِ عَلَى
رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهْوِي إِلَيْهِ
أَحَدٌ، إِلَّا أَهْوَى إِلَيْهِ، فَهَذَا أَشْجَعُ النَّاسِ. قَالَ: وَلَقَدْ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَتْهُ
قُرَيْشٌ، فَهَذَا يَجَؤُهُ، وَهَذَا يُتَلْتِلُهُ، وَيَقُولُونَ: أَنْتَ جَعَلْتَ
الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا. فَوَاللَّهِ مَا دَنَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا أَبُو
بَكْرٍ، يَضْرِبُ هَذَا، وَيَجَأُ هَذَا، وَيُتَلْتِلُ هَذَا، وَهُوَ يَقُولُ:
وَيْلَكُمْ، أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ: رَبِّيَ اللَّهُ. ثُمَّ رَفَعَ
عَلِيٌّ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيْهِ، فَبَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ
لِحْيَتُهُ ثُمَّ قَالَ:
أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، أَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ خَيْرٌ أَمْ هُوَ ؟ فَسَكَتَ
الْقَوْمُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: فَوَاللَّهِ لَسَاعَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، خَيْرٌ
مِنْ مَلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، ذَاكَ رَجُلٌ يَكْتُمُ
إِيمَانَهُ، وَهَذَا رَجُلٌ أَعْلَنَ إِيمَانَهُ. ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا
نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
فَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ لِلصِّدِّيقِ حَيْثُ هُوَ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ، كَمَا كَانَ مَعَهُ فِي الْغَارِ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُكْثِرُ الِابْتِهَالَ وَالتَّضَرُّعَ وَالدُّعَاءَ، وَيَقُولُ: فِيمَا يَدْعُو
بِهِ: " اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ، لَا تُعْبَدُ
بَعْدَهَا فِي الْأَرْضِ " وَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ،
وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ أَنْجِزَ لِي مَا وَعَدْتِنِي، اللَّهُمَّ نَصْرَكَ
". وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى سَقَطَ الرِّدَاءُ عَنْ
مَنْكِبَيْهِ، وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَلْتَزِمُهُ مِنْ
وَرَائِهِ، وَيُسَوِّي عَلَيْهِ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ مُشْفِقًا عَلَيْهِ مِنْ
كَثْرَةِ الِابْتِهَالِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ
فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ.
هَكَذَا حَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ قَاسِمِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ الصِّدِّيقَ
إِنَّمَا قَالَ: بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ، مِنْ بَابِ الْإِشْفَاقِ، لِمَا
رَأَى مِنْ نَصَبِهِ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، حَتَّى سَقَطَ الرِّدَاءُ
عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَقَالَ: بَعْضَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْ لِمَ تُتْعِبُ
نَفْسَكَ هَذَا التَّعَبَ، وَاللَّهُ قَدْ وَعَدَكَ بِالنَّصْرِ. وَكَانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، رَقِيقَ الْقَلْبِ، شَدِيدَ الْإِشْفَاقِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ
عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ، وَالصِّدِّيقُ
فِي مَقَامِ الرَّجَاءِ، وَكَانَ مَقَامُ الْخَوْفِ فِي هَذَا الْوَقْتِ. يَعْنِي أَكْمَلَ.
قَالَ: لِأَنَّ لِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ، فَخَافَ أَنْ لَا يُعْبَدَ فِي
الْأَرْضِ بَعْدَهَا، فَخَوْفُهُ ذَلِكَ عِبَادَةٌ.
قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ: إِنَّ هَذَا الْمَقَامَ، فِي
مُقَابَلَةِ مَا كَانَ يَوْمَ الْغَارِ. فَهُوَ قَوْلٌ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ،
إِذْ لَمْ يَتَدَبَّرْ هَذَا الْقَائِلُ عَوَرَ مَا قَالَ، وَلَا لَازِمَهُ، وَلَا
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا وَقَدْ تَوَاجَهَ الْفِئَتَانِ، وَتَقَابَلَ الْفَرِيقَانِ، وَحَضَرَ
الْخَصْمَانِ، بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ، وَاسْتَغَاثَ بِرَبِّهِ سَيِّدُ
الْأَنْبِيَاءِ، وَضَجَّ الصَّحَابَةُ بِصُنُوفِ الدُّعَاءِ، إِلَى رَبِّ
الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، سَامِعِ الدُّعَاءِ وَكَاشِفِ الْبَلَاءِ، فَكَانَ
أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ
الْمَخْزُومِيَّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سَيِّئَ الْخُلُقِ فَقَالَ:
أُعَاهِدُ اللَّهَ
لَأَشْرَبَنَّ مِنْ
حَوْضِهِمْ، أَوْ لَأَهْدِمَنَّهُ، أَوْ لَأَمُوتَنَّ دُونَهُ. فَلَمَّا خَرَجَ،
خَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ
حَمْزَةُ، فَأَطَنَّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ وَهُوَ دُونَ الْحَوْضِ، فَوَقَعَ
عَلَى ظَهْرِهِ، تَشْخُبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ حَبَا إِلَى
الْحَوْضِ حَتَّى اقْتَحَمَ فِيهِ، يُرِيدُ - زَعَمَ - أَنْ يُبِرَّ يَمِينَهُ،
وَاتَّبَعَهُ حَمْزَةُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ.
قَالَ الْأُمَوِيُّ: فَحَمِيَ عِنْدَ ذَلِكَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَرَادَ
أَنْ يُظْهِرَ شَجَاعَتَهُ، فَبَرَزَ بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ وَابْنِهِ
الْوَلِيدِ، فَلَمَّا تَوَسَّطُوا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، دَعَوْا إِلَى الْبِرَازِ،
فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ، وَهُمْ: عَوْفٌ
وَمُعَوِّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ، وَأُمَّهُمَا عَفْرَاءُ، وَالثَّالِثُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فِيمَا قِيلَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا:
رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالُوا: مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ. وَفِي
رِوَايَةٍ: فَقَالُوا: أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، وَلَكِنْ أَخْرِجُوا إِلَيْنَا مِنْ
بَنِي عَمِّنَا. وَنَادَى مُنَادِيهِمْ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْرِجْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا
مِنْ قَوْمِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
قُمْ يَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عَلِيُّ
". وَعِنْدَ الْأُمَوِيِّ، أَنَّ النَّفَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمَّا
خَرَجُوا، كَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَوْقِفٍ وَاجَهَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْدَاءَهُ، فَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ مِنْ
عَشِيرَتِهِ، فَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ، وَأَمَرَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةَ بِالْخُرُوجِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ ؟ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ
أَنَّهُمْ كَانُوا مُلَبَّسِينَ، لَا يُعْرَفُونَ مِنَ السِّلَاحِ - فَقَالَ
عُبَيْدَةُ: عُبَيْدَةُ. وَقَالَ حَمْزَةُ: حَمْزَةُ وَقَالَ عَلِيٌّ: عَلِيٌّ.
قَالُوا نَعَمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ. فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ، وَكَانَ أَسَنَّ
الْقَوْمِ، عُتْبَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ، وَبَارَزَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ
بْنَ عُتْبَةَ. فَأَمَّا حَمْزَةُ، فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ،
وَأَمَّا عَلِيٌّ، فَلَمْ يُمْهِلِ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ، وَاخْتَلَفَ
عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا بِضَرْبَتَيْنِ، كِلَاهُمَا أَثْبَتَ
صَاحِبَهُ، وَكَرَّ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ،
فَذَفَّفَا عَلَيْهِ، وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إِلَى أَصْحَابِهِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ
عُبَادٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [ الْحَجِّ: 19 ] نَزَلَتْ فِي
حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ، يَوْمَ بَرَزُوا فِي بَدْرٍ.
هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا
الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبِي، ثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ
قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَنَا
أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي الْخُصُومَةِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ قَيْسٌ: وَفِيهِمْ
نَزَلَتْ: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ
بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ، وَشَيْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. تَفَرَّدَ
بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ أَوْسَعْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي " التَّفْسِيرِ
" بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ قَالَ: بَرَزَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَالْوَلِيدُ،
وَبَرَزَ إِلَيْهِمْ حَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ وَعَلِيٌّ، فَقَالُوا: تَكَلَّمُوا
نَعْرِفْكُمْ. فَقَالَ حَمْزَةُ: أَنَا أَسَدُ اللَّهِ، وَأَسَدُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
فَقَالَ: كُفْءٌ كَرِيمٌ. وَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، وَأَخُو رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ عُبَيْدَةُ: أَنَا الَّذِي
فِي الْحُلَفَاءِ. فَقَامَ كُلُّ رَجُلٍ إِلَى رَجُلٍ، فَقَاتَلُوهُمْ
فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ. فَقَالَتْ هِنْدُ فِي ذَلِكَ:
أَعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبْ
يُذِيقُونَهُ حَدَّ أَسْيَافِهِمْ يَعُلُّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبَ
وَلِهَذَا نَذَرَتْ
هِنْدُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ كَبِدِ حَمْزَةَ.
قُلْتُ: وَعُبَيْدَةُ هَذَا هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ، وَلَمَّا جَاءُوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَضْجَعُوهُ إِلَى جَانِبِ مَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْرَشَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدَمَهُ، فَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَى قَدَمِهِ الشَّرِيفَةِ وَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَآنِي أَبُو طَالِبٍ، لَعَلِمَ أَنِّي أَحَقُّ بِقَوْلِهِ:
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا
وَالْحَلَائِلِ
ثُمَّ مَاتَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْهَدُ أَنَّكَ شَهِيدٌ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ.
وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَعْرَكَةِ، مِهْجَعٌ مَوْلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رُمِيَ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قُتِلَ، ثُمَّ رُمِيَ بَعْدَهُ
حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ، أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ
يَشْرَبُ مِنَ الْحَوْضِ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ نَحْرَهُ فَمَاتَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ
سُرَاقَةَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ،
وَكَانَ فِي
النَّظَّارَةِ، أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ حَارِثَةَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ
صَبَرْتُ، وَإِلَّا فَلَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. يَعْنِي مِنَ النِّيَاحِ،
وَكَانَتْ لَمْ تُحَرَّمْ بَعْدُ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْحَكِ أَهَبِلْتِ، إِنَّهَا جِنَانٌ ثَمَانٍ، وَإِنَّ
ابْنَكَ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ تَزَاحَفَ النَّاسُ، وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ
بَعْضٍ. وَقَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا حَتَّى يَأْمُرَهُمْ، وَقَالَ: إِنِ
اكْتَنَفَكُمُ الْقَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنَّبْلِ. وَفِي "
صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: إِذَا أَكْثَبُوكُمْ -
يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ - فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ
يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ
بَدْرٍ: يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَشِعَارَ الْخَزْرَجِ: يَا بَنِي عَبْدِ
اللَّهِ. وَشِعَارَ الْأَوْسِ: يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ. وَسَمَّى خَيْلَهُ:
خَيْلَ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شِعَارُ الصَّحَابَةِ يَوْمَ بَدْرٍ: أَحَدٌ
أَحَدٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْعَرِيشِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي، وَهُوَ
يَسْتَغِيثُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ
قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ [ الْأَنْفَالِ: 10، 9 ]
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ قُرَادٌ، ثَنَا عِكْرِمَةُ
بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ
عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ:لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ،
نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ
وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَيِّفٌ، وَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَإِذَا هُمْ
أَلْفٌ وَزِيَادَةٌ، فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْقِبْلَةَ وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ
لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنَّ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ
مِنْ أَهْلِ
الْإِسْلَامِ، فَلَا تُعْبَدُ بَعْدُ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا قَالَ: فَمَا زَالَ
يَسْتَغِيثَ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ، فَأَتَاهُ أَبُو
بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَرَدَّهُ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ
لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ
فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ
وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ
بْنِ عَمَّارٍ الْيَمَانِيِّ، وَصَحَّحَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ،
وَالتِّرْمِذِيُّ. وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَالسُّدِّيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْأُمَوِيُّ وَغَيْرُهُ، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عَجُّوا إِلَى
اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي الِاسْتِغَاثَةِ بِجَنَابِهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ
بِهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ أَيْ
رِدْفًا لَكُمْ وَمَدَدًا لِفِئَتِكُمْ. رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ كَثِيرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مُرْدِفِينَ وَرَاءَ كُلِّ مَلَكٍ
مَلَكٌ. وَفِي رِوَايَةٍ
عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: مُرْدِفِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ.
وَكَذَا قَالَ أَبُو ظَبْيَانَ، وَالضَّحَاكُ وَقَتَادَةُ. وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: وَأَمَدَّ
اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَكَانَ
جِبْرِيلُ فِي خَمْسِمِائَةِ مُجَنِّبَةٍ، وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ
مُجَنِّبَةٍ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ،
ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعُزَيْزِ بْنُ
عِمْرَانَ، عَنِ الزَّمْعِيِّ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:نَزَلَ جِبْرِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
عَنْ مَيْمَنَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهَا أَبُو
بَكْرٍ، وَنَزَلَ مِيكَائِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ مَيْسَرَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا فِي الْمَيْسَرَةِ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ
عَنْ عَلِيٍّ، فَزَادَ:وَنَزَلَ إِسْرَافِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ،
وَذَكَرَ أَنَّهُ طَعَنَ يَوْمَئِذٍ بِالْحَرْبَةِ حَتَّى اخْتَضَبَتْ إِبِطُهُ
مِنَ الدِّمَاءِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ نَزَلَتْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ. وَهَذَا غَرِيبٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ
فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَيُؤَيِّدُهَا قِرَاءَةُ
مَنْ
قَرَأَ: " بِأَلْفٍ
مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدَفِينَ " بِفَتْحِ الدَّالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْمَجِيدِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَوْنِ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:لَمَّا
كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَاتَلْتُ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، ثُمَّ جِئْتُ مُسْرِعًا
لِأَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ.
قَالَ: فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ
يَا قَيُّومُ. لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ
وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، فَذَهَبْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ
جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَى
يَدِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ بُنْدَارٍ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ بِهِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ:مَا
سَمِعْتُ مُنَاشِدًا يَنْشُدُ أَشَدَّ مِنْ مُنَاشَدَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، جَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ
عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لَا تُعْبَدُ،
ثُمَّ الْتَفَتَ وَكَأَنَّ شِقَّ وَجْهِهِ الْقَمَرُ، وَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ
إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ عَشِيَّةً رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
الْأَعْمَشِ بِهِ، وَقَالَ:لَمَّا الْتَقَيْنَا يَوْمَ بَدْرٍ قَامَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَمَا رَأَيْتُ مُنَاشِدًا
يَنْشُدُ حَقًّا لَهُ، أَشَدَّ مُنَاشَدَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ إِخْبَارُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِمَوَاضِعِ
مَصَارِعِ رُءُوسِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ
" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَسَيَأْتِي فِي "
صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُقْتَضَى
حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ يَوْمَ الْوَقْعَةِ، وَهُوَ
مُنَاسِبٌ، وَفِي الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ عَنْ أَنَسٍ وَعُمَرَ، مَا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ، وَلَا مَانِعَ مِنَ
الْجَمْعِ بَيْنَ ذَلِكَ، بِأَنْ يُخْبِرَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ
وَأَكْثَرَ، وَأَنْ يُخْبِرَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَاعَةٍ يَوْمَ الْوَقْعَةِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ
عَهْدَكَ
وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ
إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا. فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ
بِيَدِهِ وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ.
فَخَرَجَ وَهُوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ، وَهُوَ يَقُولُ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ
وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى
وَأَمَرُّ [ الْقَمَرِ: 46، 45 ] وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ، وَقَدْ جَاءَ
تَصْدِيقُهَا يَوْمَ بَدْرٍ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي
ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ
قَالَ عُمَرُ: أَيُّ جَمْعٍ يُهْزَمُ ؟! وَأَيُّ جَمْعٍ يُغْلَبُ ؟! قَالَ عُمَرُ:
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ وَهُوَ يَقُولُ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ
وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فَعَرَفْتُ تَأْوِيلَهَا يَوْمَئِذٍ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَانَ،
سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ
وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ رَبَّهُ مَا وَعَدَهُ مِنَ النَّصْرِ، وَيَقُولُ فِيمَا
يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا
تُعْبَدُ " وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَعْضَ
مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ. وَقَدْ
خَفَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفْقَةً وَهُوَ فِي
الْعَرِيشِ ثُمَّ انْتَبَهَ فَقَالَ:
أَبْشِرْ يَا أَبَا
بَكْرٍ، أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ، هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ
يَقُودُهُ، عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ. يَعْنِي الْغُبَارَ.
قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
النَّاسِ فَحَرَّضَهُمْ وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا
يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ، فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا
غَيْرَ مُدْبِرٍ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ
الْحُمَامِ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٌ يَأْكُلُهُنَّ: بَخٍ
بَخٍ أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَنِي
هَؤُلَاءِ ؟! قَالَ: ثُمَّ قَذَفَ التَّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ
فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ ثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَسْبَسَةَ عَيْنًا، يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ،
فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا أَدْرِي مَا اسْتَثْنَى مِنْ بَعْضِ نِسَائِهِ -
قَالَ: فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فَتَكَلَّمَ
فَقَالَ: إِنَّ لَنَا طَلِبَةً، فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ
مَعَنَا فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهُورِهِمْ فِي عُلْوِ
الْمَدِينَةِ، قَالَ: لَا، إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ
حَاضِرًا، وَانْطَلَقَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا
الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَتَقَدَّمَنْ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى
شَيْءٍ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُوذِنُهُ. فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ
الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: بَخٍ بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ: بَخٍ بَخٍ ؟ قَالَ:
لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ: فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ،
فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ
تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا حَيَاةٌ طَوِيلَةٌ. قَالَ: فَرَمَى مَا كَانَ مَعَهُ
مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، وَجَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي
النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ عُمَيْرًا قَاتَلَ وَهُوَ يَقُولُ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ:
رَكْضًا إِلَى اللَّهِ بِغَيْرِ زَادِ إِلَّا التُّقَى وَعَمَلِ الْمَعَادِ
وَالصَّبْرِ فِي اللَّهِ عَلَى الْجِهَادِ وَكُلُّ زَادٍ عُرْضَةُ النَّفَادِ
غَيْرَ التُّقَى وَالْبِرِّ وَالرَّشَادِ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَصَبْنَا مِنْ ثِمَارِهَا فَاجْتَوَيْنَاهَا وَأَصَابَنَا بِهَا وَعْكٌ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَبَّرُ عَنْ بَدْرٍ، فَلَمَّا بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَقْبَلُوا، سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، وَبَدْرٌ بِئْرٌ، فَسَبَقْنَا الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا، فَوَجَدْنَا فِيهَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَأَمَّا الْقُرَشِيُّ فَانْفَلَتَ، وَأَمَّا الْمَوْلَى فَأَخَذْنَاهُ، فَجَعَلْنَا نَقُولُ لَهُ: كَمِ الْقَوْمُ ؟ فَيَقُولُ: هُمْ وَاللَّهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ. فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، حَتَّى انْتَهَوْا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: كَمِ الْقَوْمُ ؟ قَالَ: هُمْ وَاللَّهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ. فَجَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَهُ كَمْ هُمْ، فَأَبَى، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ: كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الْجُزُرِ ؟ فَقَالَ: عَشْرًا كُلَّ يَوْمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْقَوْمُ أَلْفٌ كُلُّ جَزُورٍ، لِمِائَةٍ وَتَبَعِهَا " ثُمَّ إِنَّهُ أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنْ مَطَرٍ، فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ، نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَبَّهُ
وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْفِئَةَ، لَا تُعْبَدُ " فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى: " الصَّلَاةَ عِبَادَ اللَّهِ " فَجَاءَ النَّاسُ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَرَّضَ عَلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ تَحْتَ هَذِهِ الضِّلَعِ الْحَمْرَاءِ مِنَ الْجَبَلِ. فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَّا وَصَافَفْنَاهُمْ، إِذَا رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ، يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ، نَادِ لِي حَمْزَةَ - وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، وَمَاذَا يَقُولُ لَهُمْ ؟ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَجَاءَ حَمْزَةُ فَقَالَ: هُوَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: يَا قَوْمُ إِنِّي أَرَى قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ، لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِمْ وَفِيكُمْ خَيْرٌ، يَا قَوْمُ، اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي، وَقُولُوا: جَبُنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ. فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ ؟! وَاللَّهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُهُ لَأَعْضَضْتُهُ، قَدْ مَلَأَتْ رِئَتُكَ جَوْفَكَ رُعْبًا، فَقَالَ: إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ ؟! سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ أَيُّنَا الْجَبَانُ. فَبَرَزَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ، حَمِيَّةً، فَقَالُوا: مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَخَرَجَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ شَبَبَةٌ،
فَقَالَ عُتْبَةُ لَا
نُرِيدُ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ
يَا عَلِيُّ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ
الْمُطَّلِبِ. فَقَتَلَ اللَّهُ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ،
وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ، فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ
سَبْعِينَ، وَأَسَرْنَا سَبْعِينَ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَصِيرٌ بِالْعَبَّاسِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسِيرًا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ مَا أَسَرَنِي، لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ أَجْلَحُ، مِنْ
أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ، مَا أُرَاهُ فِي الْقَوْمِ.
فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ:
اسْكُتْ، فَقَدْ أَيَّدَكَ اللَّهُ بِمَلَكٍ كَرِيمٍ. قَالَ: فَأَسَرْنَا مِنْ
بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، الْعَبَّاسَ، وَعَقِيلًا، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ.
هَذَا سِيَاقٌ حَسَنٌ، وَفِيهِ شَوَاهِدُ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِمَا سَيَأْتِي.
وَقَدْ تَفَرَّدَ بِطُولِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بَعْضَهُ
مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ بِهِ.
وَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
الْعَرِيشِ، وَحَرَّضَ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ، وَالنَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ
صَابِرِينَ، ذَاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى آمِرًا
لَهُمْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا الْآيَةَ. [ الْأَنْفَالِ: 45 ]
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
قَالَ: قَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ: كَانَ
يُقَالُ: قَلَّمَا ثَبَتَ قَوْمٌ قِيَامًا، فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ
يَجْلِسَ، أَوْ يَغُضَّ طَرْفَهُ، وَيَذْكُرَ اللَّهَ، رَجَوْتُ أَنْ يَسْلَمَ
مِنَ الرِّيَاءِ.
وَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَصْحَابِهِ: أَلَّا
تَرَوْنَهُمْ، يَعْنِي أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جِثِيًّا عَلَى الرُّكَبِ، كَأَنَّهُمْ حَرَسٌ يَتَلَمَّظُونَ كَمَا تَتَلَمَّظُ
الْحَيَّاتُ. أَوْ قَالَ: الْأَفَاعِي.
قَالَ الْأُمَوِيُّ فِي " مَغَازِيهِ ": وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ حَرَّضَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ، قَدْ
نَفَلَ كُلَّ امْرِئٍ مَا أَصَابَ، وَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمُ
الْيَوْمَ رَجُلٌ، فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ،
إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. وَذَكَرَ قِصَّةَ عُمَيْرِ بْنِ
الْحُمَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ قِتَالًا شَدِيدًا بِبَدَنِهِ، وَكَذَلِكَ
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، كَمَا كَانَا فِي الْعَرِيشِ يُجَاهِدَانِ بِالدُّعَاءِ
وَالتَّضَرُّعِ، ثُمَّ نَزَلَا، فَحَرَّضَا وَحَثَّا عَلَى الْقِتَالِ، وَقَاتِلَا
بِالْأَبْدَانِ، جَمْعًا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَقَدْ
رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَنَحْنُ نَلُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَقْرَبُنَا مِنَ الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ
النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ، عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ:
كُنَّا إِذَا حَمِيَ
الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ،
عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قِيلَ
لَعَلِيٍّ وَلِأَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَوْمَ بَدْرٍ: مَعَ
أَحَدِكُمَا جِبْرِيلُ، وَمَعَ الْآخَرِ مِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ مَلَكٌ
عَظِيمٌ، يَشْهَدُ الْقِتَالَ وَلَا يُقَاتِلُ. أَوْ قَالَ: يَشْهَدُ الصَّفَّ.
وَهَذَا يُشْبِهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ فِي
الْمَيْمَنَةِ، وَلَمَّا تَنَزَّلَ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ بَدْرٍ تَنْزِيلًا،
كَانَ جِبْرِيلُ عَلَى أَحَدِ الْمُجَنِّبَتَيْنِ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ، فَكَانَ فِي الْمَيْمَنَةِ مِنْ نَاحِيَةِ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ، وَكَانَ مِيكَائِيلُ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى فِي
خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَوَقَفُوا فِي الْمَيْسَرَةِ، وَكَانَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيهَا.
وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ أَمْتَحُ عَلَى الْقَلِيبِ يَوْمَ بَدْرٍ،
فَجَاءَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ أُخْرَى، ثُمَّ أُخْرَى، فَنَزَلَ مِيكَائِيلُ
فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَوَقَفَ عَلَى يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَاكَ أَبُو بَكْرٍ، وَإِسْرَافِيلُ فِي أَلْفٍ
فِي الْمَيْسَرَةِ وَأَنَا فِيهَا، وَجِبْرِيلُ فِي
أَلْفٍ. قَالَ: وَلَقَدْ
طَعَنْتُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى بَلَغَ الدَّمُ إِبِطِي.
وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ " الْعِقْدِ " وَغَيْرُهُ، أَنَّ أَفْخَرَ بَيْتٍ
قَالَتْهُ الْعَرَبُ، قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إِذْ يَكُفُّ مَطِيَّهُمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا
وَمُحَمَّدُ
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ
الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، قَالَ: جَاءَ
جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا
تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ ؟ قَالَ: " مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ
" - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ
الْمَلَائِكَةِ. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي
مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا
الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ يَعْنِي الرُّءُوسَ وَاضْرِبُوا
مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [ الْأَنْفَالِ: 12 ]
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ،
عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ،
حَدَّثَنِي ابْنُ
عَبَّاسٍقَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي
أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ
فَوْقَهُ، وَصَوْتُ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ. إِذْ نَظَرَ إِلَى
الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ قَدْ خَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ
قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ
أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ ذَاكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ
الثَّالِثَةِ. فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ،
عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ:
حَضَرْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي بَدْرًا، وَنَحْنُ عَلَى شِرْكِنَا، فَإِنَّا
لَفِي جَبَلٍ نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ،
فَنَنْتَهِبُ، فَأَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنَ الْجَبَلِ، سَمِعْنَا
مِنْهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ، وَسَمِعْنَا فَارِسًا يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ.
فَأَمَّا صَاحِبِي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ، فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأَمَّا
أَنَا فَكِدْتُ أَنْ أَهْلِكَ، ثُمَّ انْتَعَشْتُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ
بَعْضِ بَنِي
سَاعِدَةَ، عَنْ أَبِي
أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ بَعْدَ أَنْ
ذَهَبَ بَصَرُهُ: لَوْ كُنْتُ الْيَوْمَ بِبَدْرٍ وَمَعِي بَصَرِي، لَأَرَيْتُكُمُ
الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، لَا أَشُكُّ فِيهِ وَلَا
أَتَمَارَى.
فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ وَرَآهَا إِبْلِيسُ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ:
أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [ الْأَنْفَالِ: 12 ]
وَتَثْبِيتُهُمْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَأْتِي الرَّجُلَ فِي صُورَةِ
الرَّجُلِ يَعْرِفُهُ، فَيَقُولُ لَهُ: أَبْشِرُوا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ،
وَاللَّهُ مَعَكُمْ كُرُّوا عَلَيْهِمْ. وَلَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ الْمَلَائِكَةَ،
نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا
تَرَوْنَ [ الْأَنْفَالِ: 48 ] وَهُوَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ، وَأَقْبَلَ أَبُو
جَهْلٍ يُحَرِّضُ أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ: لَا يَهُولَنَّكُمْ خِذْلَانُ سُرَاقَةَ
إِيَّاكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى مَوْعِدٍ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ. ثُمَّ
قَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، لَا نَرْجِعُ حَتَّى نُفَرِّقَ مُحَمَّدًا
وَأَصْحَابَهُ فِي الْجِبَالِ، فَلَا تَقْتُلُوهُمْ وَخُذُوهُمْ أَخْذًا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْمَلَكُ
يَتَصَوَّرُ فِي صُورَةِ مَنْ يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ دَنَوْتُ
مِنْهُمْ وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: لَوْ حَمَلُوا عَلَيْنَا مَا ثَبَتْنَا.
لَيْسُوا بِشَيْءٍ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ إِذْ
يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ
آمَنُوا الْآيَةَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ سَلَامَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ، بَعْدَمَا ذَهَبَ بَصَرُهُ: يَا ابْنَ أَخِي،
وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ بِبَدْرٍ، ثُمَّ أَطْلَقَ اللَّهُ بَصَرِي،
لَأَرَيْتُكَ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْنَا مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، مِنْ
غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَمَارٍ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ،
عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ
بِرَأْسِ فَرَسِهِ، وَعَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَدَّثَنِي عَائِذُ
بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ
اللَّيْثِيِّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالُوا: لَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، يَسْأَلُ
اللَّهَ النَّصْرَ وَمَا وَعَدَهُ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ ظَهَرُوا عَلَى
هَذِهِ الْعِصَابَةِ، ظَهَرَ الشِّرْكُ، وَلَا يَقُومُ لَكَ دِينٌ. وَأَبُو بَكْرٍ
يَقُولُ: وَاللَّهِ لَيَنْصُرَنَّكَ اللَّهُ، وَلَيُبَيِّضَنَّ وَجْهَكَ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ، عِنْدَ أَكْتَافِ
الْعَدُوِّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْشِرْ
يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَةٍ
صَفْرَاءَ، آخِذٌ
بِعِنَانِ فَرَسِهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَلَمَّا نَزَلَ إِلَى
الْأَرْضِ تَغَيَّبَ عَنِّي سَاعَةً، ثُمَّ طَلَعَ وَعَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ،
يَقُولُ: أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ إِذْ دَعَوْتَهُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ
رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيُشِيرُ إِلَى رَأْسِ الْمُشْرِكِ،
فَيَقَعُ رَأْسُهُ عَنْ جَسَدِهِ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ السَّيْفُ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي، حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَازِنٍ،
عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَضْرِبَهُ، فَوَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ
إِلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أَنَّ غَيْرِي قَدْ قَتَلَهُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ،
عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ قَتْلَى
الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ قَتَلُوهُمْ، بِضَرْبٍ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَعَلَى
الْبَنَانِ، مِثْلَ سِمَةِ النَّارِ وَقَدْ أُحْرِقَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ
بِيضًا قَدْ أَرْخَوْهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ
إِلَّا جِبْرِيلَ
فَإِنَّهُ كَانَتْ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى
يَوْمِ بَدْرٍ مِنَ الْأَيَّامِ، وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ
الْأَيَّامِ عُدَدًا وَمَدَدًا، لَا يَضْرِبُونَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ،
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَوْلًى لِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو،
سَمِعْتُ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ يَوْمَ بَدْرٍ رِجَالًا
بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ، بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مُعْلِمِينَ،
يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ يُحَدِّثُ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ
بَصَرُهُ قَالَ: لَوْ كُنْتُ مَعَكُمُ الْآنَ بِبَدْرٍ وَمَعِي بَصَرِي،
لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، لَا أَشُكُّ
وَلَا أَمْتَرِي.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ: مَنِ الْقَائِلُ
يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ ؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا
مُحَمَّدُ، مَا كُلَّ أَهْلِ السَّمَاءِ أَعْرِفُ.
قُلْتُ: وَهَذَا الْأَثَرُ
مُرْسَلٌ وَهُوَ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَيْزُومَ اسْمُ فَرَسِ
جِبْرِيلَ، كَمَا قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ
صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَمَا أَدْرِي كَمْ يَدٍ مَقْطُوعَةٍ، وَضَرْبَةٍ
جَائِفَةٍ لَمْ يَدْمَ كَلْمُهَا، قَدْ رَأَيْتُهَا يَوْمَ بَدْرٍ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ
خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ قَالَ: جِئْتُ يَوْمَ بَدْرٍ
بِثَلَاثَةِ أَرْؤُسٍ، فَوَضَعْتُهُنَّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَمَّا رَأْسَانِ فَقَتَلْتُهُمَا، وَأَمَّا
الثَّالِثُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا طَوِيلًا ضَرَبَهُ، فَتَدَهْدَى أَمَامَهُ،
فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ذَاكَ فُلَانٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ
السَّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشٍ يُحَدِّثُ فِي زَمَنِ عُمَرَ يَقُولُ: وَاللَّهِ
مَا أَسَرَنِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. فَيُقَالُ: فَمَنْ ؟ يَقُولُ: لَمَّا
انْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ، انْهَزَمْتُ مَعَهَا فَأَدْرَكَنِي رَجُلٌ أَبْيَضُ
طَوِيلٌ، عَلَى فَرَسٍ
أَبْيَضَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَأَوْثَقَنِي رِبَاطًا، وَجَاءَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَجَدَنِي مَرْبُوطًا، فَنَادَى فِي الْعَسْكَرِ: مَنْ
أَسَرَ هَذَا ؟ حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ أَسَرَكَ ؟ قُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ. وَكَرِهْتُ
أَنْ أُخْبِرَهُ بِالَّذِي رَأَيْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسَرَكَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، اذْهَبْ يَا ابْنَ
عَوْفٍ بِأَسِيرِكَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَائِذُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو
الْحُوَيْرِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ:
لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ وَقَعَ بِوَادِي خَلْصٍ بِجَادٌ مِنَ
السَّمَاءِ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ، فَإِذَا الْوَادِي يَسِيلُ نَمْلًا فَوَقَعَ فِي
نَفْسِي أَنَّ هَذَا شَيْءٌ مِنَ السَّمَاءِ أُيِّدَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَمَا
كَانَتْ إِلَّا الْهَزِيمَةُ، وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ
حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي،
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ قَبْلَ هَزِيمَةِ
الْقَوْمِ، وَالنَّاسُ
يَقْتَتِلُونَ، مِثْلَ الْبِجَادِ الْأَسْوَدِ قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مِثْلَ
النَّمْلِ الْأَسْوَدِ، فَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ، فَلَمْ يَكُنْ
إِلَّا هَزِيمَةُ الْقَوْمِ.
وَلَمَّا تَنَزَّلَتِ الْمَلَائِكَةُ لِلنَّصْرِ، وَرَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ اسْتَيْقَظَ،
وَبَشَّرَ بِذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ وَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ، هَذَا
جِبْرِيلُ يَقُودُ فَرَسَهُ، عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ. يَعْنِي مِنَ
الْمَعْرَكَةِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنَ الْعَرِيشِ فِي الدِّرْعِ، فَجَعَلَ يُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَالِ، وَيُبَشِّرُ
النَّاسَ بِالْجَنَّةِ، وَيُشَجِّعُهُمْ بِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسُ
بَعْدُ عَلَى مَصَافِّهِمْ لَمْ يَحْمِلُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ، حَصَلَ لَهُمُ
السَّكِينَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ، وَقَدْ حَصَلَ النُّعَاسُ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ
عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ وَالثَّبَاتِ وَالْإِيمَانِ، كَمَا قَالَ إِذْ يَغْشَاكُمُ
النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ [ الْأَنْفَالِ: 11 ]
وَهَذَا كَمَا حَصَلَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ،
وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: النُّعَاسُ فِي الْمَصَافِّ مِنَ الْإِيمَانِ،
وَالنُّعَاسُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ النِّفَاقِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ
تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ
لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا
وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [ الْأَنْفَالِ: 19 ]
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ،
حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ حِينَ الْتَقَى
الْقَوْمُ: اللَّهُمَّ أَقْطَعُنَا لِلرَّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ،
فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ. فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ. وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ
إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ
كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ
أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ
عَطِيَّةَ عَنْ مُطَرِّفٍ، فِي قَوْلِهِ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ
الْفَتْحُ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَعَزَّ الْفِئَتَيْنِ،
وَأَكْرَمَ الْقَبِيلَتَيْنِ، وَأَكْثَرَ الْفَرِيقَيْنِ. فَنَزَلَتْ إِنْ
تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ
يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ [ الْأَنْفَالِ: 7 ]
قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ تُرِيدُ الشَّامَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ
الْمَدِينَةِ، فَخَرَجُوا وَمَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُرِيدُونَ الْعِيرَ،
فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ، فَأَسْرَعُوا السَّيْرَ إِلَيْهَا، لِكَيْلَا يَغْلِبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَسَبَقَتِ الْعِيرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ وَعَدَهُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَكَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَلْقَوُا الْعِيرَ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ الْقَوْمَ، وَكَرِهَ الْقَوْمُ مَسِيرَهُمْ لِشَوْكَةِ الْقَوْمِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ رَمْلَةٌ دِعْصَةٌ، فَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ شَدِيدٌ، وَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمُ الْقَنَطَ، يُوَسْوِسُهُمْ: تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ، وَأَنْتُمْ كَذَا ؟! فَأَمْطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَطَرًا شَدِيدًا، فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ، فَصَارَ الرَّمْلُ لَبْدًا، وَمَشَى النَّاسُ عَلَيْهِ وَالدَّوَابُّ، فَسَارُوا إِلَى الْقَوْمِ، وَأَيَّدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَكَانَ جِبْرِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُجَنِّبَةً، وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُجَنِّبَةً، وَجَاءَ إِبْلِيسُ فِي جُنْدِ الشَّيَاطِينِ وَمَعَهُ رَايَتُهُ، وَهُمْ فِي صُورَةِ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَالشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، وَقَالَ الشَّيْطَانُ لِلْمُشْرِكِينَ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ [ الْأَنْفَالِ: 48 ] فَلَمَّا اصْطَفَّ النَّاسُ قَالَ
أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ
أَوْلَانَا بِالْحَقِّ فَانْصُرْهُ. وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا رَبِّ، إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ
الْعِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا. فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ:
خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ. فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فَرَمَى بِهَا
وُجُوهَهُمْ، فَمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَأَصَابَ عَيْنَيْهِ
وَمَنْخَرَيْهِ وَفَمَهُ تُرَابٌ مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَةِ، فَوَلَّوْا
مُدْبِرِينَ، وَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ إِلَى إِبْلِيسَ، فَلَمَّا رَآهُ وَكَانَتْ
يَدُهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، انْتَزَعَ إِبْلِيسُ يَدَهُ ثُمَّ
وَلَّى مُدْبِرًا وَشِيعَتُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا سُرَاقَةُ، أَمَا زَعَمْتَ
أَنَّكَ لَنَا جَارٌ ؟ قَالَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ
اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [ الْأَنْفَالِ: 48 ] وَذَلِكَ حِينَ رَأَى
الْمَلَائِكَةَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارِ، ثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
عِمْرَانَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: لَمَّا رَأَى
إِبْلِيسُ مَا تَفْعَلُ الْمَلَائِكَةُ بِالْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَشْفَقَ
أَنْ يَخْلُصَ الْقَتْلُ إِلَيْهِ، فَتَشَبَّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ
وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَوَكَزَ فِي صَدْرِ الْحَارِثِ
فَأَلْقَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ هَارِبًا حَتَّى أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، وَرَفَعَ
يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ نَظِرَتَكَ إِيَّايَ. وَخَافَ
أَنْ يَخْلُصَ الْقَتْلُ إِلَيْهِ. وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ
النَّاسِ، لَا
يَهُولَنَّكُمْ خِذْلَانُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى مِيعَادٍ
مِنْ مُحَمَّدٍ، وَلَا يَهُولَنَّكُمْ قَتْلُ شَيْبَةَ وَعُتْبَةَ وَالْوَلِيدِ،
فَإِنَّهُمْ قَدْ عَجَّلُوا، فَوَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا نَرْجِعُ حَتَّى
نُفَرِّقَهُمْ بِالْحِبَالِ، فَلَا أُلْفِيَنَّ رَجُلًا مِنْكُمْ قَتَلَ رَجُلًا،
وَلَكِنْ خُذُوهُمْ أَخْذًا حَتَّى تُعَرِّفُوهُمْ سُوءَ صَنِيعِهِمْ، مِنْ
مُفَارَقَتِهِمْ إِيَّاكُمْ، وَرَغْبَتِهِمْ عَنِ اللَّاتِ وَالْعُزَّى. ثُمَّ
قَالَ أَبُو جَهْلٍ مُتَمَثِّلًا:
مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الشَّمُوسُ مِنِّي بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثٌ سِنِّي
لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمِّي
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ،
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَثْمَةَ، سَمِعْتُ
مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَسْأَلُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ،
فَجَعَلَ الشَّيْخُ يَكْرَهُ ذَلِكَ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ حَكِيمٌ:
الْتَقَيْنَا فَاقْتَتَلْنَا، فَسَمِعْتُ صَوْتًا وَقَعَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى
الْأَرْضِ، مِثْلَ وَقْعَةِ الْحَصَاةِ فِي الطَّسْتِ، وَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَبْضَةَ التُّرَابَ، فَرَمَى بِهَا
فَانْهَزَمْنَا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ:
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ،
سَمِعْتُ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيَّ يَقُولُ: انْهَزَمْنَا يَوْمَ
بَدْرٍ وَنَحْنُ نَسْمَعُ صَوْتًا كَوَقْعِ الْحَصَى فِي الطِّسَاسِ، فِي
أَفْئِدَتِنَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ الرُّعْبِ
عَلَيْنَا.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، ثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي
الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، أَنَّ أَبَا
جَهْلٍ حِينَ الْتَقَى الْقَوْمُ قَالَ: اللَّهُمَّ أَقَطَعُنَا لِلرَّحِمِ،
وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ، فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ. فَكَانَ هُوَ
الْمُسْتَفْتِحَ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَقَدْ شَجَّعَ اللَّهُ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى لِقَاءِ عَدُوِّهِمْ، وَقَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ حَتَّى
طَمِعُوا فِيهِمْ، خَفَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَفْقَةً فِي الْعَرِيشِ، ثُمَّ انْتَبَهَ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ،
هَذَا جِبْرِيلُ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ، آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُهُ،
عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ، أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ وَعِدَتُهُ. وَأَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ كَفًّا مِنَ الْحَصَى
بِيَدِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَالَ: " شَاهَتِ
الْوُجُوهُ " ثُمَّ نَفَحَهُمْ بِهَا، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: احْمِلُوا
فَلَمْ تَكُنْ إِلَّا الْهَزِيمَةُ، فَقَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْ
صَنَادِيدِهِمْ، وَأَسَرَ
مَنْ أَسَرَ مِنْهُمْ.
وَقَالَ زِيَادٌ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ حَفْنَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ، فَاسْتَقْبَلَ
بِهَا قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ. ثُمَّ نَفَحَهُمْ بِهَا،
وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: شُدُّوا. فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ فَقَتَلَ اللَّهُ
مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ يَوْمَ بَدْرٍ: أَعْطِنِي حَصًى مِنَ الْأَرْضِ. فَنَاوَلَهُ
حَصًى عَلَيْهِ تُرَابٌ، فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَلَمْ يَبْقَ
مُشْرِكٌ إِلَّا دَخَلَ فِي عَيْنَيْهِ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ شَيْءٌ، ثُمَّ
رَدِفَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ
فِي ذَلِكَ: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ
إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَهَكَذَا قَالَ عُرْوَةُ، وَعِكْرِمَةُ،
وَمُجَاهِدٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَتَادَةُ،
وَابْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ يَوْمَ
بَدْرٍ. وَقَدْ فَعَلَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِثْلَ ذَلِكَ فِي
غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ، إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمَّا حَرَّضَ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ، وَرَمَى الْمُشْرِكِينَ
بِمَا رَمَاهُمْ بِهِ مِنَ التُّرَابِ، وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، صَعِدَ
إِلَى الْعَرِيشِ أَيْضًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَوَقَفَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ
وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى بَابِ
الْعَرِيشِ وَمَعَهُمُ
السُّيُوفُ، خِيفَةَ أَنْ تَكُرَّ رَاجِعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا وَضَعَ
الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ، رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا ذُكِرَ لِي، فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي بِكَ يَا سَعْدُ
تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ الْقَوْمُ ؟ قَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ
كَانَتْ أَوَّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللَّهُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ فَكَانَ
الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ اسْتِبْقَاءِ الرِّجَالِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ:
إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ
أُخْرِجُوا كَرْهًا، لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ
أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ
بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ
الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَا يَقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ مُسْتَكْرَهًا. فَقَالَ
أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَقْتُلُ آبَاءَنَا
وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَنَتْرُكُ الْعَبَّاسَ، وَاللَّهِ لَئِنْ
لَقِيتُهُ لَأَلْحِمَنَّهُ بِالسَّيْفِ. فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِعُمَرَ: يَا أَبَا حَفْصٍ - قَالَ عُمَرُ:
وَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَوَّلُ يَوْمٍ كَنَّانِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي حَفْصٍ - أَيُضْرَبُ
وَجْهُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ بِالسَّيْفِ ؟! فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ نَافَقَ. فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ: مَا أَنَا بِآمِنٍ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قُلْتُ يَوْمَئِذٍ، وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا إِلَّا أَنْ تُكَفِّرَهَا عَنِّي الشَّهَادَةُ. فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
مَقْتَلُ أَبِي
الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هِشَامٍ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، لِأَنَّهُ كَانَ أَكَفَّ الْقَوْمِ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، كَانَ
لَا يُؤْذِيهِ وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَكَانَ مِمَّنْ قَامَ
فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ، فَلَقِيَهُ الْمُجَذَّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيُّ
حَلِيفُ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا عَنْ قَتْلِكَ. وَمَعَ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ زَمِيلٌ
لَهُ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ جُنَادَةُ ابْنُ مُلَيْحَةَ، وَهُوَ مِنْ
بَنِي لَيْثٍ. قَالَ: وَزَمِيلِي ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُجَذَّرُ: لَا وَاللَّهِ، مَا
نَحْنُ بِتَارِكِي زَمِيلِكَ، مَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِكَ
وَحْدَكَ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ، إِذًا لَأَمُوتَنَّ أَنَا وَهُوَ جَمِيعًا، لَا
يَتَحَدَّثُ عَنِّي نِسَاءُ مَكَّةَ أَنِّي تَرَكْتُ زَمِيلِي حِرْصًا عَلَى
الْحَيَاةِ. وَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَهُوَ يُنَازِلُ الْمُجَذَّرَ:
لَنْ يُسْلِمَ ابْنُ حُرَّةٍ زَمِيلَهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرَى سَبِيلَهُ
قَالَ: فَاقْتَتَلَا فَقَتَلَهُ الْمُجَذَّرُ بْنُ ذِيَادٍ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ
إِمَّا جَهِلْتَ أَوْ نَسِيتَ نَسَبِي فَأَثْبِتِ النِّسْبَةَ إِنِّي مِنْ بَلِي
الطَّاعِنِينَ بِرِمَاحِ الْيَزَنِي وَالضَّارِبِينَ الْكَبْشَ حَتَّى يَنْحَنِي
بَشِّرْ بِيُتْمٍ مَنْ
أَبُوهُ الْبَخْتَرِي أَوْ بَشِّرَنْ بِمِثْلِهَا مِنِّي بَنِي
أَنَا الَّذِي يُقَالُ أَصْلِي مِنْ بَلِي أَطْعَنُ بِالصَّعْدَةِ حَتَّى
تَنْثَنِي
وَأَعْبِطُ الْقِرْنَ بِعَضْبٍ مَشْرَفِي أُرْزِمُ لِلْمَوْتِ كَإِرْزَامِ
الْمَرِي
فَلَا يَرَى مُجَذَّرًا يَفْرِي فَرِي
ثُمَّ أَتَى الْمُجَذَّرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ جَهِدْتُ عَلَيْهِ أَنْ
يَسْتَأْسِرَ فَآتِيكَ بِهِ، فَأَبَى إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَنِي، فَقَاتَلْتُهُ
فَقَتَلْتُهُ.
فَصْلٌ فِي مَقْتَلِ
أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَدَّثَنِيهِ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَانَ
أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ لِي صَدِيقًا بِمَكَّةَ، وَكَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو،
فَتَسَمَّيْتُ حِينَ أَسْلَمْتُ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ. فَكَانَ يَلْقَانِي إِذْ
نَحْنُ بِمَكَّةَ فَيَقُولُ: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، أَرَغِبْتَ عَنِ اسْمٍ
سَمَّاكَهُ أَبَوَاكَ ؟ قَالَ: فَأَقُولُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ،
فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَيْئًا أَدْعُوكَ بِهِ، أَمَّا أَنْتَ فَلَا
تُجِيبُنِي بِاسْمِكَ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَدْعُوكَ بِمَا لَا
أَعْرِفُ. قَالَ: وَكَانَ إِذَا دَعَانِي: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، لَمْ أُجِبْهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، اجْعَلْ مَا شِئْتَ. قَالَ فَأَنْتَ
عَبْدُ الْإِلَهِ. قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكُنْتُ إِذَا مَرَرْتُ بِهِ
قَالَ: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ. فَأُجِيبُهُ فَأَتَحَدَّثُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا
كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ ابْنِهِ عَلِيٍّ، وَهُوَ
آخِذٌ بِيَدِهِ. قَالَ: وَمَعِي أَدْرَاعٌ لِي قَدِ اسْتَلَبْتُهَا، فَأَنَا
أَحْمِلُهَا، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا عَبْدَ عَمْرٍو. فَلَمْ أُجِبْهُ.
فَقَالَ: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ. فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ لَكَ فِيَّ، فَأَنَا
خَيْرٌ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ الَّتِي مَعَكَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ،
هَا اللَّهِ. قَالَ: فَطَرَحْتُ الْأَدْرَاعَ مِنْ يَدِي، وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ
وَبِيَدِ ابْنِهِ،
وَهُوَ يَقُولُ: مَا
رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللَّبَنِ ؟ ثُمَّ خَرَجْتُ
أَمْشِي بِهِمَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ
سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
قَالَ: قَالَ لِي أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ آخُذُ
بِأَيْدِيهِمَا: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ، مَنِ الرَّجُلُ مِنْكُمُ، الْمُعْلَمُ
بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ ؟ قَالَ: قُلْتُ: ذَاكَ حَمْزَةُ. قَالَ: ذَاكَ
الَّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَوَاللَّهِ
إِنِّي لَأَقُودُهُمَا إِذْ رَآهُ بِلَالٌ مَعِي، وَكَانَ هُوَ الَّذِي يُعَذِّبُ
بِلَالًا بِمَكَّةَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: رَأَسُ الْكُفْرِ
أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا. قَالَ: قُلْتُ: أَيْ بِلَالُ،
أَبِأَسِيرِي ؟ قَالَ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا. قَالَ: ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى
صَوْتِهِ: يَا أَنْصَارَ اللَّهِ، رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا
نَجَوْتُ إِنْ نَجَا. فَأَحَاطُوا بِنَا حَتَّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ
الْمَسَكَةِ، فَأَنَا أَذُبُّ عَنْهُ. قَالَ: فَأَخْلَفَ رَجُلٌ السَّيْفَ، فَضَرَبَ
رِجْلَ ابْنِهِ فَوَقَعَ، وَصَاحَ أُمَيَّةُ صَيْحَةً مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهَا
قَطُّ. قَالَ: قُلْتُ: انْجُ بِنَفْسِكَ وَلَا نَجَاءَ، فَوَاللَّهِ مَا أُغْنِي
عَنْكَ شَيْئًا. قَالَ: فَهَبَرُوهُمَا بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى فَرَغُوا
مِنْهُمَا. قَالَ: فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ
بِلَالًا، فَجَعَنِي بِأَدْرَاعِي وَبِأَسِيرَيَّ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " قَرِيبًا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، فَقَالَ فِي الْوِكَالَةِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ، هُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ: لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتَبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَكَاتَبْتُهُ عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ لِأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ، فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ، فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ؟ ! لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ، فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا، خَلَّفْتُ لَهُمُ ابْنَهُ لِأَشْغَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا حَتَّى تَبِعُونَا، وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا، فَلَمَّا أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ: ابْرُكْ. فَبَرَكَ فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِي لِأَمْنَعَهُ، فَتَخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بِسَيْفِهِ. فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُرِينَا ذَلِكَ الْأَثَرَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ. سَمِعَ يُوسُفُ صَالِحًا، وَإِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ بَيْنِهِمْ كُلِّهِمْ. وَفِي مُسْنَدِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ.
مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ
لَعَنَهُ اللَّهُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الْعَوَانُ مِنِّي بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثٌ سِنِّي
لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمِّي
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ عَدُوِّهِ، أَمَرَ بِأَبِي جَهْلٍ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى،
وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ، كَمَا حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
أَيْضًا قَدْ حَدَّثَنِي ذَلِكَ، قَالَا: قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
الْجَمُوحِ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ: سَمِعْتُ الْقَوْمَ، وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ
الْحَرَجَةِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: أَبُو الْحَكَمِ لَا يُخْلَصُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا
سَمِعْتُهَا جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي، فَصَمَدْتُ نَحْوَهُ، فَلَمَّا أَمْكَنَنِي،
حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطَنَّتْ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ فَوَاللَّهِ
مَا شَبَّهْتُهَا حِينَ طَاحَتْ، إِلَّا
بِالنَّوَاةِ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ مِرْضَخَةِ النَّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا. قَالَ: وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي، فَطَرَحَ يَدِي فَتَعَلَّقَتْ بِجِلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي، وَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ، فَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامَّةَ يَوْمِي وَإِنِّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي، فَلَمَّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي، ثُمَّ تَمَطَّيْتُ بِهَا عَلَيْهَا حَتَّى طَرَحْتُهَا - قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ زَمَنُ عُثْمَانَ - ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ، وَهُوَ عَقِيرٌ، مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ، وَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ، وَقَاتَلَ مُعَوِّذٌ حَتَّى قُتِلَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ، حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي: انْظُرُوا، إِنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى، إِلَى أَثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَإِنِّي ازْدَحَمْتُ أَنَا وَهُوَ يَوْمًا عَلَى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ وَنَحْنُ غُلَامَانِ، وَكُنْتُ أَشَفُّ مِنْهُ بِيَسِيرٍ، فَدَفَعْتُهُ فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَجُحِشَ فِي إِحْدَاهُمَا جَحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَوَجَدْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ - قَالَ: وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ بِي
مَرَّةً بِمَكَّةَ،
فَآذَانِي وَلَكَزَنِي - ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا عَدُوَّ
اللَّهِ ؟ قَالَ: وَبِمَاذَا أَخْزَانِي ؟ قَالَ: أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ
قَتَلْتُمُوهُ، أَخْبَرَنِي لِمَنِ الدَّائِرَةُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ: قُلْتُ:
لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، أَنَّ ابْنَ
مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: قَالَ لِي: لَقَدِ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا يَا
رُوَيْعِيَّ الْغَنَمِ. قَالَ: ثُمَّ احْتَزَزْتُ رَأْسَهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، هَذَا رَأْسُ عَدُوِّ اللَّهِ. فَقَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ
غَيْرُهُ ؟ وَكَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَلْتُ: نَعَمْ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ. ثُمَّ أَلْقَيْتُ
رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ فَحَمِدَ اللَّهَ. هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ
إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ
يَعْقُوبَ بْنِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الصَّفِّ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي
وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ
أَسْنَانُهُمَا، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا،
فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ، أَتَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ ؟ فَقُلْتُ:
نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ
إِلَيْهِ ؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ، لَا يُفَارِقُ
سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ،
فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي أَيْضًا مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ
نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ يَجُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ أَلَا
تَرَيَانِ ؟ هَذَا صَاحَبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ. فَابْتَدَرَاهُ
بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ ؟
قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ. قَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا
؟ قَالَا: لَا. قَالَ: فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ. وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. وَالْآخَرُ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ: إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، إِذِ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ
يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ، فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ
بِمَكَانِهِمَا، إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ: يَا عَمِّ،
أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ. فَقُلْتُ: يَا ابْنَ أَخِي،
مَا تَصْنَعُ بِهِ ؟
قَالَ: عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ، أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ.
فَقَالَ لِي الْآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ. قَالَ: فَمَا سَرَّنِي
أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا، فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ، فَشَدَّا
عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرْبَاهُ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ ؟ قَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْطَلَقَ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ
ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ قَالَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ. قَالَ: فَقُلْتُ:
أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ ؟ فَقَالَ: وَهُوَ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ. أَوْ قَالَ
قَتَلَهُ قَوْمُهُ.
وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ،
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ: هَلْ أَخْزَاكَ
اللَّهُ ؟ فَقَالَ هَلْ أَعْمَدُ مِنْ
رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ:انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ صَرِيعٌ وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ
وَمَعَهُ سَيْفٌ جَيِّدٌ، وَمَعِي سَيْفٌ رَدِيءٌ، فَجَعَلْتُ أَنْقُفُ رَأْسَهُ
بِسَيْفِي وَأَذْكُرُ نَقْفًا كَانَ يَنْقُفُ رَأْسِي بِمَكَّةَ، حَتَّى ضَعُفَتْ
يَدُهُ، فَأَخَذْتُ سَيْفَهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: عَلَى مَنْ كَانَتِ
الدَّائِرَةُ، لَنَا أَوْ عَلَيْنَا ؟ أَلَسْتَ رُوَيْعِيَنَا بِمَكَّةَ ؟ قَالَ:
فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَلْتُ: قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
؟ فَاسْتَحْلَفَنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَامَ مَعِي إِلَيْهِمْ فَدَعَا
عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: انْتَهَيْتُ إِلَى
أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ ضُرِبَتْ رِجْلُهُ، وَهُوَ يَذُبُّ النَّاسَ
عَنْهُ بِسَيْفٍ لَهُ، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا
عَدُوَّ اللَّهِ، قَالَ: هَلْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ قَتَلَهُ قَوْمُهُ قَالَ:
فَجَعَلْتُ أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرِ طَائِلٍ، فَأَصَبْتُ يَدَهُ،
فَنَدَرَ سَيْفُهُ، فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ حَتَّى قَتَلْتُهُ. قَالَ: ثُمَّ
خَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَأَنَّمَا أُقَلُّ مِنَ الْأَرْضِ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: آللَّهِ
الَّذِي لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ. فَرَدَّدَهَا ثَلَاثًا. قَالَ: قُلْتُ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ. قَالَ: فَخَرَجَ يَمْشِي مَعِي حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدْ أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، هَذَا
كَانَ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ: فَنَفَلَنِي سَيْفَهُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقُلْتُ: قَدْ قَتَلْتُ أَبَا
جَهْلٍ. فَقَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ
الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. قَالَ: فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ
وَحْدَهُ. ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ فَأَرِنِيهِ. فَانْطَلَقْتُ فَأَرَيْتُهُ
فَقَالَ: هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
وَالنَّسَائِيُّ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى مَصْرَعِ ابْنَيْ عَفْرَاءَ فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ ابْنَيْ عَفْرَاءَ،
فَهُمَا شُرَكَاءُ فِي قَتْلِ فِرْعَوْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَرَأْسِ أَئِمَّةِ
الْكُفْرِ. فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ قَتَلَهُ مَعَهُمَا ؟ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ،
وَابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ شَرِكَ فِي قَتْلِهِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ الْأَزْهَرِ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَشِيرُ يَوْمَ بَدْرٍ بِقَتْلِ أَبِي جَهْلٍ،
اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ،
لَقَدْ رَأَيْتَهُ قَتِيلًا ؟ فَحَلَفَ لَهُ، فَخَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا.
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
رَجَاءٍ، عَنِ الشَّعْثَاءِ، امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، حِينَ بُشِّرَ بِالْفَتْحِ وَحِينَ جِيءَ بِرَأْسِ أَبِي
جَهْلٍ
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي شَعْثَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي أَوْفَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى
يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ،
أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي مَرَرْتُ بِبَدْرٍ فَرَأَيْتُ رَجُلًا
يَخْرُجُ
مِنَ الْأَرْضِ،
فَيَضْرِبُهُ رَجُلٌ بِمِقْمَعَةٍ مَعَهُ حَتَّى يَغِيبَ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ
يَخْرُجُ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ مِرَارًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ يُعَذَّبُ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ فِي " مَغَازِيهِ ": سَمِعْتُ أَبِي، ثَنَا
الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا
جَالِسًا فِي بَدْرٍ وَرَجُلٌ يَضْرِبُ رَأْسَهُ بِعَمُودٍ مِنْ حَدِيدٍ، حَتَّى
يَغِيبَ فِي الْأَرْضِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ذَاكَ أَبُو جَهْلٍ، وُكِّلَ بِهِ مَلَكٌ يَفْعَلُ بِهِ كُلَّمَا
خَرَجَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: لَقِيتُ يَوْمَ
بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ مُدَجَّجٌ لَا يُرَى مِنْهُ
إِلَّا عَيْنَاهُ، وَهُوَ يُكَنَّى أَبَا ذَاتِ الْكَرِشِ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو
ذَاتِ الْكَرِشِ. فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِعَنَزَةٍ، فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ
فَمَاتَ. قَالَ هِشَامٌ: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: لَقَدْ وَضَعْتُ
رِجْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ تَمَطَّيْتُ فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ
نَزَعْتُهَا، وَقَدِ
انْثَنَى طَرَفَاهَا. قَالَ عُرْوَةُ: فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ،
فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ،
فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا
عُثْمَانُ مِنْهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ
عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ، فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ
عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ
الْعَاصِ، وَمَرَّ بِهِ: إِنِّي أَرَاكَ كَأَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا، أَرَاكَ
تَظُنُّ أَنِّي قَتَلْتُ أَبَاكَ، إِنِّي لَوْ قَتَلْتُهُ لَمْ أَعْتَذِرْ إِلَيْكَ
مِنْ قَتْلِهِ، وَلَكِنِّي قَتَلْتُ خَالِيَ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، فَأَمَّا أَبُوكَ فَإِنِّي مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ يَبْحَثُ بَحْثَ
الثَّوْرِ بِرَوْقِهِ، فَحِدْتُ عَنْهُ، وَقَصَدَ لَهُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيٌّ
فَقَتَلَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَاتَلَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ
الْأَسَدِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِهِ حَتَّى
انْقَطَعَ فِي يَدِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَعْطَاهُ جِذْلًا مِنْ حَطَبٍ فَقَالَ: قَاتِلْ بِهَذَا يَا عُكَّاشَةُ.
فَلَمَّا أَخَذَهُ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَزَّهُ، فَعَادَ سَيْفًا فِي يَدِهِ طَوِيلَ
الْقَامَةِ، شَدِيدَ الْمَتْنِ، أَبْيَضَ الْحَدِيدَةِ، فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّى
فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ السَّيْفُ يُسَمَّى "
الْعَوْنَ "، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ الْمَشَاهِدَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ
الْأَسَدِيُّ أَيَّامَ الرِّدَّةِ، وَأَنْشَدَ طُلَيْحَةُ فِي ذَلِكَ قَصِيدَةً،
مِنْهَا قَوْلُهُ
عَشِيَّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا وَعُكَّاشَةَ الْغَنْمِيَّ عِنْدَ
مَجَالِ
وَقَدْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ طُلَيْحَةُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَعُكَّاشَةُ هُوَ الَّذِي قَالَ: حِينَ بَشَّرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِسَبْعِينَ أَلْفًا
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ
يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ. وَهَذَا الْحَدِيثُ
مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: مِنَّا خَيْرُ فَارِسٍ فِي الْعَرَبِ. قَالُوا:
وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ.
فَقَالَ ضِرَارُ بْنُ
الْأَزْوَرِ الْأَسَدِيُّ: ذَاكَ رَجُلٌ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ لَيْسَ
مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُ مِنَّا لِلْحِلْفِ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ
الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَمَّتِهِ قَالَتْ: قَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: انْقَطَعَ سَيْفِي يَوْمَ
بَدْرٍ، فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا،
فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ، فَقَاتَلْتُ بِهِ حَتَّى هَزَمَ اللَّهُ
الْمُشْرِكِينَ. وَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى هَلَكَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
الْحُصَيْنِ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عِدَّةٍ قَالُوا:
انْكَسَرَ سَيْفُ سَلَمَةَ بْنِ حَرِيشٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَقِيَ أَعْزَلَ لَا
سِلَاحَ مَعَهُ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَضِيبًا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ عَرَاجِينِ ابْنِ طَابٍ، فَقَالَ: اضْرِبْ بِهِ
فَإِذَا سَيْفٌ جَيِّدٌ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ جِسْرِ
أَبِي عُبَيْدٍ
رَدُّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ عَيْنَ قَتَادَةَ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ ": أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ
الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو
يَعْلَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
سُلَيْمَانَ، ابْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، أَنَّهُأُصِيبَتْ عَيْنُهُ
يَوْمَ بَدْرٍ، فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَأَرَادُوا أَنْ
يَقْطَعُوهَا، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: لَا. فَدَعَا بِهِ فَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ، فَكَانَ لَا يَدْرِي
أَيَّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ.
وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ، وَأَنْشَدَ مَعَ ذَلِكَ:
أَنَا ابْنُ الَّذِي سَالَتْ عَلَى الْخَدِّ عَيْنُهُ فَرُدَّتْ بِكَفِّ
الْمُصْطَفَى أَيَّمَا رَدِّ
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عِنْدَ ذَلِكَ
مُنْشِدًا قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ،
فَأَنْشَدَهُ عُمَرُ فِي مَوْضِعِهِ: حَقًّا
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ
أَبْوَالًا
فَصْلٌ: قِصَّةٌ أُخْرَى
شَبِيهَةٌ بِهَا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي رِفَاعَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ
رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ:لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَجَمَّعَ النَّاسُ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ
خَلَفٍ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى قِطْعَةٍ مِنْ دِرْعِهِ قَدِ
انْقَطَعَتْ مِنْ تَحْتِ إِبِطِهِ قَالَ: فَطَعَنْتُهُ بِالسَّيْفِ فِيهَا
طَعْنَةً فَقَطَعْتُهُ، وَرُمِيتُ بِسَهْمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَفُقِئَتْ عَيْنِي
فَبَصَقَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لِي،
فَمَا آذَانِي مِنْهَا شَيْءٌ. وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ
حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَنَادَى أَبُو بَكْرٍ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَعَ
الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ، فَقَالَ أَيْنَ مَالِي يَا خَبِيثُ ؟
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
لَمْ يَبْقَ إِلَّا شِكَّةٌ وَيَعْبُوبْ وَصَارِمٌ يَقْتُلُ ضُلَّالَ الشِّيبْ
يَعْنِي لَمْ يَبْقَ إِلَّا عُدَّةُ الْحَرْبِ، وَحِصَانٌ - وَهُوَ الْيَعْبُوبُ -
يُقَاتِلُ عَلَيْهِ شُيُوخَ الضَّلَالَةِ، هَذَا يَقُولُهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ.
وَقَدْ رَوَيْنَا فِي " مَغَازِي الْأُمَوِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَمْشِي يَوْمَ بَدْرٍ هُوَ وَأَبُو
بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَيْنَ الْقَتْلَى، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ
: نُفَلِّقُ هَامًا............... فَيَقُولُ الصِّدِّيقُ:....... مِنْ رِجَالٍ
أَعِزَّةٍ عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا
ذِكْرُ طَرْحِ رُءُوسِ
الْكُفْرِ فِي بِئْرِ بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ:لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْقَتْلَى أَنْ يُطْرَحُوا فِي الْقَلِيبِ، طُرِحُوا فِيهِ إِلَّا
مَا كَانَ مِنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَإِنَّهُ انْتَفَخَ فِي دِرْعِهِ
فَمَلَأَهَا، فَذَهَبُوا لِيُخْرِجُوهُ فَتَزَايَلَ لَحْمُهُ، فَأَقَرُّوهُ
وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مَا غَيَّبَهُ مِنَ التُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ، فَلَمَّا
أَلْقَاهُمْ فِي الْقَلِيبِ وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ،
هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا
وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَتُكَلِّمُ قَوْمًا مَوْتَى ؟! فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَا
وَعَدَهُمْ رَبُّهُمْ حَقٌّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: "
لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْتُ لَهُمْ ". وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ عَلِمُوا "
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَسُولَ اللَّهِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ،
يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا أُمَيَّةَ
بْنَ خَلَفٍ، وَيَا أَبَا جَهْلِ
بْنَ هِشَامٍ - فَعَدَّدَ
مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْقَلِيبِ - هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ
حَقًّا ؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا. فَقَالَ
الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا ؟!
فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا
يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُونِي. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ
أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَهَذَا عَلَى
شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، بِئْسَ
عَشِيرَةُ النَّبِيِّ كُنْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ، كَذَّبْتُمُونِي وَصَدَّقَنِي
النَّاسُ، وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النَّاسُ، وَقَاتَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي
النَّاسُ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ فَإِنِّي قَدْ
وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا.
قُلْتُ: وَهَذَا مِمَّا كَانَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، تَتَأَوَّلُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ - كَمَا قَدْ جُمِعَ مَا كَانَتْ
تَتَأَوَّلُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي جُزْءٍ - وَتَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُعَارِضٌ
لِبَعْضِ الْآيَاتِ، وَهَذَا الْمَقَامُ مِمَّا كَانَتْ تُعَارِضُ فِيهِ قَوْلَهُ:
وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [ فَاطِرٍ: 22 ] وَلَيْسَ هُوَ
بِمُعَارِضٍ لَهُ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ
بَعْدَهُمْ، لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ نَصًّا عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَتْ
إِلَيْهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ ابْنَ
عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ، فَقَالَتْ: وَهِلَ،
رَحِمَهُ اللَّهُ، إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ
لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ. قَالَتْ وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ وَفِيهِ
قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ، قَالَ: إِنَّهُمْ
لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ. وَإِنَّمَا قَالَ: إِنَّهُمُ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ
أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ. ثُمَّ قَرَأَتْ: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ
الْمَوْتَى [ النَّمْلِ: 80 ] وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ
تَقُولُ: حِينَ تَبَوَّءُوا مَقَاعِدَهُمْ فِي النَّارِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهِ. وَقَدْ
جَاءَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ،
كَمَا سَنُقَرِّرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنَ " الْأَحْكَامِ
الْكَبِيرِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، ثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ، فَقَالَ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ
رَبُّكُمْ حَقًّا. ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُمُ الْآنَ يَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ لَهُمْ.
وَذُكِرَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُمُ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي كُنْتُ أَقُولُ
لَهُمْ هُوَ الْحَقُّ. ثُمَّ قَرَأَتْ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى حَتَّى
قَرَأَتِ الْآيَةَ. وَقَدْ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي
كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ
وَكِيعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعَ رَوْحَ
بْنَ عُبَادَةَ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ:
ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ
رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ
خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ
ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، أَمَرَ
بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ
وَقَالُوا: مَا نَرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ. حَتَّى قَامَ عَلَى
شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ
آبَائِهِمْ، يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ: أَيَسُرُّكُمْ
أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا
وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟
فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ
لَهَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ قَالَ
قَتَادَةُ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى
أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ،
تَوْبِيخًا، وَتَصْغِيرًا، وَنِقْمَةً، وَحَسْرَةً، وَنَدَمًا. وَقَدْ أَخْرَجَهُ
بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ.
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ
شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَ أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا طَلْحَةَ، وَهَذَا إِسْنَادٌ
صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ،
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ
قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى جَيَّفُوا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ
عَلَيْهِمْ فَقَالَ: يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ،
يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا
وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا.
قَالَ فَسَمِعَ عُمَرُ صَوْتَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُنَادِيهِمْ
بَعْدَ ثَلَاثٍ ؟ وَهَلْ يَسْمَعُونَ ؟ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّكَ لَا
تُسْمِعُ الْمَوْتَى فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ
لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُوا. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
عَرَفْتُ دِيَارَ
زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ كَخَطِّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ تَدَاوَلُهَا
الرِّيَاحُ وَكُلُّ جَوْنٍ
مِنَ الْوَسْمِيِّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ فَأَمْسَى رَسْمُهَا خَلَقًا وَأَمْسَتْ
يَبَابًا بَعْدَ سَاكِنِهَا الْحَبِيبِ فَدَعْ عَنْكَ التَّذَكُّرَ كُلَّ يَوْمٍ
وَرُدَّ حَرَارَةَ الْقَلْبِ الْكَئِيبِ وَخَبِّرْ بِالَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ
بِصِدْقٍ غَيْرِ إِخْبَارِ الْكَذُوبِ بِمَا صَنَعَ الْمَلِيكُ غَدَاةَ بَدْرٍ
لَنَا فِي الْمُشْرِكِينَ مِنَ النَّصِيبِ غَدَاةَ كَأَنَّ جَمْعَهُمُ حِرَاءٌ
بَدَتْ أَرْكَانُهُ جُنْحَ الْغُرُوبِ فَلَاقَيْنَاهُمُ مِنَّا بِجَمْعٍ
كَأُسْدِ الْغَابِ مُرْدَانٍ وَشِيبِ أَمَامَ مُحَمَّدٍ قَدْ وَازَرُوهُ
عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي لَفْحِ الْحُرُوبِ بِأَيْدِيهِمْ صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ
وَكُلُّ مُجَرَّبٍ خَاظِي الْكُعُوبِ بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفُ وَازَرَتْهَا
بَنُو النَّجَّارِ فِي الدِّينِ الصَّلِيبِ
فَغَادَرْنَا أَبَا
جَهْلٍ صَرِيعًا
وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا فِي رِجَالٍ
ذَوِي حَسَبٍ إِذَا نُسِبُوا حَسِيبِ يُنَادِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا
قَذَفْنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي الْقَلِيبِ أَلَمْ تَجِدُوا كَلَامِيَ كَانَ حَقًّا
وَأَمْرُ اللَّهِ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ فَمَا نَطَقُوا وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا
صَدَقْتَ وَكُنْتَ ذَا رَأْيٍ مُصِيبِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يُلْقَوْا فِي الْقَلِيبِ أُخِذَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَسُحِبَ
فِي الْقَلِيبِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فِيمَا بَلَغَنِي، فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ، فَإِذَا هُوَ
كَئِيبٌ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا حُذَيْفَةَ، لَعَلَّكَ قَدْ
دَخْلَكَ مِنْ شَأْنِ أَبِيكَ شَيْءٌ. أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَكَكْتُ
فِي أَبِي وَلَا فِي مَصْرَعِهِ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَعْرِفُ مِنْ أَبِي رَأْيًا
وَحِلْمًا وَفَضْلًا، فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ ذَلِكَ لِلْإِسْلَامِ،
فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا أَصَابَهُ، وَذَكَرْتُ مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ
بَعْدَ الَّذِي كُنْتُ أَرْجُو لَهُ، أَحْزَنَنِي ذَلِكَ. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرٍ، وَقَالَ لَهُ خَيْرًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا
عَمْرٌو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ
اللَّهِ كُفْرًا قَالَ: هُمْ وَاللَّهِ كُفَّارُ
قُرَيْشٍ قَالَ عَمْرٌو:
هُمْ قُرَيْشٌ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَةُ اللَّهِ،
وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [ إِبْرَاهِيمَ: 28 ] قَالَ: النَّارُ يَوْمَ
بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
قَوْمِي الَّذِينَ هُمُ آوَوْا نَبِيَّهُمُ وَصَدَّقُوهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ
كُفَّارُ
إِلَّا خَصَائِصَ أَقْوَامٍ هُمُ سَلَفٌ لِلصَّالِحِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ
أَنْصَارُ
مُسْتَبْشِرِينَ بِقَسْمِ اللَّهِ قَوْلُهُمُ لَمَّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ
مُخْتَارُ
أَهْلًا وَسَهْلًا فَفِي أَمْنٍ وَفِي سَعَةٍ نِعْمَ النَّبِيُّ وَنِعْمَ
الْقَسْمُ وَالْجَارُ
فَأَنْزَلُوهُ بِدَارٍ لَا يَخَافُ بِهَا مَنْ كَانَ جَارَهُمُ دَارًا هِيَ
الدَّارُ
وَقَاسَمُوهُ بِهَا الْأَمْوَالَ إِذْ قَدِمُوا مُهَاجِرِينَ وَقِسْمُ الْجَاحِدِ
النَّارُ
سِرْنَا وَسَارُوا إِلَى بَدْرٍ لِحَيْنِهِمُ لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الْعِلْمِ
مَا سَارُوا
دَلَّاهُمُ بِغُرُورٍ ثُمَّ أَسْلَمَهُمْ إِنَّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَالَاهُ
غَرَّارُ
وَقَالَ إِنِّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ شَرَّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِزْيُ
وَالْعَارُ
ثُمَّ الْتَقَيْنَا
فَوَلَّوْا عَنْ سَرَاتِهِمُ مِنْ مُنْجِدِينَ وَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ غَارُوا
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ وَعَبْدُ
الرَّزَّاقِ قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَتْلَى، قِيلَ لَهُ: عَلَيْكَ الْعِيرَ،
لَيْسَ دُونَهَا شَيْءٌ. فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ فِي الْوِثَاقِ: إِنَّهُ
لَا يَصْلُحُ لَكَ. قَالَ: لِمَ، قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَكَ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ، وَقَدْ أَنْجَزَ لَكَ مَا وَعَدَكَ.
وَقَدْ كَانَتْ جُمْلَةُ مَنْ قُتِلَ مِنْ سَرَاةِ الْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ
سَبْعِينَ، هَذَا مَعَ حُضُورِ أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَكَانَ قَدَرُ
اللَّهِ السَّابِقُ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، أَنْ سَيُسْلِمَ مِنْهُمْ بَشَرٌ
كَثِيرٌ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ مَلَكًا وَاحِدًا
فَأَهْلَكَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَلَكِنْ قَتَلُوا مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ
بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ كَانَ فِي الْمَلَائِكَةِ جِبْرِيلُ، الَّذِي أَمَرَهُ
اللَّهُ تَعَالَى فَاقْتَلَعَ مَدَائِنَ قَوْمِ لُوطٍ وَكُنَّ سَبْعًا، فِيهِنَّ
مِنَ الْأُمَمِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَرَاضِي وَالْمَزْرُوعَاتِ، وَمَا لَا
يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، فَرَفَعَهُنَّ حَتَّى بَلَغَ بِهِنَّ عَنَانَ
السَّمَاءِ عَلَى طَرَفِ جَنَاحِهِ ثُمَّ قَلَبَهُنَّ مُنَكَّسَاتٍ،
وَأَتْبَعَهُنَّ بِالْحِجَارَةِ الَّتِي سُوِّمَتْ لَهُمْ، كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ
فِي قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ
جِهَادَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْكَافِرِينَ، وَبَيَّنَ تَعَالَى حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ
فَقَالَ: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا
أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ
مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ الْآيَةَ [ مُحَمَّدٍ: 4 ].
وَقَالَ تَعَالَى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ
وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ
قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ الْآيَةَ [ التَّوْبَةِ: 15، 14
]. فَكَانَ قَتْلُ أَبِي جَهْلٍ عَلَى يَدَيْ شَابٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ
بَعْدَ ذَلِكَ يُوقَفُ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَيُمْسِكُ
بِلِحْيَتِهِ وَيَصْعَدُ عَلَى صَدْرِهِ حَتَّى قَالَ لَهُ: لَقَدِ ارْتَقَيْتَ
مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِيَ الْغَنَمِ. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا حَزَّ رَأْسَهُ
وَاحْتَمَلَهُ حَتَّى وَضْعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ، فَشَفَى اللَّهُ بِهِ
قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، كَانَ هَذَا أَبْلَغَ مِنْ أَنْ تَأْتِيَهُ صَاعِقَةٌ،
أَوْ أَنْ يَسْقُطَ عَلَيْهِ سَقْفُ مَنْزِلِهِ، أَوْ يَمُوتَ حَتْفَ أَنْفِهِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيمَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ
مِمَّنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ تَقِيَّةً مِنْهُمْ،
لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مُضْطَهَدًا قَدْ فَتَنُوهُ عَنْ إِسْلَامِهِ، جَمَاعَةً،
مِنْهُمُ الْحَارِثُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ
الْفَاكِهِ وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ
أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ،
وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ. قَالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [ النِّسَاءِ: 97 ]. وَكَانَ جُمْلَةُ الْأُسَارَى يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ أَسِيرًا، كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مِنْهُمْ مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَمُّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَابْنُ عَمِّهِ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَعَارَضُوا بِهِ حَدِيثَ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ سَمُرَةَ فِي ذَلِكَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ أُمَيَّةَ، زَوْجُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَصْلٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي الْأُسَارَى، أَيُقْتَلُونَ أَوْ يُفَادَوْنَ
عَلَى قَوْلَيْنِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
عَاصِمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَ رَجُلًا، عَنِ الْحَسَنِ
قَالَ:اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فِي
الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ
أَمْكَنَكُمْ مِنْهُمْ. قَالَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ. قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَيَّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمْكَنَكُمْ
مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا هُمْ إِخْوَانُكُمْ بِالْأَمْسِ. قَالَ فَقَامَعُمَرُ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَادَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِلنَّاسِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَ أَبُو
بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُمْ
وَأَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ. قَالَ فَذَهَبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ
الْغَمِّ، فَعَفَا
عَنْهُمْ وَقَبِلَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ إِلَى آخِرِ
الْآيَةِ [ الْأَنْفَالِ: 68 ]. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ - وَاللَّفْظُ لَهُ - وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ وَكَذَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ،
وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ
الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَيِّفٌ، وَنَظَرَ
إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ وَزِيَادَةٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
كَمَا تَقَدَّمَ إِلَى قَوْلِهِ: فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، وَأُسِرَ
مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا وَعُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، هَؤُلَاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالْإِخْوَانُ، وَإِنِّي أَرَى
أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةَ، فَيَكُونَ مَا أَخَذْنَاهُ قُوَّةً لَنَا
عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى أَنْ يَهْدِيَهُمُ اللَّهُ، فَيَكُونُوا لَنَا
عَضُدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَرَى
يَا بْنَ الْخَطَّابِ ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو
بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ - قَرِيبٍ لِعُمَرَ -
فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتَمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ،
وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلَانٍ أَخِيهِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، حَتَّى يَعْلَمَ
اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ، وَهَؤُلَاءِ
صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ. فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ،
وَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ عُمَرُ:
فَغَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ
وَأَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِذَا هُمَا يَبْكِيَانِ، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ
وَجَدْتُ بُكَاءً بِكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ
لِبُكَائِكُمَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، قَدْ عُرِضَ
عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ -
وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ
الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ
لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ مِنَ الْفِدَاءِ، ثُمَّ أَحَلَّ لَهُمُ
الْغَنَائِمَ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ:لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى ؟ قَالَ: فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ، اسْتَبْقِهِمْ
وَاسْتَأْنِ بِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَقَالَ
عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْرَجُوكَ وَكَذَّبُوكَ، قَرِّبْهُمْ فَاضْرِبْ
أَعْنَاقَهُمْ. قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، انْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ ثُمَّ
أَضْرِمْهُ
عَلَيْهِمْ نَارًا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: قَطَعْتَ رَحِمَكَ. قَالَ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ. وَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللَّبَنِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيَشُدُّ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَمَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ عِيسَى، قَالَ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ، قَالَ: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ مُوسَى، قَالَ: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ أَنْتُمْ عَالَةٌ، فَلَا يَنْفَلِتَنَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ
الْإِسْلَامَ. قَالَ
فَسَكَتَ. قَالَ فَمَا رَأَيْتُنِي فِي يَوْمٍ أَخْوَفَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ
حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، حَتَّى قَالَ: " إِلَّا
سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ " قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ
أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ
الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا
كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ. وَهَكَذَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ
الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ
مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبٍ الْأَنْصَارِيُّ بِنَحْوِهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ "
مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا
أُسِرَ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ أُسِرَ الْعَبَّاسُ فِيمَنْ أُسِرَ، أَسَرَهُ
رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: وَقَدْ أَوْعَدَتْهُ الْأَنْصَارُ أَنْ
يَقْتُلُوهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَنَمِ اللَّيْلَةَ مِنْ أَجْلِ عَمِّي الْعَبَّاسِ، وَقَدْ
زَعَمَتِ الْأَنْصَارُ أَنَّهُمْ قَاتِلُوهُ.
قَالَ عُمَرُ:
أَفَآتِيهِمْ ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَتَى عُمَرُ الْأَنْصَارَ، فَقَالَ لَهُمْ:
أَرْسِلُوا الْعَبَّاسَ. فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نُرْسِلُهُ. فَقَالَ
لَهُمْ عُمَرُ: فَإِنْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ رِضًى ؟ قَالُوا: فَإِنْ كَانَ
لَهُ رِضًى فَخُذْهُ. فَأَخَذَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا صَارَ فِي يَدِهِ قَالَ لَهُ
عُمَرُ: يَا عَبَّاسُ، أَسْلِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ تُسْلِمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
أَنْ يُسْلِمَ الْخَطَّابُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
يُعْجِبُهُ إِسْلَامُكَ. قَالَ وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَشِيرَتُكَ،
فَأَرْسِلْهُمْ. وَاسْتَشَارَ عُمَرَ، فَقَالَ: اقْتُلْهُمْ، فَفَادَاهُمْ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: مَا كَانَ
لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ.
ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ
" مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ خَيِّرْ أَصْحَابَكَ
فِي الْأُسَارَى، إِنْ شَاءُوا الْفِدَاءَ وَإِنْ شَاءُوا الْقَتْلَ، عَلَى أَنْ
يُقْتَلَ عَامًا قَابِلًا مِنْهُمْ مِثْلُهُمْ. قَالُوا: الْفِدَاءُ وَيُقْتَلُ
مِنَّا. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ مُرْسَلًا، عَنْ
عُبَيْدَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ
إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
قَوْلِهِ: لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ يَقُولُ: لَوْلَا أَنِّي لَا أُعَذِّبُ مَنْ عَصَانِي حَتَّى
أَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ، لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. وَهَكَذَا
رُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ
إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: سَبَقَ مِنْهُ أَنْ لَا يُعَذِّبَ أَحَدًا شَهِدَ بَدْرًا.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ،
وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ: لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ أَيْ:
لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ.
وَقَالَ الْوَالِبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَبَقَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ
الْأَوَّلِ، أَنَّ الْمَغَانِمَ وَفِدَاءَ الْأُسَارَى حَلَالٌ لَكُمْ، وَلِهَذَا
قَالَ بَعْدَهُ: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا [ الْأَنْفَالِ: 69
]. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ،
وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالْأَعْمَشِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَدْ
تَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلُ بِمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ
قَبْلِي، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ
مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ
قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ،
وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً.
وَرَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِسُودِ الرُّءُوسِ
غَيْرِنَا. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا
فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَكْلِ الْغَنَائِمِ، وَفِدَاءِ الْأُسَارَى.
وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ
الْعَيْشِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي
الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ
يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَمِائَةٍ. وَهَذَا كَانَ أَقَلَّ مَا فُودِيَ بِهِ أَحَدٌ
مِنْهُمْ مِنَ الْمَالِ، وَأَكْثَرُ مَا فُودِيَ بِهِ الرَّجُلُ مِنْهُمْ
أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ.
وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ
مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِالْخَلَفِ عَمَّا أُخِذَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي
أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا
يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ الْآيَةَ [
الْأَنْفَالِ: 70 ]. وَقَالَ الْوَالِبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي
الْعَبَّاسِ، فَفَادَى نَفْسَهُ بِالْأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ
الْعَبَّاسُ: فَآتَانِي اللَّهُ أَرْبَعِينَ عَبْدًا - يَعْنِي كُلُّهُمْ
يَتَّجِرُ لَهُ - قَالَ: وَأَنَا أَرْجُو الْمَغْفِرَةَ الَّتِي وَعَدَنَا اللَّهُ
جَلَّ ثَنَاؤُهُ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَمْسَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْأُسَارَى
مَحْبُوسُونَ بِالْوِثَاقِ بَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَاهِرًا أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: مَا لَكَ لَا تَنَامُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَنِينَ عَمِّي الْعَبَّاسِ فِي وَثَاقِهِ.
فَأَطْلَقُوهُ، فَسَكَتَ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَجُلًا مُوسِرًا فَفَادَى نَفْسَهُ بِمِائَةِ
أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ الْمِائَةُ كَانَتْ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنِ ابْنَيْ أَخَوَيْهِ
عَقِيلٍ وَنَوْفَلٍ، وَعَنْ حَلِيفِهِ عُتْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، كَمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا ظَاهِرُكَ فَكَانَ عَلَيْنَا،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِسْلَامِكَ وَسَيَجْزِيكَ، فَادَّعَى أَنَّهُ لَا مَالَ
عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتَهُ أَنْتَ وَأُمُّ الْفَضْلِ،
وَقُلْتَ لَهَا: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي فَهَذَا لِبَنِيَّ، الْفَضْلِ وَعَبْدِ
اللَّهِ وَقُثَمَ ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ
اللَّهِ، إِنَّ هَذَا شَيْءٌ مَا عَلِمَهُ إِلَّا أَنَا وَأُمُّ الْفَضْلِ.
رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ
رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا
الْعَبَّاسِ فَدَاءَهُ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا تَذَرُوَنَ مِنْهُ دِرْهَمًا.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ: انْثُرُوهُ فِي
الْمَسْجِدِ. فَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَعْطِنِي، إِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا. فَقَالَ: خُذْ.
فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: مُرْ
بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ. قَالَ: لَا. قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ.
قَالَ: لَا. فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ.
فَقَالَ: مُرْ بَعْضَهُمْ
يَرْفَعْهُ إِلَيَّ. قَالَ: لَا. قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ قَالَ: لَا.
فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ
يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا، عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: كَانَ فِدَاءُ
الْعَبَّاسِ وَابْنَيْ أَخَوَيْهِ، عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَنَوْفَلِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كُلُّ رَجُلٍ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ،
ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعَالَى الْآخَرِينَ، فَقَالَ: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ
فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ [ الْأَنْفَالِ: 71 ]
فَصْلٌ
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ كَانُوا سَبْعِينَ، وَالْقَتْلَى
مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ، كَمَا وَرَدَ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ مِمَّا
تَقَدَّمَ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّهُمْ قَتَلُوا يَوْمَ
بَدْرٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
قُرَيْشٍ سِتَّةٌ، وَمِنَ الْأَنْصَارِ ثَمَانِيَةٌ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ. هَكَذَا
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ. قَالَ: وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ
أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فِي عَدَدِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَحَدَ
عَشَرَ رَجُلًا، أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَسَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ،
وَقُتِلَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ بِضْعَةٌ
وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَسِيرًا، وَكَانَتِ
الْقَتْلَى مِثْلَ ذَلِكَ.
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ، عَنِ
اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ،
وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ زِيَادَةٌ عَلَى سَبْعِينَ، وَأُسِرَ
مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ
يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ، عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيمَا رُوِّينَاهُ فِي عَدَدِ مَنْ
قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأُسِرَ مِنْهُمْ. ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ
بِمَا سَاقَهُ هُوَ وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ،
فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ
أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، سَبْعِينَ أَسِيرًا، وَسَبْعِينَ قَتِيلًا.
قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ
أَنَّ جُمْلَةَ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى
الْأَلْفِ، وَقَدْ صَرَّحَ قَتَادَةُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ
وَخَمْسِينَ رَجُلًا، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ، أَنَّهُمْ كَانُوا زِيَادَةً
عَلَى الْأَلْفِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
الْقَوْمُ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ. وَأَمَّا الصَّحَابَةُ
يَوْمَئِذٍ فَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، كَمَا سَيَأْتِي
التَّنْصِيصُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى أَسْمَائِهِمْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ،
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ
وَقْعَةَ بَدْرٍ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ
رَمَضَانَ. وَقَالَهُ أَيْضًا، عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَتَادَةُ
وَإِسْمَاعِيلُ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي
لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: تَحَرُّوهَا لِإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِينَ، فَإِنَّ
صَبِيحَتَهَا يَوْمُ بَدْرٍ..
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ:
لَيْلَةُ تِسْعَ
عَشْرَةَ. مَا شَكَّ وَقَالَ: يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّ ذَلِكَ
لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ،
ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ
طَلْحَةَ يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ
فَقَالَ: إِمَّا لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ، أَوْ
لِإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ، وَإِمَّا لِسَبْعَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ. وَهَذَا
غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ قُبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ
اللَّيْثِيِّ، مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادِهِمْ إِلَيْهِ،
أَنَّهُ شَهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَذَكَرَ هَزِيمَتَهُمْ مَعَ
قِلَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
وَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرَّ
مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ، وَاللَّهِ لَوْ خَرَجَتْ نِسَاءُ قُرَيْشٍ
بِأَكَمَتِهَا، رَدَّتْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ
الْخَنْدَقِ، قُلْتُ: لَوْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَنَظَرْتُ إِلَى مَا يَقُولُ
مُحَمَّدٌ، وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسَيَ الْإِسْلَامُ. قَالَ:
فَقَدِمْتُهَا، فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ الْمَسْجِدِ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا لَا أَعْرِفُهُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ فَقَالَ: " يَا قُبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ، أَنْتَ الْقَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرَّ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ ؟ فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَى أَحَدٍ قَطُّ، وَلَا تَرَمْرَمْتُ بِهِ إِلَّا شَيْئًا حَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي، فَلَوْلَا أَنَّكَ نَبِيٌّ مَا أَطْلَعَكَ اللَّهُ عَلَيْهِ، هَلُمَّ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمْتُ.
فَصْلٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْمَغَانِمِ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، لِمَنْ تَكُونُ مِنْهُمْ، وَكَانُوا ثَلَاثَةَ
أَصْنَافٍ حِينَ وَلَّى الْمُشْرِكُونَ، فَفِرْقَةٌ أَحْدَقَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَحْرُسُهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَرْجِعَ أَحَدٌ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهِ، وَفِرْقَةٌ سَاقَتْ وَرَاءَ الْمُشْرِكِينَ
يَقْتُلُونَ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُونَ، وَفِرْقَةٌ جَمَعَتِ الْمَغَانِمَ مِنْ
مُتَفَرِّقَاتِ الْأَمَاكِنِ، فَادَّعَى كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ
أَحَقُّ بِالْمَغْنَمِ مِنَ الْآخَرَيْنِ، لِمَا صَنَعَ مِنَ الْأَمْرِ
الْمُهِمِّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ
وَغَيْرُهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الْأَنْفَالِ،
فَقَالَ فِينَا أَصْحَابَ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ
وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا، فَجَعَلَهُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ، يَقُولُ: عَنْ سَوَاءٍ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: عَلَى السَّوَاءِ. أَيْ سَاوَى فِيهَا بَيْنَ الَّذِينَ
جَمَعُوهَا، وَبَيْنَ
الَّذِينَ اتَّبَعُوا
الْعَدُوَّ، وَبَيْنَ الَّذِينَ ثَبَتُوا تَحْتَ الرَّايَاتِ، لَمْ يُخَصِّصْ
بِهَا فَرِيقًا مِنْهُمْ مِمَّنِ ادَّعَى التَّخْصِيصَ بِهَا، وَلَا يَنْفِي هَذَا
تَخْمِيسَهَا وَصَرْفَ الْخُمُسِ فِي مَوَاضِعِهِ، كَمَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَلْ قَدْ تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ
ذَا الْفَقَارِ مِنْ مَغَانِمِ بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكَذَا اصْطَفَى جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ، كَانَ فِي
أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ. وَهَذَا قَبْلَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ أَيْضًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي
سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْنَا
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا،
فَالْتَقَى النَّاسُ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ فِي
آثَارِهِمْ يَهْزِمُونَ وَيَقْتُلُونَ، وَأَكَبَّتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَسْكَرِ
يَحْوُونَهُ
وَيَجْمَعُونَهُ،
وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا
يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ، وَفَاءَ
النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ: نَحْنُ
حَوَيْنَاهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا نَصِيبٌ. وَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي
طَلَبِ الْعَدُوِّ: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا، نَحْنُ نَفَيْنَا مِنْهَا
الْعَدُوَّ وَهَزَمْنَاهُمْ. وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خِفْنَا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ
غِرَّةً، فَاشْتَغَلْنَا بِهِ فَنَزَلَتْ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ
الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ
بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [
الْأَنْفَالِ: 1 ]. فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَلَى فُوَاقٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَغَارَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ نَفَّلَ
الرُّبُعَ، فَإِذَا أَقْبَلَ رَاجِعًا نَفَّلَ الثُّلُثَ، وَكَانَ يَكْرَهُ
الْأَنْفَالَ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ.... آخِرَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ "،
وَالْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا. فَتَسَارَعَ فِي ذَلِكَ شُبَّانُ الرِّجَالِ، وَبَقِيَ الشُّيُوخُ تَحْتَ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْغَنَائِمُ جَاءُوا يَطْلُبُونَ الَّذِي جُعِلَ لَهُمْ، فَقَالَ الشُّيُوخُ: لَا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْنَا، فَإِنَّا كُنَّا رَدْءًا لَكُمْ، وَلَوِ انْكَشَفْتُمْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا، فَتَنَازَعُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ آثَارًا أُخَرَ يَطُولُ بَسْطُهَا هَاهُنَا، وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ الْأَنْفَالَ مَرْجِعُهَا إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، يَحْكُمَانِ فِيهَا بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِلْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ، وَمَا كَانَ مِنَ الْأَمْرِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ الْآيَةَ [ الْأَنْفَالِ: 41 ]. فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُبَيِّنَةٌ لِحُكْمِ اللَّهِ فِي الْأَنْفَالِ، الَّذِي جَعَلَ مَرَدَّهُ إِلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيَّنَهُ تَعَالَى، وَحَكَمَ فِيهَا بِمَا أَرَادَ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ زَعَمَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ عَلَى السَّوَاءِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَمْ يُخَمِّسْهَا، ثُمَّ نَزَلَ بَيَانُ الْخُمُسِ بَعْدَ ذَلِكَ نَاسِخًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَهَكَذَا رَوَى الْوَالِبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ سِيَاقَ الْآيَاتِ قَبْلَ آيَةِ الْخُمُسِ وَبَعْدَهَا، كُلُّهَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، فَيَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ جُمْلَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ غَيْرِ مُتَفَاصِلٍ بِتَأَخُّرٍ يَقْتَضِي نَسْخَ بَعْضِهِ بَعْضًا، ثُمَّ فِي " الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ شَارِفَيْهِ اللَّذَيْنِ اجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا حَمْزَةُ: إِنَّ إِحْدَاهُمَا كَانَتْ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَ بَدْرٍ. مَا يَرُدُّ صَرِيحًا عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ لَمْ تُخَمَّسْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَلْ خُمِّسَتْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَابْنِ جَرِيرٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ الرَّاجِحُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي رُجُوعِهِ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَمَا كَانَ مِنَ
الْأُمُورِ فِي مَسِيرِهِ إِلَيْهَا مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَقْعَةَ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ السَّابِعَ عَشَرَ
مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى
قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَدْ أَقَامَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، بِعَرْصَةِ بَدْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ
رَحِيلُهُ مِنْهَا لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ، فَرَكِبَ نَاقَتَهُ وَوَقَفَ عَلَى
قَلِيبِ بَدْرٍ، فَقَرَّعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ سُحِبُوا إِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ
ذِكْرُهُ، ثُمَّ سَارَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَعَهُ الْأُسَارَى
وَالْغَنَائِمُ الْكَثِيرَةُ، وَقَدْ بَعَثَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
بَيْنَ يَدَيْهِ بَشِيرَيْنِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِالْفَتْحِ وَالنَّصْرِ
وَالظَّفَرِ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَجَحَدَهُ وَبِهِ كَفَرَ، أَحَدُهُمَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِلَى أَعَالِي الْمَدِينَةِ، وَالثَّانِي زَيْدُ
بْنُ حَارِثَةَ إِلَى السَّافِلَةِ. قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَأَتَانَا
الْخَبَرُ حِينَ سَوَّيْنَا التُّرَابَ عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ زَوْجُهَا
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدِ احْتَبَسَ عِنْدَهَا يُمَرِّضُهَا بِأَمْرِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ فِي بَدْرٍ. قَالَ أُسَامَةُ: فَلَمَّا قَدِمَ أَبِي زَيْدُ
بْنُ حَارِثَةَ جِئْتُهُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلَّى، وَقَدْ غَشِيَهُ النَّاسُ،
وَهُوَ يَقُولُ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ،
وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو
الْبَخْتَرِيِّ الْعَاصُ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهٌ
وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتِ، أَحَقٌّ هَذَا ؟
قَالَ: إِي وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّفَ عُثْمَانَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى
بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ زَيْدُ بْنُ
حَارِثَةَ عَلَى الْعَضْبَاءِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْبِشَارَةِ، قَالَ أُسَامَةُ: فَسَمِعْتُ الْهَيْعَةَ، فَخَرَجْتُ
فَإِذَا زَيْدٌ قَدْ جَاءَ بِالْبِشَارَةِ، فَوَاللَّهِ مَا صَدَّقْتُ حَتَّى
رَأَيْنَا الْأُسَارَى، وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ بِسَهْمِهِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ:صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرْجِعَهُ مِنْ بَدْرٍ الْعَصْرَ بِالْأُثَيْلِ، فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً
تَبَسَّمَ، فَسُئِلَ عَنْ تَبَسُّمِهِ، فَقَالَ: مَرَّ بِي مِيكَائِيلُ وَعَلَى
جَنَاحِهِ النَّقْعُ، فَتَبَسَّمَ إِلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ فِي طَلَبِ
الْقَوْمِ. وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ، عَلَى
فَرَسٍ أُنْثَى مَعْقُودِ
النَّاصِيَةِ، قَدْ
عَصَمَ ثَنِيَّتَهُ الْغُبَارُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبِّي بَعَثَنِي
إِلَيْكَ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُفَارِقَكَ حَتَّى تَرْضَى، هَلْ رَضِيتَ ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالُوا: وَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ مِنَ
الْأُثَيْلِ، فَجَاءَا يَوْمَ الْأَحَدِ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى، وَفَارَقَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مِنَ الْعَقِيقِ، فَجَعَلَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يُنَادِي عَلَى رَاحِلَتِهِ: يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ، أَبْشِرُوا بِسَلَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْرِهِمْ، قُتِلَ ابْنَا رَبِيعَةَ،
وَابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَقُتِلَ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأُمَيَّةُ
بْنُ خَلَفٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ:
فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَنَحَوْتُهُ فَقُلْتُ: أَحَقًّا مَا تَقُولُ يَا بْنَ
رَوَاحَةَ ؟ فَقَالَ إِي وَاللَّهِ، وَغَدًا يَقْدَمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَسْرَى مُقَرَّنِينَ. ثُمَّ تَتَبَّعَ دُورَ
الْأَنْصَارِ بِالْعَالِيَةِ يُبَشِّرُهُمْ دَارًا دَارًا، وَالصِّبْيَانُ
يَشْتَدُّونَ مَعَهُ يَقُولُونَ: قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ الْفَاسِقُ. حَتَّى إِذَا
انْتَهَى إِلَى دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى
نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَصْوَاءِ،
يُبَشِّرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُصَلَّى صَاحَ عَلَى
رَاحِلَتِهِ: قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجَّاجِ،
وَقُتِلَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ،
وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ذُو الْأَنْيَابِ،
فِي أَسْرَى كَثِيرٍ. فَجَعَلَ بَعْضُ
النَّاسِ لَا
يُصَدِّقُونَ زَيْدًا، وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إِلَّا
فَلًّا. حَتَّى غَاظَ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ وَخَافُوا، وَقَدِمَ زَيْدٌ حِينَ
سَوَّيْنَا عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ التُّرَابَ بِالْبَقِيعِ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ
لِأُسَامَةَ: قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَمَنْ مَعَهُ. وَقَالَ آخَرُ لَأَبِي لُبَابَةَ:
قَدْ تَفَرَّقَ أَصْحَابُكُمْ تَفَرُّقًا لَا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ أَبَدًا، وَقَدْ
قُتِلَ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ، وَقُتِلَ مُحَمَّدٌ، وَهَذِهِ نَاقَتُهُ
نَعْرِفُهَا، وَهَذَا زَيْدٌ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ مِنَ الرُّعْبِ، وَجَاءَ
فَلًّا. فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يُكَذِّبُ اللَّهُ قَوْلَكَ. وَقَالَتِ
الْيَهُودُ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إِلَّا فَلًّا. قَالَ أُسَامَةُ: فَجِئْتُ حَتَّى
خَلَوْتُ بِأَبِي، فَقُلْتُ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ ؟ فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ حَقٌّ
مَا أَقُولُ يَا بُنَيَّ. فَقَوِيَتْ نَفْسِي وَرَجَعْتُ إِلَى ذَلِكَ
الْمُنَافِقِ، فَقُلْتُ: أَنْتَ الْمُرْجِفُ بِرَسُولِ اللَّهِ
وَبِالْمُسْلِمِينَ، لَنُقَدِّمَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ إِذَا قَدِمَ،
فَلَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنَ
النَّاسِ يَقُولُونَهُ. قَالَ فَجِيءَ بِالْأَسْرَى، وَعَلَيْهِمْ شُقْرَانُ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ
مَعَهُمْ بَدْرًا، وَهُمْ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، الَّذِينَ أُحْصُوا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهُمْ سَبْعُونَ فِي الْأَصْلِ، مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ، لَا
شَكَّ فِيهِ. قَالَ: وَلَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى الرَّوْحَاءِ رُءُوسُ النَّاسِ يُهَنِّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ
عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْفَرَكَ، وَأَقَرَّ عَيْنَكَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، مَا كَانَ تَخَلُّفِي عَنْ بَدْرٍ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّكَ تَلْقَى
عَدُوًّا، وَلَكِنْ
ظَنَنْتُ أَنَّهَا عِيرٌ،
وَلَوْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ عَدُوٌّ مَا تَخَلَّفْتُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقْتَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ الْأُسَارَى وَفِيهِمْ عُقْبَةُ
بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقَدْ جَعَلَ عَلَى النَّفْلِ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، فَقَالَ رَاجِزٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يُقَالُ إِنَّهُ هُوَ عَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ -:
أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ لَيْسَ بِذِي الطَّلْحِ لَهَا مُعَرَّسُ
وَلَا بِصَحْرَاءِ غُمَيْرٍ مَحْبِسُ
إِنَّ مَطَايَا الْقَوْمِ لَا تُحَبَّسُ فَحَمْلُهَا عَلَى الطَّرِيقِ أَكْيَسُ
قَدْ نَصَرَ اللَّهُ وَفَرَّ الْأَخْنَسُ
قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
إِذَا خَرَجَ مِنْ مَضِيقِ الصَّفْرَاءِ نَزَلَ عَلَى
كَثِيبٍ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَبَيْنَ النَّازِيَّةِ، يُقَالُ لَهُ: سَيَرٌ. إِلَى سَرْحَةٍ بِهِ، فَقَسَمَ هُنَالِكَ النَّفَلَ الَّذِي أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى السَّوَاءِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ يُهَنِّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، كَمَا حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: مَا الَّذِي تُهَنِّئُونَنَا بِهِ ؟ وَاللَّهِ إِنْ لَقِينَا إِلَّا عَجَائِزَ صُلْعًا كَالْبُدْنِ الْمُعَقَّلَةِ فَنَحَرْنَاهَا. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَيِ ابْنَ أَخِي، أُولَئِكَ الْمَلَأُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي الْأَشْرَافَ وَالرُّؤَسَاءَ.
مَقْتَلُ النَّضْرِ بْنِ
الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، لَعَنَهُمَا اللَّهُ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ قُتِلَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، قَتَلَهُ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ
أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعِرْقِ الظُّبْيَةِ قَتَلَ
عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:فَقَالَ عُقْبَةُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ: فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ ؟
قَالَ: النَّارُ. وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي
الْأَقْلَحِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَكَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
فِي " مَغَازِيهِ "، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلْ مِنَ الْأُسَارَى أَسِيرًا غَيْرَهُ. قَالَ: وَلَمَّا
أَقْبَلَ إِلَيْهِ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، عَلَامَ
أُقْتَلُ مِنْ بَيْنِ مَنْ هَاهُنَا ؟ قَالَ: عَلَى عَدَاوَتِكَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ عُقْبَةَ، قَالَ: أَتَقْتُلُنِي يَا
مُحَمَّدُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ ! أَتَدْرُونَ مَا صَنَعَ هَذَا بِي
؟ جَاءَ وَأَنَا سَاجِدٌ خَلْفَ الْمَقَامِ فَوَضَعَ رَجْلَهُ عَلَى عُنُقِي
وَغَمَزَهَا، فَمَا رَفَعَهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ عَيْنَيَّ سَتَنْدُرَانِ،
وَجَاءَ مَرَّةً أُخْرَى بِسَلَى شَاةٍ فَأَلْقَاهُ عَلَى رَأْسِي وَأَنَا
سَاجِدٌ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَغَسَلَتْهُ عَنْ رَأْسِي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَيُقَالُ: بَلْ قَتَلَ عُقْبَةَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فِيمَا ذَكَرَهُ
الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قُلْتُ: كَانَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَكْثَرِهِمْ
كُفْرًا، وَعِنَادًا، وَبَغْيًا، وَحَسَدًا، وَهِجَاءً لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ،
لَعَنَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ فَعَلَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَالَتْ قُتَيْلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، أُخْتُ النَّضْرِ
بْنِ الْحَارِثِ فِي مَقْتَلِ أَخِيهَا:
يَا رَاكِبًا إِنَّ الْأُثَيْلَ مَظِنَّةٌ مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ
مُوَفَّقُ أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنَّ تَحِيَّةً
مَا إِنْ تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تَخْفِقُ مِنِّي إِلَيْكَ وَعَبْرَةً
مَسْفُوحَةً
جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ
هَلْ يَسْمَعَنَّ
النَّضْرُ إِنْ نَادَيْتُهُ
أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ لَا يَنْطِقُ أَمُحَمَّدٌ يَا خَيْرَ ضِنْءِ
كَرِيمَةٍ
مِنْ قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ
وَرُبَّمَا
مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ
فَلَيُنْفَقَنْ
بِأَعَزِّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ وَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْتَ
قَرَابَةً
وَأَحَقُّهُمْ إِنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ
تَنُوشُهُ
لِلَّهِ أَرْحَامٌ هُنَالِكَ تُشْقَقُ صَبْرًا يُقَادُ إِلَى الْمَنِيَّةِ
مُتْعَبًا
رَسْفَ الْمُقَيَّدِ وَهْوَ عَانٍ مُوثَقُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الشِّعْرُ قَالَ: لَوْ
بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ تَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَبُو هِنْدٍ مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو
الْبَيَاضِيُّ حَجَّامُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَعَهُ زِقٌّ
مَمْلُوءٌ حَيْسًا وَهُوَ التَّمْرُ وَالسَّوِيقُ بِالسَّمْنِ - هَدِيَّةً
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ مِنْهُ، وَوَصَّى
بِهِ الْأَنْصَارَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ
الْأُسَارَى بِيَوْمٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ
الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَقْبَلَ
بِالْأُسَارَى فَرَّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِهِمْ
خَيْرًا. قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ أَخُو مُصْعَبِ
بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، فِي الْأُسَارَى، قَالَ أَبُو عَزِيزٍ: مَرَّ
بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي،
فَقَالَ: شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ، فَإِنَّ أُمَّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ لَعَلَّهَا
تَفْدِيهِ مِنْكَ. قَالَ أَبُو عَزِيزٍ: فَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنَ الْأَنْصَارِ
حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ
وَعَشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ، لِوَصِيَّةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِنَا، مَا تَقَعُ فِي يَدِ
رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إِلَّا نَفَحَنِي بِهَا، فَأَسْتَحِي
فَأَرُدُّهَا فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ هَذَا صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ
بِبَدْرٍ بَعْدَ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَلَمَّا قَالَ أَخُوهُ مُصْعَبٌ
لِأَبِي الْيُسْرِ، وَهُوَ الَّذِي أَسَرَهُ، مَا قَالَ، قَالَ لَهُ أَبُو
عَزِيزٍ: يَا أَخِي، هَذِهِ وِصَايَتُكَ بِي ؟ فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: إِنَّهُ
أَخِي دُونَكَ. فَسَأَلَتْ أُمُّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيٌّ،
فَقِيلَ لَهَا: أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. فَبَعَثَتْ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ
دِرْهَمٍ فَفَدَتْهُ بِهَا.
قُلْتُ: وَأَبُو عَزِيزٍ
هَذَا اسْمُهُ زُرَارَةُ، فِيمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " غَابَةِ
الصَّحَابَةِ "، وَعَدَّهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ فِي أَسْمَاءِ
الصَّحَابَةِ. وَكَانَ أَخَا مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبَوَيْهِ، وَكَانَ
لَهُمَا أَخٌ آخَرُ لِأَبَوَيْهِمَا، وَهُوَ أَبُو الرُّومِ بْنُ عُمَيْرٍ، وَقَدْ
غَلِطَ مَنْ جَعَلَهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرًا، ذَاكَ أَبُو عَزَّةَ، كَمَا
سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ
يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ،
قَالَ: قُدِمَ بِالْأُسَارَى حِينَ قُدِمَ بِهِمْ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ
زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ فِي
مَنَاحَتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ. قَالَ: وَذَلِكَ
قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ. قَالَ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَاللَّهِ
إِنِّي لَعِنْدَهُمْ إِذْ أُتِينَا، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى قَدْ أُتِيَ
بِهِمْ. قَالَتْ فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي
نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ. قَالَتْ:
فَلَا وَاللَّهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ
قُلْتُ: أَيْ أَبَا يَزِيدَ، أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، أَلَا مُتُّمْ كِرَامًا
؟ فَوَاللَّهِ مَا أَنْبَهَنِي إِلَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَيْتِ يَا سَوْدَةُ، أَعَلَى اللَّهِ وَعَلَى
رَسُولِهِ تُحَرِّضِينَ ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ
مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْتُ
مَا قُلْتُ. ثُمَّ كَانَ مِنْ قِصَّةِ الْأُسَارَى بِالْمَدِينَةِ مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كَيْفِيَّةِ فِدَائِهِمْ وَكَمِّيَّتِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ذِكْرُ فَرَحِ
النَّجَاشِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِوَقْعَةِ بَدْرٍ
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا،
حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، ثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ
بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ - قَالَ:
أَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
وَأَصْحَابِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَيْهِ خُلْقَانُ
ثِيَابٍ، جَالِسٌ عَلَى التُّرَابِ، قَالَ جَعْفَرُ: فَأَشْفَقْنَا مِنْهُ حِينَ
رَأَيْنَاهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَلَمَّا أَنْ رَأَى مَا فِي وُجُوهِنَا
قَالَ: إِنِّي أُبَشِّرُكُمْ بِمَا يَسُرُّكُمْ، إِنَّهُ جَاءَنِي مِنْ نَحْوِ
أَرْضِكُمْ عَيْنٌ لِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَرَ نَبِيَّهُ،
وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُ، وَأُسِرَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَقُتِلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ،
الْتَقَوْا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ: بَدْرٌ. كَثِيرُ الْأَرَاكِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ
إِلَيْهِ، كُنْتُ أَرْعَى بِهِ لِسَيِّدِي - رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ -
إِبِلَهُ. فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: مَا بَالُكَ جَالِسًا عَلَى التُّرَابِ لَيْسَ تَحْتَكَ
بِسَاطٌ، وَعَلَيْكَ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ ؟ قَالَ إِنَّا نَجِدُ فِيمَا أَنْزَلَ
اللَّهُ عَلَى عِيسَى: إِنَّ حَقًّا عَلَى
عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يُحْدِثُوا لِلَّهِ تَوَاضُعًا عِنْدَمَا يُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ. فَلَمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لِي نَصْرَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْدَثْتُ لَهُ هَذَا التَّوَاضُعَ.
فَصْلٌ فِي وُصُولِ
خَبَرِ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ إِلَى أَهَالِيهِمْ بِمَكَّةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ بِمُصَابِ قُرَيْشٍ
الْحَيْسُمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالُوا لَهُ: مَا وَرَاءَكَ
؟ قَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو
الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ،
وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ.
فَلَمَّا جَعَلَ يُعَدِّدُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ، قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ:
وَاللَّهِ إِنْ يَعْقِلُ هَذَا، فَسَلُوهُ عَنِّي. فَقَالُوا: مَا فَعَلَ
صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ ؟ قَالَ: هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ، قَدْ
وَاللَّهِ رَأَيْتُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ
وَتَحَقَّقُوهُ قَطَّعَتِ النِّسَاءُ شُعُورَهُنَّ، وَعُقِرَتْ خُيُولٌ كَثِيرَةٌ
وَرَوَاحِلُ.
وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ كِتَابِ " الدَّلَائِلِ " لِقَاسِمِ بْنِ
ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ سَمِعَ أَهْلُ مَكَّةَ
هَاتِفًا مِنَ الْجِنِّ يَقُولُ:
أَزَارَ الْحَنِيفِيُّونَ
بَدْرًا وَقِيعَةً سَيَنْقَضُّ مِنْهَا رُكْنُ كِسْرَى وَقَيْصَرَا أَبَادَتْ
رِجَالًا مِنْ لُؤَيٍّ وَأَبْرَزَتْ
خَرَائِدَ يَضْرِبْنَ التَّرَائِبَ حُسَّرَا فَيَا وَيْحَ مَنْ أَمْسَى عَدُوَّ
مُحَمَّدٍ
لَقَدْ جَارَ عَنْ قَصْدِ الْهُدَى وَتَحَيَّرَا
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ
أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ
غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ
دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّ
الْفَضْلِ، وَأَسْلَمْتُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ
خِلَافَهُمْ، وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ
مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ
فَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا
صَنَعُوا، لَمْ يَتَخَلَّفْ رَجُلٌ إِلَّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا، فَلَمَّا
جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَبَتَهُ اللَّهُ
وَأَخْزَاهُ، وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوَّةً وَعِزًّا. قَالَ: وَكُنْتُ
رَجُلًا ضَعِيفًا، وَكُنْتُ أَعْمَلُ الْأَقْدَاحَ أَنْحِتُهَا فِي حُجْرَةِ
زَمْزَمَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَجَالِسٌ فِيهَا أَنْحِتُ أَقْدَاحِي، وَعِنْدِي
أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ، وَقَدْ سَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَرِ، إِذْ
أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ بَشَرٍّ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ
الْحُجْرَةِ، فَكَانَ ظَهْرُهُ إِلَى ظَهْرِي، فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ
النَّاسُ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ - وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ - ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ قَدِمَ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: هَلُمَّ إِلَيَّ، فَعِنْدَكَ لَعَمْرِي الْخَبَرُ. قَالَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَالنَّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا بْنَ أَخِي، أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقْتُلُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا، وَيَأْسِرُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا، وَايْمُ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْتُ النَّاسَ، لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهِ مَا تُلِيقُ شَيْئًا وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدِي ثُمَّ قُلْتُ: تِلْكَ وَاللَّهِ الْمَلَائِكَةُ. قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً. قَالَ: وَثَاوَرْتُهُ، فَاحْتَمَلَنِي وَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ، ثُمَّ بَرَكَ عَلَيَّ يَضْرِبُنِي، وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا، فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَأَخَذَتْهُ، فَضَرَبَتْهُ بِهِ ضَرْبَةً فَلَعَتْ فِي رَأْسِهِ شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَالَتْ: أَسْتَضْعَفْتَهُ أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيِّدُهُ ؟ فَقَامَ مُوَلِّيًا، ذَلِيلًا فَوَاللَّهِ مَا عَاشَ إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَتْهُ. زَادَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَلَقَدْ تَرَكَهُ ابْنَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَلَاثًا، مَا دَفَنَاهُ حَتَّى أَنْتَنَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّقِي هَذِهِ الْعَدَسَةَ كَمَا تَتَّقِي الطَّاعُونَ، حَتَّى قَالَ لَهُمَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: وَيْحَكُمَا، أَلَا تَسْتَحِيَانِ ! إِنَّ أَبَاكُمَا قَدْ أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ، لَا تَدْفِنَانِهِ ؟! فَقَالَا: إِنَّا
نَخْشَى عَدْوَى هَذِهِ
الْقُرْحَةِ. فَقَالَ: انْطَلِقَا فَأَنَا أُعِينُكُمَا عَلَيْهِ. فَوَاللَّهِ مَا
غَسَّلُوهُ إِلَّا قَذْفًا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ، مَا يَدْنُونَ
مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ إِلَى أَعْلَى مَكَّةَ، فَأَسْنَدُوهُ إِلَى جِدَارٍ
ثُمَّ رَضَمُوا عَلَيْهِ بِالْحِجَارَةِ.
قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَمُرُّ عَلَى مَكَانِ أَبِي لَهَبٍ هَذَا
إِلَّا تَسَتَّرَتْ بِثَوْبِهَا حَتَّى تَجُوزَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ، ثُمَّ قَالُوا لَا تَفْعَلُوا فَيَبْلُغَ
مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِكُمْ، وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ
حَتَّى تَسْتَأْنُوا بِهِمْ، لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي
الْفِدَاءِ.
قُلْتُ: وَكَانَ هَذَا مِنْ تَمَامِ مَا عَذَّبَ اللَّهُ بِهِ أَحْيَاءَهُمْ فِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ تَرْكُهُمُ النَّوْحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ، فَإِنَّ
الْبُكَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ مِمَّا يُبِلُّ فُؤَادَ الْحَزِينِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ
ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ،
زَمْعَةُ، وَعَقِيلٌ،
وَالْحَارِثُ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا
هُوَ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ،
وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: انْظُرْ هَلْ أُحِلَّ النَّحْبُ ؟ هَلْ بَكَتْ
قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا ؟ لَعَلِّي أَبْكِي عَلَى أَبِي حَكِيمَةَ - يَعْنِي
وَلَدَهُ زَمْعَةَ - فَإِنَّ جَوْفِي قَدِ احْتَرَقَ. قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ
إِلَيْهِ الْغُلَامُ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لَهَا
أَضَلَّتْهُ. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ:
أَتَبْكِي أَنْ أَضَلَّ لَهَا بَعِيرٌ وَيَمْنَعُهَا مِنَ النَّوْمِ السُّهُودُ
فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتِ الْجُدُودُ
عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ
وَبَكِّي إِنْ بَكَيْتِ عَلَى عَقِيلٍ وَبَكِّي حَارِثًا أَسَدَ الْأُسُودِ
وَبَكِّيهِمْ وَلَا تَسَمِي جَمِيعًا وَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ
أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمُ رِجَالٌ وَلَوْلَا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا
فَصْلٌ فِي بَعْثِ
قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ
أَسْرَاهُمْ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ
السَّهْمِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِنَّ
لَهُ بِمَكَّةَ ابْنًا كَيِّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ، وَكَأَنَّكُمْ بِهِ قَدْ
جَاءَ فِي طَلَبِ فِدَاءِ أَبِيهِ. فَلَمَّا قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَا تَعْجَلُوا
بِفِدَاءِ أَسْرَاكُمْ، لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ
الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ - وَهُوَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَى -: صَدَقْتُمْ، لَا تَعْجَلُوا وَانْسَلَّ مِنَ
اللَّيْلِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ
فَانْطَلَقَ بِهِ.
قُلْتُ: وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ أَسِيرٍ فُدِيَ، ثُمَّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي
فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، فَقَدِمَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ فِي فِدَاءِ
سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ الَّذِي أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ، أَخُو
بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ:
أَسَرْتُ سُهَيْلًا فَلَا أَبْتَغِي أَسِيرًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمْ
وَخِنْدِفُ تَعْلَمُ أَنَّ الْفَتَى
فَتَاهَا سُهَيْلٌ إِذَا يُظَّلَمْ
ضَرَبْتُ بِذِي الشَّفْرِ
حَتَّى انْثَنَى
وَأَكْرَهْتُ نَفْسِي عَلَى ذِي الْعَلَمْ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ سُهَيْلٌ رَجُلًا أَعْلَمَ مِنْ شَفَتِهِ
السُّفْلَى.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَخُو
بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيَّتَيْ سُهَيْلِ
بْنِ عَمْرٍو يَدْلَعْ لِسَانُهُ، فَلَا يَقُومُ عَلَيْكَ خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ
أَبَدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا
أُمَثِّلُ بِهِ فَيُمَثِّلَ اللَّهُ بِي وَإِنْ كُنْتُ نَبِيًّا.
قُلْتُ: وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ بَلْ مُعْضَلٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ فِي هَذَا: إِنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ
مَقَامًا لَا تَذُمُّهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي قَامَهُ سُهَيْلٌ بِمَكَّةَ، حِينَ مَاتَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ
الْعَرَبِ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا، فَقَامَ بِمَكَّةَ
فَخَطَبَ النَّاسَ، وَثَبَّتَهُمْ عَلَى الدِّينِ الْحَنِيفِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي
مَوْضِعِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قَاوَلَهُمْ فِيهِ مِكْرَزٌ وَانْتَهَى إِلَى
رِضَائِهِمْ قَالُوا:
هَاتِ الَّذِي لَنَا.
قَالَ: اجْعَلُوا رِجْلِي مَكَانَ رِجْلِهِ وَخَلُّوا سَبِيلَهُ، حَتَّى يَبْعَثَ
إِلَيْكُمْ بِفِدَائِهِ. فَخَلَّوْا سَبِيلَ سُهَيْلٍ وَحَبَسُوا مِكْرَزًا
عِنْدَهُمْ. وَأَنْشَدَ لَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا أَنْكَرَهُ ابْنُ
هِشَامٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:
وَكَانَ فِي الْأُسَارَى عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ. قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتْ أُمُّهُ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ: بَلْ كَانَتْ أُمُّهُ أُخْتَ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَكَانَ الَّذِي أَسَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:
فَقِيلَ لِأَبِي سُفْيَانَ: افْدِ عَمْرًا ابْنَكَ. قَالَ أَيُجْمَعُ عَلَيَّ
دَمِي وَمَالِي ؟ قَتَلُوا حَنْظَلَةَ وَأَفْدِي عَمْرًا ؟ ! دَعُوهُ فِي
أَيْدِيهِمْ يُمْسِكُوهُ مَا بَدَا لَهُمْ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ
مَحْبُوسٌ بِالْمَدِينَةِ، إِذْ خَرَجَ سَعْدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ أُكَّالٍ،
أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي مُعَاوِيَةَ مُعْتَمِرًا،
وَمَعَهُ مُرَيَّةٌ لَهُ، وَكَانَ شَيْخًا مُسْلِمًا فِي غَنَمٍ لَهُ
بِالنَّقِيعِ، فَخَرَجَ مِنْ هُنَالِكَ مُعْتَمِرًا، وَلَا يَخْشَى الَّذِي صُنِعَ
بِهِ، وَلَمْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُحْبَسُ بِمَكَّةَ، إِنَّمَا جَاءَ مُعْتَمِرًا،
وَقَدْ كَانَ عَهِدَ قُرَيْشًا لَا يَعْرِضُونَ لِأَحَدٍ جَاءَ حَاجًّا أَوْ
مُعْتَمِرًا إِلَّا
بِخَيْرٍ، فَعَدَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَكَّةَ، فَحَبَسَهُ
بِابْنِهِ عَمْرٍو، وَقَالَ فِي ذَلِكَ:
أَرَهْطَ ابْنِ أُكَّالٍ أَجِيبُوا دُعَاءَهُ تَعَاقَدْتُمُ لَا تُسْلِمُوا
السَّيِّدَ الْكَهْلَا
فَإِنَّ بَنِي عَمْرٍو لِئَامٌ أَذِلَّةٌ لَئِنْ لَمْ يَفُكُّوا عَنْ أَسِيرِهِمُ
الْكَبْلَا
قَالَ: فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ:
لَوْ كَانَ سَعْدٌ يَوْمَ مَكَّةَ مُطْلَقًا لَأَكْثَرَ فِيكُمْ قَبْلَ أَنْ
يُؤْسَرَ الْقَتْلَا
بِعَضْبٍ حُسَامٍ أَوْ بِصَفْرَاءَ نَبْعَةٍ تَحِنُّ إِذَا مَا أُنْبِضَتْ
تَحْفِزُ النَّبْلَا
قَالَ: وَمَشَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ عَمْرَو بْنَ
أَبِي سُفْيَانَ فَيَفُكُّوا بِهِ صَاحِبَهُمْ، فَأَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ
فَبَعَثُوا بِهِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَخَلَّى سَبِيلَ سَعْدٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو الْعَاصِ بْنُ
الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ أُمَيَّةَ، خَتَنُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ.
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ
الَّذِي أَسَرَهُ خِرَاشُ بْنُ الصِّمَّةِ أَحَدُ بَنِي حَرَامٍ. قَالَ ابْنُ
إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ مِنْ رِجَالِ مَكَّةَ الْمَعْدُودِينَ مَالًا
وَأَمَانَةً وَتِجَارَةً، وَكَانَتْ أُمُّهُ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتَ
خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ هِيَ الَّتِي سَأَلَتْ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِابْنَتِهَا
زَيْنَبَ، وَكَانَ لَا يُخَالِفُهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ الْوَحْيِ، وَكَانَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، قَدْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ رُقَيَّةَ أَوْ أُمَّ كُلْثُومٍ مِنْ عُتْبَةَ
بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَلَمَّا جَاءَ الْوَحْيُ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: اشْغَلُوا
مُحَمَّدًا بِنَفْسِهِ. وَأَمَرَ ابْنَهُ عُتْبَةَ فَطَلَّقَ ابْنَةَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَتَزَوَّجَهَا
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَشَوْا إِلَى أَبِي الْعَاصِ
فَقَالُوا لَهُ: فَارِقْ صَاحِبَتَكَ وَنَحْنُ نُزَوِّجُكَ بِأَيِّ امْرَأَةٍ مِنْ
قُرَيْشٍ شِئْتَ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ إِذًا، لَا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي، وَمَا
أُحِبُّ أَنَّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ، فِيمَا
بَلَغَنِي.
قُلْتُ: الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ ثَابِتٌ فِي
الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يُحِلُّ بِمَكَّةَ وَلَا يُحَرِّمُ، مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ،
وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ زَيْنَبَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَ لَا يَقْدِرُ
عَلَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: إِنَّمَا حَرَّمَ
اللَّهُ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، سَنَةَ سِتٍّ
مِنَ الْهِجْرَةِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ
مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ
فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي
الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: إِنْ
رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي
لَهَا، فَافْعَلُوا، قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَطْلَقُوهُ وَرَدُّوا
عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ. يَعْنِي أَنْ
تُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَفَّى أَبُو الْعَاصِ بِذَلِكَ، كَمَا
سَيَأْتِي. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَاهُنَا فَأَخَّرْنَاهُ،
لِأَنَّهُ أَنْسَبُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ افْتِدَاءِ
الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَفْسَهُ وَعَقِيلًا وَنَوْفَلًا ابْنَيْ أَخَوَيْهِ بِمِائَةِ
أُوقِيَّةٍ مِنَ الذَّهَبِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَ مِمَّنْ سُمِّيَ لَنَا مِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأُسَارَى بِغَيْرِ
فِدَاءٍ، مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، وَمِنْ بَنِي
مَخْزُومٍ الْمُطَّلِبُ
بْنُ حَنْطَبِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، أَسَرَهُ بَعْضُ بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فَتُرِكَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى خَلَّوْا سَبِيلَهُ،
فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ الَّذِي أَسَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ
زَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَصَيْفِيُّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَائِذِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، تُرِكَ فِي أَيْدِي أَصْحَابِهِ،
فَأَخَذُوا عَلَيْهِ لَيَبْعَثَنَّ لَهُمْ بِفِدَائِهِ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ،
وَلَمْ يَفِ لَهُمْ، فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:
وَمَا كَانَ صَيْفِيٌّ لِيُوفِيَ أَمَانَةً قَفَا ثَعْلَبٍ أَعْيَا بِبَعْضِ
الْمَوَارِدِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُثْمَانَ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، كَانَ مُحْتَاجًا ذَا
بَنَاتٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ عَرَفْتَ مَا لِيَ مِنْ مَالٍ،
وَإِنِّي لَذُو حَاجَةٍ وَذُو عِيَالٍ، فَامْنُنْ عَلَيَّ. فَمَنَّ عَلَيْهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لَا
يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا، فَقَالَ أَبُو عَزَّةَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ
مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي
الرَّسُولَ مُحَمَّدًا بِأَنَّكَ حَقٌّ وَالْمَلِيكُ حَمِيدُ
وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَدْعُو إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ
الْعَظِيمِ شَهِيدُ
وَأَنْتَ امْرُؤٌ بُوِّئْتَ فِينَا مَبَاءَةً لَهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ وَصُعُودُ
فَإِنَّكَ مَنْ حَارَبْتَهُ لَمُحَارَبٌ شَقِيٌّ وَمَنْ سَالَمْتَهُ لَسَعِيدُ
وَلَكِنْ إِذَا ذُكِّرْتُ بَدْرًا وَأَهْلَهُ تَأَوَّبَ مَا بِي حَسْرَةٌ
وَقُعُودُ
قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَزَّةَ هَذَا نَقَضَ مَا كَانَ عَاهَدَ الرَّسُولَ
عَلَيْهِ، وَلَعِبَ الْمُشْرِكُونَ بِعَقْلِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا
كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُسِرَ أَيْضًا، فَسَأَلَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَا أَدَعُكَ تَمْسَحُ عَارِضَيْكَ وَتَقُولُ:
خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. كَمَا
سَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ.
وَيُقَالُ: إِنَّ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ. وَهَذَا مِنَ الْأَمْثَالِ
الَّتِي لَمْ تُسْمَعْ إِلَّا مِنْهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ
مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، بَعْدَ مُصَابِ أَهِلِ بَدْرٍ
بِيَسِيرٍ، وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ،
وَمِمَّنْ
كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ
عَنَاءً وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى
بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالَّذِي أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ، أَحَدُ
بَنِي زُرَيْقٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ
قَالَ: فَذَكَرَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ، فَقَالَ صَفْوَانُ:
وَاللَّهِ إِنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ. قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: صَدَقْتَ
وَاللَّهِ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي قَضَاؤُهُ،
وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ
حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَإِنَّ لِي فِيهِمْ عِلَّةً، ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ.
قَالَ: فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ،
أَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ، وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا، لَا
يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ. فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: فَاكْتُمْ عَلَيَّ
شَأْنِي وَشَأْنَكَ. قَالَ: سَأَفْعَلُ. قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ
فَشُحِذَ لَهُ وَسُمَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَمَا
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ
يَوْمِ بَدْرٍ، وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَمَا أَرَاهُمْ
مِنْ عَدُوِّهِمْ، إِذْ نَظَرَ عُمَرُ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ، وَقَدْ أَنَاخَ
عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ
عَدُوُّ اللَّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، مَا جَاءَ إِلَّا لِشَرٍّ، وَهُوَ الَّذِي
حَرَّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ
يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمَّدَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، قَدْ جَاءَ مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ. قَالَ: فَأَدْخِلْهُ عَلَيَّ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبَّبَهُ بِهَا، وَقَالَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ: ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ، وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ. ثُمَّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ. قَالَ: أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، ادْنُ يَا عُمَيْرُ. فَدَنَا ثُمَّ قَالَ: أَنْعِمُوا صَبَاحًا. وَكَانَتْ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِتَحِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ، بِالسَّلَامِ تَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتُ بِهَا لَحَدِيثَ عَهْدٍ. قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَيْرُ ؟ قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الْأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ، فَأَحْسِنُوا فِيهِ. قَالَ: فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ ؟ قَالَ: قَبَّحَهَا اللَّهُ مِنْ سُيُوفٍ، وَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئًا ؟ " قَالَ: اصْدُقْنِي، مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ ؟ " قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِذَلِكَ. قَالَ: بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ قُلْتَ: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدًا. فَتَحَمَّلَ لَكَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ، وَاللَّهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ. فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ، وَهَذَا
أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا أَنَا وَصَفْوَانُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاكَ بِهِ إِلَّا اللَّهُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ، وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ. ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ، وَعَلِّمُوهُ الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقُوا أَسِيرَهُ. فَفَعَلُوا. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ جَاهِدًا عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ، شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللَّهِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي فَأَقْدَمَ مَكَّةَ، فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، لَعَلَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ، وَإِلَّا آذَيْتُهُمْ فِي دِينِهِمْ كَمَا كُنْتُ أُوذِي أَصْحَابَكَ فِي دِينِهِمْ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ يَقُولُ: أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمُ الْآنَ فِي أَيَّامٍ، تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ. وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرُّكْبَانَ، حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إِسْلَامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، أَوِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، هُوَ الَّذِي رَأَى عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ، حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفَرَّ هَارِبًا، وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ، إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ. وَكَانَ إِبْلِيسُ يَوْمَئِذٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَمِيرِ مُدْلِجٍ
فَصْلٌ
ثُمَّ إِنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَكَلَّمَ
عَلَى مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ، وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ
سُورَةِ الْأَنْفَالِ إِلَى آخِرِهَا، فَأَجَادَ وَأَفَادَ، وَقَدْ تَقَصَّيْنَا
الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " فَمَنْ أَرَادَ
الِاطِّلَاعَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْهُ ثَمَّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ
فَصْلٌ [في تَسْمِيَةِ
مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ]
ثُمَّ شَرَعَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، فَسَرَدَ أَسْمَاءَ مَنْ شَهِدَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
أَوَّلًا، ثُمَّ أَسْمَاءَ مَنْ شَهِدَهَا مِنَ الْأَنْصَارِ أَوْسِهَا
وَخَزْرَجِهَا، إِلَى أَنْ قَالَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، مَنْ شَهِدَهَا وَمَنْ
ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ
رَجُلًا، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ، وَمِنَ الْأَوْسِ أَحَدٌ
وَسِتُّونَ رَجُلًا، وَمِنَ الْخَزْرَجِ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا. وَقَدْ
سَرَدَهُمُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " مُرَتَّبِينَ عَلَى حُرُوفِ
الْمُعْجَمِ، بَعْدَ الْبَدَاءَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ.
وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُرَتَّبِينَ عَلَى
حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَذَلِكَ مِنْ كِتَابِ " الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ
" لِلْحَافِظِ ضِيَاءِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ
الْمَقْدِسِيِّ، وَغَيْرِهِ، بَعْدَ الْبَدَاءَةِ بِاسْمِ رَئِيسِهِمْ
وَفَخْرِهِمْ وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَرْفُ الْأَلِفِ
أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ النَّجَّارِيُّ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ. الْأَرْقَمُ بْنُ أَبَى
الْأَرْقَمِ، - وَأَبُو الْأَرْقَمِ - عَبْدُ مَنَافِ بْنُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ. أَسْعَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ
الْفَاكِهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْعَجْلَانِ. أَسْوَدُ
بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ غَنْمٍ. كَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ. وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: سَوَادُ بْنُ رِزَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ عَدِيٍّ. شَكَّ فِيهِ. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ: سَوَادُ بْنُ رُزَيْقِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَائِذٍ:
سَوَادُ بْنُ زَيْدٍ. أُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ أَبُو سَلِيطٍ.
وَقِيلَ: أُسَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَالِمِ بْنِ
ثَابِتٍ الْخَزْرَجِيُّ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. أَنَسُ بْنُ
قَتَادَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَوْسِيُّ. كَذَا
سَمَّاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. وَسَمَّاهُ الْأُمَوِيُّ فِي " السِّيرَةِ
" أُنَيْسًا.
قُلْتُ: وَأَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ خَادِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَا رَوَى
عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: قِيلَ لِأَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ: أَشَهِدْتَ بَدْرًا ؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ بَدْرٍ لَا
أُمَّ لَكَ ؟!.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَبِي عَنْ مَوْلًى لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ
لِأَنَسٍ: شَهِدْتَ بَدْرًا ؟ قَالَ: لَا أُمَّ لَكَ، وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ
بَدْرٍ ؟! قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: خَرَجَ أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
بَدْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ يَخْدِمُهُ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ
الْمِزِّيُّ فِي " تَهْذِيبِهِ ": هَكَذَا قَالَ الْأَنْصَارِيُّ،
وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَغَازِي.
أَنَسُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ. أَنَسَةُ الْحَبَشِيُّ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ
بْنِ الْمُنْذِرِ النَّجَّارِيُّ. أَوْسُ بْنُ خَوْلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
الْخَزْرَجِ الْخَزْرَجِيُّ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: أَوْسُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
خَوْلِيِّ. أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ الْخَزْرَجِيُّ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ. إِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ نَاشِبِ بْنِ
غِيَرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ.
حَرْفُ الْبَاءِ
بُجَيْرُ بْنُ أَبِي بُجَيْرٍ حَلِيفُ بَنِي النَّجَّارِ. بَحَّاثُ بْنُ
ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزْمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمَّارَةَ
الْبَلَوِيُّ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ. بَسْبَسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
خَرَشَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ رَشْدَانَ
بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ بَنِي سَاعِدَةَ وَهُوَ أَحَدُ
الْعَيْنَيْنِ هُوَ وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. بِشْرُ
بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الْخَزْرَجِيُّ الَّذِي مَاتَ بِخَيْبَرَ مِنَ
الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ. بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيُّ
وَالِدُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
وَيُقَالُ: إِنَّهُ
أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ الصِّدِّيقَ. بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَبُو
لُبَابَةَ الْأَوْسِيُّ، رَدَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِنَ
الرَّوْحَاءِ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ
وَأَجْرِهِ.
حَرْفُ التَّاءِ
تَمِيمُ بْنُ يَعَارِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ جُدَارَةَ
بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. تَمِيمٌ مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ
الصِّمَّةِ. تَمِيمٌ مَوْلَى بَنِي غَنْمِ بْنِ السِّلْمِ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ
هُوَ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ.
حَرْفُ الثَّاءِ
ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْعَجْلَانِ. ثَابِتُ
بْنُ ثَعْلَبَةَ. وَيُقَالُ لِثَعْلَبَةَ هَذَا: الْجِذْعُ بْنُ زَيْدِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ.
ثَابِتُ بْنُ خَالِدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُسَيْرَةَ بْنِ
عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ النَّجَّارِيُّ.
ثَابِتُ بْنُ خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ
غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ النَّجَّارِيُّ. ثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
زَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
النَّجَّارِ النَّجَّارِيُّ. ثَابِتُ بْنُ هَزَّالٍ الْخَزْرَجِيُّ. ثَعْلَبَةُ
بْنُ حَاطِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ الْأَوْسِ. ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكٍ
النَّجَّارِيُّ. ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ الْخَزْرَجِيُّ.
ثَعْلَبَةُ بْنُ عَنَمَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِي السَّلَمِيُّ. ثَقْفُ بْنُ
عَمْرٍو، مِنْ بَنِي حَجْرِ آلِ بَنِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي
كَثِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ.
حَرْفُ الْجِيمِ
جَابِرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ
النَّجَّارِيُّ. جَابِرُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ
بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ السَّلَمِيُّ، أَحَدُ
الَّذِينَ شَهِدُوا الْعَقَبَةَ.
قُلْتُ: فَأَمَّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ
السَّلَمِيُّ أَيْضًا، فَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِيهِمْ فِي مُسْنَدٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ: كُنْتُ أَمِيحُ لِأَصْحَابِي الْمَاءَ يَوْمَ
بَدْرٍ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
سَعْدٍ: ذَكَرْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ - يَعْنِي الْوَاقِدِيَّ - هَذَا
الْحَدِيثَ، فَقَالَ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَأَنْكَرَ أَنْ
يَكُونَ جَابِرُ شَهِدَ بَدْرًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ،
ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَلَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا وَلَا
أُحُدًا، مَنَعَنِي أَبِي، فَلَمَّا قُتِلَ
أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ،
لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
غَزَاةٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ رَوْحٍ.
جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ السَّلَمِيُّ. جَبْرُ بْنُ عَتِيكٍ الْأَنْصَارِيُّ.
جُبَيْرُ بْنُ إِيَاسٍ الْخَزْرَجِيُّ.
حَرْفُ الْحَاءِ
الْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ الْخَزْرَجِيُّ. الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ
مُعَاذٍ، ابْنُ أَخِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَوْسِيُّ. الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ، رَدَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِنَ الطَّرِيقِ، وَضَرَبَ
لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. الْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أَبِي
غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ،
حَلِيفٌ لِبَنِي ذَعُورَا بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ. الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ
الْخَزْرَجِيُّ، رَدَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِأَنَّهُ كُسِرَ مِنَ
الطَّرِيقِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. الْحَارِثُ بْنُ عَرْفَجَةَ
الْأَوْسِيُّ. الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ
أَبُو خَالِدٍ
الْخَزْرَجِيُّ. الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيُّ.
حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ النَّجَّارِيُّ، أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ وَهُوَ فِي
النَّظَّارَةِ، فَرُفِعَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ. حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ
رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ. حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ اللَّخْمِيُّ، حَلِيفُ
بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ. حَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأَشْجَعِيُّ، مِنْ بَنِي دُهْمَانَ. هَكَذَا ذَكَرَهُ
ابْنُ هِشَامٍ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَاطِبُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدٍّ. وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَائِذٍ
فِي " مَغَازِيهِ ". وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَاطِبُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي، وَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ.
الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْخَزْرَجِيِّ. وَيُقَالُ: كَانَ لِوَاءُ
الْخَزْرَجِ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ. حَبِيبُ بْنُ أَسْوَدَ مَوْلَى بَنِي حَرَامٍ مَنْ
بَنِي سَلِمَةَ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: حَبِيبُ بْنُ سَعْدٍ. بَدَلَ
أَسْوَدَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَبِيبُ بْنُ أَسْلَمَ مَوْلَى آلِ جُشَمَ بْنِ
الْخَزْرَجِ. أَنْصَارِيٌّ بَدْرِيٌّ. حُرَيْثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ
النِّدَاءَ. الْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
حَرْفُ الْخَاءِ
خَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ أَخُو إِيَاسٍ الْمُتَقَدِّمِ. خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ
أَبُو أَيُّوبَ النَّجَّارِيُّ. خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْعَجْلَانِ الْأَنْصَارِيُّ. خَارِجَةُ بْنُ الْحُمَيِّرِ، حَلِيفُ بَنِي
خَنْسَاءَ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَقِيلَ: اسْمُهُ حَمْزَةُ بْنُ الْحُمَيِّرِ.
وَسَمَّاهُ ابْنُ عَائِذٍ: أَبَا خَارِجَةَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. خَارِجَةُ بْنُ
زَيْدٍ الْخَزْرَجِيُّ صِهْرُ الصِّدِّيقِ. خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ، حَلِيفُ
بَنِي زُهْرَةَ، وَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَأَصْلُهُ مِنْ
بَنِي تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: مِنْ خُزَاعَةَ. خَبَّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ
غَزْوَانَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. خِرَاشُ بْنُ الصِّمَّةِ
السَّلَمِيُّ. خُبَيْبُ بْنُ إِسَافِ بْنِ عِنَبَةَ الْخَزْرَجِيُّ. خُرَيْمُ بْنُ
فَاتِكٍ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِيهِمْ. خَلِيفَةُ بْنُ عَدِيٍّ الْخَزْرَجِيُّ.
خُلَيْدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ
الْأَنْصَارِيُّ السَّلَمِيُّ. خُنَيْسُ بْنُ
حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ
بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ لُؤَيٍّ السَّهْمِيُّ. قُتِلَ يَوْمَئِذٍ فَتَأَيَّمَتْ مِنْهُ حَفْصَةُ
بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ، ضُرِبَ
لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا بِنَفْسِهِ. خَوْلِيُّ بْنُ أَبِي
خَوْلِيٍّ الْعِجْلِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ. مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
الْأَوَّلِينَ. خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ وَخَلَّادُ بْنُ سُوَيْدٍ. وَخَلَّادُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحُ الْخَزْرَجِيُّونَ.
حَرْفُ الذَّالِ
ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ. ذُو الشِّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ بْنِ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مِلْكَانَ بْنِ
أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، مِنْ خُزَاعَةَ، حَلِيفٌ
لِبَنِي زُهْرَةَ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُهُ
عُمَيْرٌ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: ذُو الشِّمَالَيْنِ، لِأَنَّهُ كَانَ أَعْسَرَ.
حَرْفُ الرَّاءِ
رَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَوْسِيُّ. رَافِعُ بْنُ عُنْجُدَةَ. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ: هِيَ أُمُّهُ. رَافِعُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ لَوْذَانَ الْخَزْرَجِيُّ
قُتِلَ يَوْمَئِذٍ. رِبْعِيُّ بْنُ رَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ الْجَدِّ بْنِ عَجْلَانَ بْنِ ضُبَيْعَةَ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ رِبْعِيُّ بْنُ أَبِي رَافِعٍ. رَبِيعُ بْنُ إِيَاسٍ الْخَزْرَجِيُّ.
رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ
شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ.
رُخَيْلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ
بَيَاضَةَ الْخَزْرَجِيُّ. رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ، أَخُو خَلَّادِ
بْنِ رَافِعٍ. رِفَاعَةُ
بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ الْأَوْسِيُّ أَخُو أَبِي لُبَابَةَ.
رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْخَزْرَجِيُّ.
حَرْفُ الزَّايِ
الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى
بْنِ قُصَيٍّ، ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَحَوَارِيُّهُ. زِيَادُ بْنُ عَمْرٍو. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: زِيَادُ
بْنُ الْأَخْرَسِ بْنِ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: زِيَادُ بْنُ
كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ
مَوْدُوعَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الرُّبْعَةِ بْنِ رَشْدَانَ بْنِ
قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ. زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الزُّرَقِيُّ. زِيَادُ بْنُ
الْمُزَيْنِ بْنِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ. زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَجْلَانَ بْنِ ضُبَيْعَةَ. زَيْدُ بْنُ
حَارِثَةَ بْنِ
شَرَاحِيلَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ. زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ، أَخُو عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ
حَرَامٍ النَّجَّارِيُّ أَبُو طَلْحَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حَرْفُ السِّينِ
سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ الْأَوْسِيُّ. سَالِمُ بْنُ عَوْفٍ الْخَزْرَجِيُّ. سَالِمُ
بْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. السَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ، شَهِدَ مَعَ أَبِيهِ. سُبَيْعُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ
الْخَزْرَجِيُّ. سَبْرَةُ بْنُ فَاتِكٍ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. سُرَاقَةُ بْنُ
عَمْرٍو النَّجَّارِيُّ. سُرَاقَةُ بْنُ كَعْبٍ النَّجَّارِيُّ أَيْضًا. سَعْدُ
بْنُ خَوْلَةَ مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
الْأَوَّلِينَ. سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ الْأَوْسِيُّ قُتِلَ
يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا. سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْخَزْرَجِيُّ الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ الْأَوْسِيُّ. سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْفَاكِهِ الْخَزْرَجِيُّ. سَعْدُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ النَّجَّارِيُّ. سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ. سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلْدَةَ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو عُبَادَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَائِذٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ. سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَوْسِيُّ. كَانَ لِوَاءُ الْأَوْسِ مَعَهُ. سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ الْخَزْرَجِيُّ. ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ عُرْوَةُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَوَقَعَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ حِينَ شَاوَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُلْتَقَى النَّفِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: كَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. الْحَدِيثُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَدَّهُ مِنَ الطَّرِيقِ، قِيلَ: لِاسْتِنَابَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ. وَقِيلَ: لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى بَدْرٍ. حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكِ بْنِ أُهَيْبٍ الزُّهْرِيُّ، أَحَدُ الْعَشَرَةِ. سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو سَهْلٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: تَجَهِّزَ لِيَخْرُجَ، فَمَرِضَ فَمَاتَ قَبْلَ الْخُرُوجِ. سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيُّ، ابْنُ عَمِّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يُقَالُ: قَدِمَ مِنَ الشَّامِ بَعْدَ مَرْجِعِهِمْ مِنْ بَدْرٍ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. سُفْيَانُ بْنُ بِشْرِ بْنِ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ. سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ الْأَوْسِيُّ. سَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشِ بْنِ زُغْبَةَ. سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ زُغْبَةَ. سُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ النَّجَّارِيُّ. سُلَيْمُ بْنُ عَمْرٍو السَّلَمِيُّ. سُلَيْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ الْخَزْرَجِيُّ. سُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ، أَخُو حَرَامِ بْنِ مِلْحَانَ النَّجَّارِيُّ. سِمَاكُ بْنِ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ، أَبُو دُجَانَةَ. وَيُقَالُ: سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ. سِمَاكُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيُّ. وَهُوَ أَخُو بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الْمُتَقَدِّمِ. سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الْأَوْسِيُّ. سَهْلُ بْنُ عَتِيكٍ النَّجَّارِيُّ. سَهْلُ بْنُ قَيْسٍ السَّلَمِيُّ. سُهَيْلُ بْنُ رَافِعٍ النَّجَّارِيُّ. الَّذِي كَانَ لَهُ وَلِأَخِيهِ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ. سُهَيْلُ بْنُ وَهْبٍ
الْفِهْرِيُّ، وَهُوَ
ابْنُ بَيْضَاءَ، وَهِيَ أُمُّهُ. سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانِ بْنِ مِحْصَنِ بْنِ
حُرْثَانَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، حَلِيفُ بَنَى عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ. سِنَانُ بْنُ صَيْفِيٍّ السَّلَمِيُّ. سَوَادُ بْنُ زُرَيْقِ بْنِ زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيُّ. وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: سَوَادُ بْنُ رِزَامٍ. سَوَادُ بْنُ
غَزِيَّةَ بْنِ أُهَيْبٍ الْبَلَوِيُّ. سُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ
الْعَبْدَرِيُّ. سُوَيْدُ بْنُ مَخْشِيٍّ أَبُو مَخْشِيٍّ الطَّائِيُّ، حَلِيفُ
بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَقِيلَ: اسْمُهُ أَرْبَدُ بْنُ حُمَيِّرٍ
حَرْفُ الشِّينِ
شُجَاعُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيُّ، أَسَدُ خُزَيْمَةَ، حَلِيفُ
بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. شَمَّاسُ بْنُ
عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَاسْمُهُ عُثْمَانُ
بْنُ عُثْمَانَ،
وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَمَّاسًا، لِحُسْنِهِ وَشَبَّهَهُ شَمَّاسًا كَانَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ. شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمْ يُسْهَمْ لَهُ، وَكَانَ عَلَى الْأَسْرَى،
فَأَعْطَاهُ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّنْ لَهُ فِي الْأَسْرَى شَيْئًا، فَحَصَلَ لَهُ
أَكْثَرُ مِنْ سَهْمٍ.
حَرْفُ الصَّادِ
صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ الرُّومِيُّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ.
صَفْوَانُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ الْفِهْرِيُّ، أَخُو سُهَيْلِ بْنِ
بَيْضَاءَ، قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ. صَخْرُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ
السَّلَمِيُّ.
حَرْفُ الضَّادِ
ضَحَّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدٍ السَّلَمِيُّ. ضَحَّاكُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو
النَّجَّارِيُّ. ضَمْرَةُ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ ضَمْرَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ أَخُو
زِيَادِ بْنِ عَمْرٍو.
حَرْفُ الطَّاءِ
طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ، أَحَدُ الْعَشَرَةِ، قَدِمَ مِنَ
الشَّامِ بَعْدَ مَرْجِعِهِمْ مِنْ بَدْرٍ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. طُفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَهُوَ أَخُو حُصَيْنٍ
وَعُبَيْدَةَ. طُفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ السَّلَمِيُّ. طُفَيْلُ بْنُ
النُّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ السَّلَمِيُّ، ابْنُ عَمِّ الَّذِي قَبْلَهُ.
طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ أَبِي كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ.
ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ.
حَرْفُ الظَّاءِ
ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ الْأَوْسِيُّ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
حَرْفُ الْعَيْنِ
عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحِ الْأَنْصَارِيُّ، الَّذِي حَمَتْهُ
الدَّبْرُ حِينَ قُتِلَ بِالرَّجِيعِ. عَاصِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْجَدِّ بْنِ
عَجْلَانَ، رَدَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الرَّوْحَاءِ، وَضَرَبَ لَهُ
بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. عَاصِمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ ثَابِتٍ الْخَزْرَجِيُّ. عَاقِلُ
بْنُ الْبُكَيْرِ، أَخُو إِيَاسٍ وَخَالِدٍ وَعَامِرٍ. عَامِرُ بْنُ أُمَيَّةَ
بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ النَّجَّارِيُّ. عَامِرُ بْنُ الْحَارِثِ
الْفِهْرِيُّ. كَذَا ذَكَرَهُ سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَابْنِ عَائِذٍ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَزِيَادٌ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: عَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ. عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ الْعَنْزِيُّ، حَلِيفُ بَنِي
عَدِيٍّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. عَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْبَلَوِيُّ الْقُضَاعِيُّ، حَلِيفُ بَنِي مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ
غَنْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ. عَامِرُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجِرَّاحِ، أَحَدُ الْعَشَرَةِ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ. عَامِرُ بْنُ مُخَلَّدٍ النَّجَّارِيُّ. عَائِذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ. عَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ الْأَوْسِيُّ. عَبَّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَامِرٍ الْخَزْرَجِيُّ. عَبَّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عِيشَةَ الْخَزْرَجِيُّ، أَخُو سُبَيْعٍ الْمُتَقَدِّمِ. عُبَادَةُ بْنُ الْخَشْخَاشِ الْقُضَاعِيُّ. عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الْخَزْرَجِيُّ. عُبَادَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عُرْفُطَةَ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزْمَةَ، أَخُو بَحَّاثٍ الْمُتَقَدِّمِ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَوْسِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ السَّلَمِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَقِّ بْنِ أَوْسٍ السَّاعِدِيُّ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَالْوَاقِدِيُّ، وَابْنُ عَائِذٍ: عَبْدُ رَبِّ بْنُ حَقٍّ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ حَقٍّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُمَيِّرِ، حَلِيفٌ لِبَنِي حَرَامٍ، وَهُوَ أَخُو خَارِجَةَ بْنِ الْحُمَيِّرِ مِنْ أَشْجَعَ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الْخَزْرَجِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيُّ، الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُرَاقَةَ الْعَدَوِيُّ. لَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَلَا الْوَاقِدِيُّ وَلَا ابْنُ عَائِذٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْعَجْلَانِيُّ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ، أَخُو بَنِي زَعُورَا. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، خَرَجَ مَعَ أَبِيهِ وَالْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ فَرَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَشَهِدَهَا مَعَهُمْ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقِ بْنِ مَالِكٍ الْقُضَاعِيُّ، حَلِيفُ الْأَوْسِ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، مِنْ بَلِيٍّ، ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ الْخَزْرَجِيُّ، وَكَانَ أَبُوهُ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، أَبُو سَلَمَةَ، زَوْجُ أُمِّ سَلَمَةَ،
قُتِلَ يَوْمَئِذٍ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ النُّعْمَانِ السَّلَمِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْسٍ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ عَدِيٍّ الْخَزْرَجِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ السَّلَمِيُّ، أَبُو جَابِرٍ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْخَزْرَجِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ النَّجَّارِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامٍ السَّلَمِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَدِيِّ بْنِ أَبِي الزَّغْبَاءِ عَلَى النَّفَلِ يَوْمَ بَدْرٍ.. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بُلْدُمَةَ السَّلَمِيُّ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسَةَ بْنِ النُّعْمَانِ السَّلَمِيُّ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَبْرِ بْنِ عَمْرٍو، أَبُو عَبْسٍ الْخَزْرَجِيُّ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَبُو عَقِيلٍ الْقُضَاعِيُّ الْبَلَوِيُّ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ
بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ الزُّهْرِيُّ، أَحَدُ الْعَشَرَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيٍّ السَّلَمِيُّ. عُبَيْدُ بْنُ التَّيِّهَانِ أَخُو أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ، وَيُقَالُ: عَتِيكٌ بَدَلَ عُبَيْدٍ. عُبَيْدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكٍ. عُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. عُبَيْدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ. عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أَخُو الْحُصَيْنِ وَالطُّفَيْلِ، وَكَانَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ. عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَهْرَانِيُّ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ لَوْذَانَ. عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَخْرٍ السَّلَمِيُّ. عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْأُمَوِيُّ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحَدُ الْعَشَرَةِ، تَخَلَّفَ عَلَى زَوْجَتِهِ رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَرِّضُهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ أَبُو السَّائِبِ، أَخُو عَبْدِ اللَّهِ وَقُدَامَةَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. عَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ الْجُهَنِيُّ، وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو بَيْنَ يَدَيْهِ
عَيْنًا. عِصْمَةُ بْنُ الْحُصَيْنِ بْنِ وَبْرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ. عُصَيْمَةُ، حَلِيفٌ لِبَنِي الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ، مِنْ أَشْجَعَ، وَقِيلَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ. عَطِيَّةُ بْنُ نُوَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَطِيَّةَ الْخَزْرَجِيُّ. عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي السَّلَمِيُّ. عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلْدَةَ الْخَزْرَجِيُّ، أَخُو سَعْدِ بْنِ عُثْمَانَ. عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ، وَقَعَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمَغَازِي، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوهُ. عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيُّ، أَسَدُ خُزَيْمَةَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُوَ أَخُو شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ، حَلِيفُ بَنِي غَطَفَانَ. عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْغَنْمِيُّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَمِمَّنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ. عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَئِذٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ الْعَنْسِيُّ الْمَذْحِجِيُّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
الْأَوَّلِينَ. عُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدٍ النَّجَّارِيُّ. عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَحَدُ الشَّيْخَيْنِ الْمُقْتَدَى بِهِمَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. عَمْرُو بْنُ إِيَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، حَلِيفٌ لِبَنِي لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ، وَقِيلَ: هُوَ أَخُو رَبِيعٍ وَوَدْفَةَ. عَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرٍ، أَبُو حُكَيْمٍ. عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ الْفِهْرِيُّ. عَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ الْعَدَوِيُّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. عَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحٍ الْفِهْرِيُّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَابْنُ عَائِذٍ: مَعْمَرٌ بَدَلَ عَمْرٍو. عَمْرُو بْنُ طَلْقِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمٍ، وَهُوَ فِي بَنِي حَرَامٍ. عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ. عَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمٍ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَالْأُمَوِيُّ
عَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرٍ، أَبُو خَارِجَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَمْرُو بْنُ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ الْفِهْرِيُّ. ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. عَمْرُو بْنُ مَعْبَدِ بْنِ الْأَزْعَرِ الْأَوْسِيُّ. عَمْرُو بْنُ مُعَاذٍ الْأَوْسِيُّ، أَخُو سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَيُقَالُ: عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لِبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ السَّلَمِيُّ. عُمَيْرُ بْنُ حَرَامِ بْنِ الْجَمُوحِ السَّلَمِيُّ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَائِذٍ وَالْوَاقِدِيُّ. عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ، ابْنُ عَمِّ الَّذِي قَبْلَهُ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا. عُمَيْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْخَنْسَاءِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ، أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ. عُمَيْرُ بْنُ عَوْفٍ، مَوْلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَسَمَّاهُ الْأُمَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ. وَكَذَا وَقَعَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " فِي حَدِيثِ بَعْثِ أَبِي عُبَيْدَةَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ. عُمَيْرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أُهَيْبٍ الزُّهْرِيُّ، أَخُو سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ، قُتِلَ
يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا. عَنْتَرَةُ مَوْلَى بَنِي سُلَيْمٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ
مِنْهُمْ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ
الْحَارِثِ النَّجَّارِيُّ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ النَّجَّارِيَّةِ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا. عُوَيْمُ بْنُ
سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ. عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ
الْفِهْرِيُّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
أَجْمَعِينَ.
حَرْفُ الْغَيْنِ
غَنَّامُ بْنُ أَوْسٍ الْخَزْرَجِيُّ. ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ، وَلَيْسَ
بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ.
حَرْفُ الْفَاءِ
الْفَاكِهُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْفَاكِهِ الْخَزْرَجِيُّ. فَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ وَدْقَةَ الْخَزْرَجِيُّ.
حَرْفُ الْقَافِ
قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الْأَوْسِيُّ. قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ
الْجُمَحِيُّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، أَخُو عُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ. قُطْبَةُ
بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ السَّلَمِيُّ. قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ النَّجَّارِيُّ.
قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيُّ، كَانَ عَلَى
السَّاقَةِ يَوْمَ بَدْرٍ. قَيْسُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ خَالِدٍ الْخَزْرَجِيُّ.
قَيْسُ بْنُ مُخَلَّدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ النَّجَّارِيُّ.
حَرْفُ الْكَافِ
كَعْبُ بْنُ حِمَارٍ. وَيُقَالُ: جَمَّازٍ. وَيُقَالُ: حِمَّانَ. وَقَالَ ابْنُ
هِشَامٍ: مِنْ غُبْشَانَ. وَيُقَالُ: كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
جَمَّازٍ. وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: كَعْبُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حبَالَةَ بْنِ
غَنْمٍ الْغَسَّانِيُّ، مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي الْخَزْرَجِ بْنِ
سَاعِدَةَ. كَعْبُ بْنُ
زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ النَّجَّارِيُّ. كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، أَبُو الْيَسَرِ
السَّلَمِيُّ. كُلْفَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، أَحَدُ الْبَكَّائِينَ. ذَكَرَهُ مُوسَى
بْنُ عُقْبَةَ. كَنَّازُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ يَرْبُوعٍ، أَبُو مَرْثَدٍ
الْغَنَوِيُّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ.
حَرْفُ الْمِيمِ
مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ. وَيُقَالُ: ابْنُ الدُّخْشُنِ الْخَزْرَجِيُّ. مَالِكُ
بْنُ أَبِي خَوْلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ. مَالِكُ بْنُ
رَبِيعَةَ، أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ. مَالِكُ بْنُ قُدَامَةَ الْأَوْسِيُّ.
مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، أَخُو ثَقْفِ بْنِ عَمْرٍو وَكِلَاهُمَا مُهَاجِرِيٌّ،
وَهُمَا مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي تَمِيمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ. مَالِكُ بْنُ
مَسْعُودٍ
الْخَزْرَجِيُّ. مَالِكُ
بْنُ نُمَيْلَةَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَالِكُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ نُمَيْلَةَ
الْمُزَنِيُّ، حَلِيفٌ لِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. مُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ
الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ الْأَوْسِيُّ، أَخُو أَبِي لُبَابَةَ وَرِفَاعَةَ،
قُتِلَ يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا. الْمُجَذَّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيُّ،
مُهَاجِرِيٌّ. مُحْرِزُ بْنُ عَامِرٍ النَّجَّارِيُّ. مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ
الْأَسَدِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، مُهَاجِرِيٌّ، مُحَمَّدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ. مُدْلِجٌ، وَيُقَالُ: مِدْلَاجُ
بْنُ عَمْرٍو، أَخُو ثَقْفِ بْنِ عَمْرٍو، مُهَاجِرِيٌّ. مَرْثَدُ بْنُ أَبِي
مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ. مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَقِيلَ: اسْمُهُ
عَوْفٌ. مَسْعُودُ بْنُ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ. مَسْعُودُ بْنُ
خَلْدَةَ الْخَزْرَجِيُّ.
مَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ الْقَارِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ مُهَاجِرِيٌّ.
مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ - وَيُقَالُ: ابْنُ عَبْدِ سَعْدٍ - ابْنِ عَامِرِ بْنِ
عَدِيِّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ. مَسْعُودُ
بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ. مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيُّ،
مُهَاجِرِيٌّ، كَانَ مَعَهُ اللِّوَاءُ يَوْمَئِذٍ. مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ
الْخَزْرَجِيُّ. مُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ النَّجَّارِيُّ، هَذَا هُوَ ابْنُ
عَفْرَاءَ، أَخُو عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ. مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ
الْخَزْرَجِيُّ. مُعَاذُ بْنُ مَاعِصٍ الْخَزْرَجِيُّ، أَخُو عَائِذٍ. مَعْبَدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ الْفَدْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ. وَيُقَالُ: مَعْبَدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ قَيْسٍ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَشْعَرٌ بَدَلَ قُشَيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ قَشْغَرٌ. أَبُو حُمَيْضَةَ. مَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرٍ السَّلَمِيُّ، أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ. مُعَتِّبُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ إِيَاسٍ الْبَلَوِيُّ الْقُضَاعِيُّ. مُعَتِّبُ بْنُ عَوْفٍ الْخُزَاعِيُّ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ الْأَوْسِيُّ. مَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ السَّلَمِيُّ. مَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْجُمَحِيُّ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ الْأَوْسِيُّ. مُعَوِّذُ بْنُ الْحَارِثِ النَّجَّارِيُّ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ، أَخُو مُعَاذٍ وَعَوْفٍ. مُعَوِّذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ السَّلَمِيُّ، لَعَلَّهُ أَخُو مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو. الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيُّ، وَهُوَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَهُوَ ذُو الْمَقَالِ الْمَحْمُودِ الَّذِي تَقَدَّمَ
ذِكْرُهُ، وَكَانَ أَحَدَ
الْفُرْسَانِ يَوْمَئِذٍ. مُلَيْلُ بْنُ وَبْرَةَ الْخَزْرَجِيُّ. الْمُنْذِرُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسٍ السَّاعِدِيُّ. الْمُنْذِرُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ
عَرْفَجَةَ الْخَزْرَجِيُّ. الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الْأَنْصَارِيُّ،
مِنْ بَنِي جَحْجَبَى. مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَصْلُهُ مِنَ
الْيَمَنِ، وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ.
حَرْفُ النُّونِ
نَصْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ رَزَاحِ بْنِ ظَفَرٍ وَهُوَ كَعْبٌ. نُعْمَانُ
بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو النَّجَّارِيُّ، وَهُوَ أَخُو الضَّحَّاكِ. نُعْمَانُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ النَّجَّارِيُّ. نُعْمَانُ بْنُ عَصَرِ بْنِ الرَّبِيعِ
بْنِ الْحَارِثِ، حَلِيفٌ لِبَنِي الْأَوْسِ. نُعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ قَوْقَلٌ. نُعْمَانُ بْنُ يَسَارٍ،
مَوْلًى لِبَنِي نُعْمَانَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ وَيُقَالُ: نُعْمَانُ بْنُ
سِنَانٍ. نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ الْخَزْرَجِيُّ.
حَرْفُ الْهَاءِ
هَانِئُ بْنُ نِيَارٍ، أَبُو بُرْدَةَ الْبَلَوِيُّ، خَالُ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ. هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ، وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي أَهْلِ
بَدْرٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَلَمْ
يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَغَازِي. هِلَالُ بْنُ الْمُعَلَّى الْخَزْرَجِيُّ،
أَخُو رَافِعِ بْنِ الْمُعَلَّى.
حَرْفُ الْوَاوِ
وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ، مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ. وَدِيعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جُرَادٍ الْجُهَنِيُّ. ذَكَرَهُ
الْوَاقِدِيُّ وَابْنُ عَائِذٍ. وَدْقَةُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ عَمْرٍو
الْخَزْرَجِيُّ، أَخُو رَبِيعِ بْنِ إِيَاسٍ. وَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي
سَرْحٍ، ذَكَرَهُ
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
وَابْنُ عَائِذٍ وَالْوَاقِدِيُّ، فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَلَمْ
يَذْكُرْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ
حَرْفُ الْيَاءِ
يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ جَنَابِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ جُرَّةَ السُّلَمِيُّ،
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: شَهِدَ هُوَ وَأَبَوْهُ وَابْنُهُ - يَعْنِي بَدْرًا -
وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ نَظِيرٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمُ ابْنُ
إِسْحَاقَ وَلَا الْأَكْثَرُونَ، لَكِنْ شَهِدُوا مَعَهُ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ.
يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ
لَهُ: ابْنُ فُسْحُمٍ. وَهِيَ أُمُّهُ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا بِبَدْرٍ.
يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ، أَبُو الْمُنْذِرِ السَّلَمِيُّ. يَزِيدُ
بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحٍ السَّلَمِيُّ، وَهُوَ أَخُو مَعْقِلِ بْنِ
الْمُنْذِرِ.
بَابُ الْكُنَى
أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ، تَقَدَّمَ. أَبُو الْأَعْوَرِ بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمٍ النَّجَّارِيُّ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو
الْأَعْوَرِ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَبُو الْأَعْوَرِ
كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جُنْدَبِ بْنِ ظَالِمٍ. أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، تَقَدَّمَ. أَبُو حَبَّةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ
ثَابِتٍ، أَحَدُ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيُّ.
أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَقِيلَ:
اسْمُهُ مُهَشِّمٌ. أَبُو الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ ابْنِ
عَفْرَاءَ. أَبُو خُزَيْمَةَ بْنُ أَوْسِ بْنِ أَصْرَمَ النَّجَّارِيُّ، أَبُو
سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. أَبُو
سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ، أَخُو عُكَّاشَةَ وَمَعَهُ ابْنُهُ سِنَانٌ
مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. أَبُو الضَّيَّاحِ النُّعْمَانُ، - وَقِيلَ: عُمَيْرُ -
ابْنُ ثَابِتِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ
أُمَيَّةَ بْنِ امْرِئِ
الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، رَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ، وَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ،
رَجَعَ لِجُرْحٍ أَصَابَهُ مِنْ حَجَرٍ فَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ. أَبُو
عَرْفَجَةَ، مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي جَحْجَبَى. أَبُو كَبْشَةَ مَوْلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَبُو لُبَابَةَ بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ
الْمُنْذِرِ، تَقَدَّمَ. أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ كَنَّازُ بْنُ حُصَيْنٍ،
تَقَدَّمَ. أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، تَقَدَّمَ. أَبُو
مُلَيْلِ بْنُ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدٍ الْأَوْسِيُّ
فَصْلٌ
فَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَمِائَةٍ
وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا
زُهَيْرٌ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ:
حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ
عَنْهُمْ، مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ
الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ، بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَمِائَةٍ. قَالَ
الْبَرَاءُ: لَا وَاللَّهِ مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهْرَ إِلَّا مُؤْمِنٌ. ثُمَّ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ نَحْوَهُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ، أَنَّهُمْ كَانُوا
ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
أَيْضًا: حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، ثَنَا وَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ
بَدْرٍ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا عَلَى سِتِّينَ،
وَالْأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ
الرِّوَايَةِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ،
ثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ، عَنِ الْحَجَّاجِ وَهُوَ - ابْنُ أَرْطَاةَ -
عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ
يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ رَجُلًا، وَكَانَ الْأَنْصَارُ مِائَتَيْنِ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ
رَجُلًا، وَكَانَ حَامِلَ رَايَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَحَامِلَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ
عُبَادَةَ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتَّةَ
رِجَالٍ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقِيلَ: كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَسَبْعَةَ
رِجَالٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ يَكُونُ هَذَا عَدَّ مَعَهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَالْأَوَّلُ عَدَّهُمْ بِدُونِهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ
تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا ثَلَاثَةً
وَثَمَانِينَ رَجُلًا، وَأَنَّ الْأَوْسَ أَحَدٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا،
وَالْخَزْرَجَ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا، وَسَرَدَهُمْ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي " الصَّحِيحِ
" عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ شَهِدْتَ بَدْرًا ؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ
أَغِيبُ ؟
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبَى مُعَاوِيَةَ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَمِيحُ
لِأَصْحَابِي الْمَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَهَذَانِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْبُخَارِيُّ
وَلَا الضِّيَاءُ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَفِي الَّذِينَ عَدَّهُمُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي أَهْلِ بَدْرٍ مَنْ ضُرِبَ
لَهُ بِسَهْمٍ فِي مَغْنَمِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهَا، تَخَلَّفَ عَنْهَا
لِعُذْرٍ أُذِنَ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ بِسَبَبِهِ، وَكَانُوا ثَمَانِيَةً أَوْ
تِسْعَةً، وَهُمْ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، تَخَلَّفَ عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَرِّضُهَا حَتَّى مَاتَتْ،
فَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ، كَانَ بِالشَّامِ، فَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَطَلْحَةُ
بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، كَانَ بِالشَّامِ أَيْضًا فَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ
وَأَجْرِهِ، وَأَبُو لُبَابَةَ بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، رَدَّهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّوْحَاءِ حِينَ بَلَغَهُ
خُرُوجُ النَّفِيرِ مِنْ مَكَّةَ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَضَرَبَ
لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
أُمَيَّةَ، رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا
مِنَ الطَّرِيقِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَالْحَارِثُ بْنُ
الصِّمَّةِ، كُسِرَ بِالرَّوْحَاءِ فَرَجَعَ، فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ - زَادَ
الْوَاقِدِيُّ:
وَأَجْرِهِ - وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، لَمْ يَحْضُرِ الْوَقْعَةَ وَضُرِبَ لَهُ
بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَأَبُو الضَّيَّاحِ بْنُ ثَابِتٍ، خَرَجَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصَابَ سَاقَهُ فَصِيلُ حَجَرٍ،
فَرَجَعَ، وَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَسَعْدُ
بْنُ مَالِكٍ تَجَهَّزَ لِيَخْرُجَ فَمَاتَ وَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ بِالرَّوْحَاءِ.
فَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ.
وَكَانَ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ
عَشَرَ رَجُلًا، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ وَهُمْ، عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ
بْنِ الْمُطَّلِبِ، قُطِعَتْ رِجْلُهُ فَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ، رَحِمَهُ اللَّهُ،
وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ،
قَتَلَهُ الْعَاصُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَيُقَالُ:
إِنَّهُ كَانَ قَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالرُّجُوعِ لِصِغَرِهِ فَبَكَى، فَأَذِنَ لَهُ فِي الذَّهَابِ، فَقُتِلَ، رَضِيَ
اللَّهُ
عَنْهُ. وَحَلِيفُهُمْ
ذُو الشِّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ، وَصَفْوَانُ بْنُ
بَيْضَاءَ، وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللَّيْثِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ،
وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ. وَمِنَ الْأَنْصَارِ ثَمَانِيَةٌ وَهُمْ: حَارِثَةُ
بْنُ سُرَاقَةَ، رَمَاهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ، فَأَصَابَ
حَنْجَرَتَهُ، فَمَاتَ، وَمُعَوِّذٌ وَعَوْفٌ ابْنَا عَفْرَاءَ، وَيَزِيدُ بْنُ
الْحَارِثِ - وَيُقَالُ ابْنُ فُسْحُمٍ - وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ، وَرَافِعُ
بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ لَوْذَانَ، وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ. وَمُبَشِّرُ بْنُ
عَبْدِ الْمُنْذِرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ.
وَكَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ بَعِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ
إِسْحَاقَ: وَكَانَ مَعَهُمْ فَرَسَانِ، عَلَى أَحَدِهِمَا الْمِقْدَادُ بْنُ
الْأَسْوَدِ، وَاسْمُهَا بَعْزَجَةُ - وَيُقَالُ: سَبْحَةُ - وَعَلَى الْأُخْرَى
الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَاسْمُهَا الْيَعْسُوبُ. وَكَانَ مَعَهُمْ لِوَاءٌ
يَحْمِلُهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَرَايَتَانِ، يَحْمِلُ إِحْدَاهُمَا
لِلْمُهَاجِرِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالَّتِي لِلْأَنْصَارِ
يَحْمِلُهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَكَانَ رَأْسَ مَشُورَةِ الْمُهَاجِرِينَ
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَرَأْسَ مَشُورَةِ الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ
وَأَمَّا جَمْعُ الْمُشْرِكِينَ فَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِيهِمْ: إِنَّهُمْ
كَانُوا مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ، وَقَدْ نَصَّ عُرْوَةُ
وَقَتَادَةُ أَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ:
كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ رَجُلًا. وَهَذَا التَّحْدِيدُ يَحْتَاجُ
إِلَى دَلِيلٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا
أَزْيَدَ مِنْ أَلْفٍ، فَلَعَلَّهُ عَدَدُ أَتْبَاعِهِمْ مَعَهُمْ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، عَنِ
الْبَرَاءِ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ، وَأُسِرَ سَبْعُونَ. وَهَذَا
قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَلِهَذَا قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ:
فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطَّنِ مِنْهُمُ سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمُ
وَالْأَسْوَدُ
وَقَدْ حَكَى الْوَاقِدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ،
فَإِنَّ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَا خِلَافَ ذَلِكَ،
وَهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، فَلَا يُمْكِنُ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ
بِدُونِ قَوْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا مَرْجُوحًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ سَرَدَ أَسْمَاءَ الْقَتْلَى
وَالْأُسَارَى ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَحَرَّرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ
الضِّيَاءُ فِي " أَحْكَامِهِ " جَيِّدًا، وَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي غُضُونِ
سِيَاقَاتِ الْقِصَّةِ ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ
بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَأَوَّلُ مَنْ فَرَّ، وَهُوَ خَالِدُ
بْنُ الْأَعْلَمِ الْخُزَاعِيُّ - أَوِ الْعُقَيْلِيُّ - حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ،
وَمَا أَفَادَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ أُسِرَ، وَهُوَ الْقَائِلُ فِي شِعْرِهِ:
وَلَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا
يَقْطُرُ الدَّمُ
فَمَا صَدَقَ فِي ذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ أَسَرُوا: عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ،
وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، قُتِلَا صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْأُسَارَى، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
أَيِّهِمَا قُتِلَ أَوَّلًا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
أَطْلَقَ جَمَاعَةً مِنَ الْأُسَارَى مَجَّانًا بِلَا فِدَاءٍ، مِنْهُمْ، أَبُو
الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ الْأُمَوِيُّ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ
الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ، وَصَيْفِيُّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ،
وَأَبُو عَزَّةَ الشَّاعِرُ، وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ،
كَمَا تَقَدَّمَ، وَفَادَى بَقِيَّتَهُمْ، حَتَّى عَمَّهُ الْعَبَّاسَ أَخَذَ
مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ مِنْ سَائِرِ الْأَسْرَى، لِئَلَّا يُحَابِيَهُ
لِكَوْنِهِ عَمَّهُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ سَأَلَهُ الَّذِينَ أَسَرُوهُ مِنَ
الْأَنْصَارِ أَنْ يَتْرُكُوا لَهُ فِدَاءَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَقَالَ
" لَا تَتْرُكُوا مِنْهُ دِرْهَمًا ". وَقَدْ كَانَ فِدَاؤُهُمْ
مُتَفَاوِتًا، فَأَقَلُّ مَا أُخِذَ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُخِذَ
مِنْهُ أَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ. قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.
وَأُخِذَ مِنَ الْعَبَّاسِ مِائَةُ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ بِمِقْدَارِ فِدَائِهِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ دَاوُدُ ثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ. قَالَ: فَجَاءَ غُلَامٌ يَوْمًا يَبْكِي إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ ؟ فَقَالَ: ضَرَبَنِي مُعَلِّمِي. فَقَالَ: الْخَبِيثُ يَطْلُبُ بِذَحْلِ بَدْرٍ، وَاللَّهِ لَا تَأْتِيهِ أَبَدًا. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ. وَتَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
فَصْلٌ فِي فَضْلِ مَنْ
شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ،
سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ، مِنِّي فَإِنْ يَكُ فِي الْجَنَّةِ
أَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ، وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى تَرَ مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ:
وَيْحَكِ، أَوَهَبِلْتِ، أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ
كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ وَقَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ، وَأَنَّ حَارِثَةَ كَانَ فِي النَّظَّارَةِ، وَفِيهِ:إِنَّ ابْنَكِ
أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ عَلَى فَضْلِ
أَهْلِ بَدْرٍ، فَإِنَّ هَذَا الَّذِي لَمْ يَكُنْ فِي بَحْبَحَةِ الْقِتَالِ
وَلَا فِي حَوْمَةِ
الْوَغَى، بَلْ كَانَ مِنَ النَّظَّارَةِ مِنْ بَعِيدٍ، وَإِنَّمَا أَصَابَهُ
سَهْمٌ غَرْبٌ، وَهُوَ يَشْرَبُ مِنَ الْحَوْضِ، وَمَعَ هَذَا أَصَابَ بِهَذَا
الْمَوْقِفِ الْفِرْدَوْسَ، الَّتِي هِيَ أَعْلَى الْجِنَانِ وَأَوْسَطُ
الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، الَّتِي أَمَرَ الشَّارِعُ
أُمَّتَهُ إِذَا سَأَلُوا اللَّهَ الْجَنَّةَ أَنْ يَسْأَلُوهُ إِيَّاهَا، فَإِذَا
كَانَ هَذَا حَالُ هَذَا، فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ كَانَ وَاقِفًا فِي نَحْرِ
الْعَدُوِّ، وَعَدُوُّهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْعَافِهِمْ عَدَدًا وَعُدَدًا.
ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قِصَّةَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَبَعْثِهِ
الْكِتَابَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَأَنَّ عُمَرَ اسْتَأْذَنَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ضَرْبِ عُنُقِهِ،
فَإِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا
يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا
شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: " أَلَيْسَ مِنْ
أَهْلِ بَدْرٍ ؟! وَلَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ:
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ " أَوْ "
قَدَ غَفَرْتُ لَكُمْ " فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ، أَنَّ
عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو حَاطِبًا، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبْتَ، لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ شَهِدَ
بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ
يَدْخُلَ النَّارَ رَجُلٌ شَهِدَ بَدْرًا أَوِ الْحُدَيْبِيَةَ. تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ
اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ
غَفَرْتُ لَكُمْ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ، وَمُوسَى
بْنِ إِسْمَاعِيلَ، كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ.
وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مَرْزُوقٍ، ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، ثَنَا
عِكْرِمَةُ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ:
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا
يَدْخُلَ النَّارَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ لَا
نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قُلْتُ:
وَقَدْ تَفَرَّدَ الْبَزَّارُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ، وَهُوَ
عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ بَدْرًا: حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ
أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ - قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ
قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - قَالَ:
وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ. انْفَرَدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ.
فَصْلٌ فِي قُدُومِ
زَيْنَبَ بِنْتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُهَاجِرَةً مِنْ
مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِشَهْرٍ، بِمُقْتَضَى مَا
كَانَ شَرَطَ زَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَمَا تَقَدَّمَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْعَاصِ إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ
خُلِّيَ سَبِيلُهُ - يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ -بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ
مَكَانَهُ، فَقَالَ: كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ،
فَتُصَاحِبَاهَا فَتَأْتِيَانِي بِهَا فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا، وَذَلِكَ بَعْدَ
بَدْرٍ بِشَهْرٍ - أَوْ شَيْعِهِ - فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكَّةَ
أَمَرَهَا بِاللُّحُوقِ بِأَبِيهَا، فَخَرَجَتْ تَجَهَّزُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ زَيْنَبَ أَنَّهَا قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا أَتَجَهَّزُ لَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَةَ مُحَمَّدٍ، أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكِ تُرِيدِينَ اللُّحُوقَ بِأَبِيكِ ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا أَرَدْتُ ذَلِكَ. فَقَالَتْ: أَيِ ابْنَةَ عَمِّ، لَا تَفْعَلِي، إِنْ كَانَتْ لَكِ حَاجَةٌ بِمَتَاعٍ مِمَّا يَرْفُقُ بِكِ فِي سَفَرِكِ أَوْ بِمَالٍ تَتَبَلَّغِينَ بِهِ إِلَى أَبِيكِ، فَإِنَّ عِنْدِي حَاجَتَكِ فَلَا تَضْطَنِي مِنِّي فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النِّسَاءِ مَا بَيْنَ الرِّجَالِ. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إِلَّا لِتَفْعَلَ. قَالَتْ وَلَكِنِّي خِفْتُهَا، فَأَنْكَرْتُ أَنْ أَكُونَ أُرِيدُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَتَجَهَّزَتْ، فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ جَهَازِهَا قَدَّمَ إِلَيْهَا أَخُو زَوْجِهَا كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بَعِيرًا فَرَكِبَتْهُ، وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُ بِهَا، وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا، وَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حَتَّى أَدْرَكُوهَا بِذِي طُوًى، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَالْفِهْرِيُّ، فَرَوَّعَهَا هَبَّارٌ بِالرُّمْحِ، وَهِيَ فِي
الْهَوْدَجِ، وَكَانَتْ
حَامِلًا - فِيمَا يَزْعُمُونَ - فَطَرَحَتْ، وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ،
وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَدْنُو مِنِّي رَجُلٌ إِلَّا
وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا. فَتَكَرْكَرَ النَّاسُ عَنْهُ، وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ
فِي جِلَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ، كُفَّ عَنَّا
نَبْلَكَ حَتَّى نُكَلِّمَكَ. فَكَفَّ، فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى وَقَفَ
عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَمْ تُصِبْ، خَرَجْتَ بِالْمَرْأَةِ عَلَى رُءُوسِ
النَّاسِ عَلَانِيَةً، وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا، وَمَا دُخِلَ
عَلَيْنَا مِنْ مُحَمَّدٍ، فَيَظُنُّ النَّاسُ إِذْ خَرَجْتَ بِابْنَتِهِ إِلَيْهِ
عَلَانِيَةً عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، أَنَّ ذَلِكَ عَنْ
ذُلٍّ أَصَابَنَا، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَّا ضَعْفٌ وَوَهْنٌ، وَلَعَمْرِي مَا لَنَا
بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا مِنْ حَاجَةٍ، وَمَا لَنَا مِنْ ثُؤْرَةٍ، وَلَكِنِ
ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ، حَتَّى إِذَا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ وَتَحَدَّثَ النَّاسُ
أَنْ قَدْ رَدَدْنَاهَا، فَسُلَّهَا سِرًّا وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا. قَالَ:
فَفَعَلَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أُولَئِكَ النَّفَرَ الَّذِينَ
رَدُّوا زَيْنَبَ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ قَالَتْ هِنْدُ تَذُمُّهُمْ عَلَى
ذَلِكَ:
أَفِي السِّلْمِ أَعْيَارٌ جَفَاءً وَغِلْظَةً وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاهُ
النِّسَاءِ الْعَوَارِكِ
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ لِلَّذِينِ رَجَعُوا مِنْ بَدْرٍ،
بَعْدَمَا قُتِلَ مِنْهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
فَأَقَامَتْ لَيَالِيَ حَتَّى إِذَا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا
حَتَّى أَسْلَمَهَا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ، فَقَدِمَا بِهَا
لَيْلًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ،عَنْ
عَائِشَةَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ خُرُوجِهَا وَرَدِّهِمْ لَهَا وَوَضْعِهَا مَا فِي
بَطْنِهَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ
زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ، لِتَجِيءَ مَعَهُ، فَتَلَطَّفَ
زَيْدٌ، فَأَعْطَاهُ رَاعِيًا مِنْ مَكَّةَ، فَأَعْطَى الْخَاتَمَ لِزَيْنَبَ،
فَلَمَّا رَأَتْهُ عَرَفَتْهُ، فَقَالَتْ: مَنْ دَفَعَ إِلَيْكَ هَذَا ؟ قَالَ:
رَجُلٌ فِي ظَاهِرِ مَكَّةَ. فَخَرَجَتْ زَيْنَبُ لَيْلًا فَرَكِبَتْ وَرَاءَهُ
حَتَّى قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هِيَ أَفْضَلُ بَنَاتِي أُصِيبَتْ فِيَّ قَالَ:
فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، فَأَتَى
عُرْوَةَ فَقَالَ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ تَنْتَقِصُ فِيهِ
فَاطِمَةَ ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا بَيْنَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَأَنِّي أَنْتَقِصُ فَاطِمَةَ حَقًّا هُوَ لَهَا،
وَأَمَّا بَعْدُ فَلَكَ أَنْ لَا أُحَدِّثَهُ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
فَقَالَ فِي ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، أَوْ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو
بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ لِأَبِي خَيْثَمَةَ -:
أَتَانِي الَّذِي لَا يَقْدُرُ النَّاسُ قَدْرَهُ لِزَيْنَبَ فِيهِمْ مِنْ عُقُوقٍ
وَمَأْثَمِ
وَإِخْرَاجُهَا لَمْ
يُخْزَ فِيهَا مُحَمَّدٌ عَلَى مَأْقِطٍ وَبَيْنَنَا عِطْرُ مَنْشِمِ
وَأَمْسَى أَبُو سُفْيَانَ مِنْ حِلْفِ ضَمْضَمٍ وَمِنْ حَرْبِنَا فِي رَغْمِ
أَنْفٍ وَمَنْدَمِ
قَرَنَّا ابْنَهُ عَمْرًا وَمَوْلَى يَمِينِهِ بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصَّلَاصِلِ
مُحْكَمِ
فَأَقْسَمْتُ لَا تَنْفَكُّ مِنَّا كَتَائِبٌ سَرَاةُ خَمِيسٍ مَنْ لُهَامٍ
مُسَوَّمِ
نَرُوعُ قُرَيْشَ الْكُفْرِ حَتَّى نَعُلَّهَا بِخَاطِمَةٍ فَوْقَ الْأُنُوفِ
بِمِيسَمِ
نُنَزِّلُهُمْ أَكْنَافَ نَجْدٍ وَنَخْلَةٍ وَإِنْ يُتْهِمُوا بِالْخَيْلِ
وَالرَّجْلِ نُتْهِمِ
يَدَ الدَّهْرِ حَتَّى لَا يُعَوَّجَّ سِرْبُنَا وَنُلْحِقُهُمْ آثَارَ عَادٍ
وَجُرْهُمِ
وَيَنْدَمُ قَوْمٌ لَمْ
يُطِيعُوا مُحَمَّدًا عَلَى أَمْرِهِمْ وَأَيُّ حِينِ تَنَدُّمِ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ إِمَّا لَقِيتَهُ لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تُخْلِصْ
سُجُودًا وَتُسْلِمِ
فَأَبْشِرْ بِخِزْيٍ فِي الْحَيَاةِ مُعَجَّلٍ وَسِرْبَالِ قَارٍ خَالِدًا فِي
جَهَنَّمَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ الَّذِي عَنَاهُ
الشَّاعِرُ، هُوَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: إِنَّمَا هُوَ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ
الْحَضْرَمِيِّ، فَأَمَّا عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، فَإِنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ
بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ
بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الدَّوْسِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:بَعَثَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً أَنَا فِيهَا، فَقَالَ:
" إِنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَالرَّجُلِ الَّذِي سَبَقَ
مَعَهُ إِلَى زَيْنَبَ فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ " فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ
بَعَثَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ بِتَحْرِيقِ هَذَيْنِ
الرَّجُلَيْنِ إِنْ أَخَذْتُمُوهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ أَنْ يَحْرِقَ بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ
ظَفِرْتُمْ بِهِمَا فَاقْتُلُوهُمَا. تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ
عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ، فَقَالَ إِنْ
وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ ثُمَّ قَالَ حِينَ
أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَحْرِقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا،
وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا
فَاقْتُلُوهُمَا
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَأَنَّ أَبَا الْعَاصِ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَلَى
كُفْرِهِ، وَاسْتَمَرَّتْ زَيْنَبُ عِنْدَ أَبِيهَا بِالْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا
كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ فِي تِجَارَةٍ لِقُرَيْشٍ،
فَلَمَّا قَفَلَ مِنَ الشَّامِ لَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ، فَأَخَذُوا مَا مَعَهُ،
وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا، وَجَاءَ تَحْتَ اللَّيْلِ إِلَى زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ
فَاسْتَجَارَ بِهَا فَأَجَارَتْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَكَبَّرَ، وَكَبَّرَ النَّاسُ،
صَرَخَتْ مِنْ صُفَّةِ النِّسَاءِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا
الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ. فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ، أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ
سَمِعْتُمُ الَّذِي سَمِعْتُ ؟. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ حَتَّى سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ،
وَإِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ زَيْنَبَ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةَ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يَخْلُصَنَّ إِلَيْكِ، فَإِنَّكِ لَا تَحِلِّينَ لَهُ. قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَثَّهُمْ عَلَى رَدِّ مَا كَانَ مَعَهُ، فَرَدُّوهُ بِأَسْرِهِ لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَخَذَهُ أَبُو الْعَاصِ فَرَجَعَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ، فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ مَا كَانَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ ؟ قَالُوا: لَا، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا. قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي عَنِ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إِلَّا تَخُ