13 البداية والنهاية عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).
أَبَدًا "
فَتَنَازَعُوا، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا
شَأْنُهُ يَهْجُرُ ؟ اسْتَفْهِمُوهُ. فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَنْهُ، فَقَالَ:
" دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ "
فَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ ; قَالَ: " أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ
" وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَ: فَنَسِيتُهَا. وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا
لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ " فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ
غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ.
فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا
يَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ
ذَلِكَ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُومُوا ". قَالَ عُبَيْدُ
اللَّهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ
الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِنَحْوِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا قَدْ تَوَهَّمَ بِهِ بَعْضُ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ، كُلٌّ يَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ مَا يَرْمُزُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَقَالَاتِهِمْ، وَهَذَا هُوَ التَّمَسُّكُ بِالْمُتَشَابِهِ وَتَرْكُ الْمُحْكَمِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَأْخُذُونَ بِالْمُحْكَمِ وَيَرُدُّونَ مَا تَشَابَهَ إِلَيْهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي كِتَابِهِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا زَلَّ فِيهِ أَقْدَامُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَاتِ، وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَلَيْسَ لَهُمْ مَذْهَبٌ إِلَّا اتِّبَاعُ الْحَقِّ يَدُورُونَ مَعَهُ كَيْفَمَا دَارَ، وَهَذَا الَّذِي كَانَ يُرِيدُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَكْتُبَهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ التَّصْرِيحُ بِكَشْفِ الْمُرَادِ مِنْهُ ; فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، ثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:لَمَّا كَانَ وَجَعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ قَالَ: " ادْعُوا لِي أَبَا بَكْرٍ وَابْنَهُ فَلْيَكْتُبْ ; لِكَيْ لَا يَطْمَعَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ طَامِعٌ وَلَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ " ثُمَّ قَالَ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُؤْمِنُونَ مَرَّتَيْنِ. قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَأَبَى اللَّهُ ذَلِكَ
وَالْمُؤْمِنُونَ. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ " ائْتِنِي بِكَتِفٍ أَوْ لَوْحٍ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي
بَكْرٍ كِتَابًا لَا يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ " فَلَمَّا ذَهَبَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ لِيَقُومَ قَالَ أَبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُخْتَلَفَ
عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ ;
أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى مُتَمَنُّونَ، فَقُلْتُ: يَأْبَى
اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى
الْمُؤْمِنُونَ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " وَ " مُسْلِمٍ " مِنْ
حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ
بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ.
فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ ؟ كَأَنَّهَا تَقُولُ:
الْمَوْتَ. قَالَ: " إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ "
وَالظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهَا إِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ لَهُ،
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ خَطَبَ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ خُطْبَةً عَظِيمَةً، بَيَّنَ فِيهَا
فَضْلَ الصِّدِّيقِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، مَعَ مَا كَانَ قَدْ نَصَّ
عَلَيْهِ أَنْ يَؤُمَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعِينَ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مَعَ
حُضُورِهِمْ كُلِّهِمْ، وَلَعَلَّ خُطْبَتَهُ هَذِهِ كَانَتْ عِوَضًا عَمَّا
أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَهُ فِي الْكِتَابِ، وَقَدِ اغْتَسَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، بَيْنَ يَدَيْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ الْكَرِيمَةِ، فَصَبُّوا عَلَيْهِ
مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ، وَهَذَا مِنْ بَابِ
الِاسْتِشْفَاءِ بِالسَّبْعِ، كَمَا وَرَدَتْ بِهَا الْأَحَادِيثُ فِي غَيْرِ
هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
اغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ
فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي مَرَضِهِ " أَفِيضُوا
عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ مِنْ سَبْعِ آبَارٍ شَتَّى، حَتَّى أَخْرُجَ
فَأَعْهَدَ إِلَى النَّاسِ " فَفَعَلُوا، فَخَرَجَ فَجَلَسَ عَلَى
الْمِنْبَرِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا ذَكَرَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ
عَلَيْهِ ذَكَرَ أَصْحَابَ أُحُدٍ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَدَعَا لَهُمْ، ثُمَّ
قَالَ " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، إِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ تَزِيدُونَ،
وَالْأَنْصَارُ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ، وَإِنَّهُمْ عَيْبَتِي الَّتِي
أَوَيْتُ إِلَيْهَا، فَأَكْرِمُوا كَرِيمَهُمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ
مُسِيئِهِمْ " ثُمَّ
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَبْدًا
مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَدْ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا
عِنْدَ اللَّهِ " فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ
بَيْنِ النَّاسِ فَبَكَى، وَقَالَ: بَلْ نَحْنُ نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا
وَأَبْنَائِنَا وَأَمْوَالِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، انْظُرُوا إِلَى هَذِهِ
الْأَبْوَابِ الشَّارِعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدُّوهَا، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ
بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا عِنْدِي أَفْضَلَ فِي
الصُّحْبَةِ مِنْهُ " هَذَا مُرْسَلٌ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ زُبَيْدِ بْنِ طُوسَى، عَنْ
عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَلَمَّا
اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ تَحَدَّقَ النَّاسُ بِالْمِنْبَرِ وَاسْتَكَفُّوا،
فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لِقَائِمٌ عَلَى الْحَوْضِ السَّاعَةَ
ثُمَّ تَشَهَّدَ فَلَمَّا قَضَى تَشَهُّدَهُ كَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ
أَنِ اسْتَغْفَرَ لِلشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِأُحُدٍ، ثُمَّ قَالَ: "
إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا
عِنْدَ اللَّهِ، فَاخْتَارَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ " فَبَكَى أَبُو
بَكْرٍ فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ، وَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا
وَأُمَّهَاتِنَا وَأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ " عَلَى رِسْلِكَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، ثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ
سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ
بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ النَّاسَ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ
الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ
اللَّهِ " قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ
يُخْبِرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ،
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ،
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ
أَبُو بَكْرٍ، لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا
بَكْرٍ، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَى فِي
الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ " وَهَكَذَا
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ بِهِ. ثُمَّ
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي
النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ بِهِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحٍ
وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ بْنِ
حُنَيْنٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامٌ، ثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ
ابْنِ أَبِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ: " إِنَّ رَجُلًا خَيَّرَهُ
رَبُّهُ بَيْنَ أَنْ يَعِيشَ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَعِيشَ فِيهَا
يَأْكُلُ مِنَ الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَبَيْنَ لِقَاءِ
رَبِّهِ فَاخْتَارَ لِقَاءَ رَبِّهِ " فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَعْجَبُونَ
مِنْ هَذَا الشَّيْخِ أَنْ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَجُلًا صَالِحًا خَيَّرَهُ رَبُّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ،
فَاخْتَارَ لِقَاءَ رَبِّهِ ؟ ! فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَهُمْ بِمَا قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ
نَفْدِيكَ بِأَمْوَالِنَا وَأَبْنَائِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيْنَا فِي
صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ مِنَ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا
خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَكِنْ وُدٌّ وَإِخَاءٌ
وَإِيمَانٌ، وَلَكِنْ وُدٌّ وَإِخَاءٌ وَإِيمَانٌ مَرَّتَيْنِ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ
خَلِيلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. قَالُوا:
وَصَوَابُهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْمُعَلَّى. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
- هُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ - ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي
جُنْدُبٌ،أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: " قَدْ كَانَ لِي مِنْكُمْ
إِخْوَةٌ وَأَصْدِقَاءُ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ، وَلَوْ
كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا
بَكْرٍ خَلِيلًا، وَإِنَّ
رَبِّي اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَإِنَّ
قَوْمًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
وَصُلَحَائِهِمْ مَسَاجِدَ، فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي
أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ " وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ
" عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ بِنَحْوِهِ. وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي
كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ
هُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ رُوِّينَا هَذِهِ الْخُطْبَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ
الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثَنَا وَهْبُ
بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ
بِخِرْقَةٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ
قَالَ " إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ بِنَفْسِهِ
وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا
لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ،
سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ
" وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ
أَبِيهِ بِهِ. وَفِي
قَوْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي
الْمَسْجِدِ - يَعْنِي الْأَبْوَابَ الصِّغَارَ النَّافِذَةَ إِلَى الْمَسْجِدِ -
غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ إِشَارَةٌ إِلَى الْخِلَافَةِ ; أَيْ لِيَخْرُجَ
مِنْهَا إِلَى الصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
سُلَيْمَانَ بْنِ حَنْظَلَةَ، ابْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي
مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ،
مُلْتَحِفًا بِمِلْحَفَةٍ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ،
فَذَكَرَ الْخُطْبَةَ، وَذَكَرَ فِيهَا الْوَصَاةَ بِالْأَنْصَارِ، إِلَى أَنْ
قَالَ: فَكَانَ آخَرَ مَجْلِسٍ جَلَسَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ. يَعْنِي آخِرَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ
وَلَفْظٍ غَرِيبٍ ; فَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا
ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَبُّلِيُّ، ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى
الْقَزَّازُ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
إِيَاسٍ اللَّيْثِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:أَتَانِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا
شَدِيدًا، وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: خُذْ بِيَدِي
يَا فَضْلُ قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ حَتَّى قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَالَ: نَادِ فِي النَّاسِ يَا فَضْلُ فَنَادَيْتُ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. قَالَ: فَاجْتَمَعُوا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَقَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهَرُكُمْ، وَلَنْ تَرَوْنِي فِي هَذَا الْمَقَامِ فِيكُمْ، وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ مُغْنٍ عَنِّي حَتَّى أَقُومَهُ فِيكُمْ، أَلَا فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ، وَلَا يَقُولَنَّ قَائِلٌ: أَخَافُ الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِي وَلَا مِنْ خُلُقِي، وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مِنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلِمَةٌ " قَالَ: فَقَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِي عِنْدَكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. فَقَالَ: " أَمَّا أَنَا فَلَا أُكَذِّبُ قَائِلًا وَلَا مُسْتَحْلِفُهُ عَلَى يَمِينٍ، فِيمَ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي ؟ " قَالَ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّهُ مَرَّ بِكَ سَائِلٌ فَأَمَرْتَنِي، فَأَعْطَيْتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ. قَالَ: " أَعْطِهِ يَا فَضْلُ " قَالَ: وَأَمَرَ بِهِ فَجَلَسَ. قَالَ: ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَالَتِهِ الْأُولَى، ثُمَّ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْغُلُولِ شَيْءٌ فَلْيَرُدَّهُ " فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ غَلَلْتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: " فَلِمَ غَلَلْتَهَا ؟ " قَالَ: كُنْتُ إِلَيْهَا مُحْتَاجًا. قَالَ: " خُذْهَا مِنْهُ يَا فَضْلُ " ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَالَتِهِ الْأُولَى وَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا فَلْيَقُمْ أَدْعُو اللَّهَ لَهُ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمُنَافِقٌ، وَإِنِّي
لَكَذُوبٌ، وَإِنِّي
لَنَئُومٌ. فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَيْحَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ لَقَدْ
سَتَرَكَ اللَّهُ، لَوْ سَتَرَتْ عَلَى نَفْسِكَ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَهْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فُضُوحُ
الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ فُضُوحِ الْآخِرَةِ. اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ صِدْقًا
وَإِيمَانًا، وَأَذْهِبْ عَنْهُ النَّوْمَ إِذَا شَاءَ " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُمَرُ مَعِي وَأَنَا مَعَ
عُمَرَ وَالْحَقُّ بَعْدِي مَعَ عُمَرَ " وَفِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ
غَرَابَةٌ شَدِيدَةٌ.
ذِكْرُ أَمْرِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنْ يُصَلِّيَ بِالصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ مَعَ
حُضُورِهِمْ كُلِّهِمْ وَخُرُوجِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَصَلَّى
وَرَاءَهُ مُقْتَدِيًا بِهِ فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ،
وَإِمَامًا لَهُ وَلِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ
بْنِ
أَسَدٍ قَالَ: لَمَّا اسْتُعِزَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، دَعَا بِلَالٌ لِلصَّلَاةِ، فَقَالَ: " مُرُوا مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ " قَالَ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا عُمَرُ فِي النَّاسِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا فَقُلْتُ: قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَ: فَقَامَ، فَلَمَّا كَبَرَّ عُمَرُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مُجْهِرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ ؟ ! يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ، يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ " قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ بَعْدَ مَا صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ: قَالَ لِي عُمَرُ: وَيْحَكَ مَاذَا صَنَعْتَ يَا ابْنَ زَمْعَةَ، وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ حِينَ أَمَرْتَنِي إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا صَلَّيْتُ. قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْرٍ رَأَيْتُكَ أَحَقَّ مَنْ حَضَرَ بِالصَّلَاةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ. وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ:
ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ
يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
زَمْعَةَ أَخْبَرَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: لَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ زَمْعَةَ: خَرَجَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَطْلَعَ رَأْسَهُ مِنْ
حُجْرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ " لَا لَا لَا، لِيُصَلِّ لِلنَّاسِ ابْنُ أَبِي
قُحَافَةَ " يَقُولُ ذَلِكَ مُغْضِبًا
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ الْأَسْوَدُ: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ
وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَذَّنَ بِلَالٌ،
فَقَالَ " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " فَقِيلَ لَهُ:
إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ
يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ،
فَقَالَ " إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ
بِالنَّاسِ " فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ الْأَرْضَ مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ. قِيلَ لِلْأَعْمَشِ: فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ ؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ بَعْضَهُ، وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا
قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي
مَرَضِهِ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ " قَالَتْ
عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ، لَمْ يُسْمِعِ
النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَقُلْتُ
لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ
يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ،
فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ
فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ " فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ
لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ
حَدِيثِ مَالِكٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:أَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ
بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً،
فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ
اسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ. فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نُمَيْرٍ بِهِ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ
يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، قِيلَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ " مُرُوا أَبَا
بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ
النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ. فَقَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ
بِالنَّاسِ " فَعَاوَدَتْهُ مِثْلَ مَقَالَتِهَا، فَقَالَ: " أَنْتُنَّ
صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " قَالَ
ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَقَدْ عَاوَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى مُعَاوَدَتِهِ إِلَّا
أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ، وَإِلَّا أَنِّي
عَلِمْتُ أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ أَحَدٌ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ،
فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَى غَيْرِهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتِي قَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ
فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ
رَقِيقٌ، إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَ
أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا بِي إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَشَاءَمَ
النَّاسُ بِأَوَّلِ مَنْ يَقُومُ فِي مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. فَقَالَ
" لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ،
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ
فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يَسْتَطِعْ يُصَلِّي
بِالنَّاسِ. قَالَ: فَقَالَ " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ،
فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ " قَالَ: فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ حَيَاةَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا
زَائِدَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ
مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ: بَلَى،
ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "
أَصَلَّى النَّاسُ ؟ " فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ. فَقَالَ: " ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ " فَفَعَلْنَا،
قَالَتْ: فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ
فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ ؟ " قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ
يَا رَسُولَ
اللَّهِ. قَالَ "
ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ " فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ
لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ " أَصَلَّى النَّاسُ ؟
" قُلْنَا: لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَتْ:
وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ،
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا رَقِيقًا، فَقَالَ: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ.
فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ. فَصَلَّى بِهِمْ تِلْكَ الْأَيَّامَ، ثُمَّ
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ خِفَّةً،
فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ،
فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ لَا
يَتَأَخَّرَ، وَأَمْرَهُمَا فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِهِ، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ
يُصَلِّي قَائِمًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
قَاعِدًا. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ:
أَلَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: هَاتِ. فَحَدَّثْتُهُ فَمَا أَنْكَرَ
مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: سَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ
الْعَبَّاسِ ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ هُوَ عَلِيٌّ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زَائِدَةَ بِهِ. وَفِي
رِوَايَةٍ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ
أَبِي بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَعَلَّقَ أَبُو بَكْرٍ
صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ
قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَسْوَدُ وَعُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ الْأَرْقَمُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. يَعْنِي بِذَلِكَ مَا
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي
زَائِدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَرْقَمِ بْنِ
شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ وَجَدَ
خِفَّةً فَخَرَجَ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ أَرَادَ أَنْ يَنْكِصَ،
فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ
إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَاسْتَفْتَحَ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي
انْتَهَى إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثُمَّ رَوَاهُ أَيْضًا،
عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَرْقَمَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا. وَقَالَ وَكِيعٌ مَرَّةً: فَكَانَ أَبُو
بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ
يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَرْقَمَ
بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، ثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ:صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. وَقَدْ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ
حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا
بَكْرُ بْنُ عِيسَى، سَمِعْتُ شُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ
أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الصَّفِّ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ
الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَنَا يَعْقُوبُ
بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ
عَائِشَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ
أَبِي بَكْرٍ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
وَيُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا.
ثُمَّ أَسْنَدَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ; أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَنْبَأَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَأَبُو بَكْرٍ
يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ فِي بُرْدَةٍ قَدْ خَالَفَ
بَيْنَ طَرَفَيْهَا فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ،
أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ،
أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ:آخَرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ، خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ
جَيِّدٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ
جَيِّدٌ بِأَنَّهَا آخَرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ،
عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ بُرْدٍ مُخَالِفًا بَيْنَ
طَرَفَيْهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَالَ: " ادْعُ لِي أَسَامَةَ
بْنَ زَيْدٍ " فَجَاءَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى نَحْرِهِ، فَكَانَتْ آخِرَ
صَلَاةٍ صَلَّاهَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ
صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ يَوْمَ الْوَفَاةِ ; لِأَنَّهَا آخِرُ
صَلَاةٍ صَلَّاهَا لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَخَذَهُ مُسَلِّمًا مِنْ " مَغَازِي
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ " فَإِنَّهُ كَذَلِكَ ذَكَرَ. وَكَذَا رَوَى أَبُو
الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ، بَلْ هَذِهِ آخَرُ صَلَاةٍ
صَلَّاهَا مَعَ الْقَوْمِ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْيِيدُهُ فِي الرِّوَايَةِ
الْأُخْرَى، وَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى مُقَيَّدِهِ، ثُمَّ
لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
يَوْمِ الْوَفَاةِ، لِأَنَّ تِلْكَ لَمْ يُصَلِّهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ، بَلْ فِي
بَيْتِهِ لِمَا بِهِ مِنَ الضَّعْفِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي "
صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ،أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ
يُصَلِّي لَهُمْ فِي
وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ
الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ
وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ
مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ،
فَأَشَارَ إِلَيْنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا
صَلَاتَكُمْ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:لَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَذَهَبَ
أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: " عَلَيْكُمْ
بِالْحِجَابِ " فَرَفَعَهُ فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَحَ لَنَا، فَأَوْمَأَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ
يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ،
فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ
أَبِيهِ بِهِ. فَهَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، لَمْ يُصَلِّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّاسِ،
وَأَنَّهُ كَانَ قَدِ انْقَطَعَ عَنْهُمْ ; لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ ثَلَاثًا.
قُلْنَا فَعَلَى هَذَا
يَكُونُ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَهُمُ الظَّهْرَ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ
فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَا
يَوْمَ السَّبْتِ، وَلَا يَوْمَ الْأَحَدِ كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ
" مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ "، وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِمَا قَدَّمْنَا
مِنْ خُطْبَتِهِ بَعْدَهَا، وَلِأَنَّهُ انْقَطَعَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةَ،
وَالسَّبْتِ، وَالْأَحَدِ، وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَوَامِلُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ صَلَّى بِهِمْ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً. وَقَالَ غَيْرُهُ: عِشْرِينَ
صَلَاةً. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ بَدَا لَهُمْ وَجْهُهُ الْكَرِيمُ صَبِيحَةَ
يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَوَدَّعَهُمْ بِنَظْرَةٍ كَادُوا يَفْتَتِنُونَ بِهَا، ثُمَّ
كَانَ ذَلِكَ آخِرَ عَهْدِ جُمْهُورِهِمْ بِهِ، وَلِسَانُ حَالِهِمْ يَقُولُ،
كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَكُنْتُ أَرَى كَالْمَوْتِ مِنْ بَيْنِ سَاعَةٍ فَكَيْفَ بِبَيْنٍ كَانَ
مَوْعِدَهُ الْحَشْرُ
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ
هَاتَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: فَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، احْتَجَبَ عَنْهُمْ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ
فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَصَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا قَالَ
عُرْوَةُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَوْ
أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ الْخَبَرِ وَسَكَتَ عَنْ آخِرِهِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
أَيْضًا بَعِيدٌ جِدًّا ; لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ: فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى
مَاتَ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ. وَقَوْلُ
الصَّحَابِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ التَّابِعِيِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ
أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ إِمَامًا لِلصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ فِي
الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ
أَكْبَرُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْعَمَلِيَّةِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: وَتَقْدِيمُهُ لَهُ أَمْرٌ
مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَتَقْدِيمُهُ لَهُ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ وَأَقْرَؤُهُمْ ; لِمَا ثَبَتَ فِي
الْخَبَرِ الْمُتَّفِقِ عَلَى صِحَّتِهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ
أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً
فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً
فَأَكْبُرُهُمْ سِنًّا، فَإِنْ كَانُوا فِي السِّنِّ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ
سِلْمًا " قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ،
مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بِمَاءِ الذَّهَبِ، ثُمَّ قَدِ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ
الصِّفَاتُ كُلُّهَا فِي الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ،
وَصَلَاةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ فِي بَعْضِ
الصَّلَوَاتِ، كَمَا قَدَّمْنَا بِذَلِكَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ، لَا
يُنَافِي مَا رُوِيَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ائْتَمَّ
بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى،
كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، رَحِمَهُمُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
فَائِدَةٌ: اسْتَدَلَّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ،
وَمِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ، بِصَلَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ مُقْتَدِيًا بِهِ قَائِمًا، وَالنَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ،
عَلَى نَسْخِ قَوْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فِي الْحَدِيثِ
الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حِينَ
صَلَّى بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ قَاعِدًا، وَقَدْ وَقَعَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ
شِقُّهُ فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا،
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " كَذَلِكَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
تَفْعَلُونَ كَفِعْلِ فَارِسَ وَالرُّومِ ; يَقُومُونَ عَلَى عُظَمَائِهِمْ وَهُمْ
جُلُوسٌ. وَقَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ
فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا
سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ
" قَالُوا: ثُمَّ إِنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَمَّهُمْ
قَاعِدًا، وَهُمْ قِيَامٌ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ مَا
تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَنَوَّعَتْ مَسَالِكُ النَّاسِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ
عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، مَوْضِعُ ذِكْرِهَا كِتَابُ " الْأَحْكَامِ
الْكَبِيرِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الصَّحَابَةَ جَلَسُوا
لِأَمْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنَّمَا اسْتَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا لِأَجْلِ
التَّبْلِيغِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
قَالَ: بَلْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْإِمَامُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لِشِدَّةِ
أَدَبِهِ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُبَادِرُهُ بَلْ
يَقْتَدِي بِهِ، فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، صَارَ إِمَامَ
الْإِمَامِ، فَلِهَذَا لَمْ يَجْلِسُوا لِاقْتِدَائِهِمْ بِأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ
قَائِمٌ وَلَمْ يَجْلِسِ الصِّدِّيقُ لِأَجْلِ أَنَّهُ إِمَامٌ، وَلِأَنَّهُ
يُبَلِّغُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرَكَاتِ
وَالسَّكَنَاتِ وَالِانْتِقَالَاتِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
قَالَ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَبْتَدِئَ
الصَّلَاةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَيَسْتَمِرَّ فِيهَا قَائِمًا وَإِنْ طَرَأَ جُلُوسُ الْإِمَامِ فِي أَثْنَائِهَا كَمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَبَيْنَ أَنْ يَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ خَلْفَ إِمَامٍ جَالِسٍ فَيَجِبُ الْجُلُوسُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: هَذَا الصَّنِيعُ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَائِغٌ جَائِزٌ ; الْجُلُوسُ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْقِيَامُ لِلْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ
احْتِضَارِهِ وَوَفَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،
هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسَسْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ
لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا ! قَالَ: " أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ
الرَّجُلَانِ مِنْكُمْ " قُلْتُ: إِنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ ؟ قَالَ: "
نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يُصِيبُهُ
أَذًى مِنْ مَرَضٍ، فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ بِهِ خَطَايَاهُ،
كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا " وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ
الْأَعْمَشِ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، فِي " مُسْنَدِهِ ":
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
قَالَ: وَضَعْتُ يَدِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أُطِيقُ أَنْ أَضَعَ يَدِي عَلَيْكَ مِنْ شِدَّةِ
حُمَّاكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّا
مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلَاءُ كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا
الْأَجْرُ، إِنْ كَانَ النَّبِيُّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَيُبْتَلَى بِالْقُمَّلِ
حَتَّى يَقْتُلَهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُبْتَلَى بِالْعُرْيِ حَتَّى
يَأْخُذَ الْعَبَاءَةَ، فَيُجَوِّبُهَا، وَإِنْ كَانُوا لَيَفْرَحُونِ
بِالْبَلَاءِ كَمَا تَفْرَحُونَ بِالرَّخَاءِ ". فِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ، لَا
يُعْرَفُ بِالْكُلِّيَّةِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَجَرِيرٍ، ثَلَاثَتُهُمْ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ الْوَجَعَ عَلَى أَحَدِ أَشَدَّ مِنْهُ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَاقِنَتِي
وَذَاقِنَتِي، فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لِأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ، فِي " صَحِيحِهِ " قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَشَدُّ النَّاسِ
بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ،
يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ، فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ
شُدِّدَ عَلَيْهِ، فِي الْبَلَاءِ..
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
قَالَ:لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَبَطْتُ
وَهَبَطَ النَّاسُ مَعِي إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَصْمَتَ، فَلَا يَتَكَلَّمُ، فَجَعَلَ
يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ يَصُبُّهَا عَلَيَّ، أَعْرِفُ أَنَّهُ
يَدْعُو لِي. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ
بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، فِي " مُوَطَّئِهِ " عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: كَانَ
مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ قَالَ: " قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ; اتَّخَذُوا
قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ
" هَكَذَا رَوَاهُ مُرْسَلًا، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى
وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ:
" لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ; اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ " يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ
الْأَدِيبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ:
" أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ ".
وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ
إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى " وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي
خَيْرًا ".
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، حَدَّثَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ
حَرْبٍ، ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: " الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ " حَتَّى جَعَلَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا
يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا
التَّيْمِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ
وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ
الْمَوْتُ: " الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " حَتَّى جَعَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ،
وَمَا يَكَادُ يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ. وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ طَرْخَانَ، وَهُوَ التَّيْمِيُّ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا بَكْرُ بْنُ عِيسَى الرَّاسِبِيُّ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ
الْفَضْلِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ:
أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ آتِيَهُ
بِطَبَقٍ يَكْتُبُ فِيهِ مَا لَا تَضِلُّ أُمَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ:
فَخَشِيتُ أَنْ تَفُوتَنِي نَفْسُهُ. قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَحْفَظُ وَأَعِي.
قَالَ: " أُوصِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
" تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ عَامَّةُ وَصِيَّةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ: " الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " حَتَّى جَعَلَ يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا
يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ
مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ أَنَّ سَفِينَةَ حَدَّثَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ عَفَّانُ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ
بْنِ هَارُونَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ،
عَنْ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا يُونُسُ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ،
عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَمُوتُ، وَعِنْدَهُ
قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ
بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ " اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ
" وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ
اللَّيْثِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ
وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ إِسْحَاقَ
بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ أَنِّي رَأَيْتُ بَيَاضَ
كَفِّ عَائِشَةَ، فِي الْجَنَّةِ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ
لَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ مَحَبَّتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، لِعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ مَعَانِيَ
كَثِيرَةً فِي كَثْرَةِ الْمَحَبَّةِ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدُهُمْ هَذَا
الْمَبْلَغَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ كَلَامًا لَا حَقِيقَةَ
لَهُ، وَهَذَا كَلَامٌ حَقٌّ لَا مَحَالَةَ وَلَا شَكَّ فِيهِ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فِي بَيْتِي، وَتُوُفِّيَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَكَانَ جِبْرِيلُ
يُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ، فَذَهَبْتُ أَدْعُو بِهِ، فَرَفَعَ بَصَرَهُ
إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: " فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، فِي الرَّفِيقِ
الْأَعْلَى " وَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَبِيَدِهِ
جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً.
قَالَتْ، فَأَخَذْتُهَا فَنَفَضْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ بِهَا
أَحْسَنَ مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا، فَسَقَطَتْ مِنْ
يَدِهِ. قَالَتْ: فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ
الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْآخِرَةِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي
أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ
الْفَقِيهُ بِبُخَارَى،
ثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ الضَّبِّيُّ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، أَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو
ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ
مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي يَوْمِي، وَفِي بَيْتِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي،
وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ. قَالَتْ دَخَلَ
عَلَيَّ أَخِي بِسِوَاكٍ مَعَهُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِي فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَقَدْ
عَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ وَيَأْلَفُهُ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ ؟
فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ ; أَيْ نَعَمْ. فَلَيَّنْتُهُ لَهُ، فَأَمَرَّهُ عَلَى
فِيهِ. قَالَتْ: وَبَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ
يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: "
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٌ " ثُمَّ نَصَبَ
أُصْبُعَهُ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ يَقُولُ: " فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، فِي
الرَّفِيقِ الْأَعْلَى " حَتَّى قُبِضَ، وَمَالَتْ يَدُهُ فِي الْمَاءِ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا
نُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى
يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ مَرَضُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَرَضَتْ
لَهُ بُحَّةٌ.
فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقَيْنِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ
أُولَئِكَ رَفِيقًا " قَالَتْ عَائِشَةُ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ كَانَ
يُخَيَّرُ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ:
" إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ،
ثُمَّ يُخَيَّرُ " قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ
سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، وَقَالَ
" اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى " فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ
الَّذِي كَانَ حَدَّثَنَاهُ وَهُوَ صَحِيحٌ: " إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ
قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ " قَالَتْ
عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: إِذًا لَا تَخْتَارُنَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَتْ تِلْكَ
الْكَلِمَةُ آخَرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرَّفِيقَ الْأَعْلَى ". أَخْرَجَاهُ مِنْ
غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ، هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ،
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي حِجْرِي، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُ
وَجْهَهُ، وَأَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ، فَقَالَ: " لَا، بَلْ أَسْأَلُ
اللَّهَ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى الْأَسْعَدَ مَعَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ
وَإِسْرَافِيلَ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ،
قَالُوا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْأَصَمُّ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،
أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ
إِلَى صَدْرِهَا يَقُولُ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي،
وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ " أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: مَاتَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي
وَفِي دَوْلَتِي، وَلَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ
سِنِّي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَهُوَ
فِي حِجْرِي، ثُمَّ وَضَعْتُ رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ وَقُمْتُ أَلْتَدِمُ مَعَ
النِّسَاءِ، وَأَضْرِبُ وَجْهِي.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، ثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا تُقْبَضُ نَفْسُهُ، ثُمَّ
يَرَى الثَّوَابَ، ثُمَّ تَرُدُّ إِلَيْهِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ تُرَدَّ
إِلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَلْحَقَ " فَكُنْتُ قَدْ حَفِظْتُ ذَلِكَ مِنْهُ،
فَإِنِّي لَمُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ حِينَ مَالَتْ
عُنُقُهُ، فَقُلْتُ: قَدْ قَضَى، فَعَرَفْتُ الَّذِي قَالَ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ
حِينَ ارْتَفَعَ
فَنَظَرَ. قَالَتْ: قُلْتُ: إِذًا وَاللَّهِ لَا يَخْتَارُنَا، فَقَالَ: "
مَعَ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، فِي الْجَنَّةِ " مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينِ وَالصِّدِّيقِينِ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ،
وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ،
أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُبِضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَسُهُ بَيْنَ سَحْرِي
وَنَحْرِي. قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَتْ نَفْسُهُ لَمْ أَجِدْ رِيحًا قَطُّ
أَطْيَبَ مِنْهَا. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ
يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَنْبَلِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَفَّانَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ثَنَا
يُونُسُ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَبِي عُرْوَةَ،
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: وَضَعْتُ يَدِي عَلَى صَدْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ، فَمَرَّتْ بِي جُمَعٌ آكُلُ
وَأَتَوَضَّأُ، وَمَا يَذْهَبُ رِيحُ الْمِسْكِ مِنْ يَدِي.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَبَهْزٌ، قَالَا: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
الْمُغِيرَةِ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَى عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا
مِمَّا صُنِعَ
بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً مِنَ الَّتِي يَدْعُونَ الْمُلَبَّدَةَ، فَقَالَتْ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ فِي هَذَيْنِ
الثَّوْبَيْنِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ مِنْ طُرُقٍ،
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
أَنْبَأَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ قَالَ:
ذَهَبْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي إِلَى عَائِشَةَ، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهَا،
فَأَلْقَتْ لَنَا وِسَادَةً، وَجَذَبَتْ إِلَيْهَا الْحِجَابَ، فَقَالَ صَاحِبِي:
يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَقُولِينَ فِي الْعِرَاكِ ؟ قَالَتْ: وَمَا
الْعِرَاكُ ؟ فَضَرَبْتُ مَنْكِبَ صَاحِبِي، فَقَالَتْ: مَهْ آذَيْتَ أَخَاكَ.
ثُمَّ قَالَتْ: مَا الْعِرَاكُ ! الْمَحِيضُ، قُولُوا: مَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ
وَجَلَّ الْمَحِيضُ. ثُمَّ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَشَّحُنِي وَيَنَالُ مِنْ رَأْسِي، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ
ثَوْبٌ وَأَنَا حَائِضٌ. ثُمَّ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِبَابِي مِمَّا يُلْقِي الْكَلِمَةَ يَنْفَعُنِي
اللَّهُ بِهَا، فَمَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ مَرَّ فَلَمْ
يَقِلْ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقُلْتُ: يَا جَارِيَةُ، ضَعِي لِي
وِسَادَةً عَلَى الْبَابِ، وَعَصَبْتُ رَأْسِي فَمَرَّ بِي، فَقَالَ: " يَا
عَائِشَةُ مَا شَأْنُكِ ؟ " فَقُلْتُ: أَشْتَكِي رَأْسِي، فَقَالَ "
أَنَا، وَارَأْسَاهْ ! " فَذَهَبَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى
جِيءَ بِهِ مَحْمُولًا فِي كِسَاءٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ، وَبَعَثَ إِلَى النِّسَاءِ،
فَقَالَ " إِنِّي قَدِ اشْتَكَيْتُ،
وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدُورَ بَيْنَكُنَّ، فَأْذَنَّ لِي، فَلْأَكُنْ عِنْدَ عَائِشَةَ " فَكُنْتُ أُمَرِّضُهُ، وَلَمْ أُمَرِّضْ أَحَدًا قَبْلَهُ، فَبَيْنَمَا رَأْسُهُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى مَنْكِبِي إِذْ مَالَ رَأْسُهُ نَحْوَ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ مِنْ رَأْسِي حَاجَةً، فَخَرَجَتْ مِنْ فِيهِ نُقْطَةٌ بَارِدَةٌ، فَوَقَعَتْ عَلَى ثَغْرَةِ نَحْرِي، فَاقْشَعَرَّ لَهَا جِلْدِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَسَجِيَّتُهُ ثَوْبًا، فَجَاءَ عُمَرُ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَاسْتَأْذَنَا، فَأَذِنْتُ لَهُمَا وَجَذَبْتُ إِلَيَّ الْحِجَابَ، فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَاغَشْيَاهْ ! مَا أَشَدَّ غَشْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَامَا، فَلَمَّا دَنَوَا مِنَ الْبَابِ قَالَ الْمُغِيرَةُ: يَا عُمَرُ، مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ تَحُوسُكَ فِتْنَةٌ ; إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُفْنِيَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ. قَالَتْ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَرَفَعْتُ الْحِجَابَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَحَدَرَ فَاهُ، فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ قَالَ: وَانَبِيَّاهْ ! ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَدَرَ فَاهُ، وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاصَفِيَّاهْ ! ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَحَدَرَ فَاهُ وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ، وَقَالَ: وَاخَلِيلَاهْ ! مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَعُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَتَكَلَّمُ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُفْنِيَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ. فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ الزُّمَرِ: 30 ]. حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ. وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [ آلِ عِمْرَانَ: 144 ]. حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ:
فَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ
اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا
فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَإِنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللَّهِ
؟ ! مَا شَعَرْتُ أَنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ ذُو شَيْبَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَبَايِعُوهُ،
فَبَايَعُوهُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، فِي "
الشَّمَائِلِ " مِنْ حَدِيثِ مَرْحُومِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَطَّارِ،
عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ بِهِ بِبَعْضِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مِلْحَانَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ
عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ
بِالسُّنْحِ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ
حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ،
ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ
وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ
مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ
مُتَّهَا.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ
يُكَلِّمُ النَّاسَ.
فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ. فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا
عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَقْبَلَ
النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ
مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ
اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ الْآيَةَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّ
النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ، حَتَّى
تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا سُمِعَ
بَشَرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ:
وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَرَفْتُ
أَنَّهُ الْحَقُّ، فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ، وَحَتَّى هَوَيْتُ
إِلَى الْأَرْضِ، وَعَرَفْتُ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ
يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، ثَنَا أَبُو
الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي ذِكْرِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
يَخْطُبُ النَّاسَ وَيَتَوَعَّدُ مَنْ قَالَ: مَاتَ. بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ،
وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
غَشْيَتِهِ لَوْ قَدْ قَامَ قَتَلَ وَقَطَعَ. وَعَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ
زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ
يَقْرَأُ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
الْآيَةَ.
وَالنَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ يَبْكُونَ، وَيَمُوجُونَ لَا يَسْمَعُونَ، فَخَرَجَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَنْ عَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي وَفَاتِهِ فَلْيُحَدِّثْنَا ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ يَا عُمَرُ مِنْ عِلْمٍ ؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَشْهَدُ أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَّ أَحَدًا لَا يَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيْهِ فِي وَفَاتِهِ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ ذَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْتَ. قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ السُّنْحِ عَلَى دَابَّتِهِ حَتَّى نَزَلَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَأَقْبَلَ مَكْرُوبًا حَزِينًا، فَاسْتَأْذَنَ فِي بَيْتِ ابْنَتِهِ عَائِشَةَ، فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفِّيَ عَلَى الْفِرَاشِ وَالنِّسْوَةُ حَوْلَهُ، فَخَمَّرْنَ وُجُوهَهُنَّ، وَاسْتَتَرْنَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَائِشَةَ، فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَنَى عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ، وَيَبْكِي وَيَقُولُ: لَيْسَ مَا يَقُولُهُ ابْنُ الْخَطَّابِ شَيْئًا، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا. ثُمَّ غَشَّاهُ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ خَرَجَ سَرِيعًا إِلَى الْمَسْجِدِ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، حَتَّى أَتَى الْمِنْبَرَ، وَجَلَسَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَبَا بَكْرٍ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى جَانِبِ الْمِنْبَرِ، وَنَادَى النَّاسَ فَجَلَسُوا وَأَنْصَتُوا، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ بِمَا عَلِمَهُ مِنَ التَّشَهُّدِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، نَعَى نَبِيَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، وَنَعَاكُمْ إِلَى أَنْفُسِكُمْ، وَهُوَ الْمَوْتُ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تَعَالَى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الْآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْقُرْآنِ ؟ ! وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ قَبْلَ الْيَوْمِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا
وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ الْقَصَصِ: 88 ] وَقَالَ
تَعَالَى كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ [ الرَّحْمَنِ: 27، 26 ] وَقَالَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ
وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ آلِ عِمْرَانَ: 185 ]
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَمَّرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبْقَاهُ حَتَّى أَقَامَ دِينَ اللَّهِ، وَأَظْهَرَ أَمْرَ اللَّهِ، وَبَلَّغَ
رِسَالَةَ اللَّهِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى
ذَلِكَ، وَقَدْ تَرَكَكُمْ عَلَى الطَّرِيقَةِ، فَلَنْ يَهْلِكَ هَالِكٌ إِلَّا
مِنْ بَعْدِ الْبَيِّنَةِ وَالشِّفَاءِ، فَمَنْ كَانَ اللَّهُ رَبَّهُ، فَإِنَّ
اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا وَيُنَزِّلُهُ
إِلَهًا فَقَدْ هَلَكَ إِلَهُهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ،
وَاعْتَصِمُوا بِدِينِكُمْ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّكُمْ، فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ
قَائِمٌ، وَإِنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ تَامَّةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ مَنْ
نَصَرَهُ، وَمُعِزٌّ دِينَهُ، وَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَهُوَ
النُّورُ وَالشِّفَاءُ، وَبِهِ هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَفِيهِ حَلَالُ اللَّهِ وَحَرَامُهُ، وَاللَّهِ لَا نُبَالِي مَنْ
أَجْلَبَ عَلَيْنَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، إِنَّ سُيُوفَ اللَّهِ لَمَسْلُولَةٌ مَا
وَضَعْنَاهَا بَعْدُ، وَلَنُجَاهِدَنَّ مَنْ خَالَفَنَا كَمَا جَاهَدْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يُبْقِيَنَّ أَحَدٌ
إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ. ثُمَّ انْصَرَفَ، وَانْصَرَفَ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ.
قُلْتُ: كَمَا سَنَذْكُرُهُ مُفَصَّلًا بِدَلَائِلِهِ وَشَوَاهِدِهِ. إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ، قَالُوا: وَلَمَّا شُكَّ فِي مَوْتِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: مَاتَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَمُتْ. وَضَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ يَدَهَا بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: قَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُفِعَ الْخَاتَمُ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ. فَكَانَ هَذَا الَّذِي قَدْ عُرِفَ بِهِ مَوْتُهُ. هَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ " مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَشُيُوخُهُ لَمْ يُسَمَّوْا، ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَمُخَالِفٌ لِمَا صَحَّ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ شَدِيدَةٌ، وَهُوَ رَفْعُ الْخَاتَمِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْوَفَاةِ أَخْبَارًا كَثِيرَةً فِيهَا نَكَارَاتٌ وَغَرَابَةٌ شَدِيدَةٌ، أَضْرَبْنَا عَنْ أَكْثَرِهَا صَفْحًا ; لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا وَنَكَارَةِ مُتُونِهَا، وَلَا سِيَّمَا مَا يُورِدُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْقُصَّاصِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرُهُمْ، فَكَثِيرٌ مِنْهُ مَوْضُوعٌ لَا مَحَالَةَ، وَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ وَالْمَرْوِيَّةِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ غُنْيَةٌ عَنِ الْأَكَاذِيبِ وَمَا لَا يُعْرَفُ سَنَدُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ
أُمُورٍ مُهِمَّةٍ وَقَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَقَبْلَ دَفْنِهِ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَمِنْ أَعْظَمِهَا وَأَجَلِّهَا وَأَيْمَنِهَا بَرَكَةً عَلَى الْإِسْلَامِ
وَأَهْلِهِ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا مَاتَ كَانَ الصِّدِّيقُ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدْ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَكَانَ
إِذْ ذَاكَ قَدْ أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِفَاقَةً مِنْ غَمْرَةِ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْوَجَعِ، وَكَشَفَ سِتْرَ
الْحُجْرَةِ، وَنَظَرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ
أَبِي بَكْرٍ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَتَبَسَّمَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ
عَلَيْهِ، حَتَّى هَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَتْرُكُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ
الصَّلَاةِ ; لِفَرَحِهِمْ بِهِ، وَحَتَّى أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ
; لِيَصِلَ الصَّفَّ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْكُثُوا كَمَا هُمْ، وَأَرْخَى
السِّتَارَةَ، وَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ الصَّلَاةِ دَخَلَ
عَلَيْهِ، وَقَالَ لِعَائِشَةَ: مَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَدْ أَقْلَعَ عَنْهُ مِنَ الْوَجَعِ، وَهَذَا يَوْمُ
بِنْتِ خَارِجَةَ. يَعْنِي إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَكَانَتْ سَاكِنَةً بِالسُّنْحِ
شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ فَرَكِبَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ وَذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ،
وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اشْتَدَّ
الضُّحَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقِيلَ: عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
فَلَمَّا مَاتَ وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَمِنْ قَائِلٍ
يَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْ
قَائِلٍ: لَمْ يَمُتْ. فَذَهَبَ سَالِمُ بْنُ عُبَيْدٍ وَرَاءَ الصِّدِّيقِ إِلَى
السُّنْحِ،
فَأَعْلَمَهُ بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ الصِّدِّيقُ مِنْ مَنْزِلِهِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلَهُ وَكَشَفَ الْغِطَاءَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَبَّلَهُ، وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ إِلَى جَانِبِ الْمِنْبَرِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ وَفَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَدَّمْنَا، وَأَزَاحَ الْجِدَالَ، وَأَزَالَ الْإِشْكَالَ، وَرَجَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلَيْهِ، وَبَايَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَوَقَعَتْ شُبْهَةٌ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، وَقَامَ فِي أَذْهَانِ بَعْضِهِمْ جَوَازُ اسْتِخْلَافِ خَلِيفَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَمِيرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، حَتَّى بَيَّنَ لَهُمُ الصِّدِّيقُ أَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ، فَرَجَعُوا إِلَيْهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ.
قِصَّةُ سَقِيفَةِ بَنِي
سَاعِدَةَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ، ثَنَا
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ
أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى رَحْلِهِ - قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَوَجَدَنِي وَأَنَا
أَنْتَظِرُهُ - وَذَلِكَ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ
بَايَعْتُ فُلَانًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي قَائِمٌ الْعَشِيَّةَ، إِنْ شَاءَ
اللَّهُ، فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ
أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أَمْرَهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رِعَاعَ النَّاسِ
وَغَوْغَاءَهُمْ، وَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ إِذَا
قُمْتَ فِي النَّاسِ، فَأَخْشَى أَنْ تَقُولَ مَقَالَةً يَطِيرُ بِهَا أُولَئِكَ
فَلَا يَعُوهَا، وَلَا يَضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا، وَلَكِنْ حَتَّى تَقْدَمَ
الْمَدِينَةَ ; فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، وَتَخْلُصُ
بِعُلَمَاءِ النَّاسِ وَأَشْرَافِهِمْ، فَتَقُولُ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا،
فَيَعُونَ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا. قَالَ عُمَرُ: لَئِنْ
قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ سَالِمًا صَالِحًا لَأُكَلِّمَنَّ بِهَا النَّاسَ فِي
أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي
الْحِجَّةِ، وَكَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ صَكَّةَ الْأَعْمَى
- قُلْتُ لِمَالِكٍ: وَمَا صَكَّةُ الْأَعْمَى ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَالِي
أَيَّ سَاعَةً
خَرَجَ، لَا يَعْرِفُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ. أَوْ نَحْوَ هَذَا - فَوَجَدْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ عِنْدَ رُكْنِ الْمِنْبَرِ الْأَيْمَنِ قَدْ سَبَقَنِي، فَجَلَسْتُ حِذَاءَهُ تَحُكُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ طَلَعَ عُمَرُ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قُلْتُ: لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مَقَالَةً مَا قَالَهَا عَلَيْهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ. قَالَ: فَأَنْكَرَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ذَلِكَ وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يُقِلْ أَحَدٌ ؟ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي قَائِلٌ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ وَعَاهَا وَعَقَلَهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ لَمْ يَعِهَا فَلَا أُحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ قَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ; إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ، أَلَا وَإِنَّا قَدْ كُنَّا نَقْرَأُ: لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ. أَلَا وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا. فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً. أَلَا وَإِنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ، أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلَأَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّهُ
كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَخَلَّفَتْ عَنَّا الْأَنْصَارُ بِأَجْمَعِهَا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الْأَنْصَارِ. فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ حَتَّى لَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا لَنَا الَّذِي صَنَعَ الْقَوْمُ فَقَالَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ؟ فَقُلْتُ: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ، وَاقْضُوا أَمْرَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَّنَهُمْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى جِئْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ رَجُلٌ مُزَّمَّلٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقُلْتُ: مَا لَهُ ؟ قَالُوا: وَجِعٌ. فَلَمَّا جَلَسْنَا قَامَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَيَحْضُنُونَا مِنَ الْأَمْرِ. فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ كُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ، وَهُوَ كَانَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ. فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَهَا فِي بَدِيهَتِهِ وَأَفْضَلَ حَتَّى سَكَتَ. فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ أَهْلُهُ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ ; هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَيَّهُمَا شِئْتُمْ. وَأَخَذَ بِيَدِي وَيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، وَكَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، إِلَّا أَنْ تَغَيَّرَ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: مَا يَعْنِي أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ ؟ قَالَ: كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا دَاهِيَتُهَا - قَالَ: فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ حَتَّى خَشِيتُ الِاخْتِلَافَ. فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا. فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا. قَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا أَمْرًا هُوَ أَوْفَقُ مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً، فَإِمَّا أَنْ نُبَايِعَهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا أَنْ نُخَالِفَهُمْ فَيَكُونَ فِيهِ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ أَمِيرًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَيْعَةَ لَهُ، وَلَا بَيْعَةَ لِلَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةَ أَنْ يُقْتَلَا. قَالَ مَالِكٌ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ
اللَّذَيْنِ
لَقِيَاهُمَا: عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ. قَالَ ابْنُ
شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الَّذِي قَالَ: أَنَا
جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ. هُوَ الْحُبَابُ بْنُ
الْمُنْذِرِ وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ، مِنْ
طُرُقٍ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا
زَائِدَةُ، ثَنَا عَاصِمٌ، ( ح ) وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ
زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ
- قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَتِ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَأَتَاهُمْ عُمَرُ
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ
النَّاسَ ؟ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ ؟
فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَهَنَّادِ بْنِ
السَّرِيِّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ بِهِ.
وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ:
صَحِيحٌ لَا أَحْفَظُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ. وَقَدْ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنْ
نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ
عُبَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ. وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ نَحْوُهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ.
وَجَاءَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا مَعْشَرَ
الْمُسْلِمِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِأَمْرِ نَبِيِّ اللَّهِ ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ; أَبُو بَكْرٍ السَّبَّاقُ الْمُبِينُ. ثُمَّ
أَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَبِدَرَنِي رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَ عَلَى يَدِهِ
قَبْلَ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ ضَرَبْتُ عَلَى يَدِهِ وَتَتَابَعَ
النَّاسُ.
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَارِمِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ حَمَّادِ
بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَسَمَّى هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي بَايَعَ
الصِّدِّيقَ قَبْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: هُوَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ
وَالِدُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
ذِكْرُ اعْتِرَافِ سَعْدِ
بْنِ عُبَادَةَ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ الصِّدِّيقُ يَوْمَ السَّقِيفَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ،
عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ. قَالَ:
فَجَاءَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي،
مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا، مَاتَ مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَتَقَاوَدَانِ حَتَّى
أَتَوْهُمْ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أُنْزِلَ فِي
الْأَنْصَارِ وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ شَأْنِهِمْ إِلَّا ذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ سَلَكَ النَّاسُ
وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ وَادِيًا، سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ
" وَلَقِدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: " قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ،
فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ "
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: صَدَقْتَ نَحْنُ الْوُزَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْأُمَرَاءُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ
بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذِي عَصْوَانَ
الْعَبْسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ اللَّخْمِيِّ،
عَنْ رَافِعٍ الطَّائِيِّ رَفِيقِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ
السَّلَاسِلِ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَمَّا قِيلَ فِي بَيْعَتِهِمْ، فَقَالَ وَهُوَ
يُحَدِّثُهُ عَمَّا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ، وَمَا كَلَّمَهُمْ بِهِ، وَمَا
كَلَّمَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْأَنْصَارَ، وَمَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ مِنْ
إِمَامَتِي إِيَّاهُمْ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ، فَبَايَعُونِي لِذَلِكَ وَقَبِلْتُهَا مِنْهُمْ،
وَتَخَوَّفْتُ أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ بَعْدَهَا رِدَّةٌ، وَهَذَا إِسْنَادٌ
جَيِّدٌ قَوِيٌّ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا قَبِلَ
الْإِمَامَةَ ; تَخَوُّفًا أَنْ تَقَعَ فِتْنَةٌ أَرْبَى مِنْ تَرْكِهِ قَبُولَهَا
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
قُلْتُ: كَانَ هَذَا فِي بَقِيَّةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ
صَبِيحَةَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ فَتُمِّمَتِ
الْبَيْعَةُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَاطِبَةً، وَكَانَ ذَلِكَ
قَبْلَ تَجْهِيزِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
كَثِيرًا.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ
خُطْبَةَ عُمَرَ الْأَخِيرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الْغَدُ
مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو
بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ. قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَدْبُرَنَا - يُرِيدُ بِذَلِكَ
أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ - فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ
جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ، بِهِ هَدَى اللَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ،
وَإِنَّهُ أَوْلَى النَّاسِ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ. وَكَانَتْ
طَائِفَةٌ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ
فِي سَقِيفَةِ بَنِي
سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ. قَالَ
الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ
لِأَبِي بَكْرٍ: اصْعَدِ الْمِنْبَرَ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ
الْمِنْبَرَ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي السَّقِيفَةِ، وَكَانَ
الْغَدُ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَامَ عُمَرُ فَتَكَلَّمَ
قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ
ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمْ بِالْأَمْسِ
مَقَالَةً مَا كَانَتْ مِمَّا وَجَدْتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا كَانَتْ
عَهْدًا عَهِدَهُ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنِّي
كُنْتُ أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَيَدْبُرُ أَمْرَنَا - يَقُولُ: يَكُونُ
آخِرَنَا - وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْقَى فِيكُمْ كِتَابَهُ الَّذِي بِهِ هَدَى
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ
هَدَاكُمُ اللَّهُ لِمَا كَانَ هَدَاهُ لَهُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَمَعَ
أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ ; صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ.
فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ بَعْدَ بَيْعَةِ
السَّقِيفَةِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي قَدْ
وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي،
وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ،
وَالضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ، إِنْ
شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ، إِنْ
شَاءَ اللَّهُ، لَا يَدْعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا
ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ، وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ
إِلَّا عَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْبَلَاءِ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَلَا
طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ. وَهَذَا
إِسْنَادٌ صَحِيحٌ فَقَوْلُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلِيتُكُمْ وَلَسْتُ
بِخَيْرِكُمْ. مِنْ بَابِ الْهَضْمِ وَالتَّوَاضُعِ، فَإِنَّهُمْ مُجْمِعُونَ
عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ وَخَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَافِظُ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،
قَالَا: حَدَّثَنَا بُنْدَارُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ
الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُبِضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي
دَارِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ: فَقَامَ
خَطِيبُ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَخَلِيفَتُهُ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُ خَلِيفَتِهِ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَهُ.
قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: صَدَقَ قَائِلُكُمْ. أَمَا لَوْ
قُلْتُمْ غَيْرَ هَذَا لَمْ نُتَابِعْكُمْ. وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ:
هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ. فَبَايَعَهُ عُمَرُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَارُ. قَالَ: فَصَعِدَ أَبُو بَكْرٍ الْمِنْبَرَ، فَنَظَرَ فِي وُجُوهِ
الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ. قَالَ: فَدَعَا بِالزُّبَيْرِ فَجَاءَ،
فَقَالَ: قُلْتُ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَحَوَارِيُّهُ، أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ؟ !
فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ
اللَّهِ. فَقَامَ
فَبَايَعَهُ ثُمَّ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا فَدَعَا
بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَجَاءَ. فَقَالَ: قُلْتُ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ عَلَى ابْنَتِهِ أَرَدْتَ
أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ؟ ! قَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ
رَسُولِ اللَّهِ. فَبَايَعَهُ. هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ
الْحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: جَاءَنِي
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، فَسَأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَكَتَبْتُهُ لَهُ
فِي رُقْعَةٍ، وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ يَسْوَى بَدَنَةً،
فَقُلْتُ: يَسْوَى بَدَنَةً ؟ ! بَلْ يَسْوَى بَدْرَةً.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
حَامِدٍ الْمُقْرِئِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ
الْأَصَمِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، عَنْ عَفَّانَ بْنِ
سَلْمٍ، عَنْ وُهَيْبٍ بِهِ. وَلَكَنْ ذَكَرَ أَنَّ الصِّدِّيقَ هُوَ الْقَائِلُ
لِخَطِيبِ الْأَنْصَارِ بَدَلَ عُمَرَ. وَفِيهِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخَذَ
بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ، ثُمَّ انْطَلَقُوا.
فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ
فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ
فَأَتَوْا بِهِ. فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الزُّبَيْرِ
بَعْدِ عَلِيٍّ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ وُهَيْبٍ، مُخْتَصَرًا.
وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَذَكَرَ
نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيِّ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَهِيَ مُبَايَعَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِمَّا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الْوَفَاةِ. وَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يُفَارِقِ الصِّدِّيقَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ خَلْفَهُ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَخَرَجَ مَعَهُ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ، لَمَّا خَرَجَ الصِّدِّيقُ شَاهِرًا سَيْفَهُ يُرِيدُ قِتَالَ أَهْلِ الرِّدَّةِ كَمَا سَنُبِيِّنُهُ قَرِيبًا، وَلَكِنْ لَمَّا حَصَلَ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَتْبٌ عَلَى الصِّدِّيقِ بِسَبَبِ مَا كَانَتْ مُتَوَهِّمَةً مِنْ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ مِيرَاثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَعْلَمْ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " فَحَجَبَهَا وَغَيْرَهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ وَعَمَّهُ عَنِ الْمِيرَاثِ بِهَذَا النَّصِّ الصَّرِيحِ، كَمَا سَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَنْظُرَ عَلِيٌّ زَوْجُهَا فِي صَدَقَةِ الْأَرْضِ الَّتِي بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ، فَلَمْ يُجِبْهَا إِلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ فِي جَمِيعِ مَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ الرَّاشِدُ التَّابِعُ لِلْحَقِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَصَلَ لَهَا - وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنَ الْبَشَرِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ الْعِصْمَةِ - عَتْبٌ وَتَغَضُّبٌ، وَلَمْ تُكَلِّمِ الصِّدِّيقَ حَتَّى مَاتَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَاحْتَاجَ عَلِيٌّ أَنْ يُرَاعِيَ خَاطِرَهَا بَعْضَ الشَّيْءِ، فَلَمَّا مَاتَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَفَاةِ أَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلِيٌّ أَنْ يُجَدِّدَ الْبَيْعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ " الصَّحِيحَيْنِ " وَغَيْرِهِمَا فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ الْبَيْعَةِ قَبْلَ دَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَزِيدُ ذَلِكَ صِحَّةً قَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي " مَغَازِيهِ "،
عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَسَرَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ ثُمَّ خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَاعْتَذَرَ إِلَى النَّاسِ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الْإِمَارَةِ يَوْمًا وَلَا لَيْلَةً، وَلَا سَأَلْتُهَا اللَّهَ فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ. فَقَبِلَ الْمُهَاجِرُونَ مَقَالَتَهُ، وَقَالَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ: مَا غَضِبْنَا إِلَّا لِأَنَّا أُخِّرْنَا عَنِ الْمَشُورَةِ، وَإِنَّا نَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا، إِنَّهُ لَصَاحِبُ الْغَارِ وَإِنَّا لَنَعْرِفُ شَرَفَهُ وَخَبَرَهُ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ. إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
فَصْلٌ
وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ -
الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ وَالْأَنْصَارِ - عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ،
وَظَهَرَ بُرْهَانُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " يَأْبَى
اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ". وَظَهَرَ لَهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى
الْخِلَافَةِ عَيْنًا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، لَا لِأَبِي بَكْرٍ كَمَا قَدْ
زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا لَعَلِّي كَمَا يَقُولُهُ طَائِفَةُ
الرَّافِضَةِ، وَلَكِنْ أَشَارَ إِشَارَةً قَوِيَّةً يَفْهَمُهَا كُلُّ ذِي لُبٍّ
وَعَقْلٍ إِلَى الصِّدِّيقِ، كَمَا قَدَّمْنَا وَكَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ.
كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا
طُعِنَ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ:
إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي - يَعْنِي أَبَا
بَكْرٍ - وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي. يَعْنِي رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَعَرَفْتُ حِينَ
ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ
مُسْتَخْلِفٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
سُفْيَانَ قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ عَلِيٌّ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا
فِي هَذِهِ الْإِمَارَةِ شَيْئًا، حَتَّى رَأَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ أَنْ
نَسْتَخْلِفَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ،
ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَأَى مِنَ الرَّأْيِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ
فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. أَوْ قَالَ: حَتَّى ضَرَبَ
الدِّينُ بِجِرَانِهِ إِلَى آخِرِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا شَرِيكٌ عَنِ
الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: خَطَبَ رَجُلٌ يَوْمَ
الْبَصْرَةِ حِينَ ظَهَرَ عَلِيٌّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا الْخَطِيبُ الشَّحْشَحُ
! سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى أَبُو
بَكْرٍ، وَثَلَّثَ عُمَرُ، ثُمَّ خَبَطَتْنَا فِتْنَةٌ بَعْدَهُمْ يَصْنَعُ
اللَّهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُزَكِّي بِمَرْوَ ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ، ثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ثَنَا
شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ: مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَخْلِفَ، وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ
بِالنَّاسِ خَيْرًا فَسَيَجْمَعُهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ، كَمَا جَمَعَهُمْ
بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ. إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
وَقَدْ
قَدَّمْنَا مَا ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبَّاسًا وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
لَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا. فَقَالَ
الْعَبَّاسُ: إِنَّكَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، إِنِّي
لَأَعْرِفُ فِي وُجُوهِ بَنِي هَاشِمٍ الْمَوْتَ، وَإِنِّي لِأَرَى فِي وَجْهِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْتَ، فَاذْهَبْ بِنَا
إِلَيْهِ فَنَسْأَلُهُ فَيَمَنْ هَذَا الْأَمْرُ، فَإِنْ كَانَ فِينَا
عَرَفْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا أَمَرْنَاهُ فَوَصَّاهُ بِنَا. فَقَالَ
عَلِيٌّ إِنِّي لَا أَسْأَلُهُ ذَلِكَ، وَاللَّهِ إِنْ مَنَعَنَاهَا لَا
يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ أَبَدًا.
وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
قُلْتُ: فَهَذَا يَكُونُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ يَوْمِ الْوَفَاةِ. فَدَلَّ
عَلَى أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ
وَصِيَّةٍ فِي الْإِمَارَةِ. وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ الْكِتَابَ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ طَلَبَ أَنْ
يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا لَنْ يَضِلُّوا بَعْدَهُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ
وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَهُ قَالَ " قُومُوا
عَنِّي فَمَا أَنَا فِيهِ
خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ " وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ قَالَ
بَعْدَ ذَلِكَ " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ
".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ:
إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَتْ: بِمَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ ؟ ! لَقَدْ دَعَا
بِطَسْتٍ لِيَبُولَ فِيهَا وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، فَانْخَنَثَ،
فَمَاتَ وَمَا شَعَرْتُ ; فِيمَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ إِنَّهُ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ
؟ !.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ
طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: هَلْ
أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ:
فَلِمَ أُمِرْنَا بِالْوَصِيَّةِ ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ، عَزَّ
وَجَلَّ. قَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: وَقَالَ هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ:
أَبُو بَكْرٍ يَتَأَمَّرُ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ؟ !
وَدَّ أَبُو بَكْرٍ
أَنَّهُ وَجَدَ عَهْدًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَخَزَمَ أَنْفَهُ بِخِزَامَةٍ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا
نَقْرَؤُهُ لَيْسَ كِتَابَ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ - لِصَحِيفَةٍ
مُعَلَّقَةٍ فِي سَيْفِهِ فِيهَا أَسْنَانُ الْإِبِلِ وَأَشْيَاءُ مِنَ
الْجِرَاحَاتِ - فَقَدْ كَذَبَ. وَفِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ،
مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ
انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا
وَلَا عَدْلًا، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ،
فَمَنَّ أَخَفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا
وَلَا عَدْلًا ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَغَيْرِهِمَا،
عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهُ يَرُدُّ عَلَى فِرْقَةِ الرَّافِضَةِ فِي
زَعْمِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى
إِلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لَمَا رَدَّ
ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَطْوَعَ لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ
وَفَاتِهِ مِنْ أَنْ يَفْتَاتُوا عَلَيْهِ، فَيُقَدِّمُوا غَيْرَ مَنْ
قَدَّمَهُ، وَيُؤَخِّرُوا
مَنْ قَدَّمَهُ بِنَصِّهِ، حَاشَا وَكَلَّا وَلَمَّا، وَمَنْ ظَنَّ
بِالصَّحَابَةِ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَقَدْ نَسَبَهُمْ
بِأَجْمَعِهِمْ إِلَى الْفُجُورِ وَالتَّوَاطِئِ عَلَى مُعَانَدَةِ الرَّسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُضَادَّتِهِمْ فِي حُكْمِهِ وَنَصِّهِ،
وَمَنْ وَصَلَ مِنَ النَّاسِ إِلَى هَذَا الْمَقَامِ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ
الْإِسْلَامِ، وَكَفَرَ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَكَانَ إِرَاقَةُ
دَمِهِ أَحَلَّ مِنْ إِرَاقَةِ الْمُدَامِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، نَصٌّ فَلِمَ لَا كَانَ يَحْتَجُّ بِهِ
عَلَى الصَّحَابَةِ عَلَى إِثْبَاتِ إِمَارَتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِمَامَتِهِ لَهُمْ
؟ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَنْفِيذِ مَا مَعَهُ مِنَ النَّصِّ فَهُوَ عَاجِزٌ،
وَالْعَاجِزُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ وَلَمْ
يَفْعَلْهُ فَهُوَ خَائِنٌ، وَالْخَائِنُ الْفَاسِقُ مَسْلُوبٌ مَعْزُولٌ عَنِ
الْإِمَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُودِ النَّصِّ فَهُوَ جَاهِلٌ، ثُمَّ
وَقَدْ عَرَفَهُ وَعَلِمَهُ مَنْ بَعْدَهُ فَهَذَا مُحَالٌ وَافْتِرَاءٌ وَجَهْلٌ
وَضَلَالٌ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ هَذَا فِي أَذْهَانِ الْجَهَلَةِ الطَّغَامِ
وَالْمُغْتَرِّينَ مِنَ الْأَنَامِ، يُزَيِّنُهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ بِلَا
دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ التَّحَكُّمِ وَالْهَذَيَانِ
وَالْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ عِيَاذًا بِاللَّهِ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ
التَّخْلِيطِ وَالْخِذْلَانِ وَالتَّخْبِيطِ وَالْكُفْرَانِ، وَمَلَاذًا بِاللَّهِ
بِالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ، وَالْوَفَاةِ عَلَى الْإِسْلَامِ
وَالْإِيمَانِ، وَالْمُوَافَاةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالْإِيقَانِ وَتَثْقِيلِ
الْمِيزَانِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ النِّيرَانِ وَالْفَوْزِ بِالْجِنَانِ، إِنَّهُ
كَرِيمٌ مَنَّانٌ رَحِيمٌ رَحْمَنٌ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عَلِيٍّ
الَّذِي قَدَّمْنَاهُ رَدٌّ عَلَى مُتَقَوِّلَةِ كَثِيرٍ مِنَ الطَّرْقِيَّةِ
وَالْقُصَّاصِ الْجَهَلَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَسُوقُونَهَا
مُطَوَّلَةً: يَا عَلِيُّ افْعَلْ كَذَا، يَا عَلِيُّ لَا تَفْعَلْ كَذَا، يَا
عَلِيُّ، مَنْ فَعَلَ كَذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا. بِأَلْفَاظٍ رَكِيكَةٍ،
وَمَعَانِيَ أَكْثَرُهَا سَخِيفَةٌ،
وَكَثِيرٌ مِنْهَا
ضَعِيفَةٌ لَا تُسَاوِي تَسْوِيدَ الصَّحِيفَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو
النَّصِيبِيِّ - وَهُوَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ الْوَضَّاعِينَ - عَنِ السَّرِيِّ
بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ " يَا عَلِيُّ أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا فَإِنَّكَ لَا
تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا حَفِظْتَهَا ; يَا عَلِيُّ إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثَ
عَلَامَاتٍ ; الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالزَّكَاةَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي الرَّغَائِبِ وَالْآدَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ
مَوْضُوعٌ، وَقَدْ شَرَطْتُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا أُخَرِّجَ فِيهِ
حَدِيثًا أَعْلَمُهُ مَوْضُوعًا. ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو
هَذَا، عَنْ زَيْدِ بْنِ رَفِيعٍ، عَنْ مَكْحُولٍ الشَّامِيِّ قَالَ: هَذَا مَا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ حِينَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ
النَّصْرِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي الْفِتْنَةِ،
وَهُوَ أَيْضًا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، وَفِي الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ كِفَايَةٌ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا تَرْجَمَةَ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو أَبِي إِسْمَاعِيلَ
النَّصِيبِيِّ ; رَوَى عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، وَمُوسَى بْنُ أَيُّوبَ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ مِمَّنْ يَكْذِبُ وَيَضَعُ الْحَدِيثَ. وَقَالَ
عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ضَعِيفٌ
جِدًّا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
يَعْقُوبَ
الْجُوزَجَانِيُّ: كَانَ يَكْذِبُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَضَعُ الْحَدِيثَ وَضْعًا. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ
حَدِيثِهِ مِمَّا لَا يُتَابِعُهُ أَحَدٌ مِنَ الثِّقَاتِ عَلَيْهِ. وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَرْوِي
عَنِ الثِّقَاتِ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً. وَهُوَ سَاقِطٌ بِمَرَّةٍ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ
بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَقِبِيُّ بِبَغْدَادَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ
الْمَدَائِنِيُّ، ثَنَا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ، ثَنَا
سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ الطَّوِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيُّ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ طَلِيقٍ، عَنْ
مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:لَمَّا ثَقُلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعْنَا فِي بَيْتِ
عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: " قَدْ دَنَا الْفِرَاقُ ".
وَنَعَى إِلَيْنَا نَفْسَهُ ثُمَّ قَالَ: " مَرْحَبًا بِكُمْ، حَيَّاكُمُ
اللَّهُ، هَدَاكُمُ اللَّهُ، نَصَرَكُمُ اللَّهُ، نَفَعَكُمُ اللَّهُ، وَفَّقَكُمُ
اللَّهُ، سَدَّدَكُمُ اللَّهُ، وَقَاكُمُ اللَّهُ، أَعَانَكُمُ اللَّهُ،
قَبِلَكُمُ اللَّهُ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأُوصِي اللَّهَ بِكُمْ، وَأَسْتَخْلِفُهُ
عَلَيْكُمْ، إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ
نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِي وَلَكُمْ: " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [ الْقَصَصِ: 83 ] وَقَالَ: " أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ " [ الزُّمَرِ: 60 ] قُلْنَا: فَمَتَى أَجَلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ قَدْ دَنَا الْأَجَلُ، وَالْمُنْقَلَبُ إِلَى اللَّهِ، وَالسِّدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَالْكَأْسُ الْأَوْفَى، وَالْفُرُشُ الْأَعْلَى. قُلْنَا: فَمَنْ يُغَسِّلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ. قُلْنَا: فَفِيمَ نُكَفِّنُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ فِي ثِيَابِي هَذِهِ إِنْ شِئْتُمْ، أَوْ فِي يَمَنِيَّةٍ، أَوْ فِي بَيَاضِ مِصْرَ. قُلْنَا: فَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَبَكَى وَبَكَيْنَا. وَقَالَ: مَهْلًا، غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ خَيْرًا، إِذَا غَسَّلْتُمُونِي وَحَنَّطْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي، فَضَعُونِي عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي، ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً، فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ خَلِيلَايَ وَجَلِيسَايَ ; جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، ثُمَّ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ مَعَ جُنُودٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي، ثُمَّ نِسَاؤُهُمْ، ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَيَّ أَفْوَاجًا وَفُرَادَى، وَلَا تُؤْذُونِي بِبَاكِيَةٍ وَلَا بِرَنَّةِ وَلَا بِصَيْحَةٍ، وَمَنْ كَانَ غَائِبًا مِنْ أَصْحَابِي فَأَبْلِغُوهُ عَنِّي السَّلَامَ، وَأُشْهِدُكُمْ بِأَنِّي قَدْ سَلَّمْتُ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَابَعَنِي فِي دِينِي هَذَا، مُنْذُ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قُلْنَا: فَمَنْ يُدْخِلُكَ قَبْرَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ " ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ وَتَفَرَّدَ بِهِ سَلَّامٌ الطَّوِيلُ.
قُلْتُ: وَهُوَ سَلَّامُ
بْنُ سَلْمٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ سُلَيْمٍ. وَيُقَالُ ابْنُ سُلَيْمَانَ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ الطَّوِيلُ. يُرْوَى عَنْ
جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، وَزَيْدٍ الْعَمِّيِّ وَجَمَاعَةٍ،
وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ أَيْضًا مِنْهُمْ ; أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
يُونُسَ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى، وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، وَعَلِيُّ
بْنُ الْجَعْدِ، وَقَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ. وَقَدْ ضَعَّفَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ،
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو
حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالْجُوزَجَانِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُ
وَاحِدٍ، وَكَذَّبَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَتَرَكَهُ آخَرُونَ.
لَكِنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا السِّيَاقِ بِطُولِهِ الْحَافِظُ أَبُو
بَكْرٍ الْبَزَّارُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ سَلَّامٍ هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. ثُمَّ قَالَ
الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَى هَذَا عَنْ مُرَّةَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ بِأَسَانِيدَ
مُتَقَارِبَةٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا
مِنْ مُرَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ مُرَّةَ، وَلَا أَعْلَمُ
أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرَ مُرَّةَ.
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ
الْوَقْتِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمَبْلَغِ سِنِّهِ حَالَ وَفَاتِهِ، وَفِي كَيْفِيَّةِ غُسْلِهِ،
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ،
وَدَفْنِهِ، وَمَوْضِعِ قَبْرِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
لَا خِلَافَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تُوُفِّيَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وُلِدَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَنُبِّئَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ
مَكَّةَ مُهَاجِرًا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ، وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ:أَيَّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْتُ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ أَمُوتَ فِيهِ. فَمَاتَ فِيهِ. رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا هُرَيْمٌ،
حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ،
وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي " مَغَازِيهِ "، وَمُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ أَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ،
وَأَرْسَلَتْ حَفْصَةُ إِلَى عُمَرَ، وَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى عَلِيٍّ،
فَلَمْ يَجْتَمِعُوا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي صَدْرِ عَائِشَةَ وَفِي يَوْمِهَا يَوْمِ الِاثْنَيْنِ،
حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ لِهِلَالِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:آخِرُ نَظْرَةٍ نَظْرَتُهَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، كَشَفَ
السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ،
كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، فَأَرَادَ النَّاسُ أَنْ يَنْحَرِفُوا، فَأَشَارَ
إِلَيْهِمْ أَنِ امْكُثُوا، وَأَلْقَى السَّجْفَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ
الْيَوْمِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحِ "، وَهُوَ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ الْوَفَاةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ،
جَمِيعًا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ
النَّهَارُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ،
ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَزَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْأَعْلَى، ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ - وَهُوَ
سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ فِي كِتَابِ " الْمَغَازِي " -
قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ
لِاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ صَفَرٍ، وَبَدَأَهُ وَجَعُهُ عِنْدَ
وَلِيدَةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: رَيْحَانَةُ. كَانَتْ مِنْ سَبْيِ الْيَهُودِ،
وَكَانَ أَوَّلَ يَوْمٍ مَرِضَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ
رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الْمَدِينَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ
قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الْأَرْبِعَاءِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى
عَشْرَةَ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، شَكْوَى شَدِيدَةً. فَاجْتَمَعَ
عِنْدَهُ نِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ، فَاشْتَكَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَتُوُفِّيَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ
إِحْدَى عَشْرَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَالُوا: بُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ،
وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ
رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. وَهَكَذَا جَزَمَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُهُ،
وَزَادَ: وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ:
وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْأَبْيَضِ، عَنِ
الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدِئَ فِي بَيْتِ
مَيْمُونَةَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا أَبُو
مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ إِذَا وَجَدَ
خِفَّةً صَلَّى، وَإِذَا ثَقُلَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا،
وَاسْتَكْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَتِهِ
عَشْرَ سِنِينَ كَوَامِلَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهُوَ الثَّبْتُ عِنْدَنَا.
وَجَزَمَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ
أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَةٍ خَلَتْ
مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى رَأْسِ عَشْرِ
سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ.
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ
رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ
رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ مِثْلَهُ سَوَاءً. وَقَالَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ
أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ
الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
مُسْتَهَلَّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنْ مَقْدَمِهِ
الْمَدِينَةَ. رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ أَيْضًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ
عُرْوَةَ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَالزُّهْرِيِّ، مِثْلَهُ فِيمَا نَقَلْنَاهُ
عَنْ " مَغَازِيَيْهِمَا ". فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ
ابْنِ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيِّ.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَا: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ
لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ،
عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ، وَزَادَ: وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ.
وَرَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ،
عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَضَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ارْتَحَلَ، فَأَتَى
الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا،
وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُرْوَةَ. وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ،
إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي أَوَّلِهِ: لِأَيَّامٍ مَضَيْنَ
مِنْهُ. وَقَالَتْ
عَائِشَةُ: بَعْدَ مَا مَضَى أَيَّامٌ مِنْهُ.
فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي " الرَّوْضِ "
مَا مَضْمُونُهُ: لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ وَفَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ
إِحْدَى عَشْرَةَ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَفَ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَكَانَ أَوَّلَ ذِي
الْحِجَّةِ يَوْمُ الْخَمِيسِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُحْسَبَ الشُّهُورُ
تَامَّةً أَوْ نَاقِصَةً، أَوْ بَعْضُهَا تَامٌّ وَبَعْضُهَا نَاقِصٌ، لَا
يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الْإِيرَادُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَدْ حَاوَلَ جَمَاعَةٌ
الْجَوَابَ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ، إِلَّا بِمَسْلَكٍ وَاحِدٍ،
وَهُوَ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ ; بِأَنْ يَكُونَ أَهْلُ مَكَّةَ رَأَوْا هِلَالَ
ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَمْ
يَرَوْهُ إِلَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ
وَغَيْرِهَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ
بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ - يَعْنِي مِنَ الْمَدِينَةِ - إِلَى حَجَّةِ
الْوَدَاعِ. وَيَتَعَيَّنُ - كَمَا ذَكَرْنَا - أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ،
وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ; لِأَنَّهُ
قَدْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسٍ بِلَا شَكٍّ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ ; لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ
بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ
لِخَمْسٍ بَقِينَ، فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَأَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ
هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا كَانَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ الْجُمُعَةُ، وَحُسِبَتِ الشُّهُورُ بَعْدَهُ كَوَامِلُ، يَكُونُ
أَوَّلَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمُ الْخَمِيسِ، فَيَكُونُ ثَانِيَ عَشْرِهِ يَوْمُ
الِاثْنَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ
بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا
بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ، وَلَا
بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى
رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ
عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي
رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ
وَهْبٍ، عَنْ قُرَّةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ قُرَّةَ، عَنْ
رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ، مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: حَدِيثُ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ غَرِيبٌ،
وَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ، فَرَوَاهَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ
كَذَلِكَ. ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْبَرْبَرِيِّ وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ
رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ. قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
سِتُّونَ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ،
وَمِسْعَرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ
طَهْمَانَ، وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَأَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ،
وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَنِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ رَبِيعَةَ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، ثَنَا
أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، ثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو
مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا أَبُو
غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:بِسِنِّ أَيِّ
الرِّجَالِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذْ بُعِثَ ؟ قَالَ: كَانَ ابْنَ أَرْبَعِينَ
سَنَةً. قَالَ: ثُمَّ كَانَ مَاذَا ؟ قَالَ: كَانَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ،
وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَمَّتْ لَهُ سِتُّونَ سَنَةً يَوْمَ قَبَضَهُ
اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ كَأَشَدِّ الرِّجَالِ وَأَحْسَنِهِ وَأَجْمَلِهِ
وَأَلْحَمِهِ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ
الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الرَّازِيِّ
الْمُلَقَّبِ بِزُنَيْجٍ، عَنْ حَكَّامِ بْنِ سَلْمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
زَائِدَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قُبِضَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ،
وَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَقُبِضَ عُمَرُ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا
تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرًا مَا تَحْذِفُ الْكَسْرَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ،
عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ مِثْلَهُ.
وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَعُقَيْلٌ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَابْنُ
جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مِثْلَ
ذَلِكَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ
سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. لَمْ يُخَرِّجْهُ
مُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ": ثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:قُبِضَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو
بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَعُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ،
وَهُوَ مِنْ
أَفْرَادِهِ دُونَ
الْبُخَارِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
جَرِيرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ،
فَذَكَرَهُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ
أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ
ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:تَذَاكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو
بَكْرٍ مِيلَادَهُمَا عِنْدِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو
بَكْرٍ بَعْدَهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمْ بَنُو ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ
عَشْرًا، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. وَهَذَا غَرِيبٌ عَنْهُ، وَصَحِيحٌ إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا هُشَيْمٍ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ: نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ بُعِثَ
إِلَيْهِ جِبْرِيلُ
بِالرِّسَالَةِ، ثُمَّ
مَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقُبِضَ
وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الثَّبْتُ
عِنْدَنَا ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَهَكَذَا رَوَى مُجَاهِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَرَوِيَ مِنْ حَدِيثِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْهُ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ
زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّةَ
ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ
أَيْضًا، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:بُعِثَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً،
فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ
عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ،
وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
فَذَكَرَ مِثْلَهُ. ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ
ذَلِكَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ
عَشْرَةَ يُوحَى إِلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ
ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَقَدْ أَسْنَدَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمِ بْنِ جُنَادَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ
ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَشْهَرُ،
وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ،
حَدَّثَنِي عَمَّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ
يَقُولُ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ
ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقَامَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ; ثَمَانِ
سِنِينَ أَوْ سَبْعًا يَرَى الضَّوْءَ وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَثَمَانِيًا أَوْ
سَبْعًا يُوحَى إِلَيْهِ، وَأَقَامَ
بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ،
ثَنَا يُونُسُ، عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ:سَأَلْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ: كَمْ أَتَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
مَاتَ ؟ قَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى مِثْلَكَ فِي قَوْمِهِ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ !
قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ فَاخْتُلِفَ عَلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ
أَعْلَمَ قَوْلَكَ فِيهِ. قَالَ أَتَحْسُبُ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: أَمْسِكْ ;
أَرْبَعِينَ بُعِثَ لَهَا، وَخَمْسَ عَشْرَةَ أَقَامَ بِمَكَّةَ يَأْمَنُ
وَيَخَافُ، وَعَشْرًا مُهَاجَرُهُ بِالْمَدِينَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، كِلَاهُمَا عَنْ
يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ
صَالِحٍ، ثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍأَنَّ
رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرًا بِمَكَّةَ، وَعَشْرًا بِالْمَدِينَةِ ؟ فَقَالَ: مَنْ
يَقُولُ ذَلِكَ ؟ لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ،
وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا ; خَمْسًا وَسِتِّينَ وَأَكْثَرَ. وَهَذَا مِنْ
أَفْرَادِ أَحْمَدَ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا هُشَيْمٌ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ " الشَّمَائِلِ "، وَأَبُو
يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ
مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ،
عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ دَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ الشَّيْبَانِيِّ
النَّسَّابَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَهُوَ
ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: دَغْفَلٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ
سَمَاعٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ فِي
زَمَانِهِ رَجُلًا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ عَمَّارٍ
وَمَنْ تَابَعَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: فِي ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. أَصَحُّ، فَهُمْ أَوْثَقُ وَأَكْثَرُ،
وَرِوَايَتُهُمْ تُوَافِقُ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَنَسٍ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ
عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَامِرٍ
الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قُلْتُ: وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْغَرِيبَةِ مَا رَوَاهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ عَنْ
مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ
سَنَةً. وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ
زَيْدٌ الْعَمِّيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَنَسٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
حُمَيْدٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ
الْمُنْذِرِ
الْغَسَّانِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَأَشْهَرٍ.
وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ
قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ
اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَنِصْفٍ.
وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: نَزَلَ
الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِي
سِنِينَ بِمَكَّةَ، وَعَشْرًا بَعْدَ مَا هَاجَرَ. فَإِنْ كَانَ الْحَسَنُ مِمَّنْ
يَقُولُ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَعُمُرُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى
أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عَاشَ ثَمَانِيًا وَخَمْسِينَ سَنَةً.
وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
لَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً.
وَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
ابْنُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا، وَبِالْمَدِينَةِ
ثَمَانِيًا، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَهَذَا بِهَذِهِ
الصِّفَةِ غَرِيبٌ جِدًّا.
صِفَةُ غَسْلِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، اشْتَغَلُوا بِبَيْعَةِ
الصِّدِّيقِ بَقِيَّةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَبَعْضَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ،
فَلَمَّا تَمَهَّدَتْ وَتَوَطَّدَتْ وَتَمَّتْ، شَرَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي
تَجْهِيزِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُقْتَدِينَ فِي
كُلِّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى
جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ لَيْلَةَ
الْأَرْبِعَاءِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا
أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:لَمَّا أَخَذُوا فِي غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ الدَّاخِلِ أَنْ لَا
تُجَرِّدُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ،
وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ التَّمِيمِيُّ، كُوفِيٌّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ:لَمَّا
أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: مَا
نَدْرِي أَنُجَرِّدُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا، أَمْ
نُغَسِّلُهُ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ؟ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ
عَلَيْهِمُ النَّوْمَ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَذَقَنُهُ فِي
صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ
مَنْ هُوَ، أَنْ غَسِّلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ
فَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ:
لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا نِسَاؤُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِغَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِلَّا أَهْلُهُ ; عَمُّهُ الْعَبَّاسُ
بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ
عَبَّاسٍ، وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ،
وَصَالِحٌ مَوْلَاهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِغَسْلِهِ نَادَى مِنْ وَرَاءِ
الْبَابِ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ بَنِي عَوْفِ بْنِ
الْخَزْرَجِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا
عَلِيُّ، نَشَدْتُكَ اللَّهَ وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: ادْخُلْ. فَدَخَلَ، فَحَضَرَ غَسْلَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلِ مِنْ غَسْلِهِ شَيْئًا،
فَأَسْنَدَهُ عَلِيٌّ إِلَى صَدْرِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ
وَفَضْلٌ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ
وَصَالِحٌ مَوْلَاهُمَا يَصُبَّانِ الْمَاءَ، وَجَعَلَ عَلِيٌّ يَغْسِلُهُ، وَلَمْ
يَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا يَرَاهُ مِنَ الْمَيِّتِ وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي
وَأُمِّي، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا. حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ غَسْلِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُغَسَّلُ بِالْمَاءِ
وَالسِّدْرِ، جَفَّفُوهُ ثُمَّ صُنِعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ، ثُمَّ
أُدْرِجَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ; ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرَدِ حِبَرَةٍ.
قَالَ: ثُمَّ دَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ: لِيَذْهَبْ أَحَدُكُمَا
إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَضْرُحُ
لِأَهْلِ مَكَّةَ - وَلْيَذْهَبِ الْآخَرُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ
الْأَنْصَارِيِّ. وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَلْحَدُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ:
ثُمَّ قَالَ الْعَبَّاسُ حِينَ سَرَّحَهُمَا: اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِكَ. قَالَ:
فَذَهَبَا فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَوَجَدَ
صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنِ
الْعِلْبَاءِ بْنِ أَحْمَرَ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ يُغَسِّلَانِ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُودِيَ عَلِيٌّ: ارْفَعْ
طَرْفَكَ إِلَى السَّمَاءِ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَهْلِ السُّنَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " يَا
عَلِيُّ، لَا تَبِدْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ
" وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَمْرِهِ لَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، ثَنَا يَحْيَى
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
زِيَادٍ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ:غَسَّلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَكَانَ
طَيِّبًا حَيًّا وَمَيِّتًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ فِي " الْمَرَاسِيلِ " وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
مَعْمَرٍ بِهِ. زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ وَقَدْ وَلِيَ دَفْنُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
أَرْبَعَةٌ عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَحَدَوَا لَهُ لَحْدًا، وَنَصَبُوا
عَلَيْهِ اللَّبِنَ نَصْبًا.
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ، مِنْهُمْ ;
عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ،
وَغَيْرُهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ يَطُولُ بَسْطُهَا هَاهُنَا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَى أَبُو عَمْرٍو كَيْسَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
بِلَالٍ، سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ:أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَإِنَّهُ لَا يَرَى
أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ
وَأُسَامَةُ يُنَاوِلَانِي الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا
تَنَاوَلْتُ عُضْوًا إِلَّا كَأَنَّهُ يُقَلِّبُهُ مَعِي ثَلَاثُونَ رَجُلًا،
حَتَّى فَرَغْتُ مِنْ غَسْلِهِ.
وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي "
مُسْنَدِهِ "، فَقَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحِيمِ، ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ، ثَنَا كَيْسَانُ أَبُو
عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ:أَوْصَانِي النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ غَيْرِي ; "
فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ ". قَالَ
عَلِيٌّ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ وَأُسَامَةُ يُنَاوِلَانِي الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ
السِّتْرِ. قُلْتُ: هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، ثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا أَسِيدُ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا الْحُسَيْنُ
بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَبَا جَعْفَرٍ قَالَ:غُسِّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّدْرِ ثَلَاثًا، وَغُسِّلَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ،
وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ: الْغَرْسُ. بِقُبَاءٍ كَانَتْ لِسَعْدِ
بْنِ خَيْثَمَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَشْرَبُ مِنْهَا، وَوَلِيَ غَسْلُهُ عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ مُحْتَضِنُهُ،
وَالْعَبَّاسُ يَصُبُّ الْمَاءَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَقُولُ: أَرِحْنِي قَطَعْتَ
وَتِينِي، إِنِّي لِأَجِدُ شَيْئًا يَتَرَطَّلُ عَلَيَّ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيُّ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَ الْبِئْرُ بِئْرُ غَرْسٍ هِيَ مِنْ عُيُونِ
الْجَنَّةِ، وَمَاؤُهَا أَطْيَبُ الْمِيَاهِ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
يُسْتَعْذَبُ لَهُ مِنْهَا، وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرِ غَرْسٍ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: لَمَّا فُرِغَ
مِنَ الْقَبْرِ وَصَلَّى النَّاسُ الظُّهْرَ، أَخَذَ الْعَبَّاسُ فِي غَسْلِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ كِلَّةً
مِنْ ثِيَابٍ يَمَانِيَةٍ صِفَاقٍ فِي جَوْفِ الْبَيْتِ، فَدَخَلَ الْكِلَّةَ،
وَدَعَا عَلِيًّا وَالْفَضْلَ، فَكَانَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى الْمَاءِ
لِيُعَاطِيَهُمَا دَعَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ فَأَدْخَلَهُ، وَرِجَالٌ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ وَرَاءِ الْكِلَّةِ وَمَنْ أُدْخِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ
حَيْثُ نَاشَدُوا أَبِي وَسَأَلُوهُ، مِنْهُمْ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ قَالَ سَيْفٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ يَرْبُوعٍ الْحَنَفِيِّ، عَنْ مَاهَانَ
الْحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ ضَرَبَ الْكِلَّةِ، وَأَنَّ
الْعَبَّاسَ أَدْخَلَ فِيهَا عَلِيًّا وَالْفَضْلَ وَأَبَا سُفْيَانَ وَأُسَامَةَ،
وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ وَرَاءِ الْكِلَّةِ فِي الْبَيْتِ، فَذَكَرَ
أَنَّهُمْ أُلْقِيَ عَلَيْهِمُ النُّعَاسُ، فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: لَا
تُغَسِّلُوا رَسُولَ اللَّهِ ; فَإِنَّهُ كَانَ طَاهِرًا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
أَلَا بَلَى. وَقَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ: صَدَقَ، فَلَا تُغَسِّلُوهُ. فَقَالَ
الْعَبَّاسُ: لَا نَدَعُ سُنَّتَهُ لِصَوْتٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ. وَغَشِيَهُمُ
النُّعَاسُ ثَانِيَةً فَنَادَاهُمْ أَنْ غَسِّلُوهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. فَقَالَ
أَهْلُ الْبَيْتِ: أَلَا لَا. وَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَلَا نَعَمْ. فَشَرَعُوا فِي
غَسْلِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَمِجْوَلٌ مَفْتُوحٌ، فَغَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ
الْقَرَاحِ، وَطَيَّبُوهُ بِالْكَافُورِ فِي مَوَاضِعِ سُجُودِهِ وَمَفَاصِلِهِ،
وَاعْتُصِرَ قَمِيصُهُ وَمِجْوَلُهُ، ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ،
وَجَمَّرُوهُ عُودًا وَنَدًّا، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ حَتَّى وَضَعُوهُ عَلَى
سَرِيرِهِ، وَسَجَّوْهُ. وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ جِدًّا.
فَصْلٌ فِي صِفَةِ
كَفَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبِ
حِبَرَةٍ ثُمَّ أُخِذَ عَنْهُ. قَالَ الْقَاسِمُ: إِنَّ بَقَايَا ذَلِكَ الثَّوْبِ
لِعِنْدِنَا بَعْدُ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَإِنَّمَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيِّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى، فَرَّقَهُمَا، كُلُّهُمْ عَنِ
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ:
ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ
أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ. وَكَذَا
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ
بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:كُفِّنَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ
بَيْضٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ،
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ
يَمَانِيَةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. قَالَ:
فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ قَوْلُهُمْ: فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ. فَقَالَتْ:
قَدْ أُتِيَ بِالْبُرْدِ، وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ
بْنِ غِيَاثٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
سَلَمَةَ، ثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ
مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، فَأَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا
شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا، إِنَّمَا اشْتُرِيَتْ لَهُ حُلَّةٌ، لِيُكَفَّنَ
فِيهَا، فَتُرِكَتْ، فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ:
لَأَحْبِسَنَّهَا لِنَفْسِي ; حَتَّى أُكَفَّنَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: لَوْ
رَضِيَهَا
اللَّهُ لِنَبِيِّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَفَّنَهُ فِيهَا. فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ
بِثَمَنِهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " الصَّحِيحِ "، عَنْ يَحْيَى بْنِ
يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بُرْدِ حِبَرَةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،
وَلُفَّ فِيهَا، ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
قَدْ أَمْسَكَ تِلْكَ الْحُلَّةَ لِنَفْسِهِ ; حَتَّى يُكَفَّنَ فِيهَا إِذَا
مَاتَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَهَا: مَا كُنْتُ أُمْسِكُ لِنَفْسِي
شَيْئًا مَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يُكَفَّنَ فِيهِ. فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا عَبْدُ اللَّهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كُفِّنَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
سَحُولِيَّةٍ بَيْضٍ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ،
عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ،
يَعْنِي ابْنَ
عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ:
قَالَ مَكْحُولٌ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةٍ رِيَاطٍ يَمَانِيَةٍ.
انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْأَنْصَارِيُّ،
ثَنَا عَاصِمُ بْنُ هِلَالٍ إِمَامُ مَسْجِدِ أَيُّوبَ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي
ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: ثَوْبَيْنِ
صُحَارِيَّيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، ثَنَا يَزِيدُ، عَنْ
مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ; فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ،
وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ، الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرْدٍ أَحْمَرَ. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا
حُمَيْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، ثَنَا بَكْرٌ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنَا
عِيسَى، يَعْنِي ابْنَ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ
بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرْدٍ أَحْمَرَ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُونِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ
أَبِي الْهَيْثَمِ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ. زَادَ فِيهِ مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: وَبُرْدٍ أَحْمَرَ.
وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ
وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ:
سَحُولِيَّيْنِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي طَاهِرٍ الْمُخَلِّصِ،
ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ،
ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ:وَقَعْتُ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالُوا: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا قَبَاءٌ وَلَا عِمَامَةٌ. قُلْتُ: كَمْ أُسِرَ
مِنْكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ ؟ قَالُوا: الْعَبَّاسُ وَنَوْفَلٌ وَعَقِيلٌ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ أَنَّهُ قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ; أَحَدُهَا بُرْدُ حِبَرَةٍ.
وَقَدْ سَاقَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقٍ فِي صِحَّتِهَا نَظَرٌ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَفَّنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو
سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَيْطَتَيْنِ وَبُرْدٍ نَجْرَانِيٍّ. وَكَذَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، وَعِمْرَانَ الْقَطَّانِ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى، ثَنَا
نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ثَنَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي
ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، أَحَدُهَا بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِيمَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ بَيَانُ سَبَبِ
الِاشْتِبَاهِ عَلَى النَّاسِ ; وَأَنَّ الْحِبَرَةَ أُخِّرَتْ عَنْهُ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
بْنِ خُزَيْمَةَ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ
هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِسْكٌ، فَأَوْصَى أَنْ
يُحَنَّطَ بِهِ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ فَضْلِ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى،
عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ حَسَنٍ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ.
فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ
الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ
الْأَشْعَثِ بْنِ طَلِيقٍ، وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ،
كِلَاهُمَا عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍفِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَسِّلَهُ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَنَّهُ
قَالَ: كَفِّنُونِي فِي ثِيَابِي هَذِهِ، أَوْ فِي يَمَنِيَّةٍ أَوْ بَيَاضِ
مِصْرَ وَأَنَّهُ إِذَا كَفَّنُوهُ يَضَعُونَهُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ، ثُمَّ
يَخْرُجُونَ عَنْهُ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ يَدْخُلُ
عَلَيْهِ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ النَّاسُ
بَعْدَهُمْ فُرَادَى. الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ:لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْخِلَ الرِّجَالُ،
فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِمَامٍ أَرْسَالًا حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ أُدْخِلَ
النِّسَاءُ فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ فَصَلَّوْا
عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الْعَبِيدُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ أَرْسَالًا، لَمْ
يَؤُمَّهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا
أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْفَانِهِ وُضِعَ
عَلَى سَرِيرِهِ، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى شَفِيرِ حُفْرَتِهِ، ثُمَّ كَانَ النَّاسُ
يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ رُفَقَاءَ رُفَقَاءَ لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
وَجَدْتُ كِتَابًا بِخَطِّ أَبِي فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْبَيْتُ فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ
أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَارُ كَمَا سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ صُفُّوا صُفُوفًا لَا
يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ
حِيَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنَّا
نَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ،
وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ تَعَالَى دِينَهُ وَتَمَّتْ
كَلِمَتُهُ، وَأُومِنَ بِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَاجْعَلْنَا إِلَهَنَا
مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْقَوْلَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُ حَتَّى تُعَرِّفَهُ بِنَا وَتُعَرِّفَنَا بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا رَحِيمًا، لَا نَبْتَغِي بِالْإِيمَانِ بَدَلًا وَلَا
نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا أَبَدًا. فَيَقُولُ النَّاسُ: آمِينَ آمِينَ.
وَيَخْرُجُونَ وَيَدْخُلُ آخَرُونَ حَتَّى صَلَّى الرِّجَالُ، ثُمَّ النِّسَاءُ،
ثُمَّ الصِّبْيَانُ.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ إِلَى مِثْلِهِ مِنْ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ
مَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ. كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ
قَرِيبًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الصَّنِيعُ،
وَهُوَ صَلَاتُهُمْ عَلَيْهِ فُرَادَى لَمْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ عَلَيْهِ، أَمْرٌ
مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ ; فَلَوْ
صَحَّ الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَكَانَ نَصًّا فِي
ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الَّذِي يَعْسُرُ تَعَقُّلِ مَعْنَاهُ،
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُمْ إِنَّمَا صَلَّوْا عَلَيْهِ كَذَلِكَ ;
لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ. لِأَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ
إِنَّمَا شَرَعُوا فِي تَجْهِيزِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَعْدَ
تَمَامِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَقَدْ قَالَ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا لَمْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ ; لِيُبَاشِرَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَلِتُكَرَّرَ
صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، مِنْ كُلِّ فَرْدٍ
فَرْدٍ مِنْ آحَادِ الصَّحَابَةِ، رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ
حَتَّى الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ.
وَأَمَّا السُّهَيْلِيُّ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَ
أَنَّهُ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ; فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ
يُبَاشِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ
مَوْتِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَنَا
فِي ذَلِكَ أَئِمَّةٌ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي
مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى قَبْرِهِ لِغَيْرِ الصَّحَابَةِ ; فَقِيلَ:
نَعَمْ ; لِأَنَّ جَسَدَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَرِيٌّ فِي
قَبْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ
الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا وَرَدَ
بِذَلِكَ الْحَدِيثُ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ كَالْمَيِّتِ الْيَوْمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَفْعَلُ ; لِأَنَّ السَّلَفَ مِمَّنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَفْعَلُوهُ، وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَبَادَرُوا إِلَيْهِ وَلَثَابَرُوا عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي صِفَةِ
دَفْنِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَيْنَ دُفِنَ، وَذِكْرِ
الْخِلَافِ فِي دَفْنِهِ لَيْلًا كَانَ أَمْ نَهَارًا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ،
أَخْبَرَنِي أَبِي - وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جُرَيْجٍ - أَنَّ أَصْحَابَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَقْبُرُونَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَمْ
يُقْبَرْ نَبِيٌّ إِلَّا حَيْثُ يَمُوتُ " فَأَخَّرُوا فِرَاشَهُ، وَحَفَرُوا
لَهُ تَحْتَ فِرَاشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا فِيهِ
انْقِطَاعٌ بَيْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ وَبَيْنَ الصِّدِّيقِ،
فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ.
لَكِنْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَعَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْهَرَوِيُّ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حِينَ قُبِضَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يُقْبَضُ النَّبِيُّ إِلَّا فِي أَحَبِّ
الْأَمْكِنَةِ إِلَيْهِ " فَقَالَ: ادْفِنُوهُ حَيْثُ قُبِضَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ. قَالَ: "
مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ
يُدْفَنَ فِيهِ " ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ. ثُمَّ إِنَّ
التِّرْمِذِيَّ ضَعَّفَ الْمُلَيْكِيَّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا
الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ
الْأُمَوِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّهُ لَمْ يُدْفَنْ نَبِيٌّ
قَطُّ إِلَّا حَيْثُ قُبِضَ ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ
التَّمِيمِيُّ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ بِالْمَدِينَةِ حَفَّارَانِ، فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: أَيْنَ نَدْفِنُهُ ؟ فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. وَكَانَ
أَحَدُهُمَا يُلْحِدُ وَالْآخِرُ يَشُقُّ، فَجَاءَ الَّذِي يُلْحِدُ فَلَحَدَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ
أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ مُنْقَطِعًا.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مِهْرَانَ ثَنَا عَبْدُ
الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا
أَنْ يَحْفِرُوا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ
الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ
سَهْلٍ هُوَ الَّذِي كَانَ يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يُلْحِدُ،
فَدَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ إِلَى أَبِي
عُبَيْدَةَ. وَلِلْآخَرِ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ. اللَّهُمَّ خِرْ
لِرَسُولِكَ. قَالَ: فَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فَجَاءَ
بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا
فُرِغَ مِنْ جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الثُّلَاثَاءِ، وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ
اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ ; فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ. وَقَالَ
قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَا قُبِضَ
نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ " فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَحَفَرُوا لَهُ
تَحْتَهُ، ثُمَّ أُدْخِلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا ; الرِّجَالُ حَتَّى إِذَا فُرِغَ
مِنْهُمْ أُدْخِلَ النِّسَاءُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ النِّسَاءُ أُدْخِلَ
الصِّبْيَانُ، وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ فَدُفِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ أَوْسَطِ اللَّيْلِ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، عَنْ
وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ
بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. وَزَادَ فِي آخِرِهِ:وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ ابْنَا الْعَبَّاسِ، وَشُقْرَانُ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَوْسُ بْنُ
خَوْلِيٍّ، وَهُوَ أَبُو لَيْلَى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَنْشُدُكَ اللَّهَ
وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ لَهُ
عَلِيٌّ: انْزِلْ. وَكَانَ شُقْرَانُ مَوْلَاهُ أَخَذَ قَطِيفَةً كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَدَفَنَهَا فِي
الْقَبْرِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ. فَدُفِنَتْ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ مُخْتَصَرًا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ بِهِ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا
قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ
أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالُوا:
كَيْفَ نَدْفِنُهُ ; مَعَ النَّاسِ أَوْ فِي بُيُوتِهِ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
" مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ " فَدُفِنَ
حَيْثُ كَانَ فِرَاشُهُ، رُفِعَ الْفِرَاشُ وَحُفِرَ تَحْتَهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ
الْأَخْنَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ، يَعْنِي ابْنَ يَرْبُوعٍ،
قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ قَبْرِهِ ; فَقَالَ قَائِلٌ: فِي الْبَقِيعِ فَقَدْ
كَانَ يُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ. وَقَالَ قَائِلٌ: عِنْدَ مِنْبَرِهِ.
وَقَالَ قَائِلٌ: فِي مُصَلَّاهُ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي
مِنْ هَذَا خَبَرًا وَعِلْمًا ; سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ تُوُفِّيَ
" قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
أَبِيهِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطِ
بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
الصُّفَّةِ، قَالَ:دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ ثُمَّ خَرَجَ، فَقِيلَ لَهُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ
كَمَا قَالَ، وَقِيلَ لَهُ: أَنُصَلِّي عَلَيْهِ ؟ وَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ ؟
قَالَ تَجِيئُونَ عُصَبًا عُصَبًا فَتُصَلُّونَ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ،
قَالُوا: هَلْ يُدْفَنُ ؟ وَأَيْنَ ؟ قَالَ: حَيْثُ قَبَضَ اللَّهُ رُوحَهُ،
فَإِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ رُوحَهُ إِلَّا فِي مَكَانٍ طَيِّبٍ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ
كَمَا قَالَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:عَرَضَتْ
عَائِشَةُ عَلَى أَبِيهَا رُؤْيَا، وَكَانَ
مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ،
قَالَتْ: رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ وَقَعْنَ فِي حِجْرِي فَقَالَ لَهَا: إِنْ
صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ دُفِنَ فِي بَيْتِكِ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةٌ.
فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا
عَائِشَةُ هَذَا خَيْرُ أَقْمَارِكِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنْ عَائِشَةَ مُنْقَطِعًا.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:تُوُفِّيَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي،
وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ
سَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ سَاعَةٍ مِنَ الْآخِرَةِ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ
هِلَالٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
يَقُولُ: " لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ; اتَّخَذُوا قُبُورَ
أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ
قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، ثَنَا هَاشِمُ بْنُ
الْقَاسِمِ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يُلْحِدُ وَآخَرُ يَضْرَحُ،
فَقَالُوا: نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا، وَنَبْعَثُ إِلَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا سُبِقَ
تَرَكْنَاهُ. فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ،
فَلَحَدُوا لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ. وَقَدْ رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بْنِ عُبَيْدَةَ
بْنِ زَيْدٍ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ طُفَيْلٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:لَمَّا
مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي
اللَّحْدِ وَالشَّقِّ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، وَارْتَفَعَتْ
أَصْوَاتُهُمْ فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَصْخَبُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا. أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا،
فَأَرْسَلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللَّاحِدِ جَمِيعًا، فَجَاءَ اللَّاحِدُ،
فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دُفِنَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْعُمَرِيُّ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُلْحِدَ لَهُ لَحْدٌ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، وَابْنِ
جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ:جُعِلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ
حَمْرَاءُ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَدْ
رَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ وَكِيعٌ: كَانَ هَذَا خَاصًّا بِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ عَنِ
الْحَسَنِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسِطَ
تَحْتَهُ سَمَلُ قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ كَانَ يَلْبَسُهَا قَالَ: وَكَانَتْ أَرْضًا
نِدِّيَّةً.
وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: جُعِلَ فِي قَبْرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ، كَانَ
أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ الْحَسَنُ: جَعَلَهَا لِأَنَّ الْمَدِينَةَ
أَرْضٌ سَبِخَةٌ. قَالَ: فَفُرِشَتْ تَحْتَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " افْرِشُوا لِي قَطِيفَتِي
فِي لَحْدِي ; فَإِنَّ
الْأَرْضَ لَمْ تُسَلَّطْ عَلَى أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ ".
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ، ثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
قَالَ:قَالَ عَلِيٌّ: غَسَّلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ إِلَى مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا،
وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا وَمَيِّتًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ:
وَوَلِيَ دَفْنَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِجْنَانَهُ دُونَ
النَّاسِ أَرْبَعَةٌ ; عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ مَوْلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلُحِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْدٌ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى لَحْدِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تِسْعُ لَبِنَاتٍ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضُوعًا عَلَى سَرِيرِهِ مِنْ حِينِ
زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ إِلَى أَنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ
الثُّلَاثَاءِ، يُصَلِّي النَّاسُ عَلَيْهِ وَسَرِيرُهُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ،
فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَقْبُرُوهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَحَّوُا
السَّرِيرَ قِبَلَ رِجْلَيْهِ، فَأُدْخِلَ مِنْ هُنَاكَ، وَدَخَلَ فِي حُفْرَتِهِ
الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَقُثَمُ وَالْفَضْلُ وَشُقْرَانُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ:دَخَلَ قَبْرَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ
وَالْفَضْلُ، وَسَوَّى لَحْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ الَّذِي سَوَّى
لُحُودَ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: صَوَابُهُ
يَوْمَ أُحُدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِينَ
نَزَلُوا فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِيٌّ
وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ وَشُقْرَانُ. وَذَكَرَ الْخَامِسَ، وَهُوَ أَوْسُ بْنُ
خَوْلِيٍّ، وَذَكَرَ قِصَّةَ الْقَطِيفَةِ الَّتِي وَضَعَهَا فِي الْقَبْرِ
شُقْرَانُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَنَا
أَبُو طَاهِرٍ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ، ثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، ثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَرْحَبٍ قَالَ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ ; أَحَدُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَهَكَذَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ،
عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنِي مَرْحَبٌ أَوْ
أَبُو مَرْحَبٍ، أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ،
فَلَمَّا فَرَغَ
عَلِيٌّ قَالَ: إِنَّمَا
يَلِي الرَّجُلَ أَهْلُهُ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ
قَوِيٌّ، وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " اسْتِيعَابِهِ "
أَبُو مَرْحَبٍ اسْمُهُ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ. وَذَكَرَ أَبَا مَرْحَبٍ آخَرَ،
وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ خَبَرَهُ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ
": فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدَهُمَا أَوْ
ثَالِثًا غَيْرَهُمَا. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
ذِكْرُ مَنْ كَانَ آخَرَ النَّاسِ بِهِ عَهْدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ مَوْلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ مَوْلَاهُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: اعْتَمَرْتُ مَعَ عَلِيٍّ فِي زَمَانِ عُمَرَ أَوْ زَمَانِ
عُثْمَانَ، فَنَزَلَ عَلَى أُخْتِهِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا
فَرَغَ مَنْ عُمْرَتِهِ رَجَعَ، فَسُكِبَ لَهُ غُسْلٌ فَاغْتَسَلَ، فَلَمَّا
فَرَغَ مَنْ غُسْلِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالُوا:
يَا
أَبَا حَسَنٍ، جِئْنَاكَ
نَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرٍ نُحِبُّ أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ. قَالَ: أَظُنُّ
الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُحَدِّثُكُمْ أَنَّهُ كَانَ أَحْدَثَ النَّاسِ
عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالُوا: أَجَلْ،
عَنْ ذَلِكَ جِئْنَا نَسْأَلُكَ. قَالَ:أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُثَمُ بْنُ عَبَّاسٍ. تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً ; إِلَّا أَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ:
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَقُولُ: أَخَذْتُ
خَاتَمِي فَأَلْقَيْتُهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقُلْتُ حِينَ خَرَجَ الْقَوْمُ: إِنَّ خَاتَمِي قَدْ سَقَطَ فِي
الْقَبْرِ، وَإِنَّمَا طَرَحْتُهُ عَمْدًا ; لِأَمَسَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُونَ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ
مِقْسَمٍ، عَنْ مَوْلَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: اعْتَمَرْتُ
مَعَ عَلِيٍّ. فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ عَنِ الْمُغِيرَةِ
بْنِ شُعْبَةَ، لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مَا أَمَّلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ
يَكُونُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ النُّزُولِ فِي
الْقَبْرِ بَلْ أَمَرَ غَيْرَهَ فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ يَكُونُ
الَّذِي أَمَرَهُ بِمُنَاوَلَتِهِ لَهُ قُثَمَ بْنَ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ قَالَ:أَلْقَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ خَاتَمَهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّمَا
أَلْقَيْتُهُ لِتَقُولَ: نَزَلْتُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَنَزَلَ فَأَعْطَاهُ،
أَوْ أَمَرَ رَجُلًا
فَأَعْطَاهُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا:
ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي
عَسِيبٍ أَوْ أَبِي عَسِيمٍ، قَالَ بَهْزٌ:إِنَّهُ شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ
؟ قَالَ: ادْخُلُوا أَرْسَالًا أَرْسَالًا. فَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنْ هَذَا
الْبَابِ، فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ.
قَالَ: فَلَمَّا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
الْمُغِيرَةُ: قَدْ بَقِيَ مِنْ رِجْلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُصْلِحُوهُ. قَالُوا:
فَادْخُلْ فَأَصْلِحْهُ. فَدَخَلَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَّ قَدَمَيْهِ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ: أَهِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ. فَأَهَالُوا
عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَكَانَ يَقُولُ:
أَنَا أَحْدَثُكُمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مَتَى وَقَعَ دَفْنُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ
امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - وَأَدْخَلَنِي عَلَيْهَا، قَالَ:
حَتَّى تَسْمَعَهُ مِنْهَا - عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّهَا
قَالَتْ:مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِي فِي جَوْفِ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ الْحُلَيْسِ بْنِ
هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: بَيْنَا
نَحْنُ مُجْتَمِعُونَ نَبْكِي لَمْ نَنَمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُيُوتِنَا، وَنَحْنُ نَتَسَلَّى بِرُؤْيَتِهِ عَلَى
السَّرِيرِ، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ الْكَرَازِينِ فِي السَّحَرِ. قَالَتْ أُمُّ
سَلَمَةَ: فَصِحْنَا وَصَاحَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ صَيْحَةً
وَاحِدَةً، وَأَذَّنَ بِلَالٌ بِالْفَجْرِ، فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى فَانْتَحَبَ، فَزَادَنَا حُزْنًا، وَعَالَجَ
النَّاسُ الدُّخُولَ إِلَى قَبْرِهِ، فَغُلِقَ دُونَهُمْ، فَيَا لَهَا مِنْ
مُصِيبَةٍ ! مَا أُصِبْنَا بَعْدَهَا بِمُصِيبَةٍ إِلَّا هَانَتْ إِذَا ذَكَرْنَا
مُصِيبَتَنَا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّرَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ،
وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ مَا
حَدِيثٍ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ سَلَفًا
وَخَلَفًا، مِنْهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ، وَجَعْفَرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ
الصَّادِقُ، وَابْنُ
إِسْحَاقَ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدْ رَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَبْلَ
أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
وَهَكَذَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَاتَ فِي الضُّحَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ فِي
الضُّحَى.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ
الثُّلَاثَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ
حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ
الثُّلَاثَاءِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً
خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا: ثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ إِسْرَائِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ النَّهْرُتِيرِيُّ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي
أَوْفَى يَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ، فَلَمْ يُدْفَنْ إِلَّا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ. وَهَكَذَا قَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو
جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ. فَلَبِثَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَتِلْكَ اللَّيْلَةَ وَيَوْمَ
الثُّلَاثَاءِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ. فَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالْمَشْهُورُ
عَنِ الْجُمْهُورِ مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ.
وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْغَرِيبَةِ فِي هَذَا أَيْضًا مَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ،
عَنِ النُّعْمَانِ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأُوحِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ،
وَهَاجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْنِ
وَسِتِّينَ سَنَةً وَنِصْفٍ، وَمَكَثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُدْفَنُ، يَدْخُلُ
عَلَيْهِ النَّاسُ أَرْسَالًا أَرْسَالًا يُصَلُّونَ لَا يُصَفُّونَ، وَلَا
يَؤُمُّهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ. فَقَوْلُهُ: إِنَّهُ مَكَثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا
يُدْفَنُ. غَرِيبٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَكَثَ بَقِيَّةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ بِكَمَالِهِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ كَمَا
قَدَّمْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَضِدُّهُ مَا رَوَاهُ سَيْفٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ، وَغُسِّلَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ. قَالَ سَيْفٌ:
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَرَّةً بِجَمِيعِهِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ مِثْلَهُ، وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ
أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:رُشَّ
عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ رَشًّا،
وَكَانَ الَّذِي رَشَّهُ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ بِقِرْبَةٍ، بَدَأَ مِنْ قِبَلِ
رَأْسِهِ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رِجْلَيْهِ، ثُمَّ
ضَرَبَ بِالْمَاءِ إِلَى الْجِدَارِ ; لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَدُورَ مِنَ
الْجِدَارِ.
فَصْلٌ فِي صِفَةِ قَبْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، دُفِنَ
فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ الَّتِي كَانَتْ تَخْتَصُّ بِهَا شَرْقِيَّ مَسْجِدِهِ فِي
الزَّاوِيَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْقِبْلِيَّةِ مِنَ الْحُجْرَةِ، ثُمَّ دُفِنَ
بَعْدَهُ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ، أَنَّهُ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُسَنَّمًا. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ:
ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو
بْنُ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ،
وَقُلْتُ لَهَا يَا أُمَّهْ، اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ
لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ، مَبْطُوحَةٌ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ
الْحَمْرَاءِ.
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ،
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مُقَدَّمًا وَأَبُو بَكْرٍ رَأْسُهُ بَيْنَ
كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُمَرُ رَأْسُهُ عِنْدَ
رَجُلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُبُورَهُمْ مُسَطَّحَةٌ ; لِأَنَّ
الْحَصْبَاءَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا عَلَى الْمُسَطَّحِ. وَهَذَا عَجِيبٌ مِنَ
الْبَيْهَقِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ ذِكْرُ
الْحَصْبَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَبِتَقْدِيرِ ذَلِكَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ
مُسَنَّمًا، وَعَلَيْهِ الْحَصْبَاءُ مَغْرُوزَةً بِالطِّينِ وَنَحْوِهُ.
وَقَدْ رَوَى
الْوَاقِدِيُّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: جُعِلَ قَبْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُسَطَّحًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، ثَنَا عَلِيُّ
بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا سَقَطَ
عَلَيْهِمُ الْحَائِطُ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذُوا فِي
بِنَائِهِ، فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدَمُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا وُجِدَ وَاحِدٌ يَعْلَمُ
ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ: لَا وَاللَّهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هِيَ إِلَّا قَدَمُ عُمَرَ.
وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا أَوْصَتْ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ الزُّبَيْرِ لَا تَدْفِنِّي مَعَهُمْ، وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي
بِالْبَقِيعِ، لَا أُزَكَّى بِهِ أَبَدًا.
قُلْتُ: كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حِينَ وَلِيَ الْإِمَارَةَ فِي
سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، قَدْ شَرَعَ فِي بِنَاءِ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَتَبَ
إِلَى نَائِبِهِ بِالْمَدِينَةِ، ابْنِ عَمِّهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
أَنْ يُوَسِّعَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَوَسَّعَهُ حَتَّى مِنْ نَاحِيَةِ
الشَّرْقِ، فَدَخَلَتِ الْحُجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ فِيهِ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ، عَنْ زَاذَانَ مَوْلَى
الْفُرَافِصَةِ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ أَيَّامَ
وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ عَنْ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَحَكَى صِفَةَ الْقُبُورِ، كَمَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ذِكْرُ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُصِيبَةِ الْعَظِيمَةِ بِوَفَاتِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ:
وَاكَرْبَ أَبَتَاهْ. فَقَالَ لَهَا: " لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ
الْيَوْمِ " فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهْ،
يَا أَبَتَاهْ، مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهُ، إِلَى
جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ
أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ التُّرَابَ ؟ ! تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا دَفَنَّا النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ
أَنْ دَفَنْتُمْ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التُّرَابِ وَرَجَعْتُمْ ؟ ! وَهَكَذَا رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ. وَعِنْدَهُ:
قَالَ حَمَّادٌ: فَكَانَ ثَابِتٌ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى حَتَّى
تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ. وَهَذَا لَا يُعَدُّ نِيَاحَةً بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ
ذِكْرِ فَضَائِلِهِ الْحَقِّ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ،
وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ،
سَمِعْتُ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ قَيْسِ
بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - فِيمَا أَوْصَى بِهِ إِلَى بَنِيهِ - أَنَّهُ قَالَ:
وَلَا تَنُوحُوا عَلَيَّ ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ
الْقَاضِي فِي " النَّوَادِرِ "، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ
شُعْبَةَ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ
بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الصَّعْقِ بْنِ حَزْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُطَيَّبٍ، عَنِ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ بِهِ قَالَ: لَا تَنُوحُوا
عَلَيَّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ
عَلَيْهِ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنِ النِّيَاحَةِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ
عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ الصَّعْقِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَاصِمٍ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ سِنَانٍ، ثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا
كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا
كُلُّ شَيْءٍ. قَالَ: وَمَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا. وَهَكَذَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا، عَنْ بِشْرِ بْنِ هِلَالٍ الصَّوَّافِ،
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا
حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
قُلْتُ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ "، وَمَحْفُوظٌ
مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْجَمَاعَةُ،
رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهُ كَذَلِكَ.
وَقَدْ أَغْرَبَ الْكُدَيْمِيُّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، رَحِمَهُ
اللَّهُ، فِي رِوَايَتِهِ لَهُ حَيْثُ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَظْلَمَتِ الْمَدِينَةُ حَتَّى لَمْ يَنْظُرْ بَعْضُنَا إِلَى
بَعْضٍ، وَكَانَ أَحَدُنَا يَبْسُطُ يَدَهُ فَلَا يَرَاهَا أَوْ لَا يُبْصِرُهَا،
وَمَا فَرَغْنَا مِنْ دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا. رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ
مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ، كَمَا قَدَّمْنَا،
وَهُوَ الْمَحْفُوظُ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِسْطَامَ
بِالْأُبُلَّةِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرُّوَاسِيُّ، ثَنَا مَسْلَمَةُ
بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ
الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عَطَاءٍ الْعِجْلِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِنَّمَا وَجْهُنَا وَاحِدٌ، فَلَمَّا قُبِضَ نَظَرْنَا هَكَذَا وَهَكَذَا.
وَقَالَ أَيْضًا: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، ثَنَا
خَالِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي
وَدَاعَةَ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ
بَصَرُ أَحَدِهِمْ
مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ بَصَرُ
أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ جَبِينِهِ، فَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ،
فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ بَصَرُ أَحَدِهِمْ
مَوْضِعَ الْقِبْلَةِ، فَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَكَانَ عُثْمَانُ، وَكَانَتِ
الْفِتْنَةُ، فَتَلَفَّتَ النَّاسُ يَمِينًا وَشِمَالًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ بَكَتْ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَمُوتُ، وَلَكِنِّي
إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى الْوَحْيِ الَّذِي رُفِعَ عَنَّا. هَكَذَا رَوَاهُ
مُخْتَصَرًا.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
نُعَيْمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْجَارُودِيُّ قَالَا: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، ثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:ذَهَبَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ زَائِرًا،
وَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ شَرَابًا، فَإِمَّا كَانَ صَائِمًا
وَإِمَّا كَانَ لَا يُرِيدُهُ، فَرَدَّهُ، فَأَقْبَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُضَاحِكُهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ
وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ انْطَلِقْ بِنَا
إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ،
فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ ؟ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ
أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ.
فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلَا
يَبْكِيَانِ. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا بِهِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ
بِهِ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي قِصَّةِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا، قَالَ: وَرَجَعَ النَّاسُ
حِينَ فَرَغَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْخُطْبَةِ، وَأُمُّ أَيْمَنَ قَاعِدَةٌ تَبْكِي،
فَقِيلَ لَهَا مَا يُبْكِيكِ ؟ قَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ، وَأَرَاحَهُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا.
فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ، كَانَ يَأْتِينَا غَضًّا
جَدِيدًا، كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَقَدِ انْقَطَعَ وَرُفِعَ، فَعَلَيْهِ
أَبْكِي. فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ قَوْلِهَا.
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي " صَحِيحِهِ ":
وَحُدِّثْتُ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي بُرَيْدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ
أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا، فَجَعْلَهُ لَهَا فَرَطًا
وَسَلَفًا يَشْهَدُ لَهَا، وَإِذَا أَرَادَ هِلْكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا
وَنَبِيُّهَا حَيٌّ، فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَأَقَرَّ عَيْنَهُ
بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ " تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ
إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ
مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ،
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ
زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ، هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ، يُبَلِّغُونِي
عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ " قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحَدِّثُونَ، وَيُحَدَّثُ
لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالَكُمْ فَمَا رَأَيْتُ
مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ
اللَّهَ لَكُمْ " ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْرِفُ آخِرَهُ يُرْوَى
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قُلْتُ: وَأَمَّا أَوَّلُهُ،
وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " إِنَّ لِلَّهِ
مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ " فَقَدْ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
وَعَنِ الْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، بِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْجُعْفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ
الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ
الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ
مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تُعْرَضُ
صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ ؟ يَعْنِي قَدْ
بَلِيتَ. قَالَ: "
إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ
عَلَيْهِمُ السَّلَامُ " وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ هَارُونَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حُسَيْنِ
بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ
أَوْسٍ، فَذَكَرَهُ. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: وَذَلِكَ
وَهْمٌ مِنَ ابْنِ مَاجَهْ، وَالصَّحِيحُ أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ، وَهُوَ الثَّقَفِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَهُوَ عِنْدِي فِي نُسْخَةٍ جَيِّدَةٍ مَشْهُورَةٍ عَلَى الصَّوَابِ
كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ: عَنْ أَوْسِ بْنِ
أَوْسٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْمِصْرِيُّ، ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ
مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَإِنَّ أَحَدًا لَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ
إِلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا "قَالَ: قُلْتُ:
وَبَعْدَ الْمَوْتِ ؟ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ
تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَنَبِيُّ اللَّهِ
حَيٌّ يُرْزَقُ " وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ ابْنِ مَاجَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ عَقَدَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ هَاهُنَا بَابًا فِي إِيرَادِ
الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ، صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَمَوْضِعُ
اسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ " الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ " إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ مَا وَرَدَ مِنَ التَّعْزِيَةِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السُّكَيْنِ، ثَنَا
أَبُو هَمَّامٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ الْأَهْوَازِيُّ، ثَنَا
مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، أَوْ كَشَفَ
سِتْرًا، فَإِذَا النَّاسُ يُصَلُّونَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ
عَلَى مَا رَأَى مِنْ حُسْنِ حَالِهِمْ ; رَجَاءَ أَنْ يَخْلُفَهُ اللَّهُ فِيهِمْ
بِالَّذِي رَآهُمْ، فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، أَيُّمَا
أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ،
فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي،
فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ
مِنْ مُصِيبَتِي " تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، ثَنَا شَافِعُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرِ
بْنُ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيُّ، ثَنَا الْمُزَنِيُّ، ثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالُوا: بَلَى. فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي
الْقَاسِمِ، قَالَ:لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ ;
تَكْرِيمًا لَكَ وَتَشْرِيفًا لَكَ، وَخَاصَّةً لَكَ أَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ
أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، يَقُولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ قَالَ: " أَجِدُنِي يَا
جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجَدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا " ثُمَّ جَاءَهُ
الْيَوْمَ الثَّانِيَ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَدَّ أَوَّلَ يَوْمٍ، ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ
الثَّالِثَ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ يَوْمٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ كَمَا
رَدَّ، وَجَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ: إِسْمَاعِيلُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ
مَلَكٍ، كُلُّ مَلَكٍ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ،
فَسَأَلَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ جِبْرِيلُ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ
عَلَيْكَ، مَا اسْتَأْذَنَ عَلَى آدَمِيٍّ قَبْلَكَ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى
آدَمِيٍّ بَعْدَكَ. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " ائْذَنْ
لَهُ " فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا
مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ، فَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ
رُوحَكَ قَبَضْتُهُ، وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهُ تَرَكْتُهُ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَتَفْعَلُ يَا
مَلَكَ الْمَوْتِ ؟ " قَالَ: نَعَمْ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأُمِرْتُ أَنْ
أُطِيعَكَ. قَالَ:
فَنَظَرَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَا
مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: " امْضِ لِمَا
أُمِرْتَ بِهِ " فَقَبَضَ رُوحَهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ سَمِعُوا صَوْتًا مِنْ
نَاحِيَةِ الْبَيْتِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ
كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ
فَارْجُوا، فَإِنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ. فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا ؟ هَذَا الْخَضِرُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ بِحَالِ
الْقَاسِمِ الْعُمَرِيِّ هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ
الْأَئِمَّةِ، وَتَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ آخَرُونَ. وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ،
عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،
فَذَكَرَ مِنْهُ قِصَّةَ التَّعْزِيَةِ فَقَطْ، مَوْصُولًا، وَفِي الْإِسْنَادِ
الْعُمَرِيُّ الْمَذْكُورُ، قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى أَمْرِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ
بِهِ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَوْ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُرْتَعِدِ الصَّنْعَانِيُّ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ
الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ،
يَسْمَعُونَ الْحِسَّ وَلَا يَرَوْنَ الشَّخْصَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي اللَّهِ
عَزَاءً مَنْ كُلِّ
مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَدَرَكًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ،
فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّمَا الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ
الثَّوَابَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَانَ الْإِسْنَادَانِ وَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ،
فَأَحَدُهُمَا يَتَأَكَّدُ بِالْآخَرِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا مِنْ
حَدِيثِ جَعْفَرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ بَالُوَيْهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ
بْنِ مَطَرٍ، ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَقَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَبَكَوْا حَوْلَهُ وَاجْتَمَعُوا،
فَدَخَلَ رَجُلٌ أَشْهَبُ اللِّحْيَةِ جَسِيمٌ صَبِيحٌ، فَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ
فَبَكَى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ،
وَعِوَضًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَإِلَى اللَّهِ
فَأَنِيبُوا، وَإِلَيْهِ فَارْغُبُوا، وَنَظَرُهُ إِلَيْكُمْ فِي الْبَلَايَا،
فَانْظُرُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ لَمْ يَجْبُرْهُ. فَانْصَرَفَ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعْرِفُونَ الرَّجُلَ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ:
نَعَمْ، هَذَا أَخُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْخَضِرُ. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ضَعِيفٌ،
وَهَذَا مُنْكَرٌ بِمَرَّةٍ.
وَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ
أَنْبَأَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ الْمَدَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حِينَ قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، دَخَلَ الْمُهَاجِرُونَ فَوْجًا فَوْجًا
يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ دَخَلَتِ
الْأَنْصَارُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا فَرَغَتِ الرِّجَالُ دَخَلَتِ النِّسَاءُ، فَكَانَ مِنْهُنَّ صَوْتٌ وَجَزَعٌ كَبَعْضِ مَا يَكُونُ مِنْهُنَّ، فَسَمِعْنَ هَدَّةً فِي الْبَيْتِ فَفَرِقْنَ فَسَكَتْنَ، فَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَعِوَضًا مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَالْمَجْبُورُ مَنْ جَبَرَهُ الثَّوَابُ، وَالْمُصَابُ مَنْ لَمْ يَجْبُرْهُ الثَّوَابُ.
فَصْلٌ فِيمَا رُوِيَ
مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِيَوْمِ وَفَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ
بِالْيَمَنِ، فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ; ذَا كَلَاعٍ وَذَا
عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَا لِي: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَقَدْ مَضَى
صَاحِبُكَ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَأَقْبَلَا مَعِي
حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ
الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ صَالِحُونَ. قَالَ:
فَقَالَا لِي: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا، وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ،
إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا
أَتَيْتُ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ، قَالَ: أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ: لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ، إِنَّ بِكَ عَلَيَّ
كَرَامَةً، وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا، إِنَّكُمْ، مَعْشَرَ الْعَرَبِ، لَنْ
تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمُ فِي آخَرَ،
وَإِذَا كَانَتْ
بِالسَّيْفِ كُنْتُمْ
مُلُوكًا تَغْضَبُونَ غَضَبَ الْمُلُوكِ، وَتَرْضَوْنَ رِضَا الْمُلُوكِ. هَكَذَا
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْمُؤَمَّلِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ
الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ جَرِيرٍ
قَالَ: لَقِيَنِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ، وَقَالَ لِي: إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ
نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، ثَنَا زَائِدَةُ،
ثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ:
إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ الْيَوْمَ. قَالَ جَرِيرٌ فَمَاتَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْمُعَدَّلُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ التَّنُوخِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ نَاعِمِ بْنِ أُجَيْلٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَقْبَلْتُ فِي وَفْدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَيْرَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَا، ثُمَّ انْصَرَفْنَا إِلَى الْحِيرَةِ فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْنَا وَفَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَابَ أَصْحَابِي، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَمُتْ. فَقُلْتُ: قَدْ مَاتَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ. وَثَبَتُّ عَلَى إِسْلَامِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَمَرَرْتُ بِرَاهِبٍ كُنَّا لَا نُقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَمْرٍ أَرَدْتُهُ لَقِحَ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْءٌ. فَقَالَ: ائْتِ بِاسْمٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ. فَأَتَيْتُهُ بِكَعْبٍ، فَقَالَ: أَلْقِهِ فِي هَذَا السِّفْرِ. لِسِفْرٍ أَخْرَجَهُ، فَأَلْقَيْتُ الْكَعْبَ فِيهِ فَصَفَحَ فِيهِ، فَإِذَا بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَأَيْتُهُ، وَإِذَا هُوَ يَمُوتُ فِي الْحِينِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ: فَاشْتَدَّتْ بَصِيرَتِي فِي إِيمَانِي، وَقَدِمْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَعْلَمْتُهُ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَّهَنِي إِلَى الْمُقَوْقِسِ فَرَجَعْتُ، وَوَجَّهَنِي أَيْضًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ بِكِتَابِهِ، فَأَتَيْتُهُ وَقْعَةَ الْيَرْمُوكِ وَلَمْ أَعْلَمْ بِهَا، فَقَالَ
لِي: أَعَلِمْتَ أَنَّ
الرُّومَ قَتَلَتِ الْعَرَبَ وَهَزَمَتْهُمْ ؟ فَقُلْتُ: كَلَّا. قَالَ: وَلِمَ ؟
قُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَيْسَ بِمُخْلِفٍ الْمِيعَادَ. قَالَ
فَإِنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ صَدَقَكُمْ ; قُتِلَتِ الرُّومُ وَاللَّهِ قَتْلَ عَادٍ.
قَالَ: ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ وُجُوهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَهْدَى إِلَى عُمَرَ وَإِلَيْهِمْ. وَكَانَ
مِمَّنْ أَهْدَى إِلَيْهِ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرُ.
وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَ الْعَبَّاسَ، قَالَ كَعْبٌ: وَكُنْتُ شَرِيكًا لِعُمَرَ فِي
الْبَزِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَنْ فَرَضَ الدِّيوَانَ فَرَضَ لِي فِي
بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ نَبَأٌ عَجِيبٌ
وَهُوَ صَحِيحٌ.
فَصْلٌ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظُمَتْ بِهِ مُصِيبَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ
عَائِشَةُ، فِيمَا بَلَغَنِي، تَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَاشْرَأَبَّتِ الْيَهُودِيَّةُ
وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ، وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ
الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ ; لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَمَعَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِالرُّجُوعِ عَنِ الْإِسْلَامِ
وَأَرَادُوا ذَلِكَ، حَتَّى خَافَهُمْ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، فَتَوَارَى، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ وَفَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدِ الْإِسْلَامَ
إِلَّا قُوَّةً فَمَنْ رَابَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَهُ. فَتَرَاجَعَ النَّاسُ
وَكَفُّوا
عَمَّا هَمُّوا بِهِ،
فَظَهَرَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ فَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ لِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ - يَعْنِي حِينَ أَشَارَ بِقَلْعِ ثَنِيَّتِهِ حِينَ وَقَعَ فِي
الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ - " إِنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا
تَذُمُّهُ ".
قُلْتُ: وَسَيَأْتِي عَمَّا قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ذِكْرُ مَا وَقَعَ بَعْدَ
وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّدَّةِ فِي
أَحْيَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ مُسَيْلِمَةَ بْنِ
حَبِيبٍ الْمُتَنَبِّئِ بِالْيَمَامَةِ، وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ بِالْيَمَنِ،
وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ حَتَّى فَاءُوا وَرَجَعُوا إِلَى اللَّهِ
تَائِبِينَ نَازِعِينَ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِمْ مِنَ
السَّفَاهَةِ وَالْجَهْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي اسْتَفَزَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِهِ،
حَتَّى نَصَرَهُمُ اللَّهُ وَثَبَّتَهُمْ، وَرَدَّهُمْ إِلَى دِينِهِ الْحَقِّ
عَلَى يَدَيِ الْخَلِيفَةِ الصِّدِّيقِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَأَرْضَاهُ، كَمَا سَيَأْتِي مَبْسُوطًا مُبَيَّنًا مَشْرُوحًا، إِنْ شَاءَ
اللَّهُ.
فَصْلٌ
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ قَصَائِدَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمِنْ أَجَلِّ ذَلِكَ وَأَفْصَحِهِ وَأَعْظَمِهِ، مَا رَوَاهُ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ
أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ يَبْكِي رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بَطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرَّسُولِ وَمَعْهَدُ مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرُّسُومُ
وَتَهْمُدُ
وَلَا تَمْتَحِي
الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ
وَوَاضِحُ آيَاتٍ وَبَاقِي مَعَالِمٍ وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلًّى وَمَسْجِدُ
بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا مِنَ اللَّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ
وَيُوقَدُ مَعَارِفُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيُهَا
أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدَّدُ عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ
وَعَهْدَهُ وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مَلْحَدُ
ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فَأَسْعَدَتْ عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا مِنَ
الْجَفْنِ تُسْعِدُ
يُذَكِّرْنَ آلَاءَ الرَّسُولِ وَلَا أَرَى لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي
تَبَلَّدُ مُفَجَّعَةٌ قَدْ شَفَّهَا فَقْدُ أَحْمَدٍ
فَظَلَّتْ لِآلَاءِ الرَّسُولِ تَعَدَّدُ وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ
عَشِيرَهُ وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدُ مَا قَدْ تَوَجَّدُ
أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنُ جُهْدَهَا عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الَّذِي
فِيهِ أَحْمَدُ
فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ بِلَادٌ ثَوَى فِيهَا الرَّشِيدُ
الْمُسَدَّدُ
وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ
ضُمِّنَ طَيِّبًا
عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدُ تُهِيلُ عَلَيْهِ التُّرْبَ أَيْدٍ
وَأَعْيُنٌ عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعُدُ
لَقَدْ غَيَّبُوا حِلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً عَشِيَّةَ عَلَّوْهُ الثَّرَى لَا
يُوَسَّدُ
وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيُّهُمْ وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهُمْ ظُهُورٌ
وَأَعْضُدُ يُبَكُّونَ مَنْ تَبْكِي السَّمَاوَاتُ يَوْمَهُ
وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنَّاسُ أَكْمَدُ وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا
رَزِيَّةُ هَالِكٍ رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ
تَقَطَّعَ فِيهِ مُنْزَلُ الْوَحْيِ عَنْهُمُ وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ
وَيُنْجِدُ
يَدَلُّ عَلَى الرَّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ
الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ
إِمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمُ الْحَقَّ جَاهِدًا مُعَلِّمُ صِدْقٍ إِنْ يُطِيعُوهُ
يَسْعَدُوا
عَفُوٌّ عَنِ الزَّلَّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ وَإِنْ يُحْسِنُوا فَاللَّهُ بِالْخَيْرِ
أَجْوَدُ
وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا
يَتَشَدَّدُ
فَبَيْنَا هُمُ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ بَيْنَهُمْ دَلِيلٌ بِهِ نَهْجُ الطَّرِيقَةِ
يُقْصَدُ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنِ الْهُدَى حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا
وَيَهْتَدُوا
عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنِّي جَنَاحَهُ إِلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ
وَيَمْهَدُ
فَبَيْنَاهُمُ فِي ذَلِكَ
النُّورِ إِذْ غَدَا إِلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنَ الْمَوْتِ مُقْصِدُ
فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إِلَى اللَّهِ رَاجِعًا يُبَكِّيهِ حَقُّ الْمُرْسَلَاتِ
وَيَحْمَدُ
وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنَ
الْوَحْيِ تَعْهَدُ
قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللَّحْدِ ضَافَهَا فَقِيدٌ يُبَكِّيهِ بَلَاطٌ
وَغَرْقَدُ
وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ
وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ دِيَارٌ وَعَرْصَاتٌ وَرَبْعٌ
وَمَوْلِدُ
فَبَكِّي رَسُولَ اللَّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً وَلَا أَعْرِفَنْكِ الدَّهْرَ
دَمْعُكِ يَجْمُدُ
وَمَالَكِ لَا تَبْكِينِ ذَا النِّعْمَةِ الَّتِي عَلَى النَّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ
يَتَغَمَّدُ
فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدُّمُوعِ وَأَعْوِلِي لِفَقْدِ الَّذِي لَا مِثْلُهُ
الدَّهْرَ يُوجَدُ
وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيَامَةِ
يُفْقَدُ
أَعَفَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً بَعْدَ ذِمَّةٍ وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا
يُنَكَّدُ
وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطَّرِيفِ وَتَالِدٍ إِذَا ضَنَّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ
يَتْلَدُ
وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إِذَا انْتَمَى وَأَكْرَمَ جَدًّا أَبْطَحِيًّا
يُسَوَّدُ
وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ
وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا دَعَائِمَ عِزٍّ شَاهِقَاتٍ تُشَيَّدُ
وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبِتًا وَعُودًا غَذَاهُ الْمُزْنُ
فَالْعُودُ أَغْيَدُ
رَبَاهُ وَلِيدًا فَاسْتَتَمَّ تَمَامُهُ عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبٌّ
مُمَجَّدُ
تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا
الرَّأْيُ يُفْنَدُ
أَقُولُ وَلَا يُلْفَى لِمَا قُلْتُ عَائِبٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا عَازِبُ
الْقَوْلِ مُبْعَدُ
وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ لَعَلِّي بِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ
أَخْلُدُ
مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ
أَسْعَى وَأَجْهَدُ
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ "
الرَّوْضِ ": وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِيَ لَا يَزُولُ وَلَيْلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ
وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ
لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلَّتْ
عَشِيَّةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرَّسُولُ وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمَّا عَرَاهَا
تَكَادُ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ
فَقَدْنَا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ فِينَا يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُوُ جِبْرَئِيلُ
وَذَاكَ أَحَقُّ مَا
سَالَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُ النَّاسِ أَوْ كَرَبَتْ تَسِيلُ نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو
الشَّكَّ عَنَّا
بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُولُ وَيَهْدِينَا
فَلَا نَخْشَى ضَلَالًا عَلَيْنَا وَالرَّسُولُ لَنَا دَلِيلُ أَفَاطِمُ إِنْ
جَزِعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ
وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي ذَاكَ السَّبِيلُ فَقَبْرُ أَبِيكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ
وَفِيهِ سَيِّدُ النَّاسِ الرَّسُولُ
بَابُ بَيَانِ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ دِينَارًا وَلَا
دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، وَلَا
شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ، بَلْ أَرْضًا جَعَلَهَا كُلَّهَا صَدَقَةً لِلَّهِ، عَزَّ
وَجَلَّ، فَإِنَّ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا كَانَتْ أَحْقَرَ عِنْدَهُ - كَمَا
هِيَ عِنْدَ اللَّهِ - مِنْ أَنْ يَسْعَى لَهَا أَوْ يَتْرُكَهَا بَعْدَهُ
مِيرَاثًا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى إِخْوَانِهِ مِنَ
النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا دَائِمًا إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ:مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا
أَمَةً، إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلَاحَهُ،
وَأَرْضًا جَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ
دُونَ مُسْلِمٍ، فَرَوَاهُ فِي أَمَاكِنَ مِنْ " صَحِيحِهِ " مِنْ
طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَسُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ،
وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ
إِسْرَائِيلَ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ،
كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيِّ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ - أَخِي
جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ -
وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ
الْأَعْمَشِ - عَنْ
شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً وَلَا
بَعِيرًا وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا بِهِ
عَنِ الْبُخَارِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ
مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ
سَلَمَةَ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، عَنْ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ بِنْتِ الصِّدِّيقِ حَبِيبَةِ حَبِيبِ
اللَّهِ، الْمُبَرَّأَةِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
وَأَرْضَاهَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ
عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا تَرَكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا،
وَلَا أَمَةٍ وَلَا عَبْدًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ عَنْ
عَائِشَةَ:مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا قَالَ سُفْيَانُ:
وَأَكْبَرُ عِلْمِي وَأَشُكُّ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ " عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ بِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَاصِمِ
بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرٍّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا تَرَكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا
عَبْدًا
وَلَا أَمَةً وَلَا شَاةً
وَلَا بَعِيرًا. هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي،
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ
عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ:تَسْأَلُونِي عَنْ مِيرَاثِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ! مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا
وَلِيدَةً. قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا.
قَالَ: وَأَنْبَأَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ قَالَ:مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا وَلِيدَةً.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ
وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ.
وَفِي لَفْظِ لِلْبُخَارِيِّ رَوَاهُ عَنْ قَبِيصَةَ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ:تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ
عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْهَا قَالَتْ:تُوُفِّيَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ
بِثَلَاثِينَ
صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ.
ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، ثَنَا آدَمُ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:لَقَدْ دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ. قَالَ أَنَسٌ:
وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
" وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَصْبَحَ عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ
صَاعُ بُرٍّ وَلَا صَاعُ تَمْرٍ " وَإِنَّ لَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَ نِسْوَةٍ،
وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعًا لَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ، وَأَخَذَ مِنْهُ
طَعَامًا، فَمَا وَجَدَ مَا يَفْتَكُّهَا بِهِ حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بَعْضَهُ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا ثَابِتٌ، ثَنَا
هِلَالٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أُحُدًا لِآلِ مُحَمَّدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ، أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارَانِ إِلَّا أَنْ
أُرْصِدَهُمَا لِدَيْنٍ " قَالَ: فَمَاتَ فَمَا تَرَكَ دِينَارًا وَلَا
دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا
وَلَا وَلِيدَةً، وَتَرَكَ دِرْعَهُ رَهْنًا عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ
صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. وَقَدْ رَوَى آخِرَهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيِّ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ
خَبَّابٍ الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ بِهِ. وَلِأَوَّلِهِ شَاهَدٌ فِي "
الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَأَبُو سَعِيدٍ
وَعَفَّانُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، ثَنَا هِلَالٌ،
هُوَ ابْنُ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ
قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ
فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا. فَقَالَ: " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا
مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ
فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا
" تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، فِي الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ
تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِصَّةِ
الْإِيلَاءِ. وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا شَاكَلَهُ فِي بَيَانِ
زُهْدِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَرْكِهِ الدُّنْيَا،
وَإِعْرَاضِهِ عَنْهَا، وَاطِّرَاحِهِ لَهَا، وَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا
قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ تَكُنِ الدُّنْيَا
عِنْدَهُ بِبَالٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
رُفَيْعٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَّا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ. قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ
عَنْ طَلْحَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَىأَأَوْصَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: لَا. فَقُلْتُ: كَيْفَ
كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِهَا ؟ قَالَ أَوْصَى
بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا
وَمُسْلِمٌ، وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مَالِكِ
بْنِ مِغْوَلٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ سَنُورِدُهَا قَرِيبًا بَعْدَ
هَذَا الْفَصْلِ فِي ذِكْرِ أَشْيَاءَ كَانَ يَخْتَصُّ بِهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فِي حَيَاتِهِ ; مِنْ دُورٍ وَمَسَاكِنِ نِسَائِهِ
وَإِمَاءٍ وَعَبِيدٍ وَخُيُولٍ وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ وَسِلَاحٍ وَبَغْلَةٍ وَحِمَارٍ
وَثِيَابٍ وَأَثَاثٍ وَخَاتَمٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوَضِّحُهُ بِطُرُقِهِ
وَدَلَائِلِهِ، فَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَصَدَّقَ بِكَثِيرٍ
مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ مُنْجِزًا، وَأَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَ مِنْ إِمَائِهِ
وَعَبِيدِهِ وَأَرْصَدَ مَا أَرْصَدَهُ مِنْ أَمْتِعَتِهِ مَعَ مَا خَصَّهُ
اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَرَضِينَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ وَخَيْبَرَ وَفَدَكَ، فِي
مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَّا
أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ قَطْعًا ; لِمَا
سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
بَابُ بَيَانِ أَنَّهُ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: " لَا نُورَثُ "
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ، وَقَالَ مَرَّةً قَالَ: قَالَ:
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَقْتَسِمُ
وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي
وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ " وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا
تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ "
لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَزْوَاجَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا نُورَثُ، مَا
تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ؟ " وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ
يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ،
كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ
بِهِ. فَهَذِهِ إِحْدَى النِّسَاءِ الْوَارِثَاتِ - إِنْ لَوْ قُدِّرَ مِيرَاثٌ -
قَدِ اعْتَرَفَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ
مَا تَرَكَهُ صَدَقَةً لَا مِيرَاثًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَقِيَّةَ أُمَّهَاتِ
الْمُؤْمِنِينَ وَافَقْنَهَا عَلَى مَا رَوَتْ، وَتَذَكَّرْنَ مَا قَالَتْ لَهُنَّ
مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ عِبَارَتَهَا تُؤْذِنُ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُقَرَّرٌ
عِنْدَهُنَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا
نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا هِشَامٌ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا
بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ
فَدَكَ وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ. فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا نُورَثُ، مَا
تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ "
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلَّا صَنَعْتُهُ. قَالَ:
فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ. وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ،
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ
أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا أَبُو
بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ، وَهَجَرَتْ
أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ. قَالَ: وَعَاشَتْ
فَاطِمَةُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سِتَّةَ أَشْهُرٍ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي مِنْ "
صَحِيحِهِ " عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَزَادَ:
فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا
بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ
فَاطِمَةَ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ،
فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ
تِلْكَ الْأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا
مَعَكَ أَحَدٌ. وَكَرِهَ أَنْ يَأْتِيَهُ عُمَرُ لِمَا عَلِمَ مِنْ شِدَّةِ
عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ، وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ. قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: وَمَا عَسَى أَنْ يَصْنَعُوا بِي ؟ وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُمْ. فَانْطَلَقَ
أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ وَقَالَ: إِنَّا قَدْ
عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ
خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ
إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكُمُ اسْتَبْدَدْتُمْ بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى
لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا. فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ يَذْكُرُ حَتَّى بَكَى
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ
أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِي
هَذِهِ الْأَمْوَالِ فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْخَيْرِ، وَلَمْ أَتْرُكْ
أَمْرًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا
صَنَعْتُهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: مَوْعِدُكَ لِلْبَيْعَةِ عَشِيَّةً. فَلَمَّا صَلَّى
أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ
فَتَشَهَّدَ، وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ
بِالَّذِي اعْتَذَرَ بِهِ، وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَظَّمَ
حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَذَكَرَ فَضِيلَتَهُ وَسَابِقَتَهُ، وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ
يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَبَايَعَهُ فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى
عَلِيٍّ فَقَالُوا: أَحْسَنْتَ. وَكَانَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ
رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ.
فَهَذِهِ الْبَيْعَةُ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، بَيْعَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلصُّلْحِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ
ثَانِيَةٌ لِلْبَيْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوَّلًا يَوْمَ السَّقِيفَةِ، كَمَا
رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَلَمْ يَكُنْ
عَلِيٌّ مُجَانِبًا لِأَبِي بَكْرٍ هَذِهِ السِّتَّةَ الْأَشْهُرِ، بَلْ
كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَهُ
وَيَحْضُرُ عِنْدَهُ لِلْمَشُورَةِ، وَرَكِبَ مَعَهُ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ، كَمَا
سَيَأْتِي.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ صَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِلَيَالٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ الْحَسَنَ بْنَ
عَلِيٍّ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَاحْتَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، وَجَعَلَ
يَقُولُ: بِأَبِي شَبِيهُ النَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيهًا بَعَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ
يَضْحَكُ. وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ اعْتَقَدَ
بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُبَايِعْ قَبْلَهَا، فَنَفَى ذَلِكَ،
وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا تَقَرَّرَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا تَغَضُّبُ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
وَأَرْضَاهَا - عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَمَا
أَدْرِي مَا وَجْهُهُ، فَإِنْ كَانَ لِمَنْعِهِ إِيَّاهَا مَا سَأَلَتْهُ مِنَ
الْمِيرَاثِ، فَقَدِ اعْتَذَرَ إِلَيْهَا بِعُذْرٍ يَجِبُ قَبُولُهُ، وَهُوَ مَا
رَوَاهُ عَنْ أَبِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " وَهِيَ مِمَّنْ
تَنْقَادُ لِنَصِّ الشَّارِعِ الَّذِي خَفِيَ عَلَيْهَا قَبْلَ سُؤَالِهَا
الْمِيرَاثَ، كَمَا خَفِيَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى أَخْبَرَتْهُنَّ عَائِشَةُ بِذَلِكَ، وَوَافَقْنَهَا عَلَيْهِ،
وَلَيْسَ يُظَنُّ بِفَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا اتَّهَمَتِ
الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِيمَا أَخْبَرَهَا بِهِ حَاشَاهَا وَحَاشَاهُ
مِنْ ذَلِكَ، كَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،
وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ،
وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَسَعْدُ بْنُ
أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ ؟ ! رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
أَجْمَعِينَ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ قَرِيبًا، وَلَوْ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ
الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَوَجَبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ قَبُولُ رِوَايَتِهِ، وَالِانْقِيَادُ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَضَبُهَا لِأَجْلِ مَا سَأَلَتِ الصِّدِّيقَ - إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرَاضِي صَدَقَةً لَا مِيرَاثًا - أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا يَنْظُرُ فِيهَا، فَقَدِ اعْتَذَرَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ يَرَى أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا كَانَ يَعْمَلُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَلِي مَا كَانَ يَلِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا قَالَ: وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا كَانَ يَصْنَعُهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا صَنَعْتُهُ. قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ. وَهَذَا الْهِجْرَانُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَتَحَ عَلَى فِرْقَةِ الرَّافِضَةِ شَرًّا عَرِيضًا، وَجَهْلًا طَوِيلًا، وَأَدْخَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِسَبَبِهِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ، وَلَوْ تَفَهَّمُوا الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ لَعَرَفُوا لِلصِّدِّيقِ فَضْلَهُ، وَقَبِلُوا مِنْهُ عُذْرَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ قَبُولُهُ، وَلَكِنَّهُمْ طَائِفَةٌ مَخْذُولَةٌ، وَفِرْقَةٌ مَرْذُولَةٌ، يَتَمَسَّكُونَ بِالْمُتَشَابِهِ، وَيَتْرُكُونَ الْأُمُورَ الْمُحْكَمَةَ الْمُقَرَّرَةَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ أَجْمَعِينَ.
بَيَانُ رِوَايَةِ
الْجَمَاعَةِ لِمَا رَوَاهُ الصِّدِّيقُ وَمُوَافَقَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ
الْحَدَثَانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا
مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ،
فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ فَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا،
فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ
لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا. قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ
الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، هَلْ تَعْمَلُونَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا نُورَثُ،
مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَفْسَهُ ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عَلَى
عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ ; إِنَّ
اللَّهَ كَانَ قَدْ خَصَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ ; قَالَ: وَمَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ قَدِيرٌ [ الْحَشْرِ: 6 ]
فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَاللَّهِ مَا
احْتَازَهَا دُونَكُمْ،
وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ،
حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ نَفَقَةَ
سَنَتِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ،
فَعَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاتَهُ،
أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ
لَعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ ؟ قَالَا:
نَعَمْ. فَتَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَبَضَهَا، فَعَمِلَ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ،
فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ وَلِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ، أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي
وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ
مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا لِيَسْأَلَنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ
أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ،
فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ ؟ ! فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ
تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى
تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ فَأَنَا
أَكْفِيكُمَاهَا. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ
" صَحِيحِهِ "، وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": فَقَالَ عُمَرُ: فَوَلِيَهَا
أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا
عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ بَارٌّ
رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ وَلِيتُهَا فَعَمِلْتُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ
يَعْلَمُ أَنِّي صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي
فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا لِتَعْمَلَا فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمِلْتُ فِيهَا أَنَا،
أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا
بِذَلِكَ ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ
ذَلِكَ ؟ ! لَا وَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي
تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ، أَعَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا
صَدَقَةٌ " قَالُوا: نَعَمْ. عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ ".
قُلْتُ: وَكَانَ الَّذِي سَأَلَاهُ بَعْدَ تَفْوِيضِ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ، هُوَ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا النَّظَرَ، فَيَجْعَلَ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَظَرَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِالْإِرْثِ لَوْ
قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ وَارِثًا، وَكَأَنَّهُمَا قَدَّمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا
جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ; عُثْمَانُ وَابْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ
وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ، وَكَانَ قَدْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ شَدِيدَةٌ
بِسَبَبِ إِشَاعَةِ النَّظَرِ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ
قَدَّمَاهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمَا
وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الْآخَرِ. فَكَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
تَحَرَّجَ مِنْ قِسْمَةِ النَّظَرِ بَيْنَهُمَا بِمَا يُشْبِهُ قِسْمَةَ
الْمِيرَاثِ، وَلَوْ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ ; مُحَافَظَةً عَلَى امْتِثَالِ
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا
صَدَقَةٌ " فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَأَبَى مِنْ
ذَلِكَ أَشَدَّ
الْإِبَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا
وَالْعَبَّاسَ اسْتَمَرَّا عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ، يَنْظُرَانِ فِيهَا
جَمِيعًا إِلَى زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا عَلِيٌّ،
وَتَرَكَهَا لَهُ الْعَبَّاسُ بِإِشَارَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "
مُسْنَدِهِ ". فَاسْتَمَرَّتْ فِي أَيْدِي الْعَلَوِيِّينَ. وَقَدْ
تَقَصَّيْتُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظَهُ فِي مُسْنَدَيِ الشَّيْخَيْنِ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنَّى، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ،
جَمَعْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجَلَّدًا ضَخْمًا مِمَّا رَوَاهُ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَآهُ مِنَ الْفِقْهِ
النَّافِعِ الصَّحِيحِ، وَرَتَّبْتُهُ عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُصْطَلَحِ
عَلَيْهَا الْيَوْمَ. وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،
احْتَجَّتْ أَوَّلًا بِالْقِيَاسِ، وَبِالْعُمُومِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ،
فَأَجَابَهَا الصِّدِّيقُ بِالنَّصِّ عَلَى الْخُصُوصِ بِالْمَنْعِ فِي حَقِّ
النَّبِيِّ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهَا سَلَّمَتْ لَهُ مَا
قَالَ. وَهَذَا هُوَ الْمَظْنُونُ بِهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ
لِأَبِي بَكْرٍ: مَنْ يَرِثُكَ إِذَا مُتَّ ؟ قَالَ: وَلَدِي وَأَهْلِي. قَالَتْ:
فَمَا لَنَا لَا نَرِثُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ !
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
" إِنَّ النَّبِيَّ لَا يُورَثُ " وَلَكِنِّي أَعُولُ مَنْ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُولُ، وَأُنْفِقُ عَلَى
مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَل