{37//1} البداية والنهاية عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).
...=مِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ
الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ ضَوْءِ
كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ ".
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ
سُلَيْمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ ذِكْرُ عُكَّاشَةَ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، كَمَا سَيَأْتِي.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ،
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيَدْخُلَنَّ
الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ - شَكَّ
فِي أَحَدِهِمَا - مُتَمَاسِكِينَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى يَدْخُلَ
أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ، وُجُوهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا
الْمَسْعُودِيُّ، حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ الْأَخْنَسِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُعْطِيتُ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
بِغَيْرِ حِسَابٍ، وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَقُلُوبُهُمْ
عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَاسْتَزَدْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فَزَادَنِي
مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعِينَ أَلْفًا ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: فَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ آتٍ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَمُصِيبٌ مِنْ
حَافَاتِ الْبَوَادِي.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ،
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ الْأُمَمَ
بِالْمَوْسِمِ، فَرَاثَتْ عَلَيْهِ أُمَّتُهُ، قَالَ: " فَأُرِيتُ أُمَّتِي،
فَأَعْجَبَنِي كَثْرَتُهُمْ، قَدْ مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ، فَقِيلَ لِي:
إِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ،
هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ،
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ". فَقَالَ عُكَّاشَةُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَامَ -
يَعْنِي آخَرَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي
مِنْهُمْ. فَقَالَ: " سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ". قَالَ الْحَافِظُ
الضِّيَاءُ: هَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:أَكْثَرْنَا الْحَدِيثَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، ثُمَّ غَدَوْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ اللَّيْلَةَ بِأُمَمِهَا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمُرُّ وَمَعَهُ الثَّلَاثَةُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ مُوسَى مَعَهُ كَبْكَبَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَعْجَبُونِي، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَقِيلَ لِي: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى، مَعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَأَيْنَ أُمَّتِي ؟ فَقِيلَ لِي: انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ. فَنَظَرْتُ، فَإِذَا الظِّرَابُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، فَقِيلَ لِي: أَرَضِيتَ ؟ فَقُلْتُ: رَضِيتُ يَا رَبِّ، رَضِيتُ يَا رَبِّ. فَقِيلَ لِي: إِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ". فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِدًى لَكُمْ أَبِي وَأُمِّي، إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا فَافْعَلُوا، فَإِنْ قَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الظِّرَابِ، فَإِنْ قَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأُفُقِ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ ثَمَّ نَاسًا يَتَهَاوَشُونُ ". فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ يَجْعَلَنِي مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا. فَدَعَا لَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: " قَدْ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ". قَالَ: ثُمَّ تَحَدَّثْنَا فَقُلْنَا: مَنْ تَرَوْنَ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ الْأَلْفَ ؟
قَوْمٌ وُلِدُوا فِي
الْإِسْلَامِ، لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، حَتَّى مَاتُوا ؟ فَبَلَغَ
ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " هُمُ
الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى
رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُذُوعِيُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ
وَلَا عَذَابٍ ". قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " هُمُ
الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى
رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ خَلَفٍ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، بِهِ، وَعِنْدَهُ ذِكْرُ عُكَّاشَةَ، وَلَيْسَ
عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: " يَتَطَيَّرُونَ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ مِنْ غَيْرِ
طَرِيقٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ،
حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ حَدِيثًا، وَفِيهِ: فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ، وُجُوهُهُمْ
كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَأِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ ".
وَذَكَرَ بَقِيَّتَهُ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ رَوْحٍ، فَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَقَدْ رَوَى
الْبَزَّارُ عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءً.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِرْدَاسٍ،
حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: سَبْعُونَ أَلْفًا
مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لَا
يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمِ الْعَبَّادَانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ
السَّبْعِينَ أَلْفًا سَبْعُونَ أَلْفًا ". وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُلُوفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنَ
الْآحَادِ، وَهُوَ
أَشْمَلُ وَأَكْثَرُ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - أَوْ عَنِ
النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ
مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " وَهَكَذَا ".
وَجَمَعَ كَفَّيْهِ. فَقَالَ: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "
وَهَكَذَا ". فَقَالَ عُمَرُ: حَسْبُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: دَعْنِي يَا عُمَرُ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يُدْخِلَنَا اللَّهُ الْجَنَّةَ
كُلَّنَا ؟! فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ إِنْ شَاءَ أَدْخَلَ خَلْقَهُ
الْجَنَّةَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " صَدَقَ عُمَرُ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ السُّلَمِيُّ،
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا
". قَالُوا: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " لِكُلِّ رَجُلٍ
سَبْعُونَ أَلْفًا ". قَالُوا: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَكَانَ عَلَى
كَثِيبٍ، فَحَثَا بِيَدِهِ، قَالُوا: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ:
" وَهَكَذَا ". وَحَثَا بِيَدِهِ. قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ،
أَبْعَدَ اللَّهُ مَنْ دَخَلَ النَّارَ بَعْدَ هَذَا.
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: لَا أَعْلَمُهُ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ، فَقَالَ:
صَالِحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ غَرِيبٌ:
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ الْوَلِيدِ
النَّرْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ،
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ مِنْ أُمَّتِي
ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفٍ الْجَنَّةَ ". فَقَالَ عُمَيْرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
زِدْنَا. فَقَالَ " وَهَكَذَا ". بِيَدِهِ. فَقَالَ عُمَيْرٌ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنَا. فَقَالَ عُمَرُ: حَسْبُكَ يَا عُمَيْرُ. فَقَالَ: مَا
لَنَا وَلَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يُدْخِلَنَا اللَّهُ
تَعَالَى الْجَنَّةَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنْ شَاءَ
أَدْخَلَ النَّاسَ الْجَنَّةَ بِحَفْنَةٍ أَوْ بِحَثْيَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ عُمَرُ ".
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: لَا أَعْرِفُ لِعُمَيْرٍ حَدِيثًا غَيْرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ عَيَّاشٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
الْبَاهِلِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ح ) وَقَالَ
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ،
وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ
عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ
الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ
أَلْفًا، لَا حِسَابَ
عَلَيْهِمْ وَلَا
عَذَابَ، وَثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ".
وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَلَيْسَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: "
مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا
دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ
عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي الْيَمَانِ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ
أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ". قَالَ يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ: وَاللَّهِ مَا
أُولَئِكَ فِي أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلَ الذُّبَابِ
الْأَصْهَبِ فِي الذِّبَّانِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي سَبْعِينَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ
أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَزَادَنِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ".
قَالَ الضِّيَاءُ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا الْهَوْزَنِيَّ، وَاسْمُهُ
عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ، وَمَا عَلِمْتُ فِيهِ جَرْحًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ
زَيْدٍ الْبِكَالِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي
أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ،
ثُمَّ يَشْفَعَ كُلُّ
أَلْفٍ لِسَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ يَحْثِي رَبِّي تَعَالَى بِكَفَّيْهِ ثَلَاثَ
حَثَيَاتٍ " فَكَبَّرَ عُمَرُ، وَقَالَ: إِنَّ السَّبْعِينَ الْأُولَى
يُشَفِّعُهُمُ اللَّهُ فِي آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، وَأَرْجُو
أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ فِي أَحَدِ الْحَثَيَاتِ الْأَوَاخِرِ.
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: لَا أَعْلَمُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِلَّةً،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا هِشَامٌ - يَعْنِي الدَّسْتُوَائِيَّ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي
كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ
رِفَاعَةَ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُ، قَالَ:أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْكَدِيدِ، أَوْ قَالَ:
بِقُدَيْدٍ. فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ: ثُمَّ قَالَ: " وَعَدَنِي رَبِّي،
عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا
بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا حَتَّى تَبَوَّءُوا
أَنْتُمْ، وَمَنْ صَلَحَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَذَرَارِيِّكُمْ مَسَاكِنَ فِي
الْجَنَّةِ ".
وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ
شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهِ. قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ:
هَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
زِبْرِيقٍ
الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ،
عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، مَعَ
كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَامِرٍ، أَنَّ قَيْسًا الْكِنْدِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ
الْأَنْمَارِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ
الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَيَشْفَعَ كُلُّ
أَلْفٍ لِسَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ يَحْثِي رَبِّي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ بِكَفَّيْهِ
".
قَالَ قَيْسٌ: فَقُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، بِأُذُنِي، وَوَعَاهُ
قَلْبِي. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " وَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَسْتَوْعِبُ مُهَاجِرِي أُمَّتِي،
وَيُوَفِّي اللَّهُ بَقِيَّتَهُ مِنْ أَعْرَابِنَا ".
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَنْمَارِيِّ إِلَّا
بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ
مُعَاوِيَةُ بْنُ
سَلَّامٍ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ،
عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ، بِإِسْنَادِهِ، قَالَ أَبُو
سَعِيدٍ: فَحُسِبَ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ آلَافِ أَلْفِ أَلْفٍ وَتِسْعَمِائَةِ أَلْفٍ،
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ
ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَسْتَوْعِبُ مُهَاجِرِي أُمَّتِي ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا
أَبِي، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ
". فَقَامَ عُكَّاشَةُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ
يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ".
فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: "
اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ". فَسَكَتَ الْقَوْمُ، ثُمَّ قَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا
مِنْهُمْ. قَالَ: " سَبَقَكُمْ بِهَا عُكَّاشَةُ وَصَاحِبُهُ، أَمَّا
إِنَّكُمْ لَوْ قُلْتُمْ لَقُلْتُ، وَلَوْ قُلْتُ لَوَجَبَتْ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ " الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ
"، مِنْ حَدِيثِ
الضَّحَّاكِ بْنِ
نِبْرَاسٍ، حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ أَسْلَمَ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ
الْمَدِينِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: تَغَيَّبَ
عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، لَا يَخْرُجُ
إِلَّا لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ
خَرَجَ إِلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، احْتَبَسْتَ عَنَّا، حَتَّى
ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ حَدَثٌ ؟ فَقَالَ: " إِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ
إِلَّا خَيْرٌ، إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ
مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَإِنِّي سَأَلْتُ
رَبِّي فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ الْمَزِيدَ، فَوَجَدْتُ رَبِّي
وَاجِدًا مَاجِدًا كَرِيمًا، فَأَعْطَانِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعِينَ
أَلْفًا سَبْعِينَ أَلْفًا ". قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَبِّ، وَتَبْلُغُ
أُمَّتِي هَذَا ؟ قَالَ: أُكْمِلُ لَكَ الْعَدَدَ مِنَ الْأَعْرَابِ ".
الضَّحَّاكُ هَذَا قَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ.
وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثَ الْحَوْضِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَفِيهِ:
وَبَشَّرَنِي أَنَّ مَعِيَ سَبْعِينَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ
أَلْفًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي تَرْجَمَةِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَ قَدْ
شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنِّي وَجَدْتُ رَبِّي مَاجِدًا، أَعْطَانِي سَبْعِينَ أَلْفًا
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعُونَ أَلْفًا.
فَقُلْتُ: إِنَّ أُمَّتِي لَا تَبْلُغُ هَذَا ؟ فَقَالَ: أُكْمِلُهُمْ لَكَ مِنَ
الْأَعْرَابِ ". قَالَ: رَوَاهُ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ
الْمَدَنِيِّ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي
ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ مِنْكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى
الْجَنَّةِ مِثْلَ اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ زُمْرَةً، جَمِيعُهَا يَخْبِطُونَ
الْأَرْضَ، تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: لَمَا جَاءَ مَعَ مُحَمَّدٍ أَكْثَرُ مِمَّا
جَاءَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ ".
ذِكْرُ كَيْفِيَّةِ تَفَرُّقِ الْعِبَادِ عَنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ وَمَا إِلَيْهِ
أَمْرُهُمْ يَصِيرُ ; فَفَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ
وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [ مَرْيَمَ: 39 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا
الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي
الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [ الرُّومِ: 14 - 16 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ
مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [ الرُّومِ: 43 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ الْآيَاتِ إِلَى
قَوْلِهِ: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى
عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ
[ الْجَاثِيَةِ: 27 - 31
] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا
عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى
جَهَنَّمَ زُمَرًا [ الزُّمَرِ: 70، 71 ] الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ،
وَذَكَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ سِيقُوا إِلَى الْجَنَّةِ، وَهَؤُلَاءِ سِيقُوا إِلَى
جَهَنَّمَ، بَعْدَ مَوْقِفِ الْحِسَابِ وَانْصِرَافِهِمْ عَنْهُ. وَقَالَ
تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ
وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا
شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا
فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا
مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [ هُودٍ 105 - 108 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ
وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [ الشُّورَى: 7 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ
يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ التَّغَابُنِ: 9، 10
]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [ مَرْيَمَ: 85، 86 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ
اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ
بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي
رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ آلِ عِمْرَانَ: 106، 107 ].
وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلْنَذْكُرْ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا
يُنَاسِبُ هَذَا الْمَقَامَ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَقَاصِدَ كَثِيرَةٍ
غَيْرِ هَذَا الْفَصْلِ، وَسَنُشِيرُ إِلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ، فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى [ النَّازِعَاتِ: 34
]. قَالَ: حِينَ سِيقَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ
إِلَى النَّارِ.
إِيرَادُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ
وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ح ). وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ: " هَلْ
تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ " ؟ قَالُوا: لَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ " ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ
اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ.
فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ
يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ
الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ
اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ.
فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا
رَبُّنَا، فَإِذَا
جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ. وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِيهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَّا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَمْرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ. فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ. فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ، فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا
رَبِّ، قَرِّبْنِي إِلَى
بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي
غَيْرَهُ ؟ وَيْلَكَ ! يَا بْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ ! فَلَا يَزَالُ يَدْعُو،
فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ:
لَا، وَعِزَّتِكَ، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ
وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ
الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ،
ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أَوَلَيْسَ قَدْ
زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ وَيْلَكَ يَا بْنَ آدَمَ، مَا
أَغْدَرَكَ !. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ. فَلَا
يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ
أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ
كَذَا. فَيَتَمَنَّى، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا. فَيَتَمَنَّى، حَتَّى
تَنْقَطِعَ بِهِ الْأَمَانِيُّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا.
قَالَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُغَيِّرُ
عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: "
هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ
أَمْثَالِهِ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلَّا: "
وَمِثْلُهُ مَعَهُ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، بِهِ، وَزَادَ: فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: " ذَلِكَ
لَكِ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ "، وَهَذَا الْإِثْبَاتُ مَنْ أَبِي سَعِيدٍ
مُقَدَّمٌ عَلَى مَا لَمْ يَحْفَظْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، حَتَّى وَلَوْ نَفَاهُ
أَبُو هُرَيْرَةَ قَدَّمْنَا إِثْبَاتَ أَبِي سَعِيدٍ، لِمَا مَعَهُ مِنْ
زِيَادَةِ الثِّقَةِ الْمَقْبُولَةِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَابَعَهُ غَيْرُهُ مِنَ
الصَّحَابَةِ، كَابْنِ مَسْعُودٍ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا ؟ قَالَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا ؟ " قُلْنَا: لَا. قَالَ: " فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ". قَالَ: " ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ. فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرًا ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ ; لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا. قَالَ: فَيُقَالُ: اشْرَبُوا. فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ. فَيُقَالُ: مَا تُرِيدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا. فَيُقَالُ: اشْرَبُوا. فَيَتَسَاقَطُونَ فِيهَا حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يُجْلِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ ؟! فَيَقُولُونَ: إِنْ لَنَا إِلَهًا كُنَّا نَعْبُدُهُ، فَارَقْنَا النَّاسَ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا
يَعْبُدُونَ. وَإِنَّا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، عَزَّ وَجَلَّ ". قَالَ: " فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ، سُبْحَانَهُ، فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا ؟ وَلَا يُكَلِّمُهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ، فَيُقَالُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ تُعَرِفُونَهُ بِهَا ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ. فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدُ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجِسْرِ، فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْجِسْرُ ؟ قَالَ: " مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ، وَكَلَالِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عَقِيفَةٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ. الْمُؤَمَّنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ، وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا، إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُمْ. وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقِهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا
". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا: إِنَّ
اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [
النِّسَاءِ: 4 ]. " فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ، وَالْمَلَائِكَةُ،
وَالْمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ، عَزَّ وَجَلَّ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي.
فَيَقْبِضُ قَبْضَةً، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي
نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ. فَيَنْبُتُونَ
فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ
رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا
كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى
الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي
رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ
الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ
عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ. فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا
رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ
مَنْصُورٍ، كِلَاهُمَا عَنْ رَوْحٍ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا رَوْحُ
بْنُ عُبَادَةَ الْقَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو
الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنِ
الْوُرُودِ، فَقَالَ: نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا -
انْظُرْ: أَيْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ - قَالَ: فَتُدْعَى الْأُمَمُ
بِأَوْثَانِهَا وَمَا
كَانَتْ تَعْبُدُ، الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ
ذَلِكَ فَيَقُولُ: مَنْ تَنْتَظِرُونَ ؟ فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِرُ رَبَّنَا.
فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ.
فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ، وَيَتَّبِعُونَهُ،
وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ ; مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ نُورًا، ثُمَّ
يَتَّبِعُونَهُ، وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ، تَأْخُذُ مَنْ
شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ يَنْجُو
الْمُؤْمِنُونَ، فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ،
سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَأِ
نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ،
فَيَشْفَعُونَ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً،
فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ، وَيَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرُشُّونَ
عَلَيْهِمُ الْمَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّيْءِ فِي السَّيْلِ،
وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا، وَعَشَرَةُ
أَمْثَالِهَا مَعَهَا.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفِ بْنِ خَلِيفَةَ
الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ
الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مَالِكٍ،
عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَجْمَعُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ النَّاسَ، فَيَقُومُ
الْمُؤْمِنُونَ حِينَ تُزْلَفُ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ،
فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحَ لَنَا الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: وَهَلْ
أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ ؟! لَسْتُ
بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ ".
قَالَ: " فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ
بِصَاحِبِ ذَلِكَ،
إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى الَّذِي
كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا. فَيَأْتُونَ مُوسَى. فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ
ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ. فَيَقُولُ عِيسَى:
لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُومُ وَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ
الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَيَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا
وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ ". قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمِّي، أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ ؟ قَالَ: " أَلَمْ تَرَوْا
إِلَى الْبَرْقِ، كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ؟ ثُمَّ كَمَرِّ
الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ
أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ، يَقُولُ: رَبِّ، سَلِّمْ
سَلِّمْ. حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا
يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا ". قَالَ: " وَفِي حَافَتَيِ
الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ، تَأْخُذُ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ،
فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ ". وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي
هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا
عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ، عَنْ عُمَارَةَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَحْشُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْأُمَمَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَصْدَعَ
بَيْنَ خَلْقِهِ مَثَّلَ لِكُلِّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ،
فَيَتَّبِعُونَهُمْ حَتَّى يُقْحِمُونَهُمُ النَّارَ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا
وَنَحْنُ فِي مَكَانٍ رَفِيعٍ، فَيَقُولُ: مَا أَنْتُمْ ؟ فَنَقُولُ: نَحْنُ
الْمُسْلِمُونَ. فَيَقُولُ: مَا تَنْتَظِرُونَ ؟ فَنَقُولُ: نَنْتَظِرُ رَبَّنَا.
فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ
إِنْ رَأَيْتُمُوهُ ؟
فَنَقُولُ: نَعِمَ. فَيَقُولُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُونَهُ وَلَمْ تَرَوْهُ ؟
فَنَقُولُ: إِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ. فَيَتَجَلَّى لَنَا ضَاحِكًا، فَيَقُولُ:
أَبْشِرُوا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا
قَدْ جَعَلْتُ مَكَانَهُ فِي النَّارِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ وَعَفَّانَ، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ
الْكُتُبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي بُرْدَةَ وَعَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا
أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ".
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الصِّرَاطِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ آنِفًا مِنَ الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ
ثُمَّ يَنْتَهِي النَّاسُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِمْ مَكَانَ الْمَوْقِفِ إِلَى
الظُّلْمَةِ الَّتِي دُونَ الصِّرَاطِ - وَهُوَ جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ - كَمَا
تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ
الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ؟ فَقَالَ: " هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ
الْجِسْرِ ". وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُمَيَّزُ الْمُنَافِقُونَ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ، وَيَتَخَلَّفُونَ عَنْهُمْ، وَيَسْبِقُهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَيُحَالُ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ بِسُورٍ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْوُصُولِ
إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا
نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا
فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ
مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى
وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ
وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ
فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ الْحَدِيدِ 12 - 15
]. وَقَالَ تَعَالَى يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ
رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ [ التَّحْرِيمِ: 8 ].
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ "
الْأَفْرَادِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ حَفْصٍ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَطِيرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
حَمْزَةَ بْنِ زِيَادٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ
الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
جَهَنَّمُ مُحِيطَةٌ بِالدُّنْيَا، وَالْجَنَّةُ مِنْ وَرَائِهَا ; وَلِذَلِكَ
صَارَ الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ". ثُمَّ قَالَ:
غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدٍ
الْمُكْتِبِ، غَيْرُ قَيْسٍ، وَتَفَرَّدَ بِهِ حَمْزَةُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عِصْمَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا السِّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَمْ تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَنْ كَانَ يَتَوَلَّى فِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ: فَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْرًا شَيْطَانُ عُزَيْرٍ، حَتَّى يُمَثَّلَ لَهُمُ الشَّجَرَةُ وَالْعُودُ وَالْحَجَرُ، وَيَبْقَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ جُثُومًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا لَكُمْ لَمْ تَنْطَلِقُوا، كَمَا انْطَلَقَ النَّاسُ ؟ فَيَقُولُونَ: إِنَّ لَنَا رَبًّا مَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ. قَالَ: فَيُقَالُ: فَبِمَ تَعْرِفُونَ رَبَّكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ ؟ قَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ إِنْ رَأَيْنَاهُ عَرَفْنَاهُ. قِيلَ: وَمَا هِيَ ؟ قَالُوا: فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ. قَالَ: فَيَكْشِفُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ سَاقٍ. قَالَ: فَيَخِرُّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُهُ سَاجِدًا، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ، يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ. قَالَ: ثُمَّ يُؤْمَرُونَ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ، فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ. قَالَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ دُونَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ، يُضِيءُ مَرَّةً وَيَطْفَأُ مَرَّةً،
إِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ
قَدَمَهُ، وَإِذَا طَفِئَ قَامَ. قَالَ: فَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ،
وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ، دَحْضٌ مَزَلَّةٌ. قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ:
امْضُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ
الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ
كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجُلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْمُلُ
رَمَلًا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي
نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ، تَخِرُّ يَدٌ وَتَعْلَقُ يَدٌ، وَتَخِرُّ رِجْلٌ
وَتَعْلَقُ رِجْلٌ وَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ. قَالَ: فَيَخْلُصُونَ، فَإِذَا
خَلَصُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْكِ بَعْدَ الَّذِي
أَرَانَاكِ، لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا ".
قَالَ مَسْرُوقٌ: فَمَا بَلَغَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا الْمَكَانَ مِنَ الْحَدِيثِ
إِلَّا ضَحِكَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَقَدْ
حَدَّثْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِرَارًا، كُلَّمَا بَلَغْتَ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ
هَذَا الْحَدِيثِ ضَحِكْتَ ؟! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُهُ مِرَارًا، فَمَا بَلَغَ هَذَا
الْمَكَانَ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا ضَحِكَ، حَتَّى تَبْدُوَ لَهَوَاتُهُ،
وَيَبْدُوَ آخِرُ ضِرْسٍ مِنْ أَضْرَاسِهِ، لِقَوْلِ الْإِنْسَانِ: أَتَهْزَأُ بِي
وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَلَكِنِّي عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي. وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ،
فَذَكَرَ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَقَوْلَهُ تَعَالَى لَهُ: " يَا
بْنَ آدَمَ، أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا ؟
فَيَقُولُ: أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: " لَا، وَلَكِنِّي عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ
".
وَقَدْ أَوْرَدَهُ
الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ،
عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ
الْمُؤَدِّبُ، عَنْ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الصِّرَاطُ كَحَدِّ
الشَّفْرَةِ، أَوْ كَحَدِّ السَّيْفِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُنَجُّونَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنَّ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ،
لَآخُذٌ بِحُجْزَتِي، وَإِنِّي لَأَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ،
فَالزَّالُّونَ، وَالزَّالَّاتُ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَرْبِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ
الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ بِأَبْسَطَ مِنْهُ،
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ يَتَقَوَّى بِمَا قَبْلَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي
أُمَيَّةَ، قَالَ: إِنَّكُمْ مَكْتُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَسْمَائِكُمْ،
وَسِيمَاكُمْ، وَحُلَاكُمْ، وَنَجْوَاكُمْ، وَمَجَالِسِكُمْ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ قِيلَ: يَا فُلَانُ، هَذَا نُورُكَ، يَا فُلَانُ، لَا نُورَ لَكَ.
وَقَرَأَ: يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [ الْحَدِيدِ:
12 ] وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا
يُعْطَى نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَى الصِّرَاطِ طَفِئَ
نُورُ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ أَشْفَقُوا أَنْ
يَطْفَأَ نُورُهُمْ، كَمَا طَفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالُوا: رَبَّنَا
أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [
التَّحْرِيمِ: 8 ].
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ أَبُو حُذَيْفَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْعُو النَّاسَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِهِمْ سَتْرًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ
الصِّرَاطِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ مُؤْمِنٍ نُورًا، وَكُلَّ مُنَافِقٍ
نُورًا، فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ
الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ
لِلْمُؤْمِنِينَ: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [ الْحَدِيدِ: 13 ].
وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا [ التَّحْرِيمِ: 18 ].
فَلَا يَذْكُرُ عِنْدَ ذَلِكَ أَحَدٌ أَحَدًا ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي
ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي، أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ
سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ،
يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَأَبَا ذَرٍّ يُخْبِرَانِ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا
أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ
لَهُ فِي السُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِرَفْعِ
رَأْسِهِ، فَأَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ
شِمَالِي، فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ ". فَقَالَ لَهُ
رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ
مَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ ؟ قَالَ: " أَعْرِفُهُمْ، مُحَجَّلُونَ
مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرِهِمْ،
وَأَعْرِفُهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ
بِسِيمَاهُمْ وَوُجُوهِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِنُورِهِمْ يَسْعَى بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو،
وَحَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا عَلَى جِنَازَةٍ فِي بَابِ
دِمَشْقَ، وَمَعَنَا أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، فَلَمَّا صُلِّيَ عَلَى
الْجِنَازَةِ، وَأَخَذُوا فِي دَفْنِهَا، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: أَيُّهَا
النَّاسُ، إِنَّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمْ وَأَمْسَيْتُمْ فِي مَنْزِلٍ،
تَقْتَسِمُونَ فِيهِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَتُوشِكُونَ أَنْ تَظْعَنُوا
مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، وَهُوَ هَذَا - يُشِيرُ إِلَى الْقَبْرِ - بَيْتُ
الْوَحْدَةِ، وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ، وَبَيْتُ الدُّودِ، وَبَيْتُ الضِّيقِ، إِلَّا
مَا وَسَّعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ تَنْتَقِلُونَ مِنْهُ إِلَى مَوَاطِنِ
يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّكُمْ لَفِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ حَتَّى
يَغْشَى النَّاسَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَتَبْيَضُّ وُجُوهٌ، وَتَسْوَدُّ
وُجُوهٌ، ثُمَّ تَنْتَقِلُونَ مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، فَيَغْشَى النَّاسَ
ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ يُقْسَمُ النُّورُ، فَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ نُورًا،
وَيُتْرَكُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ، فَلَا يُعْطَيَانِ شَيْئًا، وَهُوَ الْمَثَلُ
الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ
لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [ النُّورِ: 40 ] وَلَا يَسْتَضِيءُ الْكَافِرُ
وَالْمُنَافِقُ بِنُورِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا لَا يَسْتَضِيءُ الْأَعْمَى
بِبَصَرِ الْبَصِيرِ، وَيَقُولُ
الْمُنَافِقُونَ لِلَّذِينِ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ
ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [ الْحَدِيدِ: 13 ] وَهَى خُدْعَةُ
اللَّهِ، سُبْحَانَهُ، الَّتِي خَدَعَ بِهَا الْمُنَافِقِينَ، حَيْثُ قَالَ
تَعَالَى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [ النِّسَاءِ: 142 ]،
فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُسِمَ فِيهِ النُّورُ، فَلَا يَجِدُونَ
شَيْئًا، فَيَنْصَرِفُونَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ ضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ
بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [
الْحَدِيدِ: 13 ] الْآيَةُ. يَقُولُ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَمَا يَزَالُ
الْمُنَافِقُ مُغْتَرًّا حَتَّى يُقَسَمَ النُّورُ، وَيُمَيِّزَ اللَّهُ بَيْنَ
الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيْوَةَ، حَدَّثَنَا أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: تُبْعَثُ
ظُلْمَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ، وَلَا كَافِرٍ، يَرَى كَفَّهُ
حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ بِالنُّورِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قَدْرِ
أَعْمَالِهِمْ، فَيَتْبَعُهُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُونَ: انْظُرُونَا
نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ
بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ
الْعَذَابُ [ الْحَدِيدِ: 13 ]. قَالَا: هُوَ حَائِطٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ. وَقَالَ ابْنُ أَسْلَمَ " هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ [ الْأَعْرَافِ: 46 ]. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَعْبِ
الْأَحْبَارِ، عَنْ
كُتُبِ الْإِسْرَائِيلِيِّنَ، أَنَّهُ سُورُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَضَعِيفٌ
جِدًّا، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا ضَرْبَ مِثَالٍ، وَتَقْرِيبَ
الْمُغَيَّبِ بِالْمُشَاهِدِ، فَقَرِيبٌ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمَا. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ ثَعْلَبٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُطْعِمِ بْنِ الْمِقْدَامِ الصَّنْعَانِيِّ
وَغَيْرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ:كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى
سَلْمَانَ: يَا أَخِي، إِيَّاكَ أَنْ تَجْمَعَ مِنَ الدُّنْيَا مَا لَا تُؤَدِّي
شُكْرَهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " يُجَاءُ بِصَاحِبِ الدُّنْيَا الَّذِي أَطَاعَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ، فِيهَا، وَمَالُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ
قَالَ لَهُ مَالُهُ: امْضِ، فَقَدْ أَدَّيْتَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيَّ
". قَالَ: " ثُمَّ يُجَاءُ بِصَاحِبِ الدُّنْيَا الَّذِي لَمْ يُطِعِ
اللَّهَ فِيهَا، وَمَالُهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ،
قَالَ لَهُ مَالُهُ: أَلَا أَدَّيْتَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيَّ ؟ فَلَا
يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَدْعُوَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ ".
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ
جِسْرٌ مَجْسُورٌ، أَعْلَاهُ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، مَرَّ الْأَوَّلُ فَنَجَا، وَمَرَّ
الْآخِرُ، فَنَاجٍ وَمَخْدُوشٌ، وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى جَنَبَاتِ الْجِسْرِ
يَقُولُونَ: رَبِّ سَلِّمَ سَلِّمْ. قَالَ: وَإِنَّ الصِّرَاطَ مِثْلُ السَّيْفِ،
عَلَى
جِسْرِ جَهَنَّمَ،
وَإِنَّ عَلَيْهِ كَلَالِيبَ وَحَسَكًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ تِلْكَ
الْكَلَالِيبَ وَالْحَسَكَ لَأَعْرَفُ بِالْمَارِّينَ عَلَيْهَا وَمَنْ تَأْخُذُهُ
مِنْهُمْ وَمَنْ تَخْدِشُهُ، مِنَ الرَّجُلِ بِصَاحِبِهِ وَصَدِيقِهِ، وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُؤْخَذُ بِالْكَلُّوبِ الْوَاحِدِ أَكْثَرُ مِنْ
رَبِيعَةَ وَمُضَرَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الصِّرَاطَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الْجِسْرُ، يَكُونُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أَدَقَّ مِنَ
الشَّعْرِ، وَبَعْضِ النَّاسِ مِثْلَ الْوَادِي الْوَاسِعِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا، وَهَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلَغَنِي أَنَّ الصِّرَاطَ إِنَّمَا يَرَاهُ أَدَقَّ مِنَ
الشَّعْرِ، وَأَحَدَّ مِنَ السَّيْفِ الْهَالِكُ الَّذِي لَيْسَ بِنَاجٍ،
وَيَكُونُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أَوْسَعَ مِنَ الْقَاعِ وَالْمَيْدَانِ
الْمُتَّسِعِ، يَمْضِي عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا
أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا ابْنُ السَّمَّاكِ،
الْوَاعِظُ الزَّاهِدُ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الصِّرَاطَ ثَلَاثَةُ آلَافِ
سَنَةٍ ؟ أَلْفُ سَنَةٍ يَصْعَدُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَأَلْفٌ يَسْتَوِي النَّاسُ
عَلَى ظَهْرِهِ، وَأَلْفُ سَنَةٍ يَهْبِطُ النَّاسُ.
وَقَالَ آخَرُ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ الصِّرَاطَ فِي الدُّنْيَا، ضَاقَ
عَلَيْهِ صِرَاطُ الْآخِرَةِ، وَمَنْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ الصِّرَاطَ فِي
الدُّنْيَا، اتَّسَعَ لَهُ الصِّرَاطُ فِي الْآخِرَةِ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ
سَالِمِ بْنِ أَبِي
الْجَعْدِ، قَالَ: إِنَّ لِجَهَنَّمَ ثَلَاثَ قَنَاطِرَ ; قَنْطَرَةٌ عَلَيْهَا
الْأَمَانَةُ، وَقَنْطَرَةٌ عَلَيْهَا الرَّحِمُ، وَقَنْطَرَةٌ اللَّهُ عَلَيْهَا،
وَهَى الْمِرْصَادُ، فَمَنْ نَجَا مِنْ هَاتَيْنِ لَمْ يَنْجُ مِنْ هَذِهِ. ثُمَّ
قَرَأَ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [ الْفَجْرِ: 14 ].
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَيْزَارِ: يُمَدُّ الصِّرَاطُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالرَّحِمِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: أَلَا مَنْ
أَدَّى الْأَمَانَةَ، وَوَصَلَ الرَّحِمَ فَلْيَمْضِ آمِنًا غَيْرَ خَائِفٍ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ
قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الصِّرَاطَ مَسِيرَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ،
خَمْسَةُ آلَافٍ صُعُودٌ، وَخَمْسَةُ آلَافٍ اسْتِوَاءٌ عَلَى ظَهْرِهِ،
وَخَمْسَةٌ نُزُولٌ، وَهُوَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعَرِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ،
عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، لَا يَجُوزُهُ إِلَّا كُلُّ ضَامِرٍ مَهْزُولٍ مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ، سُبْحَانَهُ. ثُمَّ يَبْكِي الْفُضَيْلُ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا
أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ
بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ أَخِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ،
قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَقُلْتُ: إِنَّ
فِي نَفْسِي حَاجَةً لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَشْفِينِي مِنْهَا. فَقَالَتْ: مِمَّنْ
أَنْتَ ؟ قُلْتُ: مِنْ كِنْدَةَ. قَالَتْ: مَنْ أَيِّ الْأَجْنَادِ أَنْتَ ؟
قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ حِمْصَ. قَالَتْ: مَاذَا حَاجَتُكَ ؟ قُلْتُ: أَحَدَّثَكِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَأْتِي عَلَيْهِ
سَاعَةٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ لَا يَمْلِكُ لِأَحَدٍ فِيهَا شَفَاعَةً ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، لَقَدْ
سَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا، وَأَنَا وَهُوَ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: "
نَعَمْ، حِينَ يُوضَعُ الصِّرَاطُ لَا أَمْلِكُ لِأَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى أَعْلَمَ
أَيْنَ يُسْلَكُ بِي، وَحِينَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، حَتَّى
أَنْظُرَ مَا يُفْعَلُ بِي، وَعِنْدَ الْجِسْرِ حَتَّى يَسْتَحِدَّ وَيَسْتَحِرَّ
". قُلْتُ: وَمَا يَسْتَحِدُّ وَيَسْتَحِرُّ ؟ قَالَ: " يَسْتَحِدُّ
حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ شَفْرَةِ السَّيْفِ، وَيَسْتَحِرُّ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ
الْجَمْرَةِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُجِيزُ لَا يَضُرُّهُ، وَأَمَّا
الْمُنَافِقُ فَيَتَعَلَّقُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَوْسَطَهُ حَزَّ فِي قَدَمَيْهِ،
فَيَهْوِي بِيَدَيْهِ إِلَى قَدَمَيْهِ "، قَالَ: " هَلْ رَأَيْتِ مَنْ
يَسْعَى حَافِيًا فَتَأْخُذُهُ شَوْكَةٌ حَتَّى تَكَادَ تُنْفِذُ قَدَمَيْهِ ؟
فَإِنَّهُ كَذَلِكَ يَهْوِي بِيَدَيْهِ وَرَأْسِهِ إِلَى قَدَمَيْهِ، فَتَضْرِبُهُ
الزَّبَانِيَةُ بِخُطَّافٍ فِي نَاصِيَتِهِ وَقَدَمَيْهِ، فَيُقْذَفُ بِهِ فِي
جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهَا مِقْدَارَ خَمْسِينَ عَامًا ". فَقُلْتُ: مَا
يَثْقُلُ الرَّجُلُ ! قَالَتْ: بَلْ يَثْقُلُ ثِقَلَ عَشْرِ خَلِفَاتٍ سِمَانٍ،
فَيَوْمَئِذٍ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي
وَالْأَقْدَامِ [ الرَّحْمَنِ: 41 ]، غَرِيبٌ.
فَصٌلٌ ( وُرُودُ النَّاسِ جَمِيعِهِمْ جَهَنَّمَ )
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ
لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ
نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا
[ مَرْيَمَ: 68 - 72 ].
أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ سَيَجْمَعُ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ
كَانَ يُطِيعُ الشَّيَاطِينَ وَيَعْبُدُهَا مَعَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ،
وَيُطِيعُهَا فِيمَا تَأْمُرُهُ بِهِ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
فَإِنَّ طَاعَةَ الشَّيَاطِينِ هِيَ عِبَادَتُهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ جَمَعَ الشَّيَاطِينَ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَأَحْضَرَهُمْ حَوْلَ
جَهَنَّمَ جِثِيًّا، أَيْ جُلُوسًا عَلَى الرُّكَبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً [ الْجَاثِيَةِ: 28 ].
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قِيَامًا. وَهُمْ يُعَايِنُونَ هَوْلَهَا، وَبَشَاعَةَ
مَنْظَرِهَا، وَقَدْ جَزَمُوا أَنَّهُمْ دَاخِلُوهَا لَا مَحَالَةَ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا
وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [ الْكَهْفِ: 53 ] وَقَالَ تَعَالَى: تَرَى
الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ [ الشُّورَى: 22
]. وَقَالَ: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا
وَزَفِيرًا إِلَى قَوْلِهِ: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [
الْفُرْقَانِ: 12 - 16 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ
لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [ التَّكَاثُرِ: 6، 7 ].
ثُمَّ أَقْسَمَ تَعَالَى أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ سَيَرِدُونَ جَهَنَّمَ،
فَقَالَ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا
مَقْضِيًّا [ مَرْيَمَ: 71 ]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَسَمًا وَاجِبًا.
وَفَى " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ مَاتَ لَهُ
ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ
".
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ زَبَّانِ
بْنِ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حَرَسَ مِنْ وَرَاءِ
الْمُسْلِمِينَ مُتَطَوِّعًا لَا بِأَجْرِ سُلْطَانٍ لَمْ يَرَ النَّارَ
بِعَيْنَيْهِ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ
مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالْوُرُودِ مَا هُوَ،
وَالْأَظْهَرُ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي " التَّفْسِيرِ "، أَنَّهُ
الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ
نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [ مَرْيَمَ:
72 ].
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحُمَّى حَظُّ كَلِّ مُؤْمِنٍ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ:
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي "
تَفْسِيرِهِ " حَدِيثًا يُشْبِهُ هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ
بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ
وَعِكًا، وَأَنَا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ
يَقُولُ: هِيَ نَارِي
أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ فِي
الْآخِرَةِ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ،
عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَإِنْ
مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ كُلُّهُمْ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ
عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ،
بِهِ، مَرْفُوعًا، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنِ السُّدِّيِّ بِهِ،
فَوَقَفَهُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَرِدُ النَّاسُ جَمِيعًا الصِّرَاطَ، وَوُرُودُهُمْ
قِيَامُهُمْ حَوْلَ النَّارِ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنِ الصِّرَاطِ بِأَعْمَالِهِمْ،
فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَمَرِّ الْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ
الرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الطَّيْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ
كَأَجْوَدِ الْخَيْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَأَجْوَدِ الْإِبِلِ، وَمِنْهُمْ
مَنْ يَمُرُّ كَعَدْوِ الرَّجُلِ، حَتَّى إِنَّ آخِرَهُمْ مَرًّا رَجُلٌ نُورُهُ
عَلَى مَوْضِعَيْ إِبْهَامَيْ قَدَمَيْهِ، يَمُرُّ يَتَكَفَّأُ بِهِ الصِّرَاطُ،
وَالصِّرَاطُ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ الْقَتَادِ، حَافَتَاهُ
مَلَائِكَةٌ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ نَارٍ يَخْتَطِفُونَ بِهَا النَّاسَ.
وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. وَلَهُ شَوَاهِدُ مِمَّا مَضَى، وَمِمَّا سَيَأْتِي
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، قَالَ: يَأْمُرُ اللَّهُ بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَبُ عَلَى جَهَنَّمَ،
فَيَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ ; أَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ
الْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ
كَذَلِكَ، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ سَعْيًا، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ مَاشِيًا،
ثُمَّ يَكُونُ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ،
لِمَ أَبْطَأْتَ بِي ؟ فَيَقُولُ: لَمْ أُبْطِئْ بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ
عَمَلُكَ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا،
وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ الْوَائِلِيُّ فِي كِتَابِ " الْإِبَانَةِ
": أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمِنِ الرَّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْحُسَيْنِ، أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى أَبُو
السُّكَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ
الْقُرَشِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ،
عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلِّمِ النَّاسَ سُنَّتِي وَإِنْ كَرِهُوا
ذَلِكَ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ لَا تُوقَفَ عَلَى الصِّرَاطِ طَرْفَةَ عَيْنٍ
حَتَّى تَدْخُلَ
الْجَنَّةَ فَلَا
تُحْدِثَنَّ فِي دِينِ اللَّهِ حَدَثًا بِرَأْيِكَ ". ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا
غَرِيبُ الْإِسْنَادِ، وَالْمَتْنُ حَسَنٌ. أَوْرَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ
بَكَّارِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: قَالَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ بَعْدَمَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ: أَلَمْ يَعِدْنَا رَبُّنَا الْوُرُودَ
عَلَى النَّارِ ؟! فَيُقَالُ: قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَيْهَا وَهَى خَامِدَةٌ.
وَقَدْ ذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُرُودِ الدُّخُولُ، قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَأَبُو مَيْسَرَةَ، وَغَيْرُ
وَاحِدٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
غَالِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ الْبُرْسَانِيِّ،عَنْ أَبِي
سُمَيَّةَ، قَالَ: اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ، فَقَالَ بَعْضُنَا: لَا
يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ. وَقَالَ بَعْضُنَا: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا، ثُمَّ يُنَجِّي
اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا، فَلَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ
لَهُ: إِنَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ، فَقَالَ: يَرِدُونَهَا جَمِيعًا -
وَقَالَ سُلَيْمَانُ مَرَّةً: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا. وَأَهْوَى بِأُصْبُعَيْهِ
إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: صَمَّتَا إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا
فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا
كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ ;
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [
مَرْيَمَ: 72 ]. لَمْ يُخْرِجُوهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَهُوَ حَسَنٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ السَّلِيطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْبُوشَنْجِيُّ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبِي مَنْصُورُ
بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي بَشِيرُ بْنُ طَلْحَةَ الْجُذَامِيُّ، عَنْ خَالِدِ
بْنِ دُرَيْكٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَقُولُ النَّارُ لِلْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
جُزْ يَا مُؤْمِنُ، فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي ". وَهَذَا حَدِيثٌ
غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ "، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ خَالِدِ
بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: قَالُوا: أَلَمْ يَعِدْنَا رَبُّنَا أَنَّا نَرِدُ
النَّارَ ؟ فَيُقَالُ: إِنَّكُمْ مَرَرْتُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ خَامِدَةٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالُوا: أَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا أَنَّا نَرِدُ النَّارَ ؟
فَيُقَالُ: إِنَّكُمْ وَرَدْتُمُوهَا فَأَلْفَيْتُمُوهَا رَمَادًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ
الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي
السَّلِيلِ، عَنْ
غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَكَرُوا وُرُودَ النَّارِ، فَقَالَ كَعْبٌ:
تُمْسَكُ النَّارُ لِلنَّاسِ كَأَنَّهَا مَتْنُ إِهَالَةٍ، حَتَّى يَسْتَوِيَ
عَلَيْهَا أَقْدَامُ الْخَلَائِقِ، بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، ثُمَّ يُنَادِيهَا
مُنَادٍ أَنْ أَمْسِكِي أَصْحَابَكِ، وَدَعِي أَصْحَابِي. قَالَ: فَتَخْسِفُ
بِكُلِّ وَلِيٍّ لَهَا، فَلَهِيَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنَ الرَّجُلِ بِوَلَدِهِ،
وَيَخْرُجُ الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّةً ثِيَابُهُمْ وَرُوِيَ مِثْلُهُ أَيْضًا
عَنْهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ امْرَأَةِ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقَالَ: " لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ
بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ ". قَالَتْ حَفْصَةُ: أَلَيْسَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ، يَقُولُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَهْ ثُمَّ نُنَجِّي
الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا وَرَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، سَمِعَ
جَابِرًا، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ،
وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ كَيْفِيَّةُ جَوَازِ
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى
الصِّرَاطِ، وَتَفَاوُتُ سَيْرِهِمْ عَلَيْهِ، بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ
تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ جَانِبٌ، وَتَقَدَّمَ عَنْهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ
أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ إِجَازَةً بِأُمَّتِهِ عَلَى الصِّرَاطِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِجَازَةً عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ
مُوسَى، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ، حَتَّى يَكُونَ آخِرَهُمْ إِجَازَةً نُوحٌ، عَلَيْهِ
السَّلَامُ. قَالَ: فَإِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الصِّرَاطِ تَلَقَّتْهُمُ
الْخَزَنَةُ يَهْدُونَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا خَلَصُوا مِنَ
الصِّرَاطِ وَأَتَوْا عَلَى آخِرِهِ، فَلَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا دُخُولُ
الْجَنَّةِ. كَمَا سَيَأْتِي.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ ": مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ
كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مَنْ
أَهْلِ الزَّكَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الزَّكَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ أَيِّهَا شَاءَ مِنْ ضَرُورَةٍ،
فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْهَا كُلِّهَا ؟ قَالَ ؟ " نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ
تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ هُدُوا إِلَى
مَنَازِلِهِمْ، فَلَهُمْ أَعْرَفُ بِهَا مِنْ مَنَازِلِهِمُ الَّتِي كَانَتْ فِي
الدُّنْيَا ". كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي " الصَّحِيحِ "
عِنْدَ الْبُخَارِيِّ.
وَقَدْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلَّا بِجَوَازٍ ; بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،
هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، أَدْخِلُوهُ جَنَّةً
عَالِيَةً قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ، مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ،
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُعْطَى الْمُؤْمِنُ
جَوَازًا عَلَى الصِّرَاطِ ; بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ
مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، أَدْخِلُوهُ جَنَّةً
عَالِيَةً قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ".
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ "، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ
شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
شِعَارُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الصِّرَاطِ، رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ ". ثُمَّ
قَالَ: غَرِيبٌ.
وَفَى " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ": " وَنَبِيُّكُمْ يَقُولُ: رَبِّ
سَلِّمْ سَلِّمْ ". وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ يَقُولُونَ
ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ
أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا خَلَصَ
الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ، فَاقْتُصَّ لَهُمْ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا،
حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ،
فَلَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ
فِي الدُّنْيَا ".
وَقَدْ تَكَلَّمَ
الْقُرْطُبِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي " التَّذْكِرَةِ "، وَجَعَلَ
هَذِهِ الْقَنْطَرَةَ صِرَاطًا ثَانِيًا لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، وَلَيْسَ
يَسْقُطُ مِنْهُ أَحَدٌ فِي النَّارِ. قُلْتُ: هَذِهِ الْقَنْطَرَةُ تَكُونُ
بَعْدَ مُجَاوَزَةِ النَّارِ، فَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْقَنْطَرَةُ مَنْصُوبَةً
عَلَى هَوْلٍ آخَرَ مِمَّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَلَا نَعْلَمُهُ نَحْنُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
صَالِحُ بْنُ مُوسَى، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ: جُوزُوا
النَّارَ بِعَفْوِي، وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَاقْتَسِمُوهَا
بِفَضَائِلِ أَعْمَالِكُمْ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ قَوْلِهِ، مِثْلَهُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ،
بَلْ مُعْضَلٌ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْوُعَّاظِ، فِيمَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ
فِي " التَّذْكِرَةِ ": فَتَوَهَّمْ نَفْسَكَ يَا أَخِي إِذَا صِرْتَ
عَلَى الصِّرَاطِ، وَنَظَرْتَ إِلَى جَهَنَّمَ تَحْتَكَ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً
مُدْلَهِمَّةً، وَقَدْ تَلَظَّى سَعِيرُهَا، وَعَلَا لَهِيبُهَا، وَأَنْتَ تَمْشِي
أَحْيَانًا، وَتَزْحَفُ أُخْرَى. ثُمَّ أَنْشَدَ:
أَبَتْ نَفْسِي تَتُوبُ فَمَا احْتِيَالِي إِذَا بَرَزَ الْعِبَادُ لِذِي
الْجَلَالِ وَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمُ حَيَارَى
بِأَوْزَارٍ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ وَقَدْ نُصِبَ الصِّرَاطُ لِكَيْ يَجُوزُوا
فَمِنْهُمْ مَنْ يُكَبُّ عَلَى الشِّمَالِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسِيرُ
لِدَارِ عَدْنَ
تَلَقَّاهُ الْعَرَائِسُ بِالْغَوَالِي يَقُولُ لَهُ الْمُهَيْمِنُ يَا وَلِيِّي
غَفَرْتُ لَكَ الذُّنُوبَ فَلَا تُبَالِي
فَصْلٌ ( كَيْفِيَّةُ الْحَشْرِ )
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [ مَرْيَمَ: 85، 86 ]. وَرَدَ
فِي حَدِيثٍ سَيَأْتِي أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِنَجَائِبَ مِنَ الْجَنَّةِ
يَرْكَبُونَهَا، وَأَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِهَا عِنْدَ قِيَامِهِمْ مِنْ
قُبُورِهِمْ. وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، إِذْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ
النَّاسَ كُلَّهُمْ يُحْشَرُونَ مُشَاةً حُفَاةً عُرَاةً، وَرَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْشَرُ رَاكِبًا وَحْدَهُ نَاقَةً حَمْرَاءَ،
وَبِلَالٌ يُنَادِي بِالْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. صَدَّقَهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَإِنَّمَا يَكُونُ إِتْيَانُهُمْ بِالنَّجَائِبِ بَعْدَ جَوَازِ
الصِّرَاطِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ أَنَّ الْمُتَّقِينَ يُضْرَبُ لَهُمْ حِيَاضٌ
يَرِدُونَهَا بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الصِّرَاطِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا وَصَلُوا إِلَى
بَابِ الْجَنَّةِ، يَسْتَشْفِعُونَ بِآدَمَ، ثُمَّ بِنُوحٍ، ثُمَّ بِإِبْرَاهِيمَ،
ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِعِيسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ
جَمِيعًا
وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يَشْفَعُ لَهُمْ
فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ
مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ عَنْهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ
قَالَ: آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ
الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ أَنْ
لَا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ،
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ
فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ": يَجْمَعُ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ،
فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ، حِينَ تُزْلَفُ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ
فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتَحَ لَنَا الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: وَهَلْ
أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ
ذَلِكَ ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ "، وَهُوَ
شَاهِدٌ قَوِيٌّ لِمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ مِنْ ذَهَابِ النَّاسِ إِلَى
الْأَنْبِيَاءِ مَرَّةً ثَانِيَةً يَسْتَشْفِعُونَ إِلَى اللَّهِ بِهِمْ فِي
دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ، فَتَنْحَصِرُ الْقِسْمَةُ أَيْضًا وَيَتَعَيَّنُ لَهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَعَيَّنَ
لِلشَّفَاعَةِ الْأُولَى الْعُظْمَى فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْخَلَائِقِ، كَمَا
تَقَدَّمَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ
سَعْدٍ، قَالَ:كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيٍّ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: يَوْمَ
نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [ مَرْيَمَ: 85 ]. قَالَ: لَا
وَاللَّهِ، مَا عَلَى أَرْجُلِهِمْ يُحْشَرُونَ، وَلَا يُحْشَرُ الْوَفْدُ عَلَى
أَرْجُلِهِمْ، وَلَكِنْ بِنُوقٍ لَمْ يَرَ الْخَلَائِقُ مِثْلَهَا، عَلَيْهَا
رَحَائِلُ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَرْكَبُونَ عَلَيْهَا، حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَابَ
الْجَنَّةِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ إِسْحَاقَ، وَزَادَ: عَلَيْهَا رَحَائِلُ مَنْ ذَهَبٍ، وَأَزِمَّتُهَا
الزَّبَرْجَدُ. وَالْبَاقِي مِثْلُهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ
مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ جَعْفَرٍ
الْبَجَلِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْبَصْرِيَّ، قَالَ:كَانَ عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ يَوْمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَرَأَ عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى
الرَّحْمَنِ وَفْدًا. فَقَالَ: مَا أَظُنُّ الْوَفْدَ إِلَّا الرَّكْبَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ
يُسْتَقْبَلُونَ - أَوْ يُؤْتَوْنَ - بِنُوقٍ بِيضٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ وَعَلَيْهَا
رِحَالُ الذَّهَبِ، شِرَاكُ نِعَالِهِمْ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، كُلُّ خُطْوَةٍ
مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فَيَنْتَهُونَ إِلَى شَجَرَةٍ يَنْبُعُ مَنْ أَصْلِهَا
عَيْنَانِ، فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا، فَتَغْسِلُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مَنْ
دَنَسٍ، وَيَغْتَسِلُونَ مِنَ الْأُخْرَى، فَلَا تَشْعَثُ أَبْشَارُهُمْ وَلَا
أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ،
فَيَنْتَهُونَ - أَوْ قَالَ: يَأْتُونَ - بَابَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا حَلْقَةٌ مِنْ
يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، عَلَى
صَفَائِحِ الذَّهَبِ، فَيَضْرِبُونَ بِالْحَلْقَةِ عَلَى الصَّفِيحَةِ، فَيُسْمَعُ لَهَا طَنِينٌ يَا عَلِيُّ، لَمْ يَسْمَعِ الْخَلَائِقُ مِثْلَهُ، فَيَبْلُغُ كُلَّ حَوْرَاءَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَقْبَلَ، فَتَبْعَثُ قَيِّمَهَا فَيَفْتَحُ لَهُ، فَإِذَا رَآهُ خَرَّ لَهُ - قَالَ مَسْلَمَةُ: أُرَاهُ قَالَ: سَاجِدًا - فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، إِنَّمَا أَنَا قَيِّمُكَ، وُكِّلْتُ بِأَمْرِكَ. فَيَتْبَعُهُ وَيَقْفُو أَثَرَهُ، فَتَسْتَخِفُّ الْحَوْرَاءَ الْعَجَلَةُ، فَتَخْرُجُ مِنْ خِيَامِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، حَتَّى تَعْتَنِقَهُ، ثُمَّ تَقُولُ: أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ، وَأَنَا الْخَالِدَةُ الَّتِي لَا أَمُوتُ، وَأَنَا النَّاعِمَةُ الَّتِي لَا أَبْأَسُ، وَأَنَا الرَّاضِيَةُ الَّتِي لَا أَسْخَطُ، وَأَنَا الْمُقِيمَةُ الَّتِي لَا أَظْعَنُ. فَيَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ أُسِّهِ إِلَى سَقْفِهِ مِائَةُ أَلْفِ ذِرَاعٍ، بُنِيَ عَلَى جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ، طَرَائِقُ حُمْرٌ وَخُضْرٌ وَصُفْرٌ، لَيْسَ مِنْهَا طَرِيقَةٌ تُشَاكِلُ صَاحِبَتَهَا، وَفِي الْبَيْتِ سَبْعُونَ سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ حَشِيَّةٍ، عَلَى كُلِّ حَشِيَّةٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ الْحُلَلِ، يَقْضِي جِمَاعَهُنَّ فِي مِقْدَارِ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيكُمْ هَذِهِ، الْأَنْهَارُ مِنْ تَحْتِهِمْ تَطَّرِدُ، أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ - قَالَ: صَافٍ لَا كَدَرَ فِيهِ - وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ضُرُوعِ الْمَاشِيَةِ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِيِينَ، لَمْ تَعْصِرْهَا الرِّجَالُ بِأَقْدَامِهَا، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ، فَيَسْتَحْلِي الثِّمَارَ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ قَائِمًا، وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا، وَإِنْ شَاءَ مُتَّكِئًا ". ثُمَّ تَلَا: " وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [ الْإِنْسَانِ: 14 ]. فَيَشْتَهِي الطَّعَامَ، فَيَأْتِيهِ طَيْرٌ أَبْيَضُ - قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: أَخْضَرُ - فَتَرْفَعُ أَجْنِحَتَهَا، فَيَأْكُلُ مِنْ جُنُوبِهَا أَيَّ الْأَلْوَانِ شَاءَ، ثُمَّ تَطِيرُ فَتَذْهَبُ، فَيَدْخُلُ الْمَلِكُ، فَيَقُولُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، تِلْكُمُ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَلَوْ أَنَّ شَعْرَةً مِنْ شَعَرِ الْحَوْرَاءِ وَقَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ لَأَضَاءَتِ الْأَرْضُ مِنْهَا، وَلَكَانَتِ الشَّمْسُ مَعَهَا سَوَادًا
فِي نُورٍ "
. وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي " الْجَعْدِيَّاتِ " مِنْ كَلَامِ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصِّحَّةِ، وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ
عَلِيٍّ، قَالَ: ذَكَرَ النَّارَ فَعَظَّمَ أَمْرَهَا، ذِكْرًا لَا أَحْفَظُهُ.
قَالَ: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى
إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [ الزُّمَرِ: 73 ]. حَتَّى إِذَا
انْتَهَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً يَخْرُجُ
مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ، فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا،
كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا، فَشَرِبُوا مِنْهَا، فَأَذْهَبَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ
مِنْ قَذًى أَوْ أَذًى أَوْ بَأْسٍ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى،
فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا، فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، وَلَمْ
تَغْبَرَّ أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَلَا تَشْعَثُ رُءُوسُهُمْ،
كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالُوا:
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ثُمَّ تَلَقَّاهُمُ
الْوِلْدَانُ فَيُطِيفُونَ بِهِمْ، كَمَا يُطِيفُ وِلْدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا
بِالْحَمِيمِ يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ، يَقُولُونَ: أَبْشِرُوا بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ
لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ. ثُمَّ يَنْطَلِقُ غُلَامٌ مِنْ أُولَئِكَ الْوِلْدَانِ
إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَيَقُولُ: جَاءَ فُلَانٌ.
بِاسْمِهِ الَّذِي كَانَ يُدْعَى بِهِ فِي الدُّنْيَا. قَالَتْ: أَمَا رَأَيْتَهُ
؟ قَالَ: نَعَمْ أَنَا رَأَيْتُهُ، وَهُوَ بِإِثْرِي. فَيَسْتَخِفُّ إِحْدَاهُنَّ
الْفَرَحُ، حَتَّى تَقُومَ عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهَا، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى
مَنْزِلِهِ نَظَرَ إِلَى أَسَاسِ بُنْيَانِهِ، فَإِذَا جَنْدَلُ اللُّؤْلُؤِ
فَوْقَهُ صَرْحٌ أَحْمَرُ وَأَخْضَرُ وَأَصْفَرُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ،
فَنَظَرَ إِلَى سَقْفِهِ، فَإِذَا مِثْلُ الْبَرْقِ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ
قَدَّرَ أَنْ لَا يَذْهَبَ بَصَرُهُ لَأَلَمَّ أَنْ يَذْهَبَ بِبَصَرِهِ، ثُمَّ
طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَإِذَا أَزْوَاجُهُ، وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ، وَنَمَارِقُ
مَصْفُوفَةٌ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ، ثُمَّ اتَّكَئُوا، فَقَالُوا: الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ
هُدَانَا اللَّهُ. ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: تَحْيَوْنَ فَلَا تَمُوتُونَ أَبَدًا،
وَتُقِيمُونَ فَلَا تَظْعَنُونَ أَبَدًا، وَتَصِحُّونَ فَلَا تَمْرَضُونَ أَبَدًا.
وَهَذَا الْأَثَرُ يَقْتَضِي أَنَّ تَغْيِيرَ الشَّكْلِ مِنَ الْحَالِ الَّذِي
كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا إِلَى طُولِ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضِ
سَبْعَةِ أَذْرُعٍ، كَمَا هِيَ صِفَةُ كُلِّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ صَغِيرٍ
وَكَبِيرٍ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ، يَكُونُ عِنْدَ هَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ
اللَّتَيْنِ يَغْتَسِلُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا، فَتَجْرِي عَلَيْهِمُ نَضْرَةُ
النَّعِيمِ وَيَشْرَبُونَ مِنَ الْأُخْرَى فَتَغْسِلُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنَ
الْأَذَى، فَيَتَجَدَّدُ لَهُمُ الطُّولُ وَالْعَرْضُ، وَذَهَابُ الْأَذَى،
وَجَرَيَانُ نَضْرَةِ النَّعِيمِ بَعْدَ الْغَسْلِ وَالشُّرْبِ. وَهَذَا أَنْسَبُ
وَأَقْرَبُ مِمَّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي
عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ، وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا مَنْ
زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ ; لِمَا
يُعَارِضُهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ
إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ صُوِّرَ صُورَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأُلْبِسَ
لِبَاسَهُمْ، وَحُلِّيَ حِلْيَتَهُمْ، وَأُرِيَ أَزْوَاجَهُ وَخَدَمَهُ،
يَأْخُذُهُ سُوَارُ فَرَحٍ، لَوْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمُوتَ لَمَاتَ مِنْ
شِدَّةِ سُوَارِ فَرَحِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ سُوَارَ فَرَحِكَ هَذَا،
فَإِنَّهُ قَائِمٌ
لَكَ، وَبَاقٍ أَبَدًا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زُهْرَةَ
بْنِ مَعْبَدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ قَالَ:
إِنَّ الْعَبْدَ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَتَلَقَّاهُ سَبْعُونَ أَلْفَ
خَادِمٍ، كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ.
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمِنِ الْمَعَافِرِيِّ، قَالَ: إِنَّهُ لَيُصَفُّ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ سِمَاطَانِ، لَا يُرَى طَرَفَاهُمَا مِنْ غِلْمَانِهِ، حَتَّى إِذَا
مَرَّ مَشَوْا وَرَاءَهُ.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ:
إِذَا دَخَلَ الْمُؤْمِنُ الْجَنَّةَ دَخَلَ أَمَامَهُ مَلَكٌ، فَيَأْخُذُ بِهِ
فِي سِكَكِهَا، فَيَقُولُ لَهُ: انْظُرْ، مَا تَرَى ؟ قَالَ: أَرَى أَكْثَرَ
قُصُورٍ رَأَيْتُهَا مَنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَأَكْثَرَ أَنِيسٍ. فَيَقُولُ
الْمَلَكُ: إِنَّ هَذَا أَجْمَعَ لَكَ. حَتَّى إِذَا دُفِعَ لَهُمُ اسْتَقْبَلُوهُ
مَنْ كُلِّ بَابٍ وَمِنْ كُلِّ مَكَانٍ: نَحْنُ لَكَ. ثُمَّ يَقُولُ: امْشِ.
فَيَقُولُ: مَاذَا تَرَى ؟ فَيَقُولُ: أَكْثَرَ عَسَاكِرَ رَأَيْتُهَا مِنْ
خِيَامٍ، وَأَكْثَرَ أَنِيسٍ. فَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا أَجْمَعَ لَكَ. فَإِذَا
دُفِعَ لَهُمُ اسْتَقْبَلُوهُ: نَحْنُ لَكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ
أَبِي الْحَوَارِيِّ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا
[ الْإِنْسَانِ: 20 ]، قَالَ: الْمُلْكُ الْكَبِيرُ أَنَّ الْمَلَكَ يَأْتِي إِلَى
وَلِيِّ اللَّهِ بِالتُّحْفَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَلَا يَصِلُ
إِلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنٍ بَعْدَ إِذْنٍ، يَقُولُ الْمَلَكُ لِحَاجِبِهِ:
اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ. فَيُعْلِمُ ذَلِكَ الْحَاجِبُ حَاجِبًا
آخَرَ، وَحَاجِبًا بَعْدَ حَاجِبٍ، وَمِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ
إِلَى وَلِيِّ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، بِمَا أُمِرَ بِهِ، وَمِنْ دَارِهِ إِلَى
دَارِ السَّلَامِ بَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ الْوَلِيُّ عَلَى رَبِّهِ، مَتَى شَاءَ
بِلَا إِذْنٍ، وَرَسُولُ رَبِّ الْعِزَّةِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا
مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
يَعْقُوبَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ شَغَافٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا إِلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَكْرَمَ خَلِيقَةٍ عَلَى اللَّهِ أَبُو
الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْجَنَّةَ فِي
السَّمَاءِ، وَإِنَّ النَّارَ فِي الْأَرْضِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ
بَعْثَ اللَّهُ الْخَلِيقَةَ أُمَّةً أُمَّةً، وَنَبِيًّا نَبِيًّا، ثُمَّ يُوضَعُ
جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ ؟
فَيَقُومُ وَتَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ، بَرُّهَا وَفَاجِرُهَا، فَيَأْخَذُونَ عَلَى
الْجِسْرِ، وَيَطْمِسُ اللَّهُ تَعَالَى أَبْصَارَ أَعْدَائِهِ، فَيَتَهَافَتُونَ
فِيهَا مِنْ شِمَالٍ وَيَمِينٍ، وَيَنْجُو النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالصَّالِحُونَ مَعَهُ، وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ،
وَيُبَوِّئُونَهُمْ مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، عَلَى يَمِينِكَ، عَلَى
يَسَارِكَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَبِّهِ، فَيُلْقَى لَهُ كُرْسِيٌّ عَلَى
يَمِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يُنَادِي الْمُنَادِي: أَيْنَ عِيسَى
وَأُمَّتُهُ ؟ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمُ إِلَى أَنْ قَالَ: فَيُلْقَى لَهُ
كُرْسِيٌّ مِنَ
الْجَانِبِ الْآخَرِ،
ثُمَّ يَتْبَعُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأُمَمُ، حَتَّى يَكُونَ آخِرَهُمْ نُوحٌ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ سَلَامٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ،
قَالَ: يُوضَعُ الصِّرَاطُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهُ حَدٌّ كَحَدِّ الْمُوسَى،
فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا، مَنْ يُطِيقُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى هَذَا ؟
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " مَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي ". فَيَقُولُونَ:
رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.
فَصْلٌ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى
صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلَا
يَمْتَخِطُونَ فِيهَا، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا، آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمُ
الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الْأَلُوَّةِ، وَرَشْحُهُمُ
الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ
وَرَاءِ اللَّحْمِ ; مِنَ الْحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ،
قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا
".
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنِ
ابْنِ الْمُبَارَكِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، بِهِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى:
حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ
عَلَى صُورَةِ أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا
يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونُ،
أَمَشْاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ،
وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ،
عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ
جَرِيرٍ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ
الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا، بِيضًا جِعَادًا مُكَحَّلِينَ، أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ
وَثَلَاثِينَ، وَهُمْ عَلَى خَلْقِ آدَمَ ; سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعَةِ
أَذْرُعٍ ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَدَوِيُّ،
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَدْخُلُ
أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا، مُرْدًا، مُكَحَّلِينَ بَنِي ثَلَاثٍ
وَثَلَاثِينَ ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ
دَاوُدَ الْقَطَّانِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ،
حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي رَوَّادُ بْنُ جَرَّاحٍ
الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ عَلَى طُولِ آدَمَ ;
سِتِّينَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْمَلَكِ، عَلَى حُسْنِ يُوسُفَ، وَعَلَى مِيلَادِ
عِيسَى، ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَعَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ، جُرْدٌ مُرْدٌ
مُكَحَّلُونَ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ
خَالِدٍ وَعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ،
قَالَا: حَدَّثَنَا
عُمَرُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
يُبْعَثُ أَهْلُ الْجَنَّةِ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فِي مِيلَادِ ثَلَاثٍ
وَثَلَاثِينَ سَنَةً، جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ، ثُمَّ يُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى
شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ، فَيُكْسَوْنَ مِنْهَا، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلَا
يَفْنَى شَبَابُهُمْ ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ دَرَّاجًا
أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدُّونَ
بَنِي ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فِي الْجَنَّةِ، لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا
أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ،
عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، فَذَكَرَهُ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ
الْخَفَّافُ الْعِجْلِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ:
قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُبْعَثُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ بَنِي ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ شَهْرٍ وَمُعَاذٍ انْقِطَاعًا لَوْ كَانَ سَاقَهُ لَكَانَتْ أَبْعَدَ مِنْ شَهْرٍ، وَهُوَ يُفْهِمُ بَعْثَهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ تُغَيَّرُ حُلَاهُمْ إِلَى الطُّولِ وَالْعَرْضِ، كُلُّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
كِتَابُ صِفَةِ النَّارِ
- أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا - وَمَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ الْبَقَرَةِ: 24 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [ الْبَقَرَةِ: 175 ] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ
مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [ آلِ عِمْرَانَ: 91 ] وَقَالَ تَعَالَى ؟ إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ
جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [
النِّسَاءِ: 56 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ
يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ
جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [
النِّسَاءِ: 168، 169 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ
لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ
عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [
الْمَائِدَةِ: 36، 37 ]. وَقَالَ تَعَالَى: قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ [ الْأَعْرَافِ:
38 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [ التَّوْبَةِ: 81 ]، وَقَالَ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [ هُودٍ: 106 ]. وَقَالَ تَعَالَى: مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [ الْإِسْرَاءِ: 97 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ الْآيَاتِ [ الْحَجِّ: 19 - 21 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ الْآيَاتِ [ الْمُؤْمِنُونَ: 103، 104 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا الْآيَاتِ [ الْفُرْقَانِ: 11 ]، وَقَالَ تَعَالَى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ الْآيَاتِ [ الشُّعَرَاءِ: 91 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ الْآيَةَ [ السَّجْدَةِ: 20 ]. يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ الْآيَةَ [ الْأَحْزَابِ: 66 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا الْآيَاتِ [ فَاطِرٍ: 36 ] قَالَ تَعَالَى: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ الْآيَاتِ [ يس: 63، 64 ]. وَقَالَ تَعَالَى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ الْآيَاتِ [ الصَّافَّاتِ: 22، 23 ]. وَقَالَ تَعَالَى: هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [ ص: 55 - 64 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا إِلَى قَوْلِهِ: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [ الزُّمَرِ: 71، 72 ]. وَقَالَ: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [ غَافِرٍ: 45 - 52 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ الْآيَاتِ [ غَافِرٍ: 71، 72 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ [ فُصِّلَتْ: 24 - 29 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [ الزُّخْرُفِ: 74 ]. وَقَالَ تَعَالَى: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ [ الدُّخَانِ: 147 ]. وَقَالَ تَعَالَى: كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [ مُحَمَّدٍ: 15 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ ق: 30 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [ الطُّورِ: 13 ]، وَقَالَ تَعَالَى: مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ الْحَدِيدِ: 15 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ الْآيَةَ [ التَّحْرِيمِ: 6 ] وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ التَّحْرِيمِ: 9 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ الْآيَاتِ [ الْمُلْكِ: 6 ]. وَقَالَ تَعَالَى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ إِلَى قَوْلِهِ: وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [ الْمُدَّثِّرِ: 26 - 31 ]، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [ النَّبَأِ: 21 - 30 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى الْآيَاتِ [ اللَّيْلِ: 14 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [ الْبَلَدِ: 19، 20 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ
إِلَى آخَرِ السُّورَةِ [
الْهُمَزَةِ: 1 - 7 ].
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ بِسَنَدِهِ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ النَّارَ
تَأْكُلُ أَهْلَهَا، حَتَّى إِذَا اطَّلَعَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمُ انْتَهَتْ،
ثُمَّ يَعُودُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُهُ أَيْضًا، فَتَأْكُلُهُ حَتَّى
تَطَّلِعَ عَلَى فُؤَادِهِ، فَهُوَ كَذَلِكَ أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: نَارُ
اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [ الْهُمَزَةِ: 6، 7
].
وَقَدْ تَرَكْنَا إِيرَادَ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ خَوْفَ الْإِطَالَةِ، وَفِيمَا
ذَكَرْنَا إِرْشَادٌ لِمَا تَرَكْنَا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَسَتَأْتِي
الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ - أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا
آمِينَ - مُرَتَّبَةً عَلَى تَرْتِيبٍ حَسَنٍ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: لَمَّا خُلِقَتِ النَّارُ فَزِعَتِ الْمَلَائِكَةُ،
وَطَارَتْ أَفْئِدَتُهَا، فَلَمَّا خُلِقَ آدَمُ سَكَنَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَذَهَبَ
مَا كَانُوا يَجِدُونَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنِ
الثِّقَةِ،أَنَّ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ دَخَلَتْهُ خَشْيَةٌ مِنَ النَّارِ،
فَكَانَ يَبْكِي عِنْدَ ذِكْرِ النَّارِ، حَتَّى حَبَسَهُ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ،
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ فِي
الْبَيْتِ، فَلَمَّا دَخَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اعْتَنَقَهُ الْفَتَى،
وَخَرَّ مَيِّتًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" جَهِّزُوا صَاحِبَكُمْ، فَإِنَّ الْفَرَقَ مِنَ النَّارِ فَلَذَ كَبِدَهُ
".
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرُوِيَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ
بِأَرْبَعَةِ آلَافِ امْرَأَةٍ مُتَغَيِّرَاتِ الْأَلْوَانِ، وَعَلَيْهِنَّ
مَدَارِعُ الشَّعَرِ وَالصُّوفِ، فَقَالَ عِيسَى: مَا الَّذِي غَيَّرَ
أَلْوَانَكُنَّ مَعَاشِرَ النِّسْوَةِ ؟ قُلْنَ: ذِكْرُ النَّارِ غَيَّرَ
أَلْوَانَنَا يَا ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ لَا يَذُوقُ فِيهَا
بَرْدًا وَلَا شَرَابًا. ذَكَرَهُ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِ " الْقُبُورِ
".
وَرُوِيَ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَإِنَّ
جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [ الْحِجْرِ: 43 ]. فِرَّ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ هَارِبًا مِنَ الْخَوْفِ، لَا يَعْقِلُ، فَجِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُنْزِلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ فَوَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ قَطَعَتْ قَلْبِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ الْآيَةَ [ الْحِجْرِ: 45 ]. ذَكَرَهُ
الثَّعْلَبِيُّ.
ذِكْرُ جَهَنَّمَ وَشَدَّةِ سَوَادِهَا، أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ
جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
[ التَّوْبَةِ: 81 ]،
وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا
أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ [ الْقَارِعَةِ: 8 - 11 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [ الْغَاشِيَةِ: 5 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [ الرَّحْمَنِ: 43، 44 ]. أَيْ حَارٍّ قَدْ تَنَاهَى
حَرُّهُ، وَبَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْحَرَارَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ
نَارِ جَهَنَّمَ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَتْ
لَكَافِيَةً. فَقَالَ: " إِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ
جُزْءًا ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ،
بِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهِ، نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ
جَهَنَّمَ، وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا جَعَلَ
اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ ". عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ
".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ
جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ". فَقَالَ رَجُلٌ: إِنْ
كَانَتْ لَكَافِيَةً. فَقَالَ: " لَقَدْ فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ
وَسِتِّينَ جُزْءًا حَرًّا فَحَرًّا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَارُكُمْ هَذِهِ، مَا يُوقِدُ بَنُو آدَمَ،
جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ". قَالُوا:
وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "
فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ
حَرِّهَا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ
الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ، وَكُلَّ نَارٍ أُوقِدَتْ -
أَوْ هُمْ يُوقِدُونَهَا - جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ
".
طَرِيقٌ أُخْرَى بِلَفْظٍ آخَرَ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ:هَذِهِ النَّارُ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ جَهَنَّمَ ". وَهَذَا
الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَفِي لَفْظِهِ غَرَابَةٌ،
وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. " جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا ".
وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ عَنْ غَيْرِهِ كَذَلِكَ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ،
كَمَا قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ،
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ
بُشْرَى، وَهَى جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّ
نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ سُمُومِ جَهَنَّمَ، وَمَا
دَامَ الْعَبْدُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ
". قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ، كَمَا قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ،
عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ
جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا حَرُّهَا ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَلَّالُ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ
عِيسَى الْقَزَّازُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ نَارِكُمْ هَذِهِ مِنْ نَارِ
جَهَنَّمَ ؟ لَهِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنْ دُخَانِ نَارِكُمْ هَذِهِ بِسَبْعِينَ
ضِعْفًا ".
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ،
فَرَفَعَهُ، وَهُوَ عِنْدِي
عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ،
ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا
أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ". قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ أَبِي
بُكَيْرٍ، عَنْ شَرِيكٍ. كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ
بْنُ مَرْدَوَيْهِ الْحَافِظُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُكْرَمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
عَمِّهِ، عَنْ شَرِيكٍ، بِهِ، مِثْلَهُ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النَّارُ لَا
يُطْفَأُ جَمْرُهَا، وَلَا يُضِيءُ لَهَبُهَا ". قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ:
وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [ الْأَنْفَالِ: 50 ]. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا. وَقَالَ ابْنُ
مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَتَّابٍ الدَّلَّالُ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [ التَّحْرِيمِ: 6 ].
قَالَ: " أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، وَأَلْفَ عَامٍ
حَتَّى احْمَرَّتْ، وَأَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ لَا
يُضِيءُ لَهَبُهَا ".
وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ
مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا سَلَّامٌ الطَّوِيلُ، عَنِ الْأَجْلَحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْكِنْدِيُّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ:أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
حِينٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِ فِيهِ، فَقَالَ: " يَا جِبْرِيلُ، مَا لِي
أَرَاكَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ ؟ " فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ حَتَّى أَمَرَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بِفَتْحِ أَبْوَابِ النَّارِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جِبْرِيلُ، صِفْ لِيَ النَّارَ، وَانْعَتْ
لِي جَهَنَّمَ " فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهَا، فَأُوقِدَ عَلَيْهَا
أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى
احْمَرَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ
سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، لَا يُضِيءُ شَرَرُهَا، وَلَا يُطْفَأُ لَهَبُهَا. وَقَالَ:
وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنْ حَلَقِ السِّلْسِلَةِ
الَّتِي نَعَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فِي كِتَابِهِ وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ
الدُّنْيَا لَأَذَابَتْهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " حَسْبِي يَا جِبْرِيلُ ; لَا يَنْصَدِعُ قَلْبِي ".
فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ فَإِذَا
هُوَ يَبْكِي. فَقَالَ: " يَا جِبْرِيلُ، أَتَبْكِي وَأَنْتَ مِنَ اللَّهِ
بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ مِنْهُ ؟ " قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ
أَبْكِيَ، وَأَنَا لَا أَدْرِي لَعَلِّي أَنْ أَكُونَ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَلَى
غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ ؟ فَقَدْ كَانَ إِبْلِيسُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَدْ
كَانَ هَارُوتُ وَمَارُوتُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي وَجِبْرِيلُ، حَتَّى نُودِيَا: يَا
مُحَمَّدُ، وَيَا جِبْرِيلُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ أَمَّنَكُمَا أَنْ
تَعْصِيَاهُ ". قَالَ: فَارْتَفَعَ جِبْرِيلُ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُونَ
وَيَضْحَكُونَ. فَقَالَ: " أَتَضْحَكُونَ وَجَهَنَّمُ مِنْ وَرَائِكُمْ، لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا،
وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ
". فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي بَعَثْتُكَ
مُبَشِّرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
أَبْشِرُوا، وَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا ". قَالَ الضِّيَاءُ: قَالَ الْحَافِظُ
أَبُو الْقَاسِمِ - يَعْنِي إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ: هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: "
لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ
مِنْ نَارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ بِهِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ
بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَدْنَى
أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا
يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ
مِنْ نَارٍ يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ يَغْلِي
مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ". وَسَاقَ أَحْمَدُ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ، سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ
النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ
جَمْرَةٌ يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ
النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ
جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، أَوْ
يَغْلِي الْقُمْقُمُ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا
ثَابِتٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ
عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا
دِمَاغُهُ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْوَنُ
أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا عَلَيْهِ نَعْلَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ".
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا
".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُهْدَىٍّ، حَدَّثَنَا
زَائِدَةُ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ،
لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا
" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رَأَيْتَ ؟ قَالَ: " رَأَيْتُ
الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ حُمَيْدَ بْنَ عُبَيْدٍ
مَوْلَى بَنِي الْمُعَلَّى، يَقُولُ: سَمِعْتُ ثَابِتًا
الْبُنَانِيَّ يُحَدِّثُ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ لِجِبْرِيلَ: " مَا لِي لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ
ضَاحِكًا قَطُّ ؟ قَالَ: مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ ".
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ
اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [ الْمُرْسَلَاتِ: 29 - 34 ].
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُدَيْجِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [ الْمُرْسَلَاتِ: 32
]. قَالَ: أَمَا إِنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَ الشَّجَرِ وَالْجَبَلِ، وَلَكِنَّهَا
مِثْلَ الْمَدَائِنِ وَالْحُصُونِ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا طَالِبُ بْنُ قُرَّةَ "، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّ شَرَرَةً مِنْ شَرَرِ
جَهَنَّمَ بِالْمَشْرِقِ لَوَجَدَ حَرَّهَا مَنْ بِالْمَغْرِبِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ:
أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ ; نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ،
وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ
جَهَنَّمَ ". وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ ؟
فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى
رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَنَفِّسْنِي. فَأَذِنَ لَهَا
كُلَّ عَامٍ بِنَفَسَيْنِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْبَرْدِ مِنْ
زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ "، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ مِنْ حَرِّ
جَهَنَّمَ ". وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ
أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صِبْغَةً، ثُمَّ
يُقَالُ لَهُ: يَا بْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ
نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ
النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ فِي
الْجَنَّةِ صِبْغَةً، فَيُقَالُ لَهُ: يَا بْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ
؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ
بِي
بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا
رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ،
عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبَا أَكُنْتَ
مُفْتَدِيًا بِهِ ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. قَالَ: فَيُقَالُ: لَقَدْ
سُئِلْتَ أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ
الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ [ آلِ عِمْرَانَ: 91 ].
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ
أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ
أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ ; قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ الْمِيثَاقَ فِي
ظَهْرِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي
".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَعَفَّانُ، قَالَا:
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ،
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يُؤْتَى بِالرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا بْنَ آدَمَ،
كَيْفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، خَيْرَ مَنْزِلٍ، فَيَقُولُ:
سَلْ وَتَمَنَّ. فَيَقُولُ: مَا أَسْأَلُ وَأَتَمَنَّى إِلَّا أَنْ تَرُدَّنِي
إِلَى الدُّنْيَا، فَأُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ. لِمَا يَرَى مِنْ
فَضْلِ الشَّهَادَةِ. وَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيَقُولُ
لَهُ: يَا بْنَ آدَمَ، كَيْفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، شَرَّ
مَنْزِلٍ. فَيَقُولُ لَهُ: أَتَفْتَدِي مِنْهُ بِطِلَاعِ الْأَرْضِ ذَهَبًا ؟
فَيَقُولُ ؟ أَيْ رَبِّ، نَعَمْ. فَيَقُولُ: كَذَبْتَ، قَدْ سَأَلْتُكَ أَقَلَّ
مِنْ ذَلِكَ وَأَيْسَرَ فَلَمْ تَفْعَلْ. فَيُرَدُّ إِلَى النَّارِ ".
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
وَمُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ يُرَ مِثْلُ
النَّارِ، نَامَ هَارِبُهَا، وَلَمْ يُرَ مِثْلُ الْجَنَّةِ، نَامَ طَالِبُهَا
".
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى، وَغَيْرُهُ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
شَبِيبٍ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ أَبِي
وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ كَانَ فِي هَذَا
الْمَسْجِدِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ، فَتَنَفَّسَ فَأَصَابَهُمْ نَفَسُهُ لَأَحْرَقَ الْمَسْجِدَ وَمِنْ
فِيهِ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
ذِكْرُ بُعْدِ قَعْرِ جَهَنَّمَ وَاتِّسَاعِهَا وَضَخَامَةِ أَهْلِهَا، أَجَارَنَا
اللَّهُ مِنْهَا
قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ
وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [ النِّسَاءِ: 145 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا
مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ
حَامِيَةٌ [ الْقَارِعَةِ: 8 - 11 ]، وَقَالَ تَعَالَى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ
مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [
الْأَعْرَافِ: 41 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ
دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [ الطُّورِ: 13، 14
]. وَقَالَ تَعَالَى: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. إِلَى
قَوْلِهِ: وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ ق: 24 - 30 ].
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ
يُلْقَى فِيهَا، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ؟ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهَا رَبُّ
الْعِزَّةِ قَدَمَهُ،
فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا
إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ ؟ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ
الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهَا
فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، بِنَحْوِهِ، وَلَفْظُهُ: " يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ
مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ ". وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَغْرِبَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ
سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ ؟ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ، يَهْوِي بِهَا مِنْ أَبْعَدَ مِنَ
الثُّرَيَّا ". غَرِيبٌ، وَالزُّبَيْرُ فِيهِ لِينٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ
خَلِيفَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ:كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا فَسَمِعْنَا وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " قُلْنَا: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " هَذَا حَجَرٌ أُرْسِلَ فِي جَهَنَّمَ مُنْذُ
سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَالْآنَ انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا ". وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ مَرْوَانَ،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، بِهِ، نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يُوسُفَ السَّقَطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ
قَالَ:سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتًا هَالَهُ
ذَلِكَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: " مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا جِبْرِيلُ ؟
قَالَ: هَذِهِ صَخْرَةٌ هَوَتْ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ عَامًا،
فَهَذَا حِينَ بَلَغَتْ قَعْرَهَا، أَحَبَّ اللَّهُ أَنْ يُسْمِعَكَ صَوْتَهَا ".
قَالَ: فَمَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ
ذَلِكَ الْيَوْمِ ضَاحِكًا مِلْءَ فِيهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ،
أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ
شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا، لَا يُدْرِكُ لَهَا
قَعْرًا، وَاللَّهِ لَتُمْلَأَنَّ، أَفَعَجِبْتُمْ ؟ وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ
مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ
سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ
أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّ حَجَرًا قُذِفَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ
لَهَوَى سَبْعِينَ خَرِيفًا قَبِلَ
أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهَا
".
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ،
وَالْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا
سَعَةُ جَهَنَّمَ ؟ فَقُلْنَا: لَا. فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهُ مَا تَدْرُونَ،
إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ
سَبْعِينَ خَرِيفًا، تَجْرِي فِيهِ أَوْدِيَةُ الْقَيْحِ وَالدَّمِ. قَالَ:
قُلْنَا: أَنْهَارٌ ؟ قَالَ: لَا، بَلْ أَوْدِيَةٌ. ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا
سَعَةُ جَهَنَّمَ ؟ قَالَ: قُلْنَا: لَا. قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ مَا تَدْرُونَ،
حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [ الزُّمَرِ: 67 ]. أَيْنَ النَّاسُ
يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: " عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ ".
وَإِنَّمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ الْمَرْفُوعَ فَقَطْ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ،
عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَرْفُوعًا:
يُجَاءُ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ
تُقَادُ بِسَبْعِينَ
أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا
". وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرُوِي فِي حَدِيثٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَرْفُوعًا: " هَلْ
تَدْرُونَ مَا تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا
دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ
[ الْفَجْرِ: 21 - 23 ]. قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تُقَادُ
جَهَنَّمُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، كُلُّ زِمَامٍ بِيَدِ سَبْعِينَ أَلْفَ
مَلَكٍ ". قَالَ: " فَتَشْرُدُ شَرْدَةً لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ
حَبَسَهَا لَأَحْرَقَتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا أَبُو السَّمْحِ،
عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّ رَصَاصَةً
مِثْلَ هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى جُمْجُمَةٍ - أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى
الْأَرْضِ، وَهَى مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةً، لَبَلَغَتِ
الْأَرْضَ قَبْلَ
اللَّيْلِ، وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ
أَرْبَعِينَ سَنَةً، اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ
قَعْرَهَا ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حُيَيٍّ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ
بْنُ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ ".
ذِكْرُ تَعْظِيمِ خَلْقِهِمْ فِي النَّارِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنَ النَّارِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ
نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا
لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [ النِّسَاءِ: 56
].
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الطَّوِيلُ، عَنْ
أَبِي يَحْيَى
الْقَتَّاتِ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: يَعْظُمُ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ حَتَّى إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ
أُذُنِ أَحَدِهِمْ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ، وَإِنَّ غِلَظَ
جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ ". كَذَا
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَكَذَا رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي
يَحْيَى الْقَتَّاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
مَرْفُوعًا، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ الْأَوَّلَ كَمَا
ذَكَرْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِبَعْضِهِ شَاهِدٌ مِنْ
وُجُوهٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَعَرْضُ جِلْدِهِ
سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَفَخِذُهُ مَثَلُ وَرِقَانَ، وَمَقْعَدُهُ فِي النَّارِ
مِثْلُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ ".
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ،
وَزَادَ فِيهِ: "
وَعَضُدُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ - عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ،
وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ كَمَا بَيْنَ
قُدَيْدٍ وَمَكَّةَ، وَكَثَافَةُ جِلْدِهِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا
بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ
الْهَدَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ - عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ
أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضِرْسُ الْكَافِرِ
مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ
عِيسَى، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ
خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ ".
قَالَ الْحَسَنُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا
ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَفَعَهُ، قَالَ: مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ فِي النَّارِ مَسِيرَةُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ ".
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَسَدٍ، عَنِ
الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ
ابْنِ فُضَيْلٍ، وَلَمْ يَقُلْ: رَفَعَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ
الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضِرْسُ
الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْوَرِقَانِ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ
أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ".
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَحْسَنَ مِنْ
هَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ نَسْمَعْهُ إِلَّا مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ الْأَسْوَدِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ أُقَيْشٍ، يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ
أُمَّتِي لَمَنْ يَشْفَعُ لِأَكْثَرَ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، وَإِنَّ مِنْ
أُمَّتِي لَمَنْ يُعَظَّمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ زَوَايَاهَا ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ
بْنِ أَبِي هِنْدٍ، بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو
حَيَّانَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ مَنْ أَهْلِ
النَّارِ لَيُعَظَّمُ
لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ الضِّرْسُ مِنْ أَضْرَاسِهِ كَأُحُدٍ ".
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُحْشَرُ
الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ
يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي
جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ. فَتَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ
مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ; عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ ".
وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ "، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ
نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَسَنٌ. فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْعَرَصَاتِ
كَذَلِكَ، فَإِذَا سِيقُوا إِلَى النَّارِ وَدَخَلُوهَا عَظُمَ خَلْقُهُمْ، كَمَا
دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا ; لِيَكُونَ ذَلِكَ
أَنَكَى وَأَشَدَّ فِي عَذَابِهِمْ، وَأَعْظَمَ فِي خِزْيِهِمْ، كَمَا قَالَ:
لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [ النِّسَاءِ: 56 ]. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ أَنَّ الْبَحْرَ
يُسْجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ جَهَنَّمَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُيَيٍّ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ
يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ ". قَالُوا لِيَعْلَى. فَقَالَ:
أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا [ الْكَهْفِ: 29 ] ؟ قَالَ: لَا، وَالَّذِي نَفْسُ يَعْلَى بِيَدِهِ،
لَا أَدْخُلُهَا أَبَدًا حَتَّى أُعْرَضَ عَلَى اللَّهِ، وَلَا يُصِيبُنِي مِنْهَا
قَطْرَةٌ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقَ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُيَيٍّ، عَنْ صَفْوَانَ
بْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ ". ثُمَّ تَلَا: نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا. وَهَكَذَا رَأَيْتُهُ بِخَطِّ الْحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ ;
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حُيَيٍّ.
وَفَى " الْمُسْنَدِ
" - كَمَا تَقَدَّمَ - بَيْنَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ
يَعْلَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ بِشْرٍ أَبَى عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ
إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; فَإِنَّ تَحْتَ
الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا ".
ذِكْرُ أَبْوَابِ
جَهَنَّمَ وَصِفَةِ خَزَنَتِهَا وَزَبَانِيَتِهَا، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ
بِمَا شَاءَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا
حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ
وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ
كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [ الزُّمَرِ: 71، 72 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ
لِكُلِ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [ الْحِجْرِ: 43، 44 ].
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ،
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ،
حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الصِّرَاطَ بَيْنَ ظَهْرَيْ
جَهَنَّمَ، دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فَالْأَنْبِيَاءُ يَقُولُونَ عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ
سَلِّمْ سَلِّمْ. وَالنَّاسُ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، وَكَطَرْفِ الْعَيْنِ،
وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ، وَالرِّكَابِ، وَشَدًّا عَلَى
الْأَقْدَامِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَطْرُوحٌ فِيهَا،
وَلَهَا سَبْعَةُ
أَبْوَابٍ، لِكُلِّ بَابٍ
مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ".
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصِّفَارُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ،
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ " تَبَارَكَ
"، وَ " حم السَّجْدَةِ "، وَقَالَ: " الْحَوَامِيمُ سَبْعٌ،
وَأَبْوَابُ جَهَنَّمَ سَبْعٌ ; جَهَنَّمُ، وَالْحُطَمَةُ، وَلَظَى، وَسَعِيرٌ،
وَسَقَرُ، وَالْهَاوِيَةُ، وَالْجَحِيمُ ". قَالَ: " تَجِيءُ كُلُّ حم
مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". أَحْسَبُهُ قَالَ: " تَقِفُ عَلَى بَابٍ
مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ، فَتَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تُدْخِلْ هَذِهِ الْأَبْوَابَ،
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِي وَيَقْرَأُنِي ". ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَالْخَلِيلُ بْنُ مَرَّةَ فِيهِ نَظَرٌ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ جُنَيْدٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ; بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ السَّيْفَ عَلَى
أُمَّتِي ". أَوْ قَالَ: " عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ " ".
ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ.
وَقَالَ كَعْبٌ: لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، بَابٌ مِنْهَا لِلْحَرُورِيَّةِ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ
مُنَبِّهٍ: بَيْنَ كُلِّ
بَابَيْنِ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ سَنَةً، كُلُّ بَابٍ أَشَدُّ حَرًّا مِنَ الذِي
فَوْقَهُ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِنَّ
أَبْوَابَ جَهَنَّمَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ - وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ
بِأَصَابِعِهِ - فَيُمْلَأُ هَذَا، ثُمَّ هَذَا، ثُمَّ هَذَا.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ،
أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ
قَالَ: أَوَّلُهَا جَهَنَّمُ، ثُمَّ لَظَى، ثُمَّ الْحُطَمَةُ، ثُمَّ السَّعِيرُ،
ثُمَّ سَقَرُ، ثُمَّ الْجَحِيمُ، وَفِيهَا أَبُو جَهْلٍ، ثُمَّ الْهَاوِيَةُ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ [ التَّحْرِيمِ:
6 ]. أَيْ: غِلَاظُ
الْأَخْلَاقِ، شِدَادُ
الْأَبْدَانِ. لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ [ التَّحْرِيمِ: 6 ]. أَيْ
بِعَزْمِهِمْ، وَنِيَّتِهِمْ، فَهُمْ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يُخَالِفُوهُ فِي شَيْءٍ
أَبَدًا، لَا بِالْعَزْمِ وَلَا بِالنِّيَّةِ، لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا.
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [ التَّحْرِيمِ: 6 ]. أَيْ أَنَّ فِعْلَهُمْ لَيْسَ
بِإِرَادَتِهِمْ وَلَا بِاخْتِيَارِهِمْ، بَلْ إِنَّمَا هُوَ صَادِرٌ عَنْ أَمْرِ
اللَّهِ لَهُمْ بِمَا أُمِرُوا بِهِ، بَلْ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى إِبْرَازِ مَا
أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْعَزْمِ إِلَى الْفِعْلِ، فَلَهُمْ عَزْمٌ صَادِقٌ،
وَأَفْعَالٌ عَظِيمَةٌ، وَقُوَّةٌ بَلِيغَةٌ، وَشِدَّةٌ بَاهِرَةٌ.
وَقَالَ تَعَالَى: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ
إِلَّا مَلَائِكَةً [ الْمُدَّثِّرِ: 30، 31 ]. أَيْ لِكَمَالِ طَاعَتِهِمْ
وَقُوَّتِهِمْ. وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا
[ الْمُدَّثِّرِ: 31 ]. أَيِ اخْتِبَارًا وَامْتِحَانًا، وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ
التِّسْعَةَ عَشَرَ كَالْمُقَدَّمِينَ الَّذِينَ لَهُمْ أَعْوَانٌ وَأَتْبَاعٌ،
وَقَدْ رُوِّينَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [ الْحَاقَّةِ: 30
]، أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى إِذَا قَالَ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِهِ، ابْتَدَرَهُ
سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الزَّبَانِيَةِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [
الْفَجْرِ: 25، 26 ].
وَرَوَى الْحَافِظُ الضِّيَاءُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ
أَبِي دَاوُدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ الْبَصْرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ
خُلِقَتْ مَلَائِكَةُ جَهَنَّمَ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ جَهَنَّمُ بِأَلْفِ عَامٍ،
فَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ يَزْدَادُونَ
قُوَّةً إِلَى
قُوَّتِهِمْ، حَتَّى يَقْبِضُوا عَلَى مَنْ قَبَضُوا عَلَيْهِ بِالنَّوَاصِي
وَالْأَقْدَامِ ".
ذِكْرُ سُرَادِقِ النَّارِ، وَهُوَ سُورُهَا الْمُحِيطُ بِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ
الْمَقَامِعِ وَالْأَغْلَالِ وَالسَّلَاسِلِ وَالْأَنْكَالِ، أَجَارَنَا اللَّهُ
تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ جَمِيعِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا الْآيَةَ [ الْكَهْفِ: 29 ]. وَقَالَ تَعَالَى إِنَّهَا عَلَيْهِمْ
مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [ الْهُمَزَةِ: 8، 9 ].
مُؤْصَدَةٌ أَيْ مُطْبَقَةٌ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي "
تَفْسِيرِهِ " مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسِيدٍ الْأَخْنَسِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَوْلَهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ
لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا [ الْمُزَّمِّلِ:
12، 13 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ
يُسْحَبُونَ فِي الْجَحِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [ غَافِرٍ: 71، 72 ].
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا
مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا
وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [ الْقَمَرِ: 48 - 50 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لَهُمْ
مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ
اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ [ الزُّمَرِ: 16 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الظَّالِمِينَ [ الْأَعْرَافِ: 41 ]. وَقَالَ تَعَالَى: هَذَانَ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ
نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي
بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [ الْحَجِّ: 19 - 21 ].
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا حَسَنٌ، عَنِ
ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
لِسُرَادِقِ النَّارِ أَرْبَعُ جُدُرٍ كُثُفٍ، كُلُّ جِدَارٍ مِثْلُ مَسِيرَةِ
أَرْبَعِينَ سَنَةً ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ
الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ
دَرَّاجٍ، بِهِ، نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي
الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَنَّ مَقْمَعًا مِنْ حَدِيدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ،
فَاجْتَمَعَ لَهُ الثَّقَلَانِ مَا أَقَلُّوهُ مِنَ الْأَرْضِ ". وَقَالَ
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ
أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ ضُرِبَ بِمَقْمَعٍ مِنْ حَدِيدِ جَهَنَّمَ
الْجَبَلُ لَفَتَّتَهُ فَعَادَ غُبَارًا ".
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي " تَفْسِيرِهِ
"، مِنْ طَرِيقِ بَشِيرِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ، عَنْ
يَعْلَى ابْنِ مُنْيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: يُنْشِئُ اللَّهُ لِأَهْلِ النَّارِ سَحَابَةً مُظْلِمَةً، فَإِذَا أَشْرَفَتْ
عَلَيْهِمْ نَادَتْهُمْ: يَا أَهْلَ النَّارِ، أَيُّ شَيْءٍ تَطْلُبُونَ ؟ وَمَا
الَّذِي تَسْأَلُونَ ؟ فَيَذْكُرُونَ بِهَا سَحَائِبَ الدُّنْيَا، وَالْمَاءَ
الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ، فَيَقُولُونَ: نَسْأَلُ يَا رَبَّنَا
الشَّرَابَ. فَتُمْطِرُهُمْ أَغْلَالًا
تُزَادُ فِي
أَغْلَالِهِمْ، وَسَلَاسِلَ تُزَادُ فِي سَلَاسِلِهِمْ، وَجَمْرًا يُلْهِبُ
النَّارَ عَلَيْهِمْ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ
الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ
هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَيُّ أَهْلِ
النَّارِ أَشَدُّ عَذَابًا ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: الْمُنَافِقُونَ. قَالَ: صَدَقْتَ،
فَهَلْ تَدْرِي كَيْفَ يُعَذَّبُونَ ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: يُجْعَلُونَ فِي تَوَابِيتَ
مِنْ حَدِيدٍ، فَتُصْمَدُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُجْعَلُونَ فِي الدَّرْكِ
الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فِي تَنَانِيرَ أَضْيَقَ مِنَ الزَّجِّ، يُقَالُ لَهُ:
جُبُّ الْحَزَنِ. فَيُطْبَقُ عَلَى أَقْوَامٍ بِأَعْمَالِهِمْ آخِرَ الْأَبَدِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ
الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَهُمْ فِي النَّارِ لَا يَهْدَءُونَ وَلَا يَنَامُونَ
وَلَا يَمُوتُونَ، يَمْشُونَ عَلَى النَّارِ وَيَجْلِسُونَ، وَيَشَرَبُونَ مِنْ
صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَأْكُلُونَ مِنْ زَقُّومِ النَّارِ، لُحُفُهُمْ
نَارٌ، وَفُرُشُهُمْ نَارٌ، وَقُمُصُهُمْ نَارٌ وَقَطِرَانٌ، وَتَغْشَى
وُجُوهَهُمُ النَّارُ،
وَجَمْعُ أَهْلِ النَّارِ فِي سَلَاسِلَ، بِأَيْدِي الْخَزَنَةِ أَطْرَافُهَا،
يَجْذِبُونَهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ، فَيَسِيلُ صَدِيدُهُمْ إِلَى حُفَرٍ
فِي النَّارِ، فَذَلِكَ شَرَابُهُمْ. قَالَ: ثُمَّ بَكَى وَهْبٌ حَتَّى سَقَطَ
مَغْشِيًّا عَلَيْهِ. قَالَ: وَغَلَبَ بَكْرَ بْنَ خُنَيْسٍ الْبُكَاءُ حَتَّى
قَامَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَبَكَى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
بُكَاءً شَدِيدًا.
وَهَذَا الْكَلَامُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، وَقَدْ كَانَ
يَنْظُرُ فِي كُتُبِ الْأَوَائِلِ، وَيَنْقُلُ مِنْ صُحُفِ أَهْلِ الْكِتَابِ
الْغَثَّ وَالسَّمِينَ، وَلَكِنْ لِهَذَا الْكَلَامِ شَوَاهِدُ مِنَ الْقُرْآنِ
الْعَظِيمِ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ
الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ
فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ
وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [
الزُّخْرُفِ: 74 - 77 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ
لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ
يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ الْأَنْبِيَاءِ [ 39، 40 ] وَقَالَ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا
وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ
يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي
كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ
وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [ فَاطِرِ:
36، 37 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: وَقَالَ
الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا
يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ
إِلَّا فِي ضَلَالٍ [ غَافِرِ: 49، 50 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيَتَجَنَّبُهَا
الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا
يَحْيَا. [ الْأَعْلَى: 11 - 13 ] وَتَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ: أَمَّا أَهْلُ
النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا
يَحْيَوْنَ ". وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فِي ذَبْحِ الْمَوْتِ بَيْنَ
الْجَنَّةِ وَالنَّارِ: ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلَا
مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ". وَكَيْفَ يَنَامُ
مَنْ هُوَ فِي عَذَابٍ مُتَوَاصِلٍ، لَا يُغَيَّرُ عَنْهُ سَاعَةً وَاحِدَةً وَلَا
لَحْظَةً، بَلْ كُلَّمَا خَبَتْ نَارُهُمْ، زَادَهُمُ اللَّهُ سَعِيرًا، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ
أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ الْحَجِّ: [ 22 ].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنِ ابْنِ
حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَيَنْفُذُ
الْجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ، فَيَسْلُتَ مَا فِي جَوْفِهِ
حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ ".
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ
قُطْبَةَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ
الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ، فَيَعْدِلُ
مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ، فَيُؤْتَوْنَ
بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ، فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا إِذَا
غَصُّوا يُسِيغُونَهُ بِالشَّرَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ، فَيُؤْتَوْنَ
بِالْحَمِيمِ فِي قِلَالٍ مِنْ نَارٍ، فَإِذَا أُدْنِيَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ
قَشَرَتْ وُجُوهَهُمْ، فَإِذَا دَخَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطَعَتْ أَمْعَاءَهُمْ وَمَا
فِي بُطُونِهِمْ، فَيَسْتَغِيثُونَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَوَلَمْ
تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا
وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ [ غَافِرِ: 50 ]. فَيَقُولُونَ:
ادْعُوا لَنَا مَالِكًا. فَيَقُولُونَ: يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ
قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [ الزُّخْرُفِ: 77 ]. فَيَقُولُونَ: قَالُوا رَبَّنَا
غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ [ الْمُؤْمِنُونَ: 106
]. فَيُقَالُ لَهُمْ: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [ الْمُؤْمِنُونَ: 108
]. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الدَّارِمِيِّ، وَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
النَّاسُ لَا يَرْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّمَا
يُرْوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ; قَوْلَهُ.
ذِكْرُ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ وَشَرَابِهِمْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ
وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
[ الْغَاشِيَةِ: 6، 7 ].
وَالضَّرِيعُ شَوْكٌ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، يُقَالُ لَهُ: الشِّبْرِقُ وَفِي
حَدِيثِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " الضَّرِيعُ شَيْءٌ
يَكُونُ فِي النَّارِ، يُقَالُ: يُشْبِهُ الشَّوْكَ، أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ،
وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَشَدُّ حَرًّا مِنَ النَّارِ، إِذَا طَعِمَهُ
صَاحِبُهُ لَا يَدْخُلُ الْبَطْنَ، وَلَا يَرْتَفِعُ إِلَى الْفَمِ، فَيَبْقَى
بَيْنَ ذَلِكَ، لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ". وَهَذَا حَدِيثٌ
غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ
وَعَذَابًا أَلِيمًا [ الْمُزَّمِّلِ: 12، 13 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيُسْقَى مِنْ
مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ
كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [
إِبْرَاهِيمَ: 16، 17 ]. وَقَالَ تَعَالَى: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ
الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا
الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ
هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [ الْوَاقِعَةِ: 51 - 56 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً
لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا
كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ
مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ
مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [ الصَّافَّاتِ: 62 - 68 ].
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بِشْرٍ الْيَحْصُبِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ
صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ قَالَ: " يُقَرَّبُ إِلَيْهِ، فَيَتَكَرَّهُهُ،
فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ فِيهِ،
فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [ مُحَمَّدٍ:
15 ]. وَيَقُولُ تَعَالَى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ
يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ [ الْكَهْفِ: 29 ] ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ نَحْوَهُ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ مُجَاهِدٍ،
عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ
الْآيَةَ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ [ آلِ عِمْرَانَ: 102 ]. قَالَ: " لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ
الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي بِحَارِ الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ عَلَيْهِمْ مَعَايِشَهُمْ،
فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامُهُ ؟ ".
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ،
وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ، بِهِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ أَبُو
السَّمْحِ، أَنَّ أَبَا الْهَيْثَمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ
غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ إِلَى الدُّنْيَا، لَأَنْتَنَ أَهْلُ الدُّنْيَا ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ دَرَّاجٍ.
وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَنْظُرُ إِلَى
عَبْدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ غَضْبَانُ، فَيَقُولُ: خُذُوهُ. فَيَأْخُذُهُ
مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ، أَوْ يَزِيدُونَ، فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ
نَاصِيَتِهِ وَقَدَمَيْهِ
غَضَبًا لِغَضَبِ اللَّهِ، فَيَسْحَبُونَهُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى النَّارِ،
فَالنَّارُ عَلَيْهِ أَشَدُّ غَضَبًا مِنْهُمْ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، فَيَسْتَغِيثُ
بِشَرْبَةٍ، فَيُسْقَى شَرْبَةً يَسْقُطُ مِنْهَا لَحْمُهُ، وَعَصَبُهُ،
وَيُكَدَّسُ فِي النَّارِ، فَوَيْلٌ لَهُ مِنَ النَّارِ.
وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا غَسَّاقٌ ؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: إِنَّهَا عَيْنٌ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ إِلَيْهَا حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ
حُمَةٍ، مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَسْتَنْقِعُ،
وَيُؤْتَى بِالْآدَمِيِّ، فَيُغْمَسُ فِيهِ غَمْسَةً وَاحِدَةً، فَيَخْرُجُ وَقَدْ
سَقَطَ جِلْدُهُ عَنِ الْعِظَامِ، وَتَعَلَّقَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ فِي
كَعْبَيْهِ، فَيَجُرُّ لَحْمَهُ، كَمَا يَجُرُّ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ.
ذِكْرُ أَمَاكِنَ فِي
النَّارِ وَرَدَتْ بِأَسْمَائِهَا الْأَحَادِيثُ وَبَيَانُ صَحِيحِ ذَلِكَ
وَسَقِيمِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ
[ الْقَارِعَةِ: 8، 9 ]. قِيلَ: فَأُمُّ رَأْسِهِ هَاوِيَةٌ: أَيُّ سَاقِطَةٌ،
مِنَ الْهُوِيِّ فِي النَّارِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْهَاوِيَةُ: هِيَ أَسْفَلُ
دَرْكٍ فِي النَّارِ. كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ مَنْ سَخَطِ اللَّهِ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا
بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " سَبْعِينَ
خَرِيفًا ". وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ. أَيِ
الدَّرْكُ الْأَسْفَلُ مِنَ النَّارِ، أَوْ هِيَ صِفَةُ النَّارِ مِنْ حَيْثُ
هِيَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُقَوِّي هَذَا الْمَعْنَى، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ أَبِي الدُّمَيْكِ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ، سَبَلَانُ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ،
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ
يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ تَلَقَّتْهُ أَرْوَاحُ
الْمُؤْمِنِينَ يَسْأَلُونَهُ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ مَا فَعَلَتْ فُلَانَةٌ ؟
فَإِنْ كَانَ مَاتَ وَلَمْ يَأْتِهِمْ، قَالُوا: خُولِفَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ
الْهَاوِيَةِ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ، وَبِئْسَتِ الْمُرَبِّيَةُ. حَتَّى يَقُولُوا:
مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ هَلْ تَزَوَّجَ ؟ مَا فَعَلَتْ فُلَانَةٌ ؟ هَلْ تَزَوَّجَتْ
؟ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ يَسْتَرِيحُ، فَقَدْ خَرَجَ مِنْ كَرْبِ الدُّنْيَا
".
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ
ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْمَى، قَالَ:
إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ ذُهِبَ بِرُوحِهِ إِلَى أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ،
فَيَقُولُونَ ؟ رَوِّحُوا أَخَاكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَيَسْأَلُونَهُ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ فَيَقُولُ: مَاتَ، أَوَمَا
جَاءَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ. وَرَوَى
الْحَافِظُ الضِّيَاءُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا - أَوْ قَالَ:
يُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ - إِلَّا
الْأَمَانَةَ، يُؤْتَى
بِصَاحِبِ الْأَمَانَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ. فَيَقُولُ: أَنَّى
يَا رَبِّ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيُقَالُ: اذْهَبُوا
بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَيُذْهَبُ بِهِ إِلَيْهَا، فَيَهْوِي فِيهَا حَتَّى
يَنْتَهِيَ إِلَى قَعْرِهَا، فَيَجِدُهَا هُنَاكَ كَهَيْئَتِهَا، فَيَحْمِلُهَا،
فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، ثُمَّ يَصْعَدُ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى
إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْهَا، زَلَّتْ، فَهَوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ
الْآبِدِينَ ".
قَالَ: وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ،
وَالْأَمَانَةُ فِي الْوُضُوءِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَدُّ ذَلِكَ
الْوَدَائِعُ. قَالَ - يَعْنِي زَاذَانَ: فَلَقِيتُ الْبَرَاءَ، فَقُلْتُ: أَلَا
تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَخُوكَ عَبْدُ اللَّهِ ؟ فَقَالَ: صَدَقَ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ هُوَ فِي الْمُسْنَدِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ
السِّتَّةِ.
سِجْنٌ فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ
تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، مِنْ حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
جُبُّ الْحَزَنِ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ
سَيْفٍ، عَنْ أَبِي
مُعَاذٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ جُبِّ
الْحَزَنِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا جُبُّ الْحَزَنِ ؟ قَالَ:
" وَادٍ فِي جَهَنَّمَ تَسْتَعِيذُ جَهَنَّمُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ
أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ، أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلْقُرَّاءِ الْمُرَائِينَ
بِأَعْمَالِهِمْ، وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الْقُرَّاءِ إِلَى اللَّهِ الَّذِينَ
يُؤَازِرُونَ الْأُمَرَاءَ الْجَوَرَةَ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ سَيْفٍ،
عَنْ أَبِي مُعَانٍ - وَهُوَ الصَّوَابُ - بِهِ. اخْتَصَرَهُ التِّرْمِذِيُّ،
وَقَالَ: غَرِيبٌ. وَعِنْدَهُ: " مِائَةُ مَرَّةٍ ". وَبَسَطَهُ ابْنُ
مَاجَهْ، وَعِنْدَهُ: " يَزُورُونَ الْأُمَرَاءَ الْجَوَرَةَ ".
جُبُّ الْفَلَقِ
قَالَ هُشَيْمٌ: عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ
الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِمَشْقَ، فَرَأَى مَا فِيهِ النَّاسُ مِنَ
الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا، وَالشَّهَوَاتِ، وَمَا هُمْ فِيهِ مِنْ زِينَتِهَا،
فَقَالَ: وَمَا يُغْنِي
عَنْهُمْ ذَلِكَ ؟
أَلَيْسَ مِنْ وَرَائِهِمُ الْفَلَقُ ؟! قِيلَ لَهُ: وَمَا الْفَلَقُ ؟ قَالَ:
جُبٌّ فِي النَّارِ، إِذَا فُتِحَ هَرَّ مِنْهُ أَهْلُ النَّارِ. كَذَا، وَلَمْ
يَقُلْ: فَرَّ مِنْهُ أَهْلُ النَّارِ، بَلْ هَرَّ مِنْهُ. كَذَا ذَكَرَ ابْنُ
عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ وَادِي لَمْلَمَ
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا
ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِيًا يُقَالُ لَهُ:
لَمْلَمُ. إِنَّ أَوْدِيَةَ جَهَنَّمَ لَتَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ حَرِّهِ
". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ذِكْرُ نَهَرٍ فِيهَا
هُوَ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ نَهَرِ الْقَلُوطِ مِنْ أَنْهَارِ الدُّنْيَا
وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْأَوْسَاخِ، وَالْأَقْذَارِ، وَالنَّتَنِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ
تَعَالَى مِنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى الْفُضَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي حَرِيزٍ، أَنَّ
أَبَا بُرْدَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ:
مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقَاطِعُ رَحِمٍ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ، وَمَنْ مَاتَ
مُدْمِنًا لِلْخَمْرِ سَقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَهَرِ الْغُوطَةِ ".
قِيلَ: وَمَا نَهَرُ الْغُوطَةِ ؟ قَالَ: " نَهَرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ
الْمُومِسَاتِ، يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِنَّ ".
ذِكْرُ وَادٍ أَوْ بِئْرٍ
فِيهَا يُقَالُ لَهُ: هَبْهَبٌ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْأَزْهَرُ بْنُ سِنَانٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى بِلَالِ بْنِ أَبِي
بُرْدَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بِلَالُ، إِنَّ أَبَاكَ حَدَّثَنِي، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ
وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: هَبْهَبٌ. حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُسْكِنَهُ كُلَّ
جَبَّارٍ، فَإِيَّاكَ يَا بِلَالُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَسْكُنُهُ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ
أَزْهَرَ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بِلَالِ
بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَبَاكَ حَدَّثَنِي،
عَنْ جَدِّكَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِيًا، فِي الْوَادِي بِئْرٌ يُقَالُ لَهُ:
هَبْهَبٌ. حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُسْكِنَهُ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَزْهَرُ بْنُ سِنَانٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ
الْحُفَّاظِ، وَلَيَّنَهُ.
ذِكْرُ وَيْلٍ وَصَعُودٍ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [ الْمُرْسَلَاتِ: 15
]. وَقَالَ تَعَالَى:
سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا [
الْمُدَّثِّرِ: 17 ]. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَيْلٌ: وَادٍ
فِي جَهَنَّمَ، يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ
يَبْلُغَ قَعْرَهُ، وَالصَّعُودُ: جَبَلٌ مِنْ نَارٍ، يَتَصَعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ
خَرِيفًا، ثُمَّ يَهْوِي بِهِ كَذَلِكَ فِيهِ أَبَدًا ". وَكَذَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى
الْأَشْيَبِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ، ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ لَا
نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ. ( كَذَا قَالَ ).
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، بِهِ.
وَبِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، بَلْ مُنْكَرٌ، وَالْأَظْهَرُ فِي
تَفْسِيرِ وَيْلٍ أَنَّهُ ضِدُّ السَّلَامَةِ وَالنَّجَاةِ، كَمَا تَقُولُ
الْعَرَبُ: وَيْلٌ لَهُ، وَيَا وَيْلَهُ، وَوَيْلَهُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ
مَرْدَوَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ
عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا.
قَالَ: " هُوَ جَبَلٌ فِي النَّارِ مِنْ نَارٍ، يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهُ،
فَإِذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ذَابَتْ، فَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ، وَإِذَا
وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَيْهِ ذَابَتْ، فَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ ".
وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَعُودٌ: صَخْرَةٌ فِي جَهَنَّمَ،
يُسْحَبُ عَلَيْهَا الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: صَعُودٌ: صَخْرَةٌ مَلْسَاءُ فِي جَهَنَّمَ، يُكَلَّفُ أَنْ
يَصْعَدَهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا. أَيْ مَشَقَّةً مِنَ الْعَذَابِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَذَابًا لَا رَاحَةَ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
ذِكْرُ حَيَّاتِهَا وَعَقَارِبِهَا، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ
قَالَ تَعَالَى: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ آلِ
عِمْرَانَ: 180 ]. وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ
صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلَّا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ فَيَقُولُ:
أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " يَفِرُّ مِنْهُ،
وَهُوَ يَتْبَعُهُ، وَيَتَّقِي مِنْهُ، فَيُلْقِمُهُ يَدَهُ، ثُمَّ يُطَوِّقُهُ
". وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
مَرْفُوعًا.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا
كَانُوا يُفْسِدُونَ [ النَّحْلِ: 88 ]. قَالَ: زِيدُوا عَقَارِبَ، لَهَا
أَذْنَابٌ كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ،
عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَصْبَغَ
بْنِ الْفَرَجِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ
دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ فِي النَّارِ لِحَيَّاتٍ أَمْثَالَ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ،
يَلْسَعْنَ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حُمُوَّتَهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَإِنَّ
فِيهَا لَعَقَارِبَ كَالْبِغَالِ الْمُؤَكَّفَةِ، يَلْسَعْنَ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ
حُمُوَّتَهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ
الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، أَبُو الْجُمَاهِرِ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الثُّمَالِيُّ - وَكَانَ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَحَجَّ مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ - أَنَّ نُفَيْرَ بْنَ مُجِيبٍ -
وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقُدَمَائِهِمْ - قَالَ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ سَبْعِينَ أَلْفَ وَادٍ، فِي كُلِّ
وَادٍ سَبْعُونَ أَلْفَ شِعْبٍ، فِي كُلِّ شِعْبٍ سَبْعُونَ أَلْفَ دَارٍ، فِي
كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بَيْتٍ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ أَلْفَ شِقٍّ،
فِي كُلِّ شِقٍّ سَبْعُونَ أَلْفَ ثُعْبَانٍ، فِي شِدْقِ كُلِّ
ثُعْبَانٍ سَبْعُونَ
أَلْفَ عَقْرَبٍ، لَا يَنْتَهِي الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ حَتَّى يُوَاقِعَ
ذَلِكَ كُلَّهُ، وَهَذَا مَوْقُوفٌ، وَغَرِيبٌ جِدًّا، بَلْ مُنْكَرٌ نَكَارَةً
شَدِيدَةً، وَسَعِيدُ بْنُ يُوسُفَ هَذَا - الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ بِهِ إِسْمَاعِيلُ
بْنُ عَيَّاشٍ - مَجْهُولٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِتَقْدِيرِ رِوَايَةِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ لَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ; وَهُوَ
حِجَازِيٌّ، وَإِسْمَاعِيلُ فِي غَيْرِ الشَّامِيِّينَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَقَدْ
ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ الْبُخَارِيُّ فِي " تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ "،
بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ: " غَيٍّ " وَ
" أَثَامٍ "، أَنَّهُمَا وَادِيَانِ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ،
أَجَارَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا [ الْكَهْفِ: 52 ]. قَالَ: هُوَ نَهَرٌ مِنْ
قَيْحٍ وَدَمٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَمُجَاهِدٌ: هُوَ وَادٍ
مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ. زَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: عَمِيقٌ، فُرِقَ
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْهُدَى، وَأَهْلِ الضَّلَالَةِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ عَبَّاسٍ
الدُّورِيِّ، عَنِ ابْنِ مَعِينٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ،
عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ
الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ:
قَدِمِ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دِمَشْقَ، فَرَأَى مَا فِيهِ النَّاسُ - يَعْنِي مِنَ الدُّنْيَا -
فَقَالَ: وَمَا يُغْنِي عَنْهُمْ، أَلَيْسَ مِنْ وَرَائِهِمُ الْفَلَقُ ؟ وَقَدْ
تَقَدَّمَ هَذَا الْأَثَرُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْزُوقٍ بِمِصْرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ،
قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ مَنْصُورٌ وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ شَجَرَةَ، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ شَجَرَةَ رَجُلًا مِنَ الزُّهَّادِ،
وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْجُيُوشِ، فَخَطَبَنَا يَوْمًا،
فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، مَا أَحْسَنَ أَثَرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
لَوْ تَرَوْنَ مَا أَرَى مِنْ بَيْنِ أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَمِنْ كُلِّ لَوْنٍ،
وَفِي الرِّحَالِ مَا فِيهَا، إِنَّهُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فُتِحَتْ
أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَأَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَأَبْوَابُ النَّارِ، وَإِذَا
الْتَقَى الصَّفَّانِ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَأَبْوَابُ النَّارِ
وَزُيِّنَ الْحُورُ الْعِينُ فَيَطَّلِعْنَ، فَإِذَا أَقْبَلَ أَحَدُكُمْ
بِوَجْهِهِ إِلَى الْقِتَالِ، قُلْنَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُ.
وَإِذَا أَدْبَرَ احْتَجَبْنَ عَنْهُ، وَقُلْنَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ،
فَانْهَكُوا وُجُوهَ الْقَوْمِ، فِدَاكُمْ أَبِي وَأُمِّي، فَإِنَّ أَوَّلَ
قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِ أَحَدِكُمْ يَحُطُّ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا يَحُطُّ الْغُصْنُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، وَتَبْتَدِرُهُ اثْنَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيَمْسَحَانِ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ، وَتَقُولَانِ: فِدَانَا لَكَ. وَيَقُولُ: فِدَانَا لَكُمَا. فَيُكْسَى مِائَةَ حُلَّةٍ لَوْ وُضِعَتْ بَيْنَ إِصْبَعِي هَاتَيْنِ لَوَسِعَتَاهُنَّ، لَيْسَتْ مِنْ نَسْجِ بَنِي آدَمَ، وَلَكِنَّهَا مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، إِنَّكُمْ مَكْتُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَسْمَائِكُمْ وَسِيمَاكُمْ وَنَجْوَاكُمْ وَحُلَاكُمْ وَمَجَالِسِكُمْ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ: يَا فُلَانُ، هَذَا نُورُكَ، يَا فُلَانُ، لَا نُورَ لَكَ، وَإِنَّ لِجَهَنَّمَ جِبَابًا مِنْ سَاحِلٍ كَسَاحِلِ الْبَحْرِ، فِيهِ هَوَامٌّ وَحَيَّاتٌ كَالْبَخَاتِيِّ، وَعَقَارِبُ كَالْبِغَالِ الدُّلْمِ، أَوْ كَالدُّلْمِ الْبِغَالِ، فَإِذَا سَأَلَ أَهْلُ النَّارِ التَّخْفِيفَ قِيلَ: اخْرُجُوا إِلَى السَّاحِلِ. فَتَأْخُذُهُمْ تِلْكَ الْهَوَامُّ بِشِفَاهِهِمْ وَجَنُوبِهِمْ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَتَكْشِطُهَا فَيَرْجِعُونَ، فَيُبَادِرُونَ إِلَى مُعْظَمِ النَّارِ، وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِمُ الْجَرَبُ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَحُكُّ جِلْدَهُ حَتَّى يَبْدُوَ الْعَظْمُ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا
فُلَانُ، هَلْ يُؤْذِيكَ
هَذَا ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: ذَلِكَ بِمَا كُنْتَ تُؤْذِي
الْمُؤْمِنِينَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ. وَمَنِ
اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ
مِنَ النَّارِ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَوْ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةِ
الْأَكْبَرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَحَدَهُمَا حَدَّثَهُ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمٌ
حَارٌّ أَلْقَى اللَّهُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ
الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ
حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ. قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي قَدِ اسْتَجَارَ
بِي مِنْكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ. وَإِذَا كَانَ يَوْمٌ
شَدِيدُ الْبَرْدِ أَلْقَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ
السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، مَا أَشَدَّ بَرْدَ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ
زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ
عِبَادِي قَدِ اسْتَجَارَ بِي مِنْ زَمْهَرِيرِكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي
قَدْ أَجَرْتُهُ ". قَالُوا: وَمَا زَمْهَرِيرُ جَهَنَّمَ ؟ قَالَ: " جُبٌّ
يُلْقَى فِيهِ الْكَافِرُ فَيَتَمَيَّزُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ بَعْضُهُ مِنْ
بَعْضٍ ".
فَصْلٌ ( دَرَكَاتُ
جَهَنَّمَ )
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: أَعْلَى الدَّرَكَاتِ جَهَنَّمُ،
وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْعُصَاةِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهِيَ الَّتِي تَخْلُو مِنْ أَهْلِهَا، فَتَصْفِقُ الرِّيَاحُ
أَبْوَابَهَا، ثُمَّ لَظَى، ثُمَّ الْحُطَمَةُ، ثُمَّ السَّعِيرُ، ثُمَّ سَقَرُ،
ثُمَّ الْجَحِيمُ، ثُمَّ الْهَاوِيَةُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فِي الدَّرْكِ الْأَعْلَى الْمُحَمَّدِيُّونَ، وَفِي
الثَّانِي النَّصَارَى، وَفِي الثَّالِثِ الْيَهُودُ، وَفِي الرَّابِعِ
الصَّابِئُونَ، وَفِي الْخَامِسِ الْمَجُوسُ، وَفِي السَّادِسِ مُشْرِكُو
الْعَرَبِ، وَفِي السَّابِعِ الْمُنَافِقُونَ. قُلْتُ: هَذِهِ الْمَرَاتِبُ
وَالْمَنَازِلُ، وَتَخْصِيصُهَا بِهَؤُلَاءِ، مِمَّا يَحْتَاجُ إِثْبَاتُهُ إِلَى
سَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى الْمَعْصُومِ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، أَوْ
قُرْآنٍ نَاطِقٍ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ مَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ
يَدْخُلُونَ النَّارَ، وَكَوْنُهُمْ يَكُونُونَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي
الْأَخْبَارِ، وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، فَأَمَّا
الْمُنَافِقُونَ فَفِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ
لَا مَحَالَةَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
فَمِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مَا هُوَ عَلَمٌ لِلنَّارِ كُلِّهَا بِجُمْلَتِهَا،
نَحْوُ جَهَنَّمُ، وَسَعِيرٌ، وَلَظَى، فَهَذِهِ أَعْلَامٌ لَيْسَتْ لِبَابٍ دُونَ
بَابٍ. وَصَدَقَ فِيمَا قَالَ.
وَقَالَ حَرْمَلَةُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ دَرَّاجًا
أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ
جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِي النَّارِ لَحَيَّاتٍ أَمْثَالَ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ
". وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ، حَدَّثَنَا
أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الرَّبِيعِ،
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ
الْعَذَابِ [ النَّحْلِ: 88 ]. قَالَ: " عَقَارِبُ أَمْثَالُ النَّخْلِ
الطِّوَالِ، تَنْهَشُهُمْ فِي جَهَنَّمَ ". وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، قَوْلَهُ، وَتَقَدَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ الْأَشْرَسِ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
كَعْبِ الْأَحْبَارِ،
قَالَ: حَيَّاتُ جَهَنَّمَ أَمْثَالُ الْأَوْدِيَةِ، وَعَقَارِبُهَا أَمْثَالُ
الْقِلَالِ، وَإِنَّ لَهَا لَأَذْنَابًا كَأَمْثَالِ الرِّمَاحِ، تَلْقَى
إِحْدَاهُنَّ الْكَافِرَ فَتَلْسَعُهُ، فَيَتَنَاثَرُ لَحْمُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ.
ذِكْرُ بُكَاءِ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا
قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الصَّمَدِ بْنِ أَبِي خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ
الْمُبَارَكِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ابْكُوا، فَإِنْ لَمْ
تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَبْكُونَ فِي النَّارِ حَتَّى
تَسِيلَ دُمُوعُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ كَأَنَّهَا جَدَاوِلُ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ،
فَتَسِيلُ فَتُقَرِّحَ الْعُيُونَ، فَلَوْ أَنَّ سُفُنًا أُرْسِلَتْ فِيهَا
لَجَرَتْ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ
الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ الْجَزَرِيُّ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ،
رَفَعَهُ، قَالَ: " إِنَّ أَهْلَ النَّارِ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ بَكَوُا
الدُّمُوعَ زَمَانًا، ثُمَّ بَكَوُا الْقَيْحَ زَمَانًا، فَيَقُولُ لَهُمُ
الْخَزَنَةُ: يَا مَعْشَرَ الْأَشْقِيَاءِ، تَرَكْتُمُ الْبُكَاءَ فِي الدَّارِ
الْمَرْحُومِ فِيهَا أَهْلُهَا وَتَبْكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي لَا يُرْحَمُ
أَهْلُهَا، هَلْ تَجِدُونَ الْيَوْمَ مَنْ تَسْتَغِيثُونَ بِهِ ؟ " قَالَ:
" فَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، يَا مَعْشَرَ الْآبَاءِ
وَالْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ، خَرَجْنَا مِنَ الْقُبُورِ عِطَاشًا، وَكُنَّا
طُولَ الْمَوْقِفِ عِطَاشًا، وَنَحْنُ الْيَوْمُ فِي النَّارِ عِطَاشٌ،
فَأَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ. "
قَالَ: " فَيَدْعُونَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يُجِيبُهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ
يُجِيبُهُمْ مَالِكٌ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ قَالَ ؟ " فَيَيْأَسُونَ مِنْ
كُلِّ خَيْرٍ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [
الْمُؤْمِنُونَ: 104 ].
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو
شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ
قَالَ: " تَشْوِيهِ النَّارُ، فَتَقْلِصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى
تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ، وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ
السُّفْلَى حَتَّى
تَبْلُغَ سُرَّتَهُ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ، وَقَالَ:
حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْقَزَّازُ، حَدَّثَنَا الْخَضِرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
يُوسُفَ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عَمُّ الْحَارِثِ بْنِ الْخَضِرِ الْقَطَّانُ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ قَالَ:
" تَلْفَحُهُمْ لَفْحَةً، فَتَسِيلُ لُحُومُهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ".
أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا، آمِينَ.
أَحَادِيثُ شَتَّى فِي صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الشَّعْثَاءِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ،
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ نَافِعٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، وَمَعَهُمْ
مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، قَالَ الْكُفَّارُ لِلْمُسْلِمِينَ:
أَلَمْ تَكُونُوا
مُسْلِمِينَ ؟ قَالُوا:
بَلَى. قَالُوا: فَمَا أَغْنَى عَنْكُمُ الْإِسْلَامُ، وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا
فِي النَّارِ ؟ قَالُوا: كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ، فَأُخِذْنَا بِهَا. فَسَمِعَ
اللَّهُ مَا قَالُوا، فَأَمَرَ بِمَنْ كَانَ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ
فَأُخْرِجُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مَنْ بَقِيَ فِي النَّارِ مِنَ الْكُفَّارِ
قَالُوا: يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ، فَنَخْرُجُ كَمَا خَرَجُوا ".
قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعُوذُ
بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٌ
مُبِينٌ رُبَّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ [
الْحِجْرِ: 1، 2 ].
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ أَبُو رَوْقٍ
عَطِيَّةُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ أَبِي طَرِيفٍ، سَأَلْتُ
أَبَا سَعِيدِ الْخُدْرِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ:هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: رُبَّمَا يَوَدُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: " يُخْرِجُ اللَّهُ نَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ
بَعْدَ مَا يَأْخُذُ نِقْمَتَهُ مِنْهُمْ ". وَقَالَ: " لَمَّا
أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ النَّارَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ:
تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، فَمَا
بَالُكُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ ؟ فَإِذَا سَمِعَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَذِنَ
فِي الشَّفَاعَةِ لَهُمْ، فَيَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ، وَيَشْفَعُ
الْمُؤْمِنُونَ، حَتَّى يَخْرُجُوا بِإِذْنِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى
الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ قَالُوا: يَا لَيْتَنَا كُنَّا مِثْلَهُمْ، فَتُدْرِكَنَا
الشَّفَاعَةُ، فَنَخْرُجَ مَعَهُمْ. قَالَ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: رُبَمَا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَيُسَمَّوْنَ فِي
الْجَنَّةِ: الْجَهَنَّمِيُّونَ. مِنْ أَجْلِ سَوَادٍ فِي وُجُوهِهِمْ،
فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، أَذْهِبْ عَنَّا هَذَا الِاسْمَ. فَيَأْمُرُهُمْ،
فَيَغْتَسِلُونَ فِي نَهَرِ الْجَنَّةِ، فَيَذْهَبُ ذَلِكَ الِاسْمُ عَنْهُمْ
". فَأَقَرَّ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ، وَقَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ - هُوَ الْأَخْرَمُ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجِهْبِذُ،
وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا مُعَرِّفُ بْنُ وَاصِلٍ،
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي نُبَاتَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمِنِ الْأَغَرِّ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَدْخُلُونَ
النَّارَ بِذُنُوبِهِمْ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ اللَّاتِ وَالْعُزَّى: مَا
أَغْنَى عَنْكُمْ قَوْلُكُمْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَنْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ
؟ فَيَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ فَيُخْرِجُهُمْ، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرِ
الْحَيَاةِ، فَيَبْرَءُونَ مِنْ حَرَقِهِمْ، كَمَا يَبْرَأُ الْقَمَرُ مِنْ
كُسُوفِهِ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَيُسَمَّوْنَ فِيهَا الْجَهَنَّمِيِّينِ
". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَنَسُ، أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ كَذِبَ عَلَيَّ
مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ". نَعَمْ، أَنَا
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ إِلَّا صَالِحُ
بْنُ إِسْحَاقَ الْجِهْبِذُ.
أَثَرٌ غَرِيبٌ وَسِيَاقٌ عَجِيبٌ
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ
بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ،
آخِذٌ بِكُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَهَى تَمَايَلُ عَلَيْهِمْ
حَتَّى تُوقَفَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، وَيُلْقِي اللَّهُ عَلَيْهَا الذُّلَّ
يَوْمَئِذٍ، فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهَا: مَا هَذَا الذُّلُّ ؟ فَتَقُولُ: يَا
رَبِّ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ لَكَ فِيَّ نِقْمَةٌ. فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهَا:
إِنَّمَا خَلَقْتُكِ نِقْمَةً، وَلَيْسَ لِي فِيكِ نِقْمَةٌ. فَيُوحِي اللَّهُ
إِلَيْهَا، فَتَزْفَرُ زَفْرَةً لَا تَبْقَى دَمْعَةٌ فِي عَيْنٍ إِلَّا جَرَتْ.
قَالَ: ثُمَّ تَزْفَرُ أُخْرَى، فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ
مُرْسَلٌ إِلَّا صَعِقَ، إِلَّا نَبِيُّكُمْ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي.
أَثَرٌ آخَرُ مَنْ أَغْرَبِ الْآثَارِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ
عَائِشَةَ، حَدَّثَنَا سَلْمٌ الْخَوَّاصُ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ
زَاذَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يَقُولُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ جَمْعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ،
فَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ، فَصَارُوا صُفُوفًا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا
جِبْرِيلُ
ائْتِنِي بِجَهَنَّمَ. فَيَأْتِي بِهَا جِبْرِيلُ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ مِنَ الْخَلَائِقِ عَلَى قَدْرِ مِائَةِ عَامٍ زَفَرَتْ زَفْرَةً طَارَتْ لَهَا أَفْئِدَةُ الْخَلَائِقِ، ثُمَّ زَفَرَتْ ثَانِيَةً، فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ زَفَرَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبْلُغُ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، وَتَذْهَلُ الْعُقُولُ، فَيَفْزَعُ كُلُّ امْرِئٍ إِلَى عَمَلِهِ، حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَقُولُ: بِخُلَّتِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي. وَيَقُولُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: بِمُنَاجَاتِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي. وَإِنَّ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَيَقُولُ: بِمَا أَكْرَمَتْنِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي، لَا أَسْأَلُكَ مَرْيَمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي. وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي، لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ نَفْسِي، إِنَّمَا أَسْأَلُكَ أُمَّتِي. قَالَ: فَيُجِيبُهُ الْجَلِيلُ جَلَّ جَلَالُهُ: أَوْلِيَائِي مِنْ أُمَّتِكَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَكَ فِي أُمَّتِكَ. ثُمَّ تَقِفُ الْمَلَائِكَةُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَنْتَظِرُونَ مَا يُؤَمَرُونَ بِهِ، فَيَقُولُ لَهُمُ الرَّبُّ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ: مَعَاشِرَ الزَّبَانِيَةِ، انْطَلِقُوا بِالْمُصِرِّينَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ إِلَى النَّارِ، فَقَدِ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْهِمْ بِتَهَاوُنِهِمْ بِأَمْرِي فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَاسْتِخْفَافِهِمْ بِحَقِّي، وَانْتِهَاكِهِمْ حُرْمَتِي، يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ، وَيُبَارِزُونِي بِالْمَعَاصِي مَعَ كَرَامَتِي لَهُمْ، وَتَفْضِيلِي إِيَّاهُمْ عَلَى الْأُمَمِ، وَلَمْ يَعْرِفُوا فَضْلِي، وَعِظَمَ نِعْمَتِي. فَعِنْدَهَا تَأْخُذُ الزَّبَانِيَةُ بِلِحَى الرِّجَالِ، وَذَوَائِبِ النِّسَاءِ، فَيَنْطَلِقُونَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يُسَاقُ إِلَى النَّارِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا مُسْوَدًّا وَجْهُهُ، وَقَدْ وُضِعَتِ الْأَنْكَالُ فِي قَدَمَيْهِ، وَالْأَغْلَالُ فِي عُنُقِهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُسَاقُونَ بِأَلْوَانِهِمْ، فَإِذَا وَرَدُوا عَلَى مَالِكٍ قَالَ
لَهُمْ: مُعَاشِرَ الْأَشْقِيَاءِ، مِنْ أَيِّ أُمَّةٍ أَنْتُمْ ؟ فَمَا وَرَدَ عَلَيَّ أَحْسَنُ وُجُوهًا مِنْكُمْ. فَيَقُولُونَ: يَا مَالِكُ، نَحْنُ مِنْ أُمَّةِ الْقُرْآنِ. فَيَقُولُ لَهُمْ: مَعَاشِرَ الْأَشْقِيَاءِ، أَوَلَيْسَ الْقُرْآنُ أُنْزِلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: فَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالنَّحِيبِ وَالْبُكَاءِ: وَامُحَمَّدَاهُ، يَا مُحَمَّدُ، اشْفَعْ لِمَنْ آمَنَ بِكَ مِمَّنْ أُمِرَ بِهِ إِلَى النَّارِ مِنْ أُمَّتِكَ. قَالَ: فَيُنَادَى مَالِكٌ، بِتَهَدُّدٍ وَانْتِهَارٍ: يَا مَالِكُ، مَنْ أَمَرَكَ بِمُعَاتَبَةِ الْأَشْقِيَاءِ وَمُحَادَثَتِهِمْ، وَالتَّوَقُّفِ عَنْ إِدْخَالِهِمُ الْعَذَابَ ؟ يَا مَالِكُ، لَا تُسَوِّدْ وُجُوهَهُمْ، فَقَدْ كَانُوا يَسْجُدُونَ لِي بِهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا، يَا مَالِكُ لَا تُغِلَّهُمْ بِالْأَغْلَالِ ؟ فَقَدْ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ مِنَ الْجَنَابَةِ، يَا مَالِكُ، لَا تُقَيِّدْهُمْ بِالْأَنْكَالِ، فَقَدْ طَافُوا حَوْلَ بَيْتِيَ الْحَرَامِ، يَا مَالِكُ لَا تُلْبِسْهُمُ الْقَطِرَانَ ؟ فَقَدْ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ لِلْإِحْرَامِ، يَا مَالِكُ، مُرِ النَّارَ لَا تُحْرِقُ أَلْسِنَتَهُمْ ; فَقَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، يَا مَالِكُ، قُلْ لِلنَّارِ تَأْخُذُهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَالنَّارُ أَعْرَفُ بِهِمْ وَبِمَقَادِيرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا. فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى سُرَّتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى صَدْرِهِ. قَالَ: فَإِذَا انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ كَبَائِرِهِمْ وَعُتُوِّهُمْ وَإِصْرَارِهِمْ فَتَحَ بَيْنِهِمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ بَابًا، وَهُمْ فِي الطَّبَقِ الْأَعْلَى مِنَ النَّارِ، لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا، يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدَاهُ، ارْحَمْ مِنْ أُمَّتِكَ الْأَشْقِيَاءَ، وَاشْفَعْ لَهُمْ ؟ فَقَدْ أَكَلَتِ النَّارُ لُحُومَهُمْ وَعِظَامَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ. ثُمَّ يُنَادُونَ: يَا رَبَّاهُ، يَا
سَيِّدَاهُ، ارْحَمْ مَنْ
لَمْ يُشْرِكْ بِكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسَاءَ وَأَخْطَأَ
وَتَعَدَّى. فَعِنْدَهَا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ لَهُمْ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ
إِيمَانُكُمْ بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ ؟ ! فَيَغْضَبُ اللَّهُ لِذَلِكَ،
فَيَقُولُ: يَا جِبْرِيلُ، انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مَنَ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيُخْرِجُهُمْ ضَبَائِرَ، قَدِ
امْتَحَشُوا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ:
نَهَرُ الْحَيَاةِ. فَيَمْكُثُونَ حَتَّى يَعُودُوا أَنْضَرَ مَا كَانُوا، ثُمَّ
يَأْمُرُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ، مَكْتُوبٌ عَلَى
جِبَاهِهِمْ: هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ، عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيُعْرَفُونَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ بِذَلِكَ، فَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَمْحُوَ
عَنْهُمْ تِلْكَ السِّمَةَ، فَيَمْحُوهَا اللَّهُ عَنْهُمْ، فَلَا يُعْرَفُونَ
بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
لِبَعْضِ هَذَا الْأَثَرِ شَوَاهِدُ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَيَأْتِي بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ ذِكْرُ آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ
مِنَ النَّارِ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي شَفَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيَانُ أَنْوَاعِهَا وَتِعْدَادِهَا:
فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْهَا: شَفَاعَتُهُ الْأُولَى، وَهِيَ الْعُظْمَى
الْخَاصَّةُ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ إِخْوَانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ
أَجْمَعِينَ. وَهِيَ الَّتِي يَرْغَبُ إِلَيْهِ فِيهَا الْخَلْقُ كُلُّهُمْ،
حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، وَمُوسَى
الْكَلِيمُ،
وَيَتَوَسَّلُ النَّاسُ إِلَى آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَكُلٌّ
يَحِيدُ عَنْهَا، وَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِهَا. حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ
إِلَى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: " أَنَا لَهَا، أَنَا لَهَا ".
فَيَذْهَبُ فَيَشْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَنْ يَأْتِيَ،
لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْخَلْقِ، وَيُرِيحَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ،
وَيُمَيِّزَ بَيْنَ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، بِمُجَازَاةِ الْمُؤْمِنِينَ
بِالْجَنَّةِ، وَالْكَافِرِينَ بِالنَّارِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ " سُبْحَانَ " عِنْدَ
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [ الْإِسْرَاءِ: 79 ]. وَقَدْ قَدَّمْنَا
فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ
الْمَحْمُودِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ سَيَّارٍ،
عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ
أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ،
وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ،
وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ
يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ
عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي
ذَرٍّ.
فَقَوْلُهُ: " وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ". يَعْنِي بِذَلِكَ
الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى، وَهِيَ الْأُولَى الَّتِي يَشْفَعُ فِيهَا عِنْدَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ،
وَيَغْبِطُهُ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ
الشَّفَاعَةِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَأُمًّا الشَّفَاعَةُ فِي الْعُصَاةِ فَيَشْرَكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى الْقُرْآنُ
وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِيمَا نُورِدُهُ مِنَ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَغَيْرِهَا.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
فَرُّوخٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ
شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ".
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ
تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ، بِيَدِي
لِوَاءُ الْحَمْدِ، تَحْتِي آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ
عَلَى حَرْفٍ،
فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ: يَا
رَبِّ، هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي. فَرَدَّ عَلَيَّ الثَّانِيَةَ أَنِ اقْرَأْهُ
عَلَى حَرْفَيْنِ " قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَبِّ، هَوِّنْ عَلَى
أُمَّتِي. فَرَدَّ عَلَيَّ الثَّالِثَةَ أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ،
وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رُدِدْتَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا. فَقُلْتُ:
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ
الثَّالِثَةَ إِلَى يَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ فِيهِ الْخَلْقُ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ
".
النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنَ الشَّفَاعَةِ: شَفَاعَتُهُ فِي أَقْوَامٍ
قَدْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَيَشْفَعُ فِيهِمْ، لِيَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ، وَفِي أَقْوَامٍ آخَرِينَ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ أَنْ لَا
يَدْخُلُوهَا.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " الْأَهْوَالِ
": حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْبُنَانِيُّ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُنْصَبُ لِلْأَنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا ". قَالَ: " وَيَبْقَى
مِنْبَرِي لَا أَجْلِسُ عَلَيْهِ، قَائِمًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ،
مُنْتَصِبًا بِأُمَّتِي ; مَخَافَةَ أَنْ يُبْعَثَ بِي إِلَى الْجَنَّةِ وَتَبْقَى
أُمَّتِي بَعْدِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا
مُحَمَّدُ، وَمَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ بِأُمَّتِكَ ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ،
عَجِّلْ حِسَابَهُمْ، فَيُدْعَى بِهِمْ، فَيُحَاسَبُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
بِشَفَاعَتِي، وَمَا أَزَالُ أَشْفَعُ حَتَّى أُعْطَى
صِكَاكًا بِرِجَالٍ قَدْ
بُعِثَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، حَتَّى أَنَّ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ لَيَقُولُ:
يَا مُحَمَّدُ، مَا تَرَكْتَ لِغَضَبِ رَبِّكَ لِأُمَّتِكَ مِنْ نِقْمَةٍ ".
وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ،
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنِي
زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ
عُرَاةً، فَيَجْتَمِعُونَ شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ،
يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ قِيَامًا أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَيَنْزِلُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ، مِنَ الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ
يُدْعَى إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَيُكْسَى
قُبْطِيَّتَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْعُوا لِيَ النَّبِيَّ
الْأُمِّيَّ مُحَمَّدًا ". قَالَ: " فَأَقُومُ، فَأُكْسَى حُلَّةً مِنْ
ثِيَابِ الْجَنَّةِ ". قَالَ: " وَيُفَجَّرُ لِيَ الْحَوْضُ، وَعَرْضُهُ
كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْكَعْبَةِ ". قَالَ: " فَأَشْرَبُ
وَأَغْتَسِلُ وَقَدْ تَقَطَّعَتْ أَعْنَاقُ الْخَلَائِقِ مِنَ الْعَطَشِ، ثُمَّ
أَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْكُرْسِيِّ، لَيْسَ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ قَائِمًا ذَلِكَ
الْمَقَامَ غَيْرِي، ثُمَّ يُقَالُ: سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ".
قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَرْجُو لِوَالِدَيْكَ شَيْئًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ: " إِنِّي لَشَافِعٌ لَهُمَا، أُعْطِيتُ أَوْ مُنِعْتُ، وَمَا أَرْجُو
لَهُمَا شَيْئًا ".
ثُمَّ قَالَ الْمِنْهَالُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَمُرُّ
بِقَوْمٍ مِنْ أُمَّتِي قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا
مُحَمَّدُ، نَنْشُدُكَ
الشَّفَاعَةَ ".
قَالَ: " فَآمُرُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَقِفُوا بِهِمْ ". قَالَ: "
فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُؤْذَنُ لِي
فَأَسْجُدُ، وَأَقُولُ: يَا رَبِّ، قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي قَدْ أَمَرْتَ بِهِمْ
إِلَى النَّارِ ". قَالَ: " فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهُمْ
". قَالَ: " فَأَنْطَلِقُ، فَأُخْرِجُ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ
أُخْرِجَ، ثُمَّ يُنَادِي الْبَاقُونَ: يَا مُحَمَّدُ، نَنْشُدُكَ الشَّفَاعَةَ.
فَأَرْجِعُ إِلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَسْتَأْذِنُ، فَيُؤْذَنُ لِي
فَأَسْجُدُ، فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسُلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ ". قَالَ: " فَأَقُومُ فَأُثْنِي عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ
ثَنَاءً لَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ أَحَدٌ ثَنَاءً مِثْلَهُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ،
قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ. فَيَقُولُ: انْطَلِقْ،
فَأَخْرِجْ مِنْهُمْ ". قَالَ: " فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُخْرِجُ
مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ
مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ؟ " قَالَ: " فَيَقُولُ: يَا
مُحَمَّدُ، لَيْسَتْ تِلْكَ لَكَ، تِلْكَ لِي ". قَالَ: " فَأَنْطَلِقُ
فَأُخْرِجُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُخْرِجَ ". قَالَ: " وَيَبْقَى
قَوْمٌ فَيَدْخُلُونَ النَّارَ، فَيُعَيِّرُهُمْ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ:
أَنْتُمْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا، فَمَا
الَّذِي أَدْخَلَكُمُ النَّارَ ؟! " قَالَ: " فَيَحْرَجُونَ
وَيَحْزَنُونَ مِنْ ذَلِكَ ". قَالَ: " فَيَبْعَثُ اللَّهُ مَلِكًا بِكَفٍّ
مِنْ مَاءٍ فَيَنْضَحُ بِهَا فِي النَّارِ الَّتِي فِيهَا الْمُوَحِّدُونَ، فَلَا
يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا وَقَعَتْ فِي
وَجْهِهِ مِنْهَا قَطْرَةٌ ". قَالَ: " فَيُعْرَفُونَ بِهَا.
وَيَغْبِطُهُمْ أَهْلُ النَّارِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،
فَيُقَالُ لَهُمْ: انْطَلِقُوا، فَتَضَيَّفُوا النَّاسَ. فَلَوْ أَنَّ جَمِيعَهُمْ
نَزَلُوا بِرَجُلٍ وَاحِدٍ كَانَ لَهُمْ عِنْدَهُ سَعَةٌ، وَيُسَمَّوْنَ
الْمُحَرِّرِينَ ".
وَهَذَا السِّيَاقُ يَقْتَضِي تَعْدَادَ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ فِيمَنْ أُمِرَ بِهِمْ
إِلَى النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا،
وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: " فَأَخْرِجْ ". أَيْ أَنْقِذْ، بِدَلِيلِ
قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: " وَيَبْقَى قَوْمٌ فَيَدْخُلُونَ النَّارَ ".
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنَ الشَّفَاعَةِ: شَفَاعَتُهُ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ مِنْ
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَوْقَ مَا يَقْتَضِيهِ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ.
وَقَدْ وَافَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى هَذِهِ الشَّفَاعَةِ خَاصَّةً،
وَخَالَفُوا فِيمَا عَدَاهَا مِنَ الشَّفَاعَاتِ، مَعَ تَوَاتُرِ الْأَحَادِيثِ
فِيهَا، عَلَى مَا سَتَرَاهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَأَمَّا دَلِيلُ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ فَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
لَمَّا أُصِيبَ عَمُّهُ أَبُو عَامِرٍ فِي غَزْوَةِ أَوَطَاسٍ، فَلَمَّا أَخْبَرَ
أَبُو مُوسَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ،
فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَفَعَ
يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ، وَاجْعَلْهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ ".
وَهَكَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَعَا لِأَبِي سَلَمَةَ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ، فَقَالَ: "
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ،
وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ
الْعَالَمِينَ، وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ ".
وَهُوَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ".
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي
عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ نَوْعًا آخَرَ مِنَ الشَّفَاعَةِ، وَهُوَ خَامِسٌ، وَهُوَ فِي
أَقْوَامٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَمْ أَرَ لِهَذَا شَاهِدًا
فِيمَا عَلِمْتُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَهُ مُسْتَنَدًا فِيمَا
رَأَيْتُ، ثُمَّ تَذَكَّرْتُ حَدِيثَ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، حِينَ دَعَا لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنَ
السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ،
وَالْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، كَمَا تَقَدَّمَ
"، وَهُوَ يُنَاسِبُ هَذَا الْمَقَامَ.
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ "
نَوْعًا سَادِسًا مِنَ الشَّفَاعَةِ، وَهُوَ شَفَاعَتُهُ فِي عَمِّهِ أَبِي
طَالِبٍ أَنْ يُخَفَّفَ عَذَابُهُ، وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي
" صَحِيحِ مُسْلِمٍ " " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ
تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ
يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ ".
ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ
شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [ الْمُدَّثِّرِ: 48 ]. قِيلَ: لَا تَنْفَعُهُ فِي
الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ، كَمَا تَنْفَعُ عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ
يَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.
النَّوْعُ السَّابِعُ مِنَ الشَّفَاعَةِ: شَفَاعَتُهُ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ
قَاطِبَةً فِي أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي
" صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ ".
وَقَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ بَعْدَ ذِكْرِ مُرُورِ النَّاسِ عَلَى الصِّرَاطِ:
فَإِذَا أَفْضَى أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ قَالُوا: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا
إِلَى رَبِّنَا فَنَدْخُلَ الْجَنَّةَ ؟ فَيَقُولُونَ: مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ
أَبِيكُمْ آدَمَ ". فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: " وَلَكِنْ
عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " فَيَأْتُونِي وَلِي عِنْدَ رَبِّي ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ،
وَعَدَنِيهِنَّ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي الْجَنَّةَ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ،
ثُمَّ أَسْتَفْتِحُ، فَيُفْتَحُ لِي، فَأُحَيَّا، وَيُرَحَّبُ بِي فَإِذَا
دَخَلْتُ، فَنَظَرْتُ إِلَى رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، خَرَرْتُ لَهُ سَاجِدًا،
فَيَأْذَنُ اللَّهُ تَعَالَى لِي مِنْ حَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ بِشَيْءٍ مَا أَذِنَ
بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ لِيَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا
مُحَمَّدُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلَّ تُعْطَهْ. فَإِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي
قَالَ اللَّهُ وَهُوَ أَعْلَمُ: مَا شَأْنُكَ ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي
الشَّفَاعَةَ، فَشَفِّعْنِي فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ شَفَّعْتُكَ، وَأَذِنْتُ لَهُمْ فِي
دُخُولِ الْجَنَّةِ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ
الصُّورِ.
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّفَاعَةَ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَهُوَ
النَّوْعُ الثَّامِنُ مِنَ الشَّفَاعَةِ، وَهُوَ شَفَاعَتُهُ فِي أَهْلِ
الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ دَخَلَ النَّارَ بِذُنُوبِهِ وَكَبَائِرِ
إِثْمِهِ، فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا. وَقَدْ تَوَاتَرَتْ بِهَذَا النَّوْعِ
الْأَحَادِيثُ، وَقَدْ خَفِيَ عِلْمُ ذَلِكَ عَلَى الْخَوَارِجِ
وَالْمُعْتَزِلَةِ، فَخَالَفُوا فِي ذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِصِحَّةِ
الْأَحَادِيثِ، وَعِنَادًا مِمَّنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى بِدْعَتِهِ.
وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ يُشَارِكُهُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ
وَالْمُؤْمِنُونَ، وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ تَتَكَرَّرُ مِنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
بَيَانُ طُرُقِ
الْأَحَادِيثِ وَأَلْفَاظِهَا
رِوَايَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ وَضَّاحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَإِمَامُهُمْ، وَصَاحِبُ شَفَاعَتِهِمْ ".
رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنَا أَوَّلُهُمْ خُرُوجًا، وَأَنَا قَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا،
وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا، وَأَنَا شَفِيعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا،
وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا يَئِسُوا، لِوَاءُ الْكَرَامَةِ وَالْمَفَاتِيحُ
يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ
وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي، يَطُوفُ عَلَيَّ أَلْفُ خَادِمٍ، كَأَنَّهُمْ بَيْضٌ
مُكَنُّونٌ، أَوْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَنْثُورٌ ".
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ حِبَّانِ بْنِ عَلِيٍّ
الْعَنَزِيِّ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
زَحْرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ مَرْفُوعًا كَمَا تَقَدَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
بِسْطَامُ بْنُ حُرَيْثٍ، عَنْ أَشْعَثَ الْحُدَّانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ بِسْطَامٍ، عَنْ
أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ الْحُدَّانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْخَزْرَجُ بْنُ
عُثْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي
". ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ثَابِتٍ إِلَّا الْخَزْرَجُ بْنُ
عُثْمَانَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ،
حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ،
سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
كُلُّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ سُؤَالًا ". أَوْ قَالَ: " لِكُلِّ نَبِيٍّ
دَعْوَةٌ قَدْ دَعَاهَا، فَاسْتَخْبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ". أَوْ كَمَا قَالَ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ.
وَأَسْنَدَهُ مُسْلِمٌ، فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَدِ الْأَعْلَى، عَنْ
مُعْتَمِرٍ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ طَرْخَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ،
بِهِ نَحْوَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا فُضَيْلِ بْنِ
عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْعِجْلِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ أُنِلْتُ الشَّفَاعَةَ، فَأَشْفَعُ لِمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ
مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِنَ
الْإِيمَانِ مِثْلُ هَذَا ". وَحَرَّكَ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ
وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا
قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً قَدْ دَعَا بِهَا، فَاسْتُجِيبَ لَهُ،
وَإِنِّي اسْتَخْبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
". وَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ حَدِيثِ
هَمَّامٍ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ
الْوَضَّاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ.
ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَجْتَمِعُ
الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُهَمُّونَ بِذَلِكَ، أَوْ يُلْهَمُونَ
ذَلِكَ ". بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: "
ثُمَّ آتِيهِ الرَّابِعَةَ - أَوْ أَعُودُ الرَّابِعَةَ - فَأَقُولُ: يَا رَبِّ،
مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ،
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُحْبَسُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، فَيُهَمُّونَ لِذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى
رَبِّنَا فَيُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ:
أَنْتَ أَبُونَا، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ،
وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ. قَالَ: فَيَقُولُ:
لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، أَكْلَهُ مِنَ
الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا. وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِيٍّ
بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. قَالَ: فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُ:
لَسْتُ هُنَاكُمْ.
وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ ; سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ كَذَبَهُنَّ ; قَوْلَهُ: إِنِّي سَقِيمٌ. وَقَوْلَهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا. وَأَتَى عَلَى جَبَّارٍ مُتْرَفٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: أَخْبِرِيهِ أَنِّي أَخُوكِ ; فَإِنِّي مُخْبِرُهُ أَنَّكِ أُخْتِي. وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى ; عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا، وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ. قَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ ; قَتَلَهُ الرَّجُلَ. وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ. قَالَ: فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا، عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ". قَالَ: " فَيَأْتُونِي، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحِدُّ لِي حَدًّا، فَأُخْرِجُهُمْ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ - وَسَمِعَتُهُ يَقُولُ: فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ - قَالَ: " ثُمَّ أَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، الثَّانِيَةَ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا
رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ
سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ
رَأْسَكَ مُحَمَّدُ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ ".
قَالَ: " فَأَرْفَعُ رَأْسِي، وَأَحْمَدُ رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ
يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحِدُّ لِي حَدًّا، فَأُخْرِجُهُمْ،
فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ " - قَالَ هَمَّامٌ: وَسَمِعَتُهُ يَقُولُ: "
فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ " - قَالَ: "
ثُمَّ أَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، الثَّالِثَةَ، فَإِذَا
رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي،
ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ
تُعْطَ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحُمَيْدٍ
يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحِدُّ لِي حَدًّا، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ
النَّارِ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ " - قَالَ هَمَّامٌ: وَسَمِعَتُهُ
يَقُولُ: " فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ "
- " فَمَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، أَيْ وَجَبَ
عَلَيْهِ الْخُلُودُ ". ثُمَّ تَلَا قَتَادَةُ: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [ الْإِسْرَاءِ: 79 ]. قَالَ: هُوَ الْمَقَامُ
الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مُعَلَّقًا، فَقَالَ:
وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، عَنْ هَمَّامٍ. فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ.
طُرُقٌ أُخَرُ مُتَعَدِّدَةٌ عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ
التَّوْحِيدِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ.
قَالَ: اجْتَمَعْنَا
نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ
الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ، فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّي الضُّحَى -،
فَاسْتَأْذَنَّا، فَأَذِنَ لَنَا، وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا
لِثَابِتٍ: لَا تَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ.
فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَؤُلَاءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ،
جَاءُوا يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ.
فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا
كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ
آدَمَ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا،
وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ ; فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ. فَيَأْتُونَ
إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى، فَإِنَّهُ
كَلِيمُ اللَّهِ. فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ
عَلَيْكُمْ بِعِيسَى ; فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى،
فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا. فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي،
فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا، لَا تَحْضُرُنِي
الْآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ:
يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ،
وَسَلْ تُعْطَهْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيُقَالُ: انْطَلِقَ
فَأَخْرَجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ.
فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ،
ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ
يُسْمَعْ لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ،
أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيُقَالُ:
انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ
مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ
إِيمَانٍ. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ
الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ
رَأْسَكَ، وَسُلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مَنْ
كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ
إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ".
قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ، قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِي: لَوْ
مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ،
فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. فَأَتَيْنَاهُ
فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ،
جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا
حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: هِيهِ. فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ،
فَانْتَهَيْنَا إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: هِيهِ. فَقُلْنَا: لَمْ يَزِدْ
لَنَا عَلَى هَذَا. فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ
سَنَةً، فَمَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا ؟ فَقُلْنَا: يَا
أَبَا سَعِيدٍ، فَحَدِّثْنَا. فَضَحِكَ وَقَالَ: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا،
مَا ذَكَرْتُهُ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ، حَدَّثَنِي كَمَا
حَدَّثَكُمْ، قَالَ: ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ
الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ
رَأْسَكَ،
وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ،
وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ
قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي
وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي، لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ وَسَعِيدِ
بْنِ مَنْصُورٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ: فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ لَمْ
يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي
". وَفِيهِ: " فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ
". ثُمَّ يَعُودُ، فَيُقَالُ: " مِثْقَالُ بُرَّةٍ ". ثُمَّ
يَعُودُ، فَيُقَالُ: " مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ". وَلَمْ يَذْكُرِ
الرَّابِعَةَ.
وَكَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ
مَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَجْلَانَ، عَنْ جُوثَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ الشَّفَاعَةُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَمْ
يَرْوِ عَنْ جُوثَةَ بْنِ عُبَيْدٍ إِلَّا ابْنُ عَجْلَانَ.
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو
يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ،
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ، وَقَالَ فِي
آخِرِهِنَّ: " فَأَقُولُ: أُمَّتِي. " فَيُقَالُ لِي: لَكَ مَنْ قَالَ:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. مُخْلِصًا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ الْعَمِّيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
لَا أَزَالُ أَشْفَعُ، وَأُشَفَّعُ - أَوْ قَالَ: وَيُشَفِّعُنِي رَبِّي، عَزَّ
وَجَلَّ - حَتَّى أَقُولَ: أَيْ رَبِّ، شَفِّعْنِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، هَذِهِ لَيْسَتْ لَكَ وَلَا لِأَحَدٍ،
هَذِهِ لِي، وَعِزَّتِي وَرَحْمَتِي لَا أَدَعُ فِي النَّارِ أَحَدًا يَقُولُ: لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا
بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ أَبِي حَفْصٍ
الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ، بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو الْخَطَّابِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ
أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنِّي لَقَائِمٌ أَنْتَظِرُ أُمَّتِي تَعْبُرُ الصِّرَاطَ، إِذْ
جَاءَنِي عِيسَى فَقَالَ: هَذِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَدْ جَاءَتْكَ يَا مُحَمَّدُ
يَسْأَلُونَ - أَوْ قَالَ: يَجْتَمِعُونَ إِلَيْكَ - وَيَدْعُونَ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ أَنْ
يُفَرِّقَ بَيْنَ جَمِيعِ الْأُمَمِ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ ; لِغَمِّ مَا
هُمْ فِيهِ، فَالْخَلْقُ مُلْجَمُونَ فِي الْعَرَقِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ
عَلَيْهِ كَالزُّكْمَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَغْشَاهُ الْمَوْتُ ".
قَالَ: " يَا عِيسَى، انْتَظِرْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ ". قَالَ:
فَذَهَبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ تَحْتَ
الْعَرْشِ، فَلَقِيَ مَا لَمْ يَلْقَ مَلَكٌ مُصْطَفًى، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ،
فَأَوْحَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى جِبْرِيلَ: اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ،
فَقُلْ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. قَالَ: "
فَشَفَعْتُ فِي أُمَّتِي ; أَنْ أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ
إِنْسَانًا وَاحِدًا ". قَالَ: " فَمَا زِلْتُ أَتَرَدَّدُ عَلَى
رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا أَقْوَمُ مَقَامًا إِلَّا شَفَعْتُ حَتَّى
أَعْطَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ
مِنْ أُمَّتِكَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
يَوْمًا وَاحِدًا مُخْلِصًا، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ ". تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ، وَقَدْ حَكَمَ التِّرْمِذِيُّ بِالْحُسْنِ لِهَذَا الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقُلُوسِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَنْبَأَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ،
حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَضَرَ مِنْ أَمْرِ
الْعِبَادِ مَا حَضَرَ، فَقَالَ: ادْنُ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْ لِأُمَّتِكَ الشَّفَاعَةَ.
قَالَ: " فَدَنَوْتُ مِنَ الْعَرْشِ، فَقُمْتُ عِنْدَ الْعَرْشِ، فَلَقِيتُ
مَا لَمْ يَلْقَ
نَبِيٌّ وَلَا مَلَكٌ
مُقَرَّبٌ، فَقَالَ: سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ". قَالَ: "
أُمَّتِي ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، كَنَحْوِ مَا سَاقَهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ.
رِوَايَةُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ:
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا
الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ
حَصِيرَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْنَا النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُشَفَّعَ
عَدَدَ كُلِّ حَجَرٍ وَمَدَرٍ لِأُمَّتِي ".
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْمَرُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَذْكُرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً قَدْ دَعَا بِهَا، وَإِنِّي اسْتَخْبَأْتُ دَعْوَتِي
شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَبُو نَصْرٍ الْغَازِيُّ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ،
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ،
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".
فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جَابِرُ ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُ مَنْ
زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَذَاكَ الَّذِي
يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّمَا شَفَاعَةُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَوْبَقَ نَفْسَهُ،
وَأَغْلَقَ ظَهْرَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُزَكِّي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ كَعْبٍ الْحَلَبِيِّ، عَنِ
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ
خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ الْأَنْبِيَاءِ: 28 ]. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ
أُمَّتِي ". قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَظَاهِرُهُ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الشَّفَاعَةُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ
مُخْتَصَّةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَالْمَلَائِكَةُ إِنَّمَا يُشَفِّعُونَ فِي أَهْلِ الصَّغَائِرِ، وَزِيَادَةِ
الدَّرَجَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ بَيَانَ كَوْنِ
الْمَشْفُوعِ فِيهِ مُرْتَضًى بِإِيمَانِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ كَبَائِرُ
وَذُنُوبٌ دُونَ الشِّرْكِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ نَفْيَ الشَّفَاعَةِ
لِلْكُفَّارِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ فِيهَا، وَلَمْ يَرْضَ
اعْتِقَادَهُمْ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي
أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لِكُلِّ
نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ، وَخَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً
لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي
خَلَفٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ،
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مُيِّزَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ، فَدَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ
النَّارِ النَّارَ، قَامَتِ الرُّسُلُ فَشَفَعُوا، فَيَقُولُ: انْطَلِقُوا - أَوِ
اذْهَبُوا - فَمَنْ عَرَفْتُمْ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ
امْتَحَشُوا، فَيُلْقُونَهُمْ فِي نَهَرٍ - أَوْ عَلَى نَهَرٍ - يُقَالُ لَهُ:
الْحَيَاةُ ". قَالَ: " فَيَسْقُطُ مُحَاشُهُمْ عَلَى حَافَتَيِ
النَّهَرِ، وَيَخْرُجُونَ بِيضًا كَالثَّعَارِيرِ، ثُمَّ يَشْفَعُونَ فَيَقُولُ:
اذْهَبُوا - أَوِ انْطَلِقُوا - فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ
قِيرَاطٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجُوهُ ". قَالَ: " فَيُخْرِجُونَ
بَشَرًا، وَيَشْفَعُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا - أَوِ انْطَلِقُوا - فَمَنْ
وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ
فَأَخْرِجُوهُ ". قَالَ: " فَيُخْرِجُونَ بَشَرًا.
ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ،
عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا الْآنَ أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَرَحْمَتِي. فَيُخْرِجُ
أَضْعَافَ مَا أَخْرَجُوا وَأَضْعَافَهُ، فَيُكْتَبُ فِي رِقَابِهِمْ: عُتَقَاءُ
اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيُسَمَّوْنَ فِيهَا
الْجَهَنَّمِيِّينَ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ، حَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ قَالَ: قَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ: كُنْتُ مِنْ أَشَدِّ
النَّاسِ تَكْذِيبًا بِالشَّفَاعَةِ حَتَّى لَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ،
فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ كُلَّ آيَةٍ أَقْدِرُ عَلَيْهَا فِيهَا ذِكْرُ خُلُودِ أَهْلِ
النَّارِ، فَقَالَ لِي: يَا طَلْقُ، أَتُرَاكَ أَقْرَأُ لِكِتَابِ اللَّهِ
وَأَعْلَمُ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ مِنِّي ؟! قُلْتُ: لَا. قَالَ: إِنَّ الَّذِي
قَرَأْتَهُ هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَصَابُوا ذُنُوبًا
عُذِّبُوا بِهَا، ثُمَّ أُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ. ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدَيْهِ
إِلَى أُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: صَمَّتَا، إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ، وَنَحْنُ نَقْرَأُ الَّذِي
تَقْرَأُ.
حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ دَاوُدَ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ، عَنْ عُبَادَةَ
بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:فَقَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْلَةً أَصْحَابُهُ، وَكَانُوا إِذَا نَزَلُوا أَنْزَلُوهُ وَسْطَهُمْ،
فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ
اخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا
غَيْرَهُمْ، فَإِذَا هُمْ بِخَيَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَكَبَّرُوا حِينَ رَأَوْهُ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشْفَقْنَا أَنْ
يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى اخْتَارَ لَكَ أَصْحَابًا غَيْرَنَا. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا، بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَيْقَظَنِي، فَقَالَ: يَا
مُحَمَّدُ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيًّا وَلَا رَسُولًا إِلَّا وَقَدْ سَأَلَنِي
مَسْأَلَةً أَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ، فَسَلْ يَا مُحَمَّدُ تُعْطَهْ. فَقُلْتُ:
مَسْأَلَتِي شَفَاعَةٌ لِأُمَّتِي ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَمَا الشَّفَاعَةُ ؟ قَالَ: " أَقُولُ: يَا رَبِّ شَفَاعَتِي
الَّتِي اخْتَبَأْتُ عِنْدَكَ. فَيَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: نَعَمْ.
فَيُخْرِجُ رَبِّي بَقِيَّةَ أُمَّتِي، فَيَنْبِذُهُمْ فِي الْجَنَّةِ ". تَفَرَّدَ
بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ
عَبَّاسٍ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ دَعْوَةٌ
قَدْ تَنَجَّزَهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي قَدِ اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً
لِأُمَّتِي، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ،
وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ
الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ،
وَيَطُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا
بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ، فَيَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَلْيَقْضِ
بَيْنَنَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ
اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ،
وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَدْ أُخْرِجْتُ مِنَ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِي، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا رَأْسَ النَّبِيِّينَ. فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي دَعَوْتُ بِدَعْوَةٍ أَغْرَقَتْ أَهْلَ الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ فِي الْإِسْلَامِ - وَاللَّهِ إِنْ حَاوَلَ بِهِنَّ إِلَّا عَنْ دِينِ اللَّهِ ; قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ [ الصَّافَّاتِ: 89 ]. وَقَوْلُهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 163 ]. وَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ حِينَ أَتَى عَلَى الْمَلِكِ: أُخْتِي - وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي اتُّخِذْتُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنْ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ مَتَاعٌ فِي وِعَاءٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ أَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ ؟ " قَالَ: " فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَقَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَأْتُونِي، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا. حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ ؟ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ،
آخِرُ الْأُمَمِ، أَوَّلُ
مَنْ يُحَاسَبُ، فَتُفْرِجُ لَنَا الْأُمَمُ طَرِيقًا، فَنَمْضِي غُرًّا
مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُورِ، فَتَقُولُ الْأُمَمُ: كَادَتْ هَذِهِ
الْأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا، فَآتِي بَابَ الْجَنَّةِ، فَآخُذُ
بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَأَقْرَعُ الْبَابَ، فَيُقَالُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَقُولُ:
أَنَا مُحَمَّدٌ. فَيُفْتَحُ لِي فَآتِي رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ عَلَى
كُرْسِيِّهِ - أَوْ سَرِيرِهِ شَكَّ حَمَّادٌ - فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَأَحْمَدُهُ
بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَيْسَ يَحْمَدُهُ
بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ
تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ". قَالَ: "
فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيَقُولُ:
أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا - لَمْ يَحْفَظْ
حَمَّادٌ - ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْجُدُ، فَأَقُولُ مَا قُلْتُ، فَيُقَالُ: ارْفَعْ
رَأْسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ:
أَيْ رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ
مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا. دُونَ الْأَوَّلِ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْجُدُ، وَأَقُولُ
مِثْلَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِيَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ
تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي.
فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا. دُونَ
ذَلِكَ ".
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بَعْضَهُ، مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ. وَتَقَدَّمَ
فِي الصِّنْفِ الثَّانِي
وَالثَّالِثِ مِنْ أَصْنَافِ الشَّفَاعَةِ فِي أَقْوَامٍ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى
النَّارِ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا.
طَرِيقٌ أُخْرَى: وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ
"، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ
الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الرَّقِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ
خَيْثَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ قُرَادٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، أَوْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ،
فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا
لِلْمُنَقَّيْنَ ؟ لَا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّاءُونَ ".
قَالَ زِيَادٌ: أَمَا إِنَّهَا لَحْنٌ، لَكِنْ
هَكَذَا حَدَّثَنَا
الَّذِي حَدَّثَنَا.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ، عَنْ عَبْدِ
السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ نُعْمَانَ بْنِ قُرَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ "
الْأَهْوَالِ "، وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْبَعْثِ
وَالنُّشُورِ "، مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ بَكْرَ
بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيمَ رَبِّ
إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي
وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ إِبْرَاهِيمَ: 36 ]. وَقَوْلَ
عِيسَى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ
فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ الْمَائِدَةِ: 118 ]. فَرَفَعَ
يَدَيْهِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ". وَبَكَى، فَقَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ
أَعْلَمُ، فَسَلْهُ: مَا يُبْكِيكَ " ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَسَأَلَهُ،
فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ،
وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى
مَحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ ".
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:
قَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ عَلْقَمَةَ عَنْهُ فِي الْحَوْضِ وَالْمَقَامِ
الْمَحْمُودِ، وَفِيهِ ذِكْرُ الشَّفَاعَةِ.
رِوَايَةُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ
يَزِيدُ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ قَالَ:انْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدٍ، فَأَتَيْنَاهُ فَأَنَخْنَا بِالْبَابِ،
وَمَا فِي النَّاسِ أَبْغَضُ إِلَيْنَا مِنْ رَجُلٍ نَلِجُ عَلَيْهِ مِنْهُ،
فَلَمَّا خَرَجْنَا خَرَجْنَا وَمَا فِي النَّاسِ رَجُلٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ
رَجُلٍ دَخَلْنَا عَلَيْهِ مِنْهُ. قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَلَا سَأَلْتَ رَبَّكَ مُلْكًا كَمُلْكِ سُلَيْمَانَ ؟ فَضْحِكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: " فَلَعَلَّ
لِصَاحِبِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ، إِنَّ اللَّهَ
لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا أَعْطَاهُ دَعْوَةً، فَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَهَا
دُنْيَا فَأُعْطِيَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ دَعَا بِهَا عَلَى قَوْمِهِ إِذْ عَصَوْهُ،
فَأُهْلِكُوا بِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي دَعْوَةً فَاخْتَبَأْتُهَا عِنْدَ
رَبِّي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". قُلْتُ: إِسْنَادُهُ
غَرِيبٌ قَوِيٌّ، وَحَدِيثٌ غَرِيبٌ.
رِوَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَنْبَسةَ
الْقُرَشِيُّ، عَنْ عِلَاقِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ،
عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ ;
الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْعُلَمَاءُ ثُمَّ الشُّهَدَاءُ ".
وَقَالَ الْبَزَّارُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ عِلَاقِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ: وَرَأَيْتُهُ فِي مَوْضِعٍ
آخَرَ عِنْدِي، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عِلَاقٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ
عُثْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ
يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الشُّهَدَاءُ، ثُمَّ
الْمُؤْمِنُونَ ". قَالَ الْبَزَّارُ: عَنْبَسَةُ هَذَا لَيِّنُ الْحَدِيثِ،
وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عِلَاقٍ لَا نَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غَيْرَ عَنْبَسَةَ.
رِوَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَبْدَا
الْمَذَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ
الْبَزَّارُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: أَرَأَيْتَ
هَذِهِ الشَّفَاعَةَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ بِهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ، أَحَقٌّ هِيَ ؟
قَالَ: شَفَاعَةُ مَاذَا ؟ قُلْتُ: شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ: حَقٌّ إِي وَاللَّهِ، وَاللَّهِ لَحَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَشْفَعُ لِأُمَّتِي حَتَّى يُنَادِيَنِي
رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ ؟ فَأَقُولُ: رَبِّ
رَضِيتُ ". ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا بِهَذَا
الْإِسْنَادِ.
رِوَايَةُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ
بْنُ خِدَاشٍ
وَخَلَفُ بْنُ هُشَامٍ،
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ
عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ
وَجَلَّ، فَخَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ وَبَيْنَ
الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
نَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالصُّحْبَةَ لَمَا جَعَلْتَنَا مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِكَ.
قَالَ: " فَإِنِّي أُشْهِدُ مَنْ حَضَرَ أَنَّ شَفَاعَتِي لِمَنْ مَاتَ لَا
يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ أُمَّتِي ".
وَقَدْ رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ
الْوُحَاظِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ غَانِمٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ
مَعْدِيكَرِبَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
بِأَنَّ رَبِّي خَيَّرَنِي بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ ؟ أَنْ يُدْخِلَ نِصْفَ أُمَّتِي
الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ بَحْرِ
بْنِ نَصْرٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ
عَامِرٍ، سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قِصَّةٌ.
وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، رَدَّ
الْحَدِيثَ إِلَى عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ.
رِوَايَةُ كَعْبِ بْنِ
عُجْرَةَ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ
أَبِي عَمَّارٍ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا
عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ
أُمَيٍّ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الشَّفَاعَةُ الشَّفَاعَةُ. فَقَالَ: "
شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".
رِوَايَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ، حَدَّثَنِي
النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْمَازِنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ، حَدَّثَنَا
أَبُو هُنَيْدَةَ الْبَرَاءُ بْنُ نَوْفَلٍ، عَنْ وَالَانَ الْعَدَوِيِّ، عَنْ
حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ:أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ
فَصَلَّى الْغَدَاةَ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الضُّحَى ضَحِكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ مَكَانَهُ حَتَّى
صَلَّى الْأُولَى وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ،
حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ
النَّاسُ لِأَبِي بَكْرٍ: أَلَا تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا شَأْنُهُ ؟ صَنَعَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ يَصْنَعْهُ قَطُّ.
فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " نَعَمْ، عُرِضَ عَلَيَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِ
الدُّنْيَا وَأَمْرِ الْآخِرَةِ، يُجْمَعُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِصَعِيدٍ
وَاحِدٍ، فَفَظِعَ النَّاسُ بِذَلِكَ، حَتَّى انْطَلَقُوا إِلَى آدَمَ وَالْعَرَقُ
يَكَادُ يُلْجِمُهُمْ، فَقَالُوا: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، أَنْتَ
اصْطَفَاكَ اللَّهُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِثْلَ
الَّذِي لَقِيتُمُ، انْطَلِقُوا إِلَى أَبِيكُمْ بَعْدَ أَبِيكُمْ، إِلَى نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا. قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَأَنْتَ اصْطَفَاكَ اللَّهُ، وَاسْتَجَابَ لَكَ فِي دُعَائِكَ، وَلَمْ يَدَعْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا. فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، انْطَلِقُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ ; فَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا. فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى مُوسَى ؟ فَإِنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. فَيَقُولُ مُوسَى: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟ فَإِنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُحْيِي الْمَوْتَى. فَيَقُولُ عِيسَى: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، انْطَلِقُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفَعَ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ. قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ، فَيَأْتِي جِبْرِيلُ رَبَّهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِ جِبْرِيلُ، فَيَخِرُّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. قَالَ: فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، خَرَّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ أُخْرَى، فَيَقُولُ اللَّهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. قَالَ: فَيَذْهَبُ لِيَقَعَ سَاجِدًا، فَيَأْخُذُ جِبْرِيلُ بِضَبْعَيْهِ، وَيُفْتَحُ عَلَيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُفْتَحْهُ عَلَى بَشَرٍ قَطُّ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، خَلَقْتَنِي سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ. ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا
الْأَنْبِيَاءَ. قَالَ فَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ، وَالنَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ. فَيَشْفَعُونَ. ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الشُّهَدَاءَ، فَيَشْفَعُونَ لِمَنْ أَرَادُوا. قَالَ: فَإِذَا فَعَلَتِ الشُّهَدَاءُ ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا. قَالَ: فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا فِي النَّارِ هَلْ تَلْقَوْنَ مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ ؟ قَالَ: فَيَجِدُونَ فِي النَّارِ رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ فَيَقُولُ: لَا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَسْمِحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلَى عَبِيدِي. ثُمَّ يُخْرِجُونَ مِنَ النَّارِ رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ فَيَقُولُ: لَا، غَيْرَ أَنِّي قَدْ أَمَرْتُ وَلَدِي إِذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ، ثُمَّ اطْحَنُونِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ مِثْلَ الْكُحْلِ، فَاذْهَبُوا بِي إِلَى الْبَحْرِ فَاذْرُونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا. فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ ؟ قَالَ: مِنْ مَخَافَتِكَ. قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرْ إِلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ. قَالَ: فَيَقُولُ: لِمَ تَسْخَرُ بِي، وَأَنْتَ الْمَلِكُ ؟ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَذَاكَ الَّذِي ضَحِكْتُ مِنْهُ مِنَ الضُّحَى ". وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي آخِرِ مُسْنَدِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدٍ
الْعُتْوَارِيِّ، قَالَ أَحْمَدُ: وَهُوَ أَبُو الْهَيْثَمِ - أَحَدُ بَنِي لَيْثٍ
- وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ
السَّعْدَانِ، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَجْرُوحٌ بِهِ،
ثُمَّ نَاجٍ وَمُحْتَبَسٌ بِهِ فَمَنْكُوسٌ فِيهَا، فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ
الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ يَفْقِدُ الْمُؤْمِنُونَ رِجَالًا كَانُوا مَعَهُمْ
فِي الدُّنْيَا، يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِمْ، وَيُزَكُّونَ بِزَكَاتِهِمْ،
وَيَصُومُونَ صِيَامَهُمْ، وَيَحُجُّونَ حَجَّهُمْ، وَيَغْزُونَ غَزْوَهُمْ،
فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا، عِبَادٌ مِنْ عِبَادِكَ كَانُوا مَعَنَا فِي
الدُّنْيَا، يُصَلُّونَ صَلَاتَنَا، وَيُزَكُّونَ زَكَاتَنَا، وَيَصُومُونَ
صِيَامَنَا، وَيَحُجُّونَ حَجَّنَا، وَيَغْزُونَ غَزْوَنَا، لَا نَرَاهُمْ ؟!
فَيَقُولُ: اذْهَبُوا إِلَى النَّارِ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْهُمْ
فَأَخْرِجُوهُ. قَالَ: فَيَجِدُونَهُمْ وَقَدْ أَخَذَتْهُمُ النَّارُ عَلَى قَدْرِ
أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
أَخَذَتْهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى رُكْبَتِهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى آزِرَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى ثَدْيَيْهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى عُنُقِهِ، وَلَمْ تَغْشَ الْوُجُوهَ،
فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ
مِنْهَا، فَيَطْرَحُونَهُمْ فِي مَاءِ الْحَيَاةِ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْحَيَاة