الأحد، 1 أغسطس 2021

15 البداية والنهاية تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).

 15  البداية والنهاية
تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).

كُلَّ جُمُعَةٍ، حَتَّى أَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتُ لَكَ شَيْئًا، إِذَا قَعَدْتَ عَلَيْهِ كُنْتَ كَأَنَّكَ قَائِمٌ. قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: فَجَعَلَ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا جَلَسَ عَلَيْهِ حَنَّتِ الْخَشَبَةُ حَنِينَ النَّاقَةِ عَلَى وَلَدِهَا، حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَأَيْتُهَا قَدْ حُوِّلَتْ، فَقُلْنَا: مَا هَذَا ؟ قَالُوا: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ الْبَارِحَةَ فَحَوَّلُوهَا. وَهَذَا غَرِيبٌ أَيْضًا.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْجَوَارِبِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الْجِذْعُ الْآخِرَةَ، وَغَارَ حَتَّى ذَهَبَ فَلَمْ يُعْرَفْ. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ الْقَاضِي وَعَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ وَمُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشَبَةٌ يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا إِذَا خَطَبَ، فَصُنِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ أَوْ مِنْبَرٌ، فَلَمَّا فَقَدَتْهُ خَارَتْ

كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ، حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَنَتْ. هَذَا لَفْظُ شَرِيكٍ وَفِي رِوَايَةِ مُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ، أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ دَرِمٍ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ، وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَوَائِمُ مِنْبَرِي رَوَاتِبُ فِي الْجَنَّةِ " وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَهَذِهِ الطُّرُقُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ، وَكَذَا مَنْ تَأَمَّلَهَا، وَأَمْعَنَ فِيهَا النَّظَرَ وَالتَّأَمُّلَ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِأَحْوَالِ الرِّجَالِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ قَالَ: قَالَ أَبِي - يَعْنِي أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ - قَالَ عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مَا أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: أَعْطَى عِيسَى إِحْيَاءَ الْمَوْتَى. فَقَالَ: أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى هُيِّئَ لَهُ الْمِنْبَرُ، فَلَمَّا هُيِّئَ لَهُ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ. فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ.

بَابُ تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي كَفِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا الْكُدَيْمِيُّ، ثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: سُوِيدُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ:لَا أَذْكُرُ عُثْمَانَ إِلَّا بِخَيْرٍ بَعْدَ شَيْءٍ رَأَيْتُهُ؛ كُنْتُ رَجُلًا أَتَتَبَّعُ خَلَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَوْمًا جَالِسًا وَحْدَهُ، فَاغْتَنَمْتُ خَلْوَتَهُ فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَسَلَّمَ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ عُمَرَ، وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعُ حَصَيَاتٍ. أَوْ قَالَ: تِسْعُ حَصَيَاتٍ. فَأَخَذَهُنَّ فِي كَفِّهِ فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ، فَخَرِسْنَ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ قُرَيْشِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، وَصَالِحٌ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا، وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، قَالَ: ذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَبِيرَ السِّنِّ كَانَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ هَكَذَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ فِي " الْزُّهْرِيَّاتِ " الَّتِي جَمَعَ فِيهَا أَحَادِيثَ الْزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، ثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ قَالَ: ذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَبِيرَ السِّنِّ كَانَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، ذَكَرَ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ قَاعِدٌ يَوْمًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَأَبُو ذَرٍّ فِي الْمَجْلِسِ إِذْ ذُكِرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَقُولُ السُّلَمِيُّ: فَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ مَعْتَبَةً؛ لِإِنْزَالِهِ إِيَّاهُ بِالرَّبَذَةِ. فَلَمَّا ذُكِرَ لَهُ عُثْمَانُ عَرَّضَ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ مَعْتَبَةً، فَلَمَّا ذَكَرَهُ قَالَ: لَا تَقُلْ فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا، فَإِنِّي أَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُ مَنْظَرًا، وَشَهِدْتُ مِنْهُ مَشْهَدًا لَا أَنْسَاهُ حَتَّى أَمُوتَ؛ كُنْتُ رَجُلًا أَلْتَمِسُ خَلَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِأَسْمَعَ مِنْهُ أَوْ لِآخُذَ عَنْهُ، فَهَجَّرْتُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ الْخَادِمَ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ فِي بَيْتٍ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَأَنِّي حِينَئِذٍ أَرَى أَنَّهُ فِي وَحْيٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ " فَقُلْتُ: جَاءَ بِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَأَمَرَنِي

أَنْ أَجْلِسَ، فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، لَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ وَلَا يَذْكُرُهُ لِي، فَمَكَثْتُ غَيْرَ كَثِيرٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَمْشِي مُسْرِعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ ؟ " قَالَ: جَاءَ بِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنِ اجْلِسْ، فَجَلَسَ إِلَى رَبْوَةٍ مُقَابِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا الطَّرِيقُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى أَبُو بَكْرٍ جَالِسًا، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي عَنْ يَمِينِي، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى تِلْكَ الرَّبْوَةِ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَسَلَّمَ فَرَدَّ السَّلَامَ، وَقَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ ؟ " قَالَ: جَاءَ بِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَقَعَدَ إِلَى الرَّبْوَةِ، ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ فَقَعَدَ إِلَى جَنْبِ عُمَرَ، فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْقَهْ أَوَّلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " قَلِيلٌ مَا يَبْقَيْنَ ". ثُمَّ قَبَضَ عَلَى حَصَيَاتٍ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سُمِعَ لَهُنَّ حَنِينٌ كَحَنِينِ النَّحْلِ، فِي كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ أَبَا بَكْرٍ وَجَاوَزَنِي فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّ أَبِي بَكْرٍ كَمَا سَبَّحْنَ فِي كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ مِنْهُ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَخَرِسْنَ فَصِرْنَ حَصًا، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ كَمَا سَبَّحْنَ فِي كَفِّ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ نَحْوَ مَا سَبَّحْنَ فِي كَفِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَخَرِسْنَ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: سُوِيدُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ. وَقَوْلُ شُعَيْبٍ أَصَحُّ.

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ": وَقَدْ رَوَى دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ: وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمِّي مَالِكُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: " يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَا تَرِمْ مَنْزِلَكَ غَدًا أَنْتَ وَبَنُوكَ حَتَّى آتِيَكُمْ؛ فَإِنَّ لِي فِيكُمْ حَاجَةً ". فَانْتَظَرُوهُ حَتَّى جَاءَ بَعْدَ مَا أَضْحَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ". قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. قَالَ: " كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ ؟ " قَالُوا: أَصْبَحْنَا بِخَيْرٍ نَحْمَدُ اللَّهَ، فَكَيْفَ أَصْبَحْتَ بِأَبِينَا وَأُمِّنَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " أَصْبَحْتُ بِخَيْرٍ أَحْمَدُ اللَّهَ ". فَقَالَ لَهُمْ: " تَقَارَبُوا، تَقَارَبُوا يَزْحَفُ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ". حَتَّى إِذَا أَمْكَنُوهُ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ بِمُلَاءَتِهِ، وَقَالَ: " يَا رَبِّ، هَذَا عَمِي وَصِنْوُ أَبِي، وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي

فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِي إِيَّاهُمْ بِمُلَاءَتِي هَذِهِ ". قَالَ: فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ فَقَالَتْ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مُخْتَصَرًا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاتِمٍ الْهَرَوِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْوَقَّاصِيِّ الْزُّهْرِيِّ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا أَعْرِفُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يَرْوِي أَحَادِيثَ مُشَبَّهَةً.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلِيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكٍ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُوفِيُّ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ:كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَخَرَجْنَا فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا، فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ إِلَّا

قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، وَقَالُوا: عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ. مِنْهُمْ فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ.
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ الْخَيْوَانِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ عَلَى حَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ.
وَقَدَّمْنَا فِي الْمَبْعَثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا رَجَعَ وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ، جَعَلَ لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ وَلَا مَدَرٍ وَلَا شَيْءٍ إِلَّا قَالَ لَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَذَكَرْنَا فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ وَوَقْعَةِ حُنَيْنٍ رَمْيَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ مِنَ التُّرَابِ، وَأَمَرَهُ أَصْحَابُهُ أَنْ يُتْبِعُوهَا بِالْحَمْلَةِ الصَّادِقَةِ، فَيَكُونُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ وَالتَّأْيِيدُ عَقِبَ ذَلِكَ سَرِيعًا، أَمَّا فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سِيَاقِهَا فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى الْآيَةَ [ الْأَنْفَالِ: 17 ]. وَأَمَّا فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ بِأَسَانِيدِهِ وَأَلْفَاظِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَذَكَرْنَا فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَوَجَدَ الْأَصْنَامَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: " جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا، قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ

وَمَا يُعِيدُ " وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ جَعَلَ لَا يُشِيرُ إِلَى صَنَمٍ مِنْهَا إِلَّا خَرَّ لِقَفَاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَّا سَقَطَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى اللَّخْمِيُّ، قَالَا: ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، أَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةٌ فَهَتَكَهُ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ " قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتُرْسٍ فِيهِ تِمْثَالُ عُقَابٍ، فَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَهُ، فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ.

بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانَاتِ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ قِصَّةُ الْبَعِيرِ النَّادِّ وَسُجُودِهِ لَهُ وَشَكْوَاهُ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَفْصٍ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ عَمِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ اسْتَصْعَبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ، وَأَنَّ الْأَنْصَارَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نَسْنِي عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ اسْتَصْعَبَ عَلَيْنَا، وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ، وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " قُومُوا " فَقَامُوا، فَدَخَلَ الْحَائِطَ وَالْجَمَلُ فِي نَاحِيَتِهِ، فَمَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ الْكَلْبِ، وَإِنَّا نَخَافُ

عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ فَلَمَّا نَظَّرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلُ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ، حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ بَهِيمَةٌ لَا تَعْقِلُ تَسْجُدُ لَكَ! فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ. فَقَالَ لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبِشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا; مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قَرْحَةٌ تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحِسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ، جَيِّدٌ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بَعْضَهُ مِنْ حَدِيثِ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ بِهِ
رِوَايَةُ جَابِرُ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَامٍ، ثَنَا الْأَجْلَحُ عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، حَتَّى إِذَا دَفَعْنَا إِلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ بَنِي النَّجَّارِ، إِذَا فِيهِ جَمَلٌ لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَ أَحَدٌ إِلَّا شَدَّ عَلَيْهِ. قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ، فَدَعَا الْبَعِيرَ، فَجَاءَ وَاضِعًا مِشْفَرَهُ إِلَى الْأَرْضِ، حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَاتُوا خِطَامًا، فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ

إِلَى صَاحِبِهِ. قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَسَيَأْتِي عَنْ جَابِرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِسِيَاقٍ آخَرَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.
رِوَايَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو خَالِدٍ الْخَبَّازُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:جَاءَ قَوْمٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا بَعِيرًا قَدْ نَدَّ فِي حَائِطٍ. فَجَاءَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " تَعَالَ " فَجَاءَ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ حَتَّى خَطَمَهُ وَأَعْطَاهُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّكَ نَبِيٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَحَدٌ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي نَبِيُّ اللَّهِ، إِلَّا كَفَرَةُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَهَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَرِيبٌ جِدًّا وَالْأَشْبَهُ رِوَايَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجْلَحُ قَدْ رَوَاهُ عَنِ الذَّيَّالِ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، ثَنَا أَبُو عَوْنٍ الزِّيَادِيُّ، ثَنَا أَبُو عَزَّةَ الدَّبَّاغُ، عَنْ أَبِي يَزِيدٍ الْمَدِينِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَهُ فَحْلَانِ فَاغْتَلَمَا، فَأَدْخَلَهُمَا حَائِطًا، فَسَدَّ عَلَيْهِمَا الْبَابَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ، وَالنَّبِيُّ قَاعِدٌ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا

نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي جِئْتُ فِي حَاجَةٍ، فَإِنَّ فَحْلَيْنِ لِي اغْتَلَمَا، وَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا حَائِطًا، وَسَدَّدْتُ عَلَيْهِمَا الْبَابَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ لِي أَنْ يُسَخِّرَهُمَا اللَّهُ لِي. فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " قُومُوا مَعَنَا " فَذَهَبَ حَتَّى أَتَى الْبَابَ، فَقَالَ: " افْتَحْ ". فَأَشْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " افْتَحْ ". فَفَتَحَ الْبَابَ، فَإِذَا أَحَدُّ الْفَحْلَيْنِ قَرِيبٌ مِنَ الْبَابِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائْتِنِي بِشَيْءٍ أَشُدُّ رَأْسَهُ وَأُمَكِّنُكَ مِنْهُ ". فَجَاءَ بِخِطَامٍ، فَشَدَّ رَأَسَهُ وَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، ثُمَّ مَشَى إِلَى أَقْصَى الْحَائِطِ إِلَى الْفَحْلِ الْآخَرِ، فَلَمَّا رَآهُ وَقْعَ لَهُ سَاجِدًا، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: " ائْتِنِي بِشَيْءٍ أَشُدُّ رَأْسَهُ ". فَشَدَّ رَأْسَهُ وَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَقَالَ: " اذْهَبْ فَإِنَّهُمَا لَا يَعْصِيَانَكَ ". فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ قَالُوا: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَانَ فَحْلَانِ لَا يَعْقِلَانِ سَجَدَا لَكَ! أَفَلَا نَسْجُدُ لَكَ؟ " قَالَ: " لَا آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ وَمَتْنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَاهُ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ السِّجْزِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ الْبُجَيْرِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ آدَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ أَبِي عَوْنٍ الزِّيَادِيِّ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ فَائِدٍ أَبِي الْوَرْقَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
.

رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ:
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْفَقِيهُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ، أَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:انْطَلَقْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءٍ، فَأَشْرَفْنَا إِلَى حَائِطٍ، فَإِذَا نَحْنُ بِنَاضِحٍ، فَلَمَّا أَقْبَلَ النَّاضِحُ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ جِرَانَهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْبَهِيمَةِ ". فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ! أَدُوَنَ اللَّهِ؟! مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ دُونَ اللَّهِ، وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِشَيْءٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، ( ح ) وَثَنَا بَهْزٌ وَعَفَّانُ، قَالَا: ثَنَا مَهْدِيٌ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُخْبِرُ بِهِ أَحَدًا أَبَدًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ فِي حَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، فَدَخَلَ يَوْمًا حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ قَدْ أَتَاهُ فَجَرْجَرَ

وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ - وَقَالَ بَهْزٌ وَعَفَّانُ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ - فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَاتَهُ وَذِفْرَاهُ، فَسَكَنَ، فَقَالَ: " مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ؟ " فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: " أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَهَا اللَّهُ؟ إِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ بِهِ.
رِوَايَةُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، وَعَفَّانُ، قَالَا: ثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَجَاءَ بَعِيرٌ فَسَجَدَ لَهُ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَسْجُدُ لَكَ الْبَهَائِمُ وَالشَّجَرُ! فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ. فَقَالَ: " اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَأَكْرِمُوا أَخَاكُمْ، وَلَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَلَوْ أَمَرَهَا أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَصْفَرَ إِلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ، وَمِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إِلَى جَبَلٍ أَبْيَضَ كَانَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَفْعَلَهُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ، وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ بِهِ: " لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ". إِلَى آخِرِهِ
رِوَايَةُ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ فِي ذَلِكَ، أَوْ هِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى:
قَالَ الْإِمَامُ

أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي جَبِيرَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ سِيَابَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ، فَأَمَرَ وَدِيَّتَيْنِ، فَانْضَمَّتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ أَمَرَهُمَا فَرَجَعَتَا إِلَى مَنَابِتِهِمَا، وَجَاءَ بِعِيرٌ فَضَرَبَ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ جَرْجَرَ حَتَّى ابْتَلَّ مَا حَوْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ الْبَعِيرُ؟ إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ يُرِيدُ نَحْرَهُ ". فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَوَاهِبُهُ أَنْتَ لِي؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِيَ مَالٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. فَقَالَ: " اسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا ". فَقَالَ لَا جَرَمَ، لَا أُكْرِمُ مَالًا لِي كَرَامَتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَأَتَى عَلَى قَبْرٍ يُعَذَّبُ صَاحِبُهُ، فَقَالَ: " إِنَّهُ يُعَذَّبُ فِي غَيْرِ كَبِيرٍ ". فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ فَوُضِعَتْ عَلَى قَبْرِهِ، وَقَالَ: " عَسَى أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ مَا دَامَتْ رَطْبَةً "
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ:ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ رَأَيْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَهُ إِذْ مَرَرْنَا بِبَعِيرٍ يُسْنَى عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ جَرْجَرَ وَوَضَعَ جِرَانَهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ

صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ؟ " فَجَاءَ فَقَالَ: " بِعْنِيهِ ". فَقَالَ: لَا، بَلْ أَهَبُهُ لَكَ. فَقَالَ: " لَا، بَلْ بِعْنِيهِ ". قَالَ: لَا، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ، وَهُوَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ. قَالَ: " أَمَا إِذْ ذَكَرَتْ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ شَكَى كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ ". قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الْأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذُكِرَتْ لَهُ، فَقَالَ: " هِيَ شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهَا ". قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا فَمَرَرْنَا بِمَاءٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا بِهِ جِنَّةٌ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْخَرِهِ، فَقَالَ: " اخْرُجْ، إِنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ". قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سَفَرِنَا مَرَرْنَا بِذَلِكَ الْمَاءِ، فَأَتَتْهُ الْمَرْأَةُ بِجَزَرٍ وَلَبَنٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرُدَّ الْجَزَرَ، وَأَمْرَ أَصْحَابَهُ فَشَرِبُوا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَأَلَهَا عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ رَيْبًا بَعْدَكَ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ:
قَالَ الْإمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبَلِي، وَلَا يَرَاهَا أَحَدٌ بَعْدِي; لَقَدْ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَرَرْنَا بِامْرَأَةٍ جَالِسَةٍ مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَصَابَهُ بَلَاءٌ وَأَصَابَنَا مِنْهُ بَلَاءٌ، يُؤْخَذُ فِي الْيَوْمِ مَا أَدْرِي كَمْ مَرَّةً. قَالَ: " نَاوِلِينِيهِ ". فَرَفَعَتْهُ إِلَيْهِ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ، ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ ". ثُمَّ

نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَقَالَ " الْقَيْنَا فِي الرَّجْعَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَأَخْبِرِينَا مَا فَعَلَ ". قَالَ: فَذَهَبْنَا وَرَجَعْنَا، فَوَجَدْنَاهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مَعَهَا شِيَاهٌ ثَلَاثٌ، فَقَالَ: " مَا فَعَلَ صَبِيُّكِ؟ " فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا حَسِسْنَا مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى السَّاعَةِ، فَاجْتَزِرْ هَذِهِ الْغَنَمَ. قَالَ: " انْزِلْ فَخُذْ مِنْهَا وَاحِدَةً وَرُدَّ الْبَقِيَّةَ ". قَالَ: وَخَرَجْنَا ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الْجَبَّانَةِ حَتَّى إِذَا بَرَزْنَا قَالَ: " وَيْحَكَ، انْظُرْ هَلْ تَرَى مِنْ شَيْءٍ يُوَارِينِي؟ " قُلْتُ: مَا أَرَى شَيْئًا يُوَارِيكَ إِلَّا شَجَرَةً مَا أَرَاهَا تُوَارِيكَ. قَالَ: " فَمَا بِقُرْبِهَا؟ " قُلْتُ: شَجَرَةٌ مِثْلُهَا أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا. قَالَ: " فَاذْهَبْ إِلَيْهِمَا فَقُلْ لَهُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا بِإِذْنِ اللَّهِ ". قَالَ: فَاجْتَمَعَتَا فَبَرَزَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: " اذْهَبْ إِلَيْهِمَا فَقُلْ لَهُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا إِلَى مَكَانِهَا ". فَرَجَعَتْ. قَالَ: وَكُنْتُ مَعَهُ جَالِسًا ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ جَاءَ جَمَلٌ يَخُبُّ، حَتَّى ضَرْبَ بِجِرَانِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: " وَيْحَكَ انْظُرْ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ، إِنَّ لَهُ لَشَأْنًا ". قَالَ فَخَرَجْتُ أَلْتَمِسُ صَاحِبَهُ، فَوَجَدْتُهُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَدَعَوْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا شَأْنُ جَمَلِكَ هَذَا؟ " فَقَالَ: وَمَا شَأْنُهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ مَا شَأْنُهُ، عَمِلْنَا عَلَيْهِ، وَنَضَحْنَا عَلَيْهِ، حَتَّى عَجَزَ عَنِ السِّقَايَةِ، فَائْتَمَرْنَا الْبَارِحَةَ أَنْ نَنْحَرَهُ وَنُقَسِّمَ لَحْمَهُ. قَالَ: " فَلَا تَفْعَلْ، هَبْهُ لِي أَوْ بِعْنِيهِ ". فَقَالَ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَوَسَمَهُ بِسِمَةِ الصَّدَقَةِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَلَمْ يَقُلْ وَكِيعٌ مَرَّةً: عَنْ أَبِيهِ -أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا بِهِ لَمَمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ ". قَالَ: فَبَرَأَ. قَالَ: فَأَهْدَتْ إِلَيْهِ كَبْشَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَشَيْئًا مِنْ سَمْنٍ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذِ الْأَقِطَ وَالسَّمْنَ وَأَحَدَ الْكَبْشَيْنِ وَرُدَّ عَلَيْهَا الْآخَرَ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الشَّجَرَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا أَسْوَدُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى قَالَ: مَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ رَأَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا دُونَ مَا رَأَيْتُ. فَذَكَرَ أَمْرَ الصَّبِيِّ وَالنَّخْلَتَيْنِ وَأَمْرَ الْبَعِيرِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " مَا لِبَعِيرِكَ يَشُكُّوكَ؟ زَعَمَ أَنَّكَ أَفْنَيْتَ شَبَابَهُ، حَتَّى إِذَا كَبِرَ تُرِيدُ أَنْ تَنْحَرَهُ ". قَالَ صَدَقْتَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ قَدْ أَرَدْتُ ذَلِكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَفْعَلُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ:
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثَنَا حَمْدَانُ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُمَرَ

بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبْلِي; كُنْتُ مَعَهُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا بِهِ لَمَمٌ، مَا رَأَيْتُ لَمَمًا أَشَدَّ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنِي هَذَا كَمَا تَرَى. فَقَالَ: " إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ لَهُ ". فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ مَضَى فَمَرَّ عَلَى بَعِيرٍ مَادٍّ جِرَانَهُ، يَرْغُو، فَقَالَ: " عَلَيَّ بِصَاحِبِ هَذَا الْبَعِيرِ ". فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: " هَذَا يَقُولُ: نُتِجْتُ عِنْدَهُمْ فَاسْتَعْمَلُونِي، حَتَّى إِذَا كَبِرْتُ عِنْدَهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَنْحَرُونِي ". قَالَ: ثُمَّ مَضَى فَرَأَى شَجَرَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ، فَقَالَ لِي: " اذْهَبْ فَمُرْهُمَا فَلْيَجْتَمِعَا لِي ". قَالَ: فَاجْتَمَعَتَا فَقَضَى حَاجَتَهُ. قَالَ: ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ مَرَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ وَقَدْ ذَهَبَ مَا بِهِ، وَهَيَّأَتْ أُمُّهُ أَكْبُشًا، فَأَهْدَتْ لَهُ كَبْشَيْنِ، وَقَالَتْ: مَا عَادَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ اللَّمَمِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَيَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا كَفَرَةُ - أَوْ: فَسَقَةُ - الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
فَهَذِهِ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ أَوِ الْقَطْعِ عِنْدَ الْمُتَبَحِّرِ أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُرَّةَ حَدَّثَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَذَا كُلِّهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ دُونَ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْهُ سِوَى ابْنُ مَاجَهْ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خَيْثَمٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ أَبْعَدَ.

وَقَدِ اعْتَنَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ بِحَدِيثِ الْبَعِيرِ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَطُرُقِهِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ الثُّمَالِيِّ قَالَ: جِيءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتِّ زَوْدٍ فَجَعَلْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ. وَقَدْ قَدَّمْتُ الْحَدِيثَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
قُلْتُ: قَدْ أَسْلَفْنَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ قِصَّةِ الشَّجَرَتَيْنِ، وَذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ الْجَمَلِ، لَكِنْ بِسِيَاقٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ هَذَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي حَدِيثُ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ وَدُعَاؤُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَهُ وَبُرْؤُهُ فِي الْحَالِ، مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ تَبَاعَدَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ وَلَا شَجَرٌ، فَقَالَ لِي: " يَا جَابِرُ خُذِ الْإِدَاوَةَ وَانْطَلِقْ بِنَا ". فَمَلَأْتُ الْإِدَاوَةَ مَاءً، وَانْطَلَقْنَا فَمَشَيْنَا حَتَّى لَا نَكَادُ نُرَى، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بَيْنَهُمَا أَذْرُعٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جَابِرُ، انْطَلِقْ فَقُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ: يَقُولُ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَكُمَا ". فَفَعَلْتُ، فَرَجَعَتْ فَلَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا، فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا فَرَكِبْنَا رَوَاحِلَنَا، فَسِرْنَا كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ تُظِلُّنَا، وَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ قَدْ

عَرَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا يَأْخُذُهُ الشَّيْطَانُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يَدَعُهُ. فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَاوَلَهُ، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَدِّمَةِ الرَّحْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ ". وَأَعَادَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا فَكُّنَا بِذَلِكَ الْمَاءِ، عَرَضَتْ لَنَا تِلْكَ الْمَرْأَةُ وَمَعَهَا كَبْشَانِ تَقُودُهُمَا وَالصَّبِيُّ تَحْمِلُهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْبَلْ مِنِّي هَدِيَّتِي، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُذُوا أَحَدَهُمَا وَرُدُّوا الْآخَرَ ". قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا، فَجَاءَ جَمَلٌ نَادٌّ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ خَرَّ سَاجِدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْجَمَلِ؟ " فَقَالَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: هُوَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَمَا شَأْنُهُ؟ " قَالُوا: سَنَوْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَلَمَّا كَبِرَتْ سِنُّهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ شُحَيْمَةٌ أَرَدْنَا نَحْرَهُ لِنُقَسِّمَهُ بَيْنَ غِلْمَتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَبِيعُونِيهِ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ لَكَ. قَالَ: " فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجْلُهُ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ " وَهَذَا إِسْنَادٌ جِيدٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الصَّفْرَاءِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا

الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، ثَنَا أَبُو حُمَةَ، ثَنَا أَبُو قُرَّةَ، عَنْ زَمْعَةَ، عَنْ زِيَادٍ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ يُونُسَ بْنَ خَبَّابٍ الْكُوفِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ إِلَى مَكَّةَ، فَذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ، وَكَانَ يُبْعِدُ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ. قَالَ: فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَتَوَارَى بِهِ، فَبَصُرَ بِشَجَرَتَيْنِ. فَذَكَرَ قِصَّةَ الشَّجَرَتَيْنِ، وَقِصَّةَ الْجَمَلِ بِنَحْوٍ مَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ. قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ يَنْفَرِدُ بِهَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ زِيَادٍ، أَظُنُّهُ ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. قُلْتُ: وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ أَيْضًا مَحْفُوظَةً، وَلَا يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، بَلْ يَشْهَدُ لَهُمَا وَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الصَّدَفِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثًا طَوِيلًا نَحْوَ سِيَاقِ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَفِيهِ قِصَّةُ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ وَمَجِيءُ أُمِّهِ بِشَاةٍ مَشْوِيَّةٍ، فَقَالَ: " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَقُلْتُ: كَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ؟ فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي مَا دَعَوْتُ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ النَّخَلَاتِ وَاجْتِمَاعِهِمْ وَانْتِقَالِ الْحِجَارَةِ مَعَهُمْ، حَتَّى صَارَتِ الْحِجَارَةُ رَجْمًا خَلْفَ النَّخَلَاتِ، وَلَيْسَ فِي

سِيَاقِهِ قِصَّةُ الْبَعِيرِ، فَلِهَذَا لَمْ نُورِدْهُ بِلَفْظِهِ وَإِسْنَادِهِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةِ الثَّقَفِيِّ، بِسَنَدِهِ إِلَى مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ الرَّازِيِّ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْنَا عَجَبًا، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْأَشَاءَتَيْنِ وَاسْتِتَارِهِ بِهِمَا عِنْدَ الْخَلَاءِ، وَقِصَّةَ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ، وَقَوْلَهُ: بِسْمِ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ، فَعُوفِيَ. ثُمَّ ذَكَّرَ قِصَّةَ الْبَعِيرَيْنِ النَّادَّيْنِ، وَأَنَّهُمَا سَجَدَا لَهُ، بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ، فَلَعَلَّ هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ حَدِيثَ جَابِرٍ وَقِصَّةَ جَمَلِهِ الَّذِي كَانَ قَدْ أَعْيَا، وَذَلِكَ مَرْجِعَهُمْ مِنْ تَبُوكَ وَتَأَخُّرَهُ فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَلَحِقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا لَهُ وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ حَتَّى جَعَلَ يَتَقَدَّمُ أَمَامَ النَّاسِ، وَذَكَرْنَا شِرَاءَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِنْهُ، وَفِي ثَمَنِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَقَعَ مِنَ الرُّوَاةِ لَا يَضُرُّ أَصْلَ الْقِصَّةِ كَمَا بَيَّنَاهُ. وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي رُكُوبِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عَلَى فَرَسِ أَبِي طَلْحَةَ حِينَ سَمِعَ صَوْتًا بِالْمَدِينَةِ فَرَكِبِ ذَلِكَ الْفَرَسَ، وَكَانَ يُبْطِئُ، وَرَكِبَ الْفُرْسَانُ نَحْوَ ذَلِكَ الصَّوْتِ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ

رَجَعَ بَعْدَ مَا كَشَفَ ذَلِكَ الْأَمْرَ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ حَقِيقَةً، وَكَانَ قَدْ رَكِبَهُ عُرْيًا; لَا شَيْءَ عَلَى الْفَرَسِ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا، فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: " لَنْ تُرَاعُوا، لَنْ تُرَاعُوا، مَا وَجَدْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا ". أَيْ لَسَابِقًا، وَكَانَ ذَلِكَ الْفَرَسٌ يُبْطِئُ قَبْلَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُجَارَى وَلَا يُكْشَفُ لَهُ غُبَارٌ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِبِرْكَتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
حَدِيثٌ آخَرُ غَرِيبٌ فِي قِصَّةِ الْبَعِيرِ:
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْفَقِيهُ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ "، وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ، حَافِلٌ، كَثِيرُ الْفَوَائِدِ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ شَهْلَانَ الْقَوَّاسُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ الْبَصَرِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَامَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ فَائِدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ الدَّارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ، يَعْنِي الدَّارِيَّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ بَعِيرٌ يَعْدُو حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا الْبَعِيرُ، اسْكُنْ، فَإِنْ تَكُ صَادِقًا فَلَكَ صِدْقُكَ، وَإِنْ تَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْكَ كَذِبُكَ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَّنَ عَائِذَنَا، وَلَا يَخَافُ لَائِذُنَا ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَقُولُ هَذَا الْبَعِيرُ؟ قَالَ:

" هَذَا بَعِيرٌ هَمَّ أَهْلُهُ بِنَحْرِهِ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَاسْتَغَاثَ بِنَبِيِّكُمْ ". فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلُ أَصْحَابُهُ يَتَعَادَوْنَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الْبَعِيرُ عَادَ إِلَى هَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا بَعِيرُنَا هَرَبَ مِنَّا مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَمْ نَلْقَهُ إِلَّا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَشْكُو مُرَّ الشِّكَايَةِ ". فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَقُولُ؟ قَالَ: " يَقُولُ: إِنَّهُ رُبِّيَ فِي إِبِلِكُمْ حُوَارًا، وَكُنْتُمْ تَحْمِلُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ إِلَى مَوْضِعِ الْكَلَأِ، فَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ رَحَلْتُمْ إِلَى مَوْضِعِ الدَّفَأِ ". فَقَالُوا: قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: " مَا جَزَاءُ الْعَبْدِ الصَّالِحِ مِنْ مَوَالِيهِ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّا لَا نَبِيعُهُ وَلَا نَنْحَرُهُ. قَالَ: " فَقَدِ اسْتَغَاثَ فَلَمْ تُغِيثُوهُ، وَأَنَا أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ مِنْكُمْ ; لَأَنَّ اللَّهَ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ، وَأَسْكَنَهَا فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ". فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: " أَيُّهَا الْبَعِيرُ، انْطَلِقْ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ ". فَرَغَا عَلَى هَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمِينَ ". ثُمَّ رَغَا الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: " آمِينَ "، ثُمَّ رَغَا الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: " آمِينَ "، ثُمَّ رَغَا الرَّابِعَةَ، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَقُولُ هَذَا الْبَعِيرُ؟ قَالَ: " يَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ أَيُّهَا النَّبِيُّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ خَيْرًا. قُلْتُ: آمِينَ. قَالَ سَكَّنَ اللَّهُ رُعْبَ أُمَّتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا سَكَّنْتَ رُعْبِي. قُلْتُ: آمِينَ. قَالَ: حَقَنَ اللَّهُ دِمَاءَ أُمَّتِكَ مِنْ أَعْدَائِهَا كَمَا حَقَنْتَ دَمِي. قُلْتُ: آمِينَ. قَالَ لَا جَعَلَ اللَّهُ بِأَسَهَا بَيْنَهَا. فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ: هَذِهِ خِصَالٌ ثَلَاثٌ سَأَلْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِيهَا وَمَنَعَنِي

وَاحِدَةً، وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ أَنَّ فَنَاءَ أُمَّتِكَ بِالسَّيْفِ، فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ جِدًّا، لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُصَنِّفِينَ فِي الدَّلَائِلِ أَوْرَدَهُ سِوَى هَذَا الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ

حَدِيثٌ فِي سُجُودِ الْغَنَمِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ أَيْضًا: قَالَ يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يُوسُفَ الْكِنْدِيُّ أَبُو عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمْرُ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَفِي الْحَائِطِ غَنَمُ فَسَجَدَتْ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِالسُّجُودِ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ. فَقَالَ: " إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا غَرِيبٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قِصَّةُ الذِّئْبِ وَشَهَادَتُهُ بِالرِّسَالَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ، عَنْ أَبِي

نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ فَقَالَ: أَلَّا تَتَّقِيَ اللَّهَ؟ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ؟! فَقَالَ: يَا عَجَبًا! ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ؟! فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَّا أُخْبِرَكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؟ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ. قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي: " أَخْبِرْهُمْ ". فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخْذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلَمْ يَرِوِهِ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ مِنْ قَوْلِهِ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ إِلَى آخِرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَثَّقَهُ يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنِي شَهْرٌ، أَنَّ

أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَعْرَابِيٌّ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فِي غَنَمٍ لَهُ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ، فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، فَأَدْرَكَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ وَهَجْهَجَهُ، فَعَانَدَهُ الذِّئْبُ يَمْشِي، ثُمَّ أَقْعَى مُسْتَذْفِرًا بِذَنَبِهِ يُخَاطِبُهُ، فَقَالَ: أَخَذْتَ رِزْقًا رَزَقْنِيهِ اللَّهُ! قَالَ: وَاعْجَبَا مِنْ ذِئْبٍ مُقْعٍ مُسْتَذْفِرٍ بِذَنَبِهِ يُخَاطِبُنِي! فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لِتَتْرُكُ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا قَالَ: وَمَا أَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّخَلَاتِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُحَدِّثُ النَّاسَ عَنْ نَبَأِ مَا قَدْ سَبَقَ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ فَنَعَقَ الْأَعْرَابِيُّ بِغَنَمِهِ حَتَّى أَلْجَأَهَا إِلَى بَعْضِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيْنَ الْأَعْرَابِيُّ صَاحِبُ الْغَنَمِ؟ " فَقَامَ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَدِّثِ النَّاسَ بِمَا سَمِعْتَ وَبِمَا رَأَيْتَ ". فَحَدَّثَ الْأَعْرَابِيُّ النَّاسَ بِمَا رَأَى مِنَ الذِّئْبِ وَمَا سَمِعَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: " صَدَقَ، آيَاتٌ تَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ أَحَدُكُمْ مِنْ أَهْلِهِ فَيُخْبِرُهُ نَعْلُهُ أَوْ سَوْطُهُ أَوْ عَصَاهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ وَهَذَا عَلَى شَرْطِ أَهْلِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ النُّفَيْلِيِّ

قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَذَكَرَهُ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ الْحَاكِمِ وَأَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ ذِئْبٌ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْهُ. قَالَ: فَصَعِدَ الذِّئْبُ عَلَى تَلٍّ، فَأَقْعَى وَاسْتَذْفَرَ، وَقَالَ: عَمَدْتَ إِلَى رِزْقٍ رَزَقْنِيهِ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، انْتَزَعْتَهُ مِنِّي! فَقَالَ الرَّجُلُ: بِاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ ذِئْبًا يَتَكَلَّمُ! فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ هَذَا رَجُلٌ فِي النَّخَلَاتِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُخْبِرُكُمْ بِمَا مَضَى، وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ بِعَدَكُمْ. وَكَانَ الرَّجُلُ يَهُودِيًّا، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، وَخَبَّرَهُ فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهَا أَمَارَةٌ مِنْ أَمَارَاتٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، قَدْ أَوْشَكَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى تُحَدِّثَهُ نَعْلَاهُ وَسَوْطُهُ مَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ، وَلَعَلَّ شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ:
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ": ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ، ثَنَا الْحُسَيْنُ الرَّفَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، ح وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ هُوَ الطَّبَرَانِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ اللُّؤْلُؤِيِّ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّفَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَشَدَدْتُ عَلَى غَنَمِي، فَجَاءَ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَاشْتَدَّ الرِّعَاءُ خَلْفَهُ، فَقَالَ: طُعْمَةٌ أَطْعَمَنِيهَا اللَّهُ تَنْزِعُونَهَا مِنِّي! قَالَ: فَبُهِتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا تَعْجَبُونَ مِنْ كَلَامِ الذِّئْبِ وَقَدْ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَمِنْ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: تَفَرَّدَ بِهِ حُسَيْنُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ. قُلْتُ: الْحُسَيْنُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّفَّاءُ هَذَا يُقَالُ لَهُ: الطَّلْحِىُّ. كُوفِيٌّ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ أَحَادِيثَ، ثُمَّ قَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا.
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي عِيسَى، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ جِسْرٍ أَخْبَرَنِي أَبِي جِسْرٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ رَاعٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَمٍ لَهُ، إِذْ جَاءَ الذِّئْبُ فَأَخَذَ شَاةً، وَوَثَبَ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ أَنْ تَمْنَعَنِي طُعْمَةٌ أَطْعَمَنِيهَا اللَّهُ تَنْزِعُهَا مِنِّي! فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: الْعَجَبُ مِنْ ذِئْبٍ يَتَكَلَّمُ! فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ كَلَامِي؟ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي النَّخْلِ يُخْبِرُ النَّاسَ بِحَدِيثِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، أَعْجَبُ مِنْ كَلَامِي، فَانْطَلَقَ الرَّاعِي حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ وَأَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَدِّثْ بِهِ النَّاسَ قَالَ الْحَافِظُ بْنُ عَدِيٍّ: قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَلَدُ هَذَا الرَّاعِي يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو مُكَلِّمِ الذِّئْبِ. وَلَهُمْ أَمْوَالٌ وَنَعَمٌ، وَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ، وَاسْمُ مُكَلِّمِ الذِّئْبِ أُهْبَانُ. قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ أَشْعَثَ الْخُزَاعِيُّ مِنْ وَلَدِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَدَلَّ عَلَى اشْتِهَارِ ذَلِكَ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي الْحَدِيثَ.
وَقَدْ رَوَى مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ فِي " التَّارِيخِ " حَدَّثَنِي أَبُو طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيَّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنَ أَوْسٍ، عَنْ أَنِيسِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كُنْتُ فِي غَنَمٍ لِي، فَكَلَّمَهُ الذِّئْبُ، فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّلْمِيِّ، سَمِعِتُ الْحُسَيْنَ بْنَ

أَحْمَدَ الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الْمُقْرِئَ يَقُولُ: خَرَجْتُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ عَلَى حِمَارٍ، فَجَعَلَ الْحِمَارُ يَحِيدُ بِي عَنِ الطَّرِيقِ، فَضَرَبْتُ رَأْسَهُ ضَرَبَاتٍ، فَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: اضْرِبْ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، فَإِنَّمَا عَلَى دِمَاغِكَ هُوَ ذَا تَضْرِبُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَلَّمَكَ كَلَامًا يُفْهَمُ؟! قَالَ: كَمَا تُكَلِّمُنِي وَأُكَلِّمُكَ
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الذِّئْبِ:
عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثَنَا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْأَوْبَرِ الْحَارِثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:جَاءَ الذِّئْبُ فَأَقْعَى بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يُبَصْبِصُ بِذَنَبِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا وَافِدُ الذِّئَابِ، جَاءَ يَسْأَلُكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا ". قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ. وَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ حَجَرًا فَرَمَاهُ، فَأَدْبَرَ الذِّئْبُ وَلَهُ عُوَاءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذِّئْبُ وَمَا الذِّئْبُ؟ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَّنَى، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ.

وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْأَوْبَرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلَاةَ الْغَدَاةِ، ثُمَّ قَالَ: " هَذَا الذِّئْبُ، وَمَا الذِّئْبُ؟ جَاءَكُمْ يَسْأَلُكُمْ أَنْ تُعْطُوهُ أَوْ تُشْرِكُوهُ فِي أَمْوَالِكُمْ ". فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِحَجَرٍ، فَمَرَّ - أَوْ وَلَّى - وَلَهُ عُوَاءٌ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسِيدٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِالْبَقِيعِ، فَإِذَا الذِّئْبُ مُفْتَرِشًا ذِرَاعَيْهِ عَلَى الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا جَاءَ يَسْتَفْرِضُ فَافْرِضُوا لَهُ ". قَالُوا: نَرَى رَأْيَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " مِنْ كُلِّ سَائِمَةٍ شَاةٌ فِي كُلِّ عَامٍ ". قَالُوا: كَثِيرٌ. قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى الذِّئْبِ أَنَّ خَالِسْهُمْ. فَانْطَلَقَ الذِّئْبُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنِ الْمَطْلَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ إِذْ أَقْبَلَ ذِئْبٌ، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا وَافِدُ السِّبَاعِ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَفْرِضُوا لَهُ شَيْئًا لَا يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ وَاحْتَرَزْتُمْ مِنْهُ، فَمَا أَخَذَ فَهُوَ رِزْقُهُ ". فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَطِيبُ أَنْفُسُنَا لَهُ بِشَيْءٍ. فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ أَنَّ خَالِسَهُمْ. قَالَ: فَوَلَّى وَلَهُ عَسَلَانٌ

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ أَوْ جُهَيْنَةَ قَالَ:أَتَتْ وُفُودُ الذِّئَابِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةِ ذِئْبٍ حِينَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْعَيْنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذِهِ وُفُودُ الذِّئَابِ، جِئْنَكُمْ يَسْأَلْنَكُمْ لِتَفْرِضُوا لَهُنَّ مِنْ قُوتِ طَعَامِكُمْ وَتَأْمَنُوا عَلَى مَا سِوَاهُ ". فَشَكَوْا إِلَيْهِ الْحَاجَةَ، قَالَ: " فَأَدْبِرُوهُمْ ". قَالَ: فَخَرَجْنَ وَلَهُنَّ عُوَاءٌ
وَقَدْ تَكَلَّمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى حَدِيثِ الذِّئْبِ، فَذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ وَأَنَّهُ كَانَ يُقَالُ لَهُ: مُكَلِّمُ الذِّئْبِ قَالَ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ جَرَى مِثْلُ هَذَا لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ مَعَ ذِئْبٍ وَجَدَاهُ أَخَذَ ظَبْيًا، فَدَخَلَ الظَّبِيُّ الْحَرَمَ، فَانْصَرَفَ الذِّئْبُ، فَعَجِبَا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَتَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ ذَكَرْتَ هَذَا بِمَكَّةَ لَتَتْرُكَنَّهَا خُلُوفًا

قِصَّةُ الْوَحْشِ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَحْتَرِمُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيُوَقِّرُهُ وَيُجِلُّهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا يُونُسُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ( كَانَ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَشٌ، فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعِبَ وَاشْتَدَّ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَخَلَ، رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ مَا دَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُؤْذِيَهُ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ، وَعَنْ أَبِي قَطَنٍ كِلَاهُمَا، عَنْ يُونُسَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قِصَّةُ الْأَسَدِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ حِينَ انْكَسَرَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ، فَرَكِبَ لَوْحًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ جَزِيرَةً فِي الْبَحْرِ، فَوَجَدَ فِيهَا الْأَسَدَ، فَقَالَ لَهُ سَفِينَةُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، إِنِّي سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَضَرَبَ مَنْكَبِي وَجَعَلَ يُحَاذِينِي حَتَّى أَقَامَنِي عَلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ هَمْهَمْ

سَاعَةً، فَرَأَيْتُ أَنَّهُ يُوَدِّعُنِي.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْجَحْشِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، أَنَّ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ الْجَيْشَ بِأَرْضِ الرُّومِ، أَوْ أُسِرَ فِي أَرْضِ الرُّومِ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا يَلْتَمِسُ الْجَيْشَ، فَإِذَا هُوَ بِالْأَسَدِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، إِنِّي مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مِنْ أَمْرِي كَيْتَ وَكَيْتَ. فَأَقْبَلَ الْأَسَدُ يُبَصْبِصُهُ حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ صَوْتًا أَهْوَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلُ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَبْلَغَهُ الْجَيْشَ، ثُمَّ رَجَعَ الْأَسَدُ عَنْهُ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

حَدِيثُ الْغَزَالَةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ". حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ إِمْلَاءً، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ، ثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هِلَالٍ الْجُعْفِيُّ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ، ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ قَدِ اصْطَادُوا ظَبْيَةً، فَشَدُّوهَا عَلَى عَمُودِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُخِذْتُ وَلِي

خَشْفَانِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي أُرْضِعُهُمَا وَأَعُودُ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ: " أَيْنَ صَاحِبُ هَذِهِ؟ " فَقَالَ الْقَوْمُ: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَلُّوا عَنْهَا حَتَّى تَأْتِيَ خَشْفَيْهَا تُرْضِعُهُمَا وَتَرْجِعُ إِلَيْكُمْ ". فَقَالُوا: مَنْ لَنَا بِذَلِكَ؟ قَالَ: " أَنَا ". فَأَطْلَقُوهَا فَذَهَبَتْ فَأَرْضَعَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِمْ فَأَوْثَقُوهَا، فَمَرَّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَيْنَ صَاحِبُ هَذِهِ؟ " فَقَالُوا: هُوَ ذَا نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: " تَبِيعُونِيهَا؟ " فَقَالُوا: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: " خَلُّوا عَنْهَا ". فَأَطْلَقُوهَا فَذَهَبَتْ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ مِنْ أَصْلِهِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ نَصْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيَرِينَ بِالْبَصْرَةِ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، ثَنَا حَبَّانُ بْنُ أَغْلَبَ بْنِ تَمِيمٍ، ثَنَا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحْرَاءَ مِنَ الْأَرْضِ إِذَا هَاتِفُ يَهْتِفُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ". قَالَ: " فَمَشَيْتُ

غَيْرَ بَعِيدٍ، فَإِذَا الْهَاتِفُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، وَإِذَا الْهَاتِفُ يَهْتِفُ بِي، فَاتَّبَعْتُ الصَّوْتَ، وَهَجَمْتُ عَلَى ظَبْيَةٍ مَشْدُودَةٍ فِي وَثَاقٍ، وَإِذَا أَعْرَابِيٌّ مُنْجَدِلٌ فِي شَمْلَةٍ، نَائِمٌ فِي الشَّمْسِ، فَقَالَتِ الظَّبْيَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ صَادَنِي قُبَيْلُ، وَلِي خَشْفَانِ فِي هَذَا الْجَبَلِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُطْلِقَنِي حَتَّى أُرْضِعَهُمَا، ثُمَّ أَعُودُ إِلَى وَثَاقِي؟ قَالَ: " وَتَفْعَلِينَ؟ قَالَتْ: عَذَّبَنِي اللَّهُ عَذَابَ الْعِشَارِ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ ". فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَضَتْ فَأَرْضَعَتِ الْخَشْفَيْنِ وَجَاءَتْ. قَالَ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوثِقُهَا إِذِ انْتَبَهَ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُهَا قُبَيْلًا، فَلَكَ فِيهَا مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: " نَعَمْ ". قَالَ: هِيَ لَكَ، فَأَطْلَقَهَا فَخَرَجَتْ تَعْدُو فِي الصَّحْرَاءِ فَرَحًا، وَهِيَ تَضْرِبُ بِرِجْلَيْهَا فِي الْأَرْضِ وَتَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَقَدْ رَوَاهُ آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي خَتَنِي الصَّدُوقُ نُوحُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ أَغْلَبَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَلَمْ يُجَاوِزْهُ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْفَقِيهُ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ أَغْلَبَ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ

أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ الْغِفَارِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، ثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَبْيَةٍ مَرْبُوطَةٍ إِلَى خِبَاءٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حُلَّنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُرْضِعُ خَشْفَيَّ ثُمَّ أَرْجِعُ فَتَرْبُطُنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَيْدُ قَوْمٍ وَرَبِيطَةُ قَوْمٍ ". قَالَ: فَأَخَذَ عَلَيْهَا فَحَلَفَتْ لَهُ. قَالَ: فَحَلَّهَا، فَمَا مَكَثَتْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْ وَقَدْ نَفَضَتْ مَا فِي ضَرْعِهَا، فَرَبَطَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى خِبَاءَ أَصْحَابِهَا، فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُمْ فَوَهَبُوهَا لَهُ فَحَلَّهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ تَعْلَمُ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا تَعْلَمُونَ، مَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينًا أَبَدًا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا

أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا يَعْلَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَزَّالُ، ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمَّازٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَمَرَرْنَا بِخِبَاءِ أَعْرَابِيٍّ، فَإِذَا بِظَبْيَةٍ مَشْدُودَةٍ إِلَى الْخِبَاءِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ اصْطَادَنِي، وَإِنَّ لِي خَشْفَيْنِ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَقَدْ تَعَقَّدَ اللَّبَنُ فِي أَخَلَافِي، فَلَا هُوَ يَذْبَحُنِي فَأَسْتَرِيحَ، وَلَا هُوَ يَدَعُنِي فَأَرْجِعَ إِلَى خَشْفَيَّ فِي الْبَرِّيَّةِ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ تَرَكْتُكِ تَرْجِعِينَ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ وَإِلَّا عَذَّبَنِيَ اللَّهُ عَذَابَ الْعِشَارِ. قَالَ: فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْ تُلْمِظُ، فَشَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخِبَاءِ، وَأَقْبَلَ الْأَعْرَابِيُّ وَمَعَهُ قِرْبَةٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَبِيعُنِيهَا؟ " قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: فَأَنَا وَاللَّهُ رَأَيْتُهَا تَسِيحُ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَهِيَ تَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ لَفْظِهِ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، فَذَكَرَهُ قُلْتُ: وَفِي بَعْضِهِ نَكَارَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ تَكْثِيرِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، اللَّبَنَ حَدِيثَ تِلْكَ الشَّاةِ الَّتِي جَاءَتْ وَهِيَ فِي الْبَرِّيَّةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ

سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَحْلُبَهَا فَحَلَبَهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا، فَذَهَبَتْ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَهَبَ بِهَا الَّذِي جَاءَ بِهَا ". وَهُوَ مَرْوِيٌّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ صَحَابِيَّيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثُ الضَّبِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ النَّكَارَةِ وَالْغَرَابَةِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّامَغَانِيُّ مِنْ سَاكِنِي قَرْيَةِ نَامِينَ مِنْ نَاحِيَةِ بَيْهَقَ - قِرَاءَةً عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ - ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ السُّلَمِيِّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا كَهَمْسٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَحْفَلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَدْ صَادَ ضَبًّا وَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ، لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَيَشْوِيَهُ وَيَأْكُلَهُ، فَلَمَّا رَأَى الْجَمَاعَةَ قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الَّذِي يَذْكُرُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. فَجَاءَ فَشَقَّ النَّاسَ، فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى مَا اشْتَمَلَتِ النِّسَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلَا أَمْقُتُ

مِنْكَ، وَلَوْلَا أَنْ يُسَمِّيَنِي قَوْمِي عَجُولًا لَعَجِلْتُ عَلَيْكَ فَقَتَلْتُكَ فَسَرَرْتُ بِقَتْلِكَ الْأَسْوَدَ وَالْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ وَغَيْرَهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَأَقُومَ فَأَقْتُلَهُ. قَالَ: " يَا عُمَرُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَلِيمَ كَادَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا؟ " ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْأَعْرَابِيِّ، وَقَالَ: " مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَقُلْتَ غَيْرَ الْحَقِّ، وَلَمْ تُكْرِمْنِي فِي مَجْلِسِي؟ " فَقَالَ: وَتُكَلِّمُنِي أَيْضًا! - اسْتِخْفَافًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا آمِنْتُ بِكَ أَوْ يُؤْمِنُ بِكَ هَذَا الضَّبُّ. وَأَخْرَجَ الضَّبَّ مِنْ كُمِّهِ وَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا ضَبُّ "، فَأَجَابَهُ الضَّبُّ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ يَسْمَعُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا زَيْنُ مَنْ وَافَى الْقِيَامَةَ. قَالَ " مَنْ تَعْبُدُ يَا ضَبُّ؟ " قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ، وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ، وَفِي الْبَحْرِ سَبِيلُهُ، وَفِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُهُ، وَفِي النَّارِ عِقَابُهُ. قَالَ: " فَمَنْ أَنَا يَا ضَبُّ؟ " فَقَالَ: رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ صَدَّقَكَ، وَقَدْ خَابَ مَنْ كَذَّبَكَ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهُ لَا أَتَّبِعُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكَ وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْكَ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي وَمِنْ عَيْنِي وَمِنِّي، وَإِنِّي لَأُحِبُّكَ بِدَاخِلِي وَخَارِجِي وَسِرِّي وَعَلَانِيَتِي، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَّاكَ بِي، إِنَّ هَذَا الدِّينَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِصَلَاةٍ، وَلَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِقُرْآنٍ ". قَالَ: " فَعَلِّمْنِي. فَعَلَّمَهُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قَالَ: زِدْنِي فَمَا سَمِعْتُ فِي الْبَسِيطِ وَلَا فِي الْوَجِيزِ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا. قَالَ " يَا أَعْرَابِيُّ إِنَّ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ

لَيْسَ بِشِعْرٍ، إِنَّكَ إِنْ قَرَأْتَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مَرَّةً كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَإِنْ قَرَأَتْ مَرَّتَيْنِ كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ، وَإِذَا قَرَأَتَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ ". قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نِعْمَ الْإِلَهُ إِلَهُنَا، يَقْبَلُ الْيَسِيرَ وَيُعْطِي الْجَزِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَكَ مَالٌ؟ " فَقَالَ مَا فِي بَنِي سُلَيْمٍ قَاطِبَةً رَجُلٌ هُوَ أَفْقَرُ مِنِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " أَعْطُوهُ ". فَأَعْطَوْهُ حَتَّى أَبْطَرُوهُ. قَالَ: فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَهُ عِنْدِي نَاقَةً عُشَرَاءَ دُونَ الْبُخْتِيَّةِ وَفَوْقَ الْأَعْرَى، تَلْحَقُ وَلَا تُلْحَقُ، أُهْدِيَتْ إِلَيَّ يَوْمِ تَبُوكَ، أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأَدْفَعُهَا إِلَى الْأَعْرَابِيِّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ وَصَفْتَ نَاقَتَكَ، فَأَصِفُ مَا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " لَكَ نَاقَةٌ مِنْ دُرَّةٍ جَوْفَاءَ، قَوَائِمُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ أَخْضَرَ، وَعُنُقُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ أَصْفَرَ، عَلَيْهَا هَوْدَجٌ، وَعَلَى الْهَوْدَجِ السُّنْدُسُ وَالْإِسْتَبْرَقُ، وَتَمُرُّ بِكَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ، يَغْبِطُكَ بِهَا كُلٌّ مَنْ رَآكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ رَضِيتُ. فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ، فَلَقِيَهُ أَلْفُ أَعْرَابِيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى أَلْفِ دَابَّةٍ، مَعَهُمْ أَلْفُ سَيْفٍ وَأَلْفُ رُمْحٍ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نَذْهَبُ إِلَى هَذَا الَّذِي سَفَّهَ آلِهَتَنَا فَنَقْتُلُهُ. قَالَ: لَا تَفْعَلُوا، أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَحَدَّثَهُمُ الْحَدِيثَ، فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ دَخَلُوا فَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ،

فَتَلَقَّاهُمْ بِلَا رِدَاءٍ، فَنَزَلُوا عَنْ رَكْبِهِمْ يُقْبِلُونَ حَتَّى دَنَوْا مِنْهُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنَا بِأَمْرِكَ. قَالَ: " كُونُوا تَحْتَ رَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ". فَلَمْ يُؤْمِنْ مِنَ الْعَرَبِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ أَلْفٌ غَيْرُهُمْ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَدْ أَخْرَجَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فِي الْمُعْجِزَاتِ بِالْإجَازَةِ، عَنْ أَبِي أَحْمَدِ بْنِ عَدِيٍّ الْحَافِظِ. قُلْتُ: وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الدَّلَائِلِ " عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيِّ، إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ السُّلَمِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مِنْ كِتَابِهِ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ السُّلْمِيِّ بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَمْثَلُ الْأَسَانِيدِ فِيهِ. وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى هَذَا السُّلَمِيِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثُ الْحِمَارِ
وَقَدْ أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ السِّجْزِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَزْيَدٍ إِمْلَاءً، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مَنْظُورٍ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَصَابَهُ مِنْ سَهْمِهِ أَرْبَعَةُ أَزْوَاجِ نِعَالٍ وَأَرْبَعَةُ أَزْوَاجِ خِفَافٍ، وَعَشْرُ أَوَاقِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَحِمَارٌ أَسْوَدُ، وَمِكْتَلٌ. قَالَ: فَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِمَارَ، فَكَلَّمَهُ الْحِمَارُ، فَقَالَ لَهُ: " مَا اسْمُكَ؟ " قَالَ: يَزِيدُ بْنُ شِهَابٍ، أَخْرَجَ اللَّهُ

مِنْ نَسْلِ جَدِّي سِتِّينَ حِمَارًا، كُلُّهُمْ لَمْ يَرْكَبْهُمْ إِلَّا نَبِيٌّ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ نَسَلِ جَدِّي غَيْرِي، وَلَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُكَ، وَقَدْ كُنْتُ أَتَوَقَعُكَ أَنْ تَرْكَبَنِي، قَدْ كُنْتُ قَبْلَكَ لِرَجُلٍ يَهُودِيٍّ، وَكُنْتُ أُعْثِرُ بِهِ عَمْدًا، وَكَانَ يُجِيعُ بَطْنِي وَيَضْرِبُ ظَهْرِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ سَمَّيْتُكَ يَعْفُورًا، يَا يَعْفُورُ ". قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ " أَتَشْتَهِي الْإِنَاثَ؟ " قَالَ: لَا. فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُهُ لِحَاجَتِهِ، فَإِذَا نَزَلَ عَنْهُ بَعَثَ بِهِ إِلَى بَابِ الرَّجُلِ، فَيَأْتِي الْبَابَ فَيَقْرَعُهُ بِرَأْسِهِ، فَإِذَا خَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى بِئْرٍ كَانَتْ لِأَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التِّيهَانِ، فَتَرَدَّى فِيهَا فَصَارَتْ قَبْرَهُ; جَزَعًا مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

حَدِيثُ الْحُمَّرَةِ، وَهِيَ طَائِرٌ مَشْهُورٌ
قَالَ أَبُو دَاوُدِ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ غَيْضَةً، فَأَخْرَجَ بَيْضَةَ حُمَّرَةٍ، فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: " أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ؟ " فَقَالَ

رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا أَخَذْتُ بَيْضَتَهَا. فَقَالَ رُدَّهَا رُدَّهَا; رَحْمَةً لَهَا "
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَمَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ فِيهَا فَرْخَا حُمَّرَةٍ، فَأَخَذْنَاهُمَا. قَالَ: فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَعَرَّضُ، فَقَالَ: " مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِفَرْخَيْهَا؟ " قَالَ: فَقُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: " رُدُّوهُمَا ". فَرَدَدْنَاهُمَا إِلَى مَوْضِعِهِمَا فَلَمْ تَرْجِعْ
حَدِيثٌ آخَرَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ غَرَابَةٌ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُتْبَةَ الْكِنْدِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، ثَنَا حِبَّانُ، ثَنَا أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ. قَالَ: فَذَهَبَ يَوْمًا فَقَعَدَ تَحْتَ

سَمُرَةٍ، وَنَزَعَ خُفَّيْهِ. قَالَ: وَلَبِسَ أَحَدَهُمَا، فَجَاءَ طَيْرٌ، فَأَخَذَ الْخُفَّ الْآخَرَ فَحَلَّقَ بِهِ فِي السَّمَاءِ، فَانْسَلَّتْ مِنْهُ أَسْوَدُ سَالِخٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذِهِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِيَ اللَّهُ بِهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أُعَوِّذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشَى عَلَى رِجْلَيْهِ، وَمِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ وَرَجُلًا آخَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ تَحَدَّثَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ لَهُمَا حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ، وَهِيَ لَيْلَةٌ شَدِيدَةُ الظُّلْمَةِ، حَتَّى خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقَلِبَانِ، وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ، فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا لَهُمَا حَتَّى

مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا، حَتَّى إِذَا افْتَرَقَتْ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِلْآخَرِ عَصَاهُ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ، حَتَّى بَلَغَ أَهْلَهُ وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: وَقَالَ مَعْمَرٌ. فَذَكَرَهُ.
وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنْسٍ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ وَأُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ بِهْزِ بْنِ أُسَيْدٍ، وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كِلَاهُمَا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنَا كَامِلُ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، وَكَانَ يُصَلِّي فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا فَوَضَعَهُمَا وَضْعًا رَفِيقًا، فَإِذَا عَادَ عَادَا، فَلَمَّا صَلَّى جَعَلَ وَاحِدًا هَا هُنَا وَوَاحِدًا هَا هُنَا، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَّا أَذْهَبُ بِهِمَا إِلَى أُمِّهِمَا؟

قَالَ: " لَا ". فَبَرَقَتْ بِرْقَةٌ، فَقَالَ: " الْحَقَا بِأُمِّكُمَا ". فَمَا زَالَا يَمْشِيَانِ فِي ضَوْئِهَا حَتَّى دَخَلَا
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَتَفَرَّقَنَا فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دُحْمُسَةٍ، فَأَضَاءَتْ أَصَابِعِي حَتَّى جَمَعُوا عَلَيْهَا ظَهَرَهُمْ وَمَا هَلَكَ مِنْهُمْ، وَإِنَّ أَصَابِعِي لَتُنِيرُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَمْزَةَ بِهِ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَمْزَةَ بِهِ.

حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ، ثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، أَخْبَرَنِي مَيْمُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَبْسٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ أَبَا عَبْسٍكَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَنِي حَارِثَةَ، فَخَرَجَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مَطِيرَةٍ، فَنُوِّرَ لَهُ فِي عَصَاهُ حَتَّى دَخَلَ دَارَ بَنِي حَارِثَةَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَبُو عَبْسٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا.
قُلْتُ: وَرَوَيْنَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ مِنَ التَّابِعِيْنِ، أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ مِنْ جِسْرِيْنِ، فَرُبَّمَا أَضَاءَتْ لَهُ إِبْهَامُ قَدَمِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً يَدْعُو قَوْمَهُ بِهَا، فَلَمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِمْ وَانْهَبَطَ مِنَ الثَّنِيَّةِ أَضَاءَ لَهُ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا يَقُولُوا: هُوَ مُثْلَةٌ. فَحَوَّلَهُ اللَّهُ إِلَى طَرَفِ سَوْطِهِ حَتَّى جَعَلُوا يَرَوْنَهُ مِثْلَ الْقِنْدِيلِ

حَدِيثُ آخَرٌ فِيهِ كَرَامَةٌ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ
رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ،، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَرْمَلٍ قَالَ: خَرَجَتْ نَارٌ بِالْحَرَّةِ، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَقَالَ: قُمْ إِلَى هَذِهِ النَّارِ. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ أَنَا؟ وَمَا أَنَا؟ قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَامَ مَعَهُ. قَالَ: وَتَبِعْتُهُمَا فَانْطَلَقَا إِلَى النَّارِ، فَجَعَلَ تَمِيمٌ يَحُوشُهَا بِيَدَيْهِ حَتَّى دَخَلَتِ الشِّعْبَ، وَدَخَلَ تَمِيمٌ خَلْفَهَا. قَالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: لَيْسَ مَنْ رَأَى كَمَنْ لَمْ يَرَ. قَالَهَا ثَلَاثًا

حَدِيثٌ فِيهِ كَرَامَةٌ لِوَلِيٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ
وَهِيَ مَعْدُودَةٌ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ; لَأَنَّ كُلَّ مَا يَثْبُتُ لِوَلِيٍّ فَهُوَ مُعْجِزَةٌ لِنَبِيِّهِ.
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ قَالَ: أَقْبَلُ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نَفَقَ حِمَارَهُ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْتُ مِنَ الدَّثِينَةِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ تُحَيِّي

الْمَوْتَيْ وَتَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، لَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ عَلَيَّ الْيَوْمَ مِنَّةً، أَطْلُبُ إِلَيْكَ الْيَوْمَ أَنْ تَبْعَثَ حِمَارِي. فَقَامَ الْحِمَارُ يَنْفُضُ أُذُنَيْهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ كَرَامَةً لِصَاحِبِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَكَأَنَّهُ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى:
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " مَنْ عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ ": حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَأَحْمَدُ بْنُ بُجَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ قَوْمًا أَقْبَلُوا مِنَ الْيَمَنِ مُتَطَوِّعِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَنَفَقَ حِمَارُ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَرَادُوهُ أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَهُمْ فَأَبَى، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْتُ مِنَ الدَّثِينَةِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ تُحَيِّي الْمَوْتَى وَتَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، فَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ عَلِيَّ مِنَّةً، فَإِنِّي أَطْلُبُ إِلَيْكَ أَنْ تَبْعَثَ لِي حِمَارِي، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْحِمَارِ فَضَرَبَهُ فَقَامَ الْحِمَارُ يَنْفُضُ أُذُنَيْهِ، فَأَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ، ثُمَّ رَكِبَهُ وَأَجْرَاهُ فَلَحِقَ بِأَصْحَابِهِ، فَقَالُوا لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: شَأْنِي أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ حِمَارِي قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَأَنَا رَأَيْتُ الْحِمَارَ بِيعَ أَوْ يُبَاعُ فِي الْكُنَاسَةِ. يَعْنِي بِالْكُوفَةِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ

مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ النَّخَعِيِّ، أَنَّ صَاحِبَ الْحِمَارِ رَجُلٌ مِنَ النَّخَعِ، يُقَالُ لَهُ: نُبَاتَةُ بْنُ يَزِيدَ. خَرَجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ غَازِيًا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِشَنِّ عَمِيرَةَ نَفَقَ حِمَارُهُ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، غَيْرَأَنَّهُ قَالَ: فَبَاعَهُ بَعْدَ الْكُنَاسَةِ، فَقِيلَ لَهُ: تَبِيعُ حِمَارَكَ وَقَدْ أَحْيَاهُ اللَّهُ لَكَ؟! قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ رَهْطِهِ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ فَحَفِظْتُ هَذَا الْبَيْتَ:
وَمِنَّا الَّذِي أَحْيَا الْإِلَهُ حِمَارَهُ وَقَدْ مَاتَ مِنْهُ كُلُّ عُضْوٍ وَمَفْصِلِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ رِضَاعِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ مِنْ حِمَارَةِ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ، وَكَيْفَ كَانَتْ تَسْبِقُ الرَّكْبَ فِي رُجُوعِهَا لَمَّا رَكِبَ مَعَهَا عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ رَضِيعٌ، وَقَدْ كَانَتْ أَذَمَّتْ بِالرَّكْبِ فِي مَسِيرِهِمْ إِلَى مَكَّةَ وَكَذَلِكَ ظَهَرَتْ بَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي شَارِفِهِمْ - وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي كَانُوا يَحْلُبُونَهَا - وَشِيَاهِهِمْ وَسَمْنِهَا وَكَثْرَةِ أَلْبَانِهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

قِصَّةٌ أُخْرَى مَعَ قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ:
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ خِدَاشِ بْنِ عَجْلَانَ الْمُهَلَّبَيِّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَسَّامٍ قَالَا: ثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عُدْنَا شَابًّا

مِنَ الْأَنْصَارِ، فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ مَاتَ فَأَغْمَضْنَاهُ، وَمَدَدْنَا عَلَيْهِ الثَّوْبَ، وَقَالَ بَعْضُنَا لِأُمِّهِ: احْتَسِبِيهِ. قَالَتْ: وَقَدْ مَاتَ؟! قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَتْ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُونَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. فَمَدَّتْ يَدَيْهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنِّي آمَنْتُ بِكَ، وَهَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا نَزَلَتْ بِي شِدَّةٌ دَعْوْتُكَ فَفَرَّجْتَهَا، فَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ أَلَّا تَحْمِلَ عَلَيَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ. قَالَ: فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى أَكَلْنَا وَأَكَلَ مَعَنَا وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَالِينِيِّ، عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ أَبِي الدُّمَيْكِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَائِشَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ بَشِيرٍ الْمُرِّيِّ، أَحَدِ زُهَّادِ الْبَصْرَةِ وَعُبَّادِهَا مَعَ لِينٍ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِيهِ أَنَّ أُمَّ السَّائِبِ كَانَتْ عَجُوزًا عَمْيَاءَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِىَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلٍ. يَعْنِي فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ ابْنِ عَوْنٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا لَوْ كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَا تَقَاسَمَهَا الْأُمَمُ. قُلْنَا مَا هِيَ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ: كُنَّا فِي الصُّفَّةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مُهَاجِرَةٌ وَمَعَهَا ابْنٌ لَهَا قَدْ بَلَغَ، فَأَضَافَ الْمَرْأَةَ إِلَىالنِّسَاءِ وَأَضَافَ

ابْنَهَا إِلَيْنَا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَصَابَهُ وَبَاءُ الْمَدِينَةِ فَمَرِضَ أَيَّامًا ثُمَّ قُبِضَ، فَغَمَّضَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِجِهَازِهِ، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نُغَسِّلَهُ قَالَ: " يَا أَنَسُ، ائْتِ أُمَّهُ فَأَعْلِمْهَا ". فَأَعْلَمْتُهَا. قَالَ: فَجَاءَتْ حَتَّى جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ فَأَخَذَتْ بِهِمَا، ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ لَكَ طَوْعًا، وَخَلَعْتُ الْأَوْثَانَ زُهْدًا، وَهَاجَرْتُ لَكَ رَغْبَةً، اللَّهُمَّ لَا تُشْمِتُ بِي عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ، وَلَا تُحَمِّلُنِي مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ مَا لَا طَاقَةَ لِي بِحَمْلِهَا. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا انْقَضَى كَلَامُهَا حَتَّى حَرَّكَ قَدَمَيْهِ، وَأَلْقَى الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَعَاشَ حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَتَّى هَلَكَتْ أُمُّهُ. قَالَ: ثُمَّ جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ.
قَالَ أَنَسٌ: وَكُنْتُ فِي غَزَاتِهِ، فَأَتَيْنَا مَغَازِيَنَا، فَوَجَدْنَا الْقَوْمَ قَدْ نَذِرُوا بِنَا فَعَفَّوا آثَارَ الْمَاءِ، وَالْحَرُّ شَدِيدٌ، فَجَهَدَنَا الْعَطَشُ وَدَوَابَّنَا، وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا مَالَتِ الشَّمْسُ لِغَرْبِهَا صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا حَطَّ يَدَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا وَأَنْشَأَ سَحَابًا وَأَفْرَغَتْ حَتَّى مَلَأَتِ الْغُدُرَ وَالشِّعَابَ، فَشَرِبْنَا وَسَقَيْنَا رِكَابَنَا وَاسْتَقَيْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا عَدُوَّنَا وَقَدْ جَاوَزُوا خَلِيجًا فِي الْبَحْرِ إِلَى جَزِيرَةٍ، فَوَقَفَ عَلَى الْخَلِيجِ وَقَالَ: يَا عَلِيُّ، يَا عَظِيمُ، يَا حَلِيمُ، يَا كَرِيمُ. ثُمَّ قَالَ: أَجِيزُوا بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ: فَأَجَزْنَا، مَا يَبُلُّ الْمَاءُ حَوَافِرَ دَوَابِّنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا، فَأَصَبْنَا الْعَدُوَّ غَيْلَةً، فَقَتَلْنَا وَأَسَرْنَا وَسَبَيْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا الْخَلِيجَ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَأَجَزْنَا، مَا يَبُلُّ الْمَاءُ حَوَافِرَ دَوَابِّنَا. قَالَ: فَلَمْ

نَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى رُمِيَ فِي جِنَازَتِهِ. قَالَ: فَحَفَرْنَا لَهُ وَغَسَّلْنَاهُ وَدَفَنَّاهُ، فَأَتَى رَجُلٌ بَعْدَ فَرَاغِنَا مِنْ دَفْنِهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْنَا: هَذَا خَيْرُ الْبَشَرِ، هَذَا ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ. فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ تَلْفِظُ الْمَوْتَى، فَلَوْ نَقَلْتُمُوهُ إِلَى مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ، إِلَى أَرْضٍ تَقْبَلُ الْمَوْتَى. فَقُلْنَا: مَا جَزَاءُ صَاحِبِنَا أَنْ نُعَرِّضَهُ لِلسِّبَاعِ تَأْكُلُهُ؟ قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا عَلَى نَبْشِهِ، فَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى اللَّحْدِ إِذَا صَاحِبُنَا لَيْسَ فِيهِ، وَإِذَا اللَّحْدُ مَدَّ الْبَصَرِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ. قَالَ: فَأَعَدْنَا التُّرَابَ إِلَى اللَّحْدِ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي اسْتِسْقَائِهِ وَمَشْيِهِمْ عَلَى الْمَاءِ دُونَ قِصَّةِ الْمَوْتِ بِنَحْوٍ مَنْ هَذَا. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ " لِهَذِهِ الْقِصَّةِ إِسْنَادًا آخَرَ.
وَقَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ مَطَرٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أُخْتِ سَهْمٍ، عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَذَكَرَهُ. وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ: يَا عَلِيمُ، يَا حَلِيمُ، يَا عَلِيُّ، يَا عَظِيمُ، إِنَّا عَبِيدُكَ، وَفِي سَبِيلِكَ نُقَاتِلُ عَدُوَّكَ، اسْقِنَا غَيْثًا نَشْرَبُ مِنْهُ وَنَتَوَضَّأُ، فَإِذَا تَرَكْنَاهُ فَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ نَصِيبًا غَيْرَنَا. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: اجْعَلْ لَنَا سَبِيلًا إِلَى عَدُوِّكَ. وَقَالَ فِي الْمَوْتِ: أَخْفِ جُثَّتِي وَلَا تُطْلِعْ عَلَى عَوْرَتِي أَحَدًا. فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قِصَّةٌ أُخْرَى:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: انْتَهَيْنَا إِلَى دِجْلَةَ وَهِيَ مَادَّةٌ، وَالْأَعَاجِمُ خَلْفَهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: بِسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ اقْتَحَمَ بِفَرَسِهِ، فَارْتَفَعَ عَلَى الْمَاءِ. فَقَالَ النَّاسُ: بِسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ اقْتَحَمُوا فَارْتَفَعُوا عَلَى الْمَاءِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمُ الْأَعَاجِمُ، وَقَالُوا: دِيوَانُ دِيوَانُ. ثُمَّ ذَهَبُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ. قَالَ: فَمَا فَقَدَ النَّاسُ إِلَّا قَدَحًا كَانَ مُعَلِّقًا بِعَذَبَةِ سَرْجٍ، فَلَمَّا خَرَجُوا أَصَابُوا الْغَنَائِمَ، فَاقْتَسَمُوهَا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ: مَنْ يُبَادِلُ صَفْرَاءَ بِبَيْضَاءَ
قِصَّةٌ أُخْرَى:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّمِّذِيِّ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا: ثَنَا أَبُو النَّضْرِ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى الدِّجْلَةِ وَهِيَ تَرْمِي الْخَشَبَ مِنْ مَدِّهَا، فَمَشَى عَلَى الْمَاءِ، وَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ مَتَاعِكُمْ شَيْئًا فَنَدْعُوَ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. قُلْتُ: وَسَتَأْتِي قِصَّةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ -

وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثُوَبٍ - مَعَ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ حِينَ أَلْقَاهُ فِي النَّارِ، فَكَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، كَمَا كَانَتْ عَلَى الْخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

قِصَّةُ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، وَكَلَامُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ
وَشَهَادَتُهُ بِالرِّسَالَةِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِالْخِلَافَةِ لِأَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ ثُمَّ لِعُمْرَ ثُمَّ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، أَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو كَشْمُرْدُ، أَنَا الْقُعْنَبِيُّ، أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَارِجَةَ الْأَنْصَارِيَّ ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، تُوُفِّيَ زَمَنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَسُجِّيَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَمِعُوا جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَحْمَدُ أَحْمَدُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ، الضَّعِيفُ فِي نَفْسِهِ، الْقَوِيُّ فِي أَمْرِ اللَّهِ، فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، عَلَى مِنْهَاجِهِمْ، مَضَتْ أَرْبَعٌ وَبَقِيَتْ ثِنْتَانِ، أَتَتِ الْفِتَنُ، وَأَكَلَ الشَّدِيدُ الضَّعِيفَ، وَقَامَتِ السَّاعَةُ، وَسَيَأْتِيكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ خَبَرُ بِئْرِ أَرِيسَ، وَمَا بِئْرُ أَرِيسَ؟ قَالَ يَحْيَى: قَالَ سَعِيدُ: ثُمَّ هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ فَسُجِّيَ بِثَوْبِهِ، فَسُمِعَ جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ صَدَقَ صَدَقَ ثُمَّ

رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَهُ شَوَاهِدٌ. ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " مَنْ عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ ": حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: جَاءَ يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ إِلَى حَلْقَةِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِكِتَابِ أَبِيهِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - يَعْنِي إِلَى أُمِّهِ -: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ إِلَى أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ أَبِي هَاشِمٍ، سَلَامٌ عَلَيْكِ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكِ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَإِنَّكِ كَتَبْتِ إِلَيَّ لِأَكْتُبَ إِلَيْكِ بِشَأْنِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ أَخَذَهُ وَجَعٌ فِي حَلْقِهِ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصَحِّ النَّاسِ أَوْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - فَتُوُفِّيَ بَيْنَ صَلَاةِ الْأَوْلَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَأَضْجَعْنَاهُ لِظَهْرِهِ، وَغَشَّيْنَاهُ بِبَرْدَيْنِ وَكِسَاءٍ، فَأَتَانِي آتٍ فِي مَقَامِي وَأَنَا أُسَبِّحُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: إِنَّ زَيْدًا قَدْ تَكَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مُسْرِعًا، وَقَدْ حَضَرَهُ قَوْمٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ يَقُولُ أَوْ يُقَالُ عَلَى لِسَانِهِ: الْأَوْسَطُ أَجْلَدُ الثَّلَاثَةِ، الَّذِي كَانَ لَا يُبَالِي فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، كَانَ لَا يَأْمُرُ النَّاسَ أَنْ يَأْكُلَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ، عَبْدُ اللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، صَدَقَ صَدَقَ، كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ قَالَ: عُثْمَانُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ يُعَافِي النَّاسَ مِنْ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ، خَلَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَ أَرْبَعٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَا نِظَامَ وَأُبِيحَتِ الْأَحْمَاءُ، ثُمَّ ارْعَوَى الْمُؤْمِنُونَ وَقَالُوا:

كِتَابُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ. أَيُّهَا النَّاسُ، أَقْبِلُوا عَلَى أَمِيرِكُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَمَنْ تَوَلَّى فَلَا يَعْهَدَنَّ دَمًا، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذِهِ الْجَنَّةُ وَهَذِهِ النَّارُ، وَيَقُولُ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، هَلْ أَحْسَسْتَ لِي خَارِجَةَ - لِأَبِيهِ - وَسَعْدًا اللَّذَيْنِ قُتِلَا يَوْمَ أُحُدٍ؟ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى. ثُمَّ خَفَتَ صَوْتُهُ، فَسَأَلْتُ الرَّهْطَ عَمَّا سَبَقَنِي مِنْ كَلَامِهِ، فَقَالُوا: سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: أَنْصِتُوا أَنْصِتُوا. فَنَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا الصَّوْتُ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ. قَالَ: فَكَشَفْنَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ رَسُولُ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ الْأَمِينُ، خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ ضَعِيفًا فِي جِسْمِهِ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ، صَدَقَ صَدَقَ، وَكَانَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي نَصْرِ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ نُجَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، عَنِ الْمُعَافَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، فَذَكَرَهُ وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَذَكَرَ بِئْرَ أَرِيسَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْأَمْرُ فِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا فَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى وَقَعَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ خِلَافَتِهِ

سِتِّ سِنِينَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغَيَّرَتْ عُمَّالُهُ، وَظَهَرَتْ أَسْبَابُ الْفِتَنِ، كَمَا قِيلَ عَلَى لِسَانِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ. قُلْتُ: وَهِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْلِهِ: مَضَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَ أَرْبَعٌ. أَوْ: مَضَتْ أَرْبَعٌ وَبَقِيَ اثْنَتَانِ. عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": زَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ شَهِدَ بَدْرًا، تُوُفِّيَ زَمَنَ عُثْمَانَ، وَهُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِىَ فِي التَّكَلُّمِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَنْ جَمَاعَةٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: ثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثَنَا خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَتْلَى مُسَيْلِمَةَ تَكَلَّمَ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ، عُثْمَانُ اللِّينُ الرَّحِيمُ. قَالَ: وَلَا أَدْرِي أَيْشُ قَالَ فِي عُمَرَ كَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَنَا حُصِينُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا هُمْ يُثَوِّرُونَ الْقَتْلَى يَوْمَ صِفِّينَ أَوْ يَوْمَ الْجَمَلِ، إِذْ تَكَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ الْقَتْلَى، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ، عُمَرُ الشَّهِيدُ، عُثْمَانُ الرَّحِيمُ ثُمَّ سَكَتَ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ فِي كِتَابِ " الْمَبْعَثِ ":

بَابٌ فِي كَلَامِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَائِبِهِمْ
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ هِشَامٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ: مَرِضَ أَخِي الرَّبِيعُ بْنُ حِرَاشٍ فَمَرَّضْنَاهُ، ثُمَّ مَاتَ فَذَهَبْنَا نُجَهِّزُهُ، فَلَمَّا جِئْنَا رَفْعَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. قُلْنَا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، أَلَسْتَ قَدْ مِتَّ؟! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَقِيتُ بَعْدَكُمْ رَبِّي وَلَقِيَنِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، ثُمَّ كَسَانِي ثِيَابًا مِنْ سُنْدُسٍ خُضْرٍ، وَإِنِّي سَأَلْتُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِي فَأُبَشِّرُكُمْ فَأَذِنَ لِي، وَإِنَّ الْأَمْرَ، أَيْسَرُ مِمَّا تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ، فَسَدِّدُوا وَقَارَبُوا، فَأَبْشِرُوا وَلَا تَغْتَرُّوا. فَلَمَّا قَالَهَا كَانَتْ كَحَصَاةٍ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ ثُمَّ أَوْرَدَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً فِي هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ آخِرُ كِتَابِهِ.

حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصِّفَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، ثَنَا شَاصُونَةُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ وَانْصَرَفْنَا مِنْ عَدَنَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: الْحَرْدَةُ - حَدَّثَنِي مُعْرِضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعْرِضِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ الْيَمَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: حَجَجْتُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَدَخَلْتُ دَارًا بِمَكَّةَ، فَرَأَيْتُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَجْهُهُ مِثْلُ دَارَةِ الْقَمَرِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ عَجَبًا، جَاءَهُ رَجُلٌ بِغُلَامٍ يَوْمَ وُلِدَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَنَا؟ " قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: " صَدَقْتَ، بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى شَبَّ. قَالَ أَبِي: فَكُنَّا نُسَمِّيهُ مُبَارَكُ الْيَمَامَةِ قَالَ شَاصُونَةُ: وَقَدْ كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى مَعْمَرٍ فَلَا أَسْمَعُ مِنْهُ. قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْكُدَيْمِيِّ بِسَبَبِهِ، وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَاسْتَغْرَبُوا شَيْخَهُ هَذَا، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ عَقْلًا بَلْ وَلَا شَرْعًا، فَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " فِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ الْعَابِدِ، أَنَّهُ اسْتَنْطَقَ ابْنَ تِلْكَ الْبَغِىِّ فَقَالَ لَهُ: يَا بَابُوسُ ابْنُ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: ابْنُ الرَّاعِي. فَعَلِمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَرَاءَةَ عِرْضِ جُرِيْجٍ مِمَّا كَانَ نُسِبَ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْكُدَيْمِيِّ، إِلَّا أَنَّهُ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ أَيْضًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ، أَنَا

أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ بِثَغْرِ صَيْدَا، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مَحْبُوبِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدٍ أَبُو الْفَضْلِ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا جَدِّي شَاصُونَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي مُعْرِضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: حَجَجْتُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَدَخَلْتُ دَارًا بِمَكَّةَ، فَرَأَيْتُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْهُهُ كَدَارَةِ الْقَمَرِ، فَسَمِعْتُ مِنْهُ عَجَبًا; أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ بِغُلَامٍ يَوْمَ وُلِدَ، وَقَدْ لَفَّهُ فِي خِرْقَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا غُلَامُ، مَنْ أَنَا؟ " قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ: " بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ ". ثُمَّ إِنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقِ، عَنْ أَبِي الْفَضْلِ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئِ الْقَزْوِينِيِّ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاصُونَةِ بِهِ. قَالَ الْحَاكِمُ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عُمَرَ الزَّاهِدِ قَالَ: لَمَّا دَخَلْتُ الْيَمَنَ دَخَلْتُ حَرْدَةَ، فَسَأَلْتُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَوَجَدْتُ فِيهَا لِشَاصُونَةَ عَقِبًا، وَحُمِلْتُ إِلَى قَبْرِهِ فَزُرْتُهُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلِهَذَا الْحَدِيثِ أَصِلٌ مِنْ حَدِيثِ الْكُوفِيِّينَ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ يُخَالِفُهُ فِي وَقْتِ الْكَلَامِ. ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ،، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِصَبِيٍّ قَدْ شَبَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ " قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ رُوِيَ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا قَدْ تَحَرَّكَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ مُنْذُ وُلِدَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَدْنِيهِ مِنِّي ".

فَأَدْنَتْهُ مِنْهُ. فَقَالَ: " مَنْ أَنَا؟ " فَقَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ.

قِصَّةُ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ فَدَعَا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَبَرَأَ
قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ مَعَ قِصَّةِ الْجَمَلِ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِوَلَدِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بِهِ لَمَمًا، وَأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عِنْدَ طَعَامِنَا فَيُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامَنَا. قَالَ: فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَثَعَّ ثَعَّةً، فَخَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ الْجَرْوِ الْأَسْوَدِ يَسْعَى. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ رَجُلٌ صَالِحٌ وَلَكِنَّهُ سَيْءُ الْحِفْظِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَاحْتُمِلَ حَدِيثُهُ، وَلِمَا رَوَاهُ هَا هُنَا شَاهِدٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْقِصَّةُ هِيَ مَا سَبَقَ إِيرَادُهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُخْرَى غَيْرَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، ثَنَا

مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا صَدَقَةُ، يَعْنِي ابْنَ مُوسَى، ثَنَا فَرْقَدٌ وَهُوَ السَّبَخِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْخَبِيثَ قَدْ غَلَبَنِي. فَقَالَ لَهَا: " إِنْ تَصْبِرِي عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ تَجِيئِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ عَلَيْكَ ذُنُوبٌ وَلَا حِسَابٌ ". قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَصْبِرَنَّ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ. قَالَتْ: إِنِّي أَخَافُ الْخَبِيثَ أَنْ يُجَرِّدَنِي. فَدَعَا لَهَا، فَكَانَتْ إِذَا خَشِيَتْ أَنْ يَأْتِيَهَا تَأْتِي أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ فَتَعَلَّقُ بِهَا وَتَقُولُ لَهُ: اخْسَأْ. فَيَذْهَبُ عَنْهَا. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَصَدَقَةُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَفَرْقَدٌ حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ وَاحْتُمِلَ حَدِيثُهُ عَلَى سُوءِ حِفْظِهِ
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ، ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَّا أُرِيَكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ السَّوْدَاءُ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَأَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: " إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكِ أَنْ يُعَافِيَكَ ". قَالَتْ: لَا، بَلْ أَصْبِرُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفُ. أَوْ: لَا يَنْكَشِفُ عَنِّي قَالَ: فَدَعَا لَهَا وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَوَارِيرِيِّ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَبِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، كِلَاهُمَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ أَبِي بَكْرٍ

الْقَصِيرِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، ثَنَا مَخْلَدٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ، امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ سَوْدَاءُ، عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ " أَنَّ أُمَّ زُفَرَ هَذِهِ كَانَتْ مَشَّاطَةَ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ قَدِيمًا، وَأَنَّهَا عُمِّرَتْ حَتَّى أَدْرَكَهَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ الْقَنَوِيِّ، ثَنَا إِيَاسُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَتِ الْحُمَّى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْعَثْنِي إِلَى أَحَبِّ قَوْمِكَ إِلَيْكَ - أَوْ أَحَبِّ أَصْحَابِكَ إِلَيْكَ. شَكَّ قُرَّةٌ - فَقَالَ: " اذْهَبِي إِلَى الْأَنْصَارِ ". فَذَهَبَتْ إِلَيْهِمْ فَصَرَعَتْهُمْ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَتَتِ الْحُمَّى عَلَيْنَا، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِالشِّفَاءِ. فَدَعَا لَهُمْ، فَكُشِفَتْ عَنْهُمْ. قَالَ: فَاتَّبَعَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي فَإِنِّي لَمِنَ الْأَنْصَارِ، فَادْعُ اللَّهَ لِي كَمَا دَعَوْتَ لَهُمْ، فَقَالَ: " أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ; أَنْ أَدْعُوَ لَكِ فَيَكْشِفُ عَنْكِ، أَوْ تَصْبِرِينَ وَتَجِبُ لَكِ

الْجَنَّةُ؟ " فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ أَصْبِرُ - ثَلَاثًا - وَلَا أَجْعَلُ وَاللَّهِ لِجَنَّتِهِ خَطَرًا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ ضَعِيفٌ.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا هِشَامُ بْنُ لَاحِقٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ:اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَنْ أَنْتِ؟ " قَالَتْ: أَنَا الْحُمَّى، أَبْرِي اللَّحْمَ، وَأَمُصُّ الدَّمَ. قَالَ: " اذْهَبِي إِلَى أَهْلِ قُبَاءٍ ". فَأَتَتْهُمْ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اصْفَرَّتْ وُجُوهُهُمْ، فَشَكَوْا إِلَيْهِ الْحُمَّى، فَقَالَ لَهُمْ: " مَا شِئْتُمْ; إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ فَكَشْفَهَا عَنْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمُوهَا فَأَسْقَطَتْ ذُنُوبَكُمْ ". قَالُوا: بَلْ نَدَعُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ دُعَاءَهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُذْهِبَ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ مَنْ أَوْبَأِ أَرْضِ اللَّهِ، فَصَحَّحَهَا اللَّهُ بِبَرَكَةِ حُلُولِهِ بِهَا، وَدُعَائِهِ لِأَهْلِهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ، سَمِعْتُ عِمَارَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي. فَقَالَ:

" إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِآخِرَتِكَ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ ". قَالَ: لَا، بَلِ ادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى وَتُشَفِّعُنِي فِيهِ وَتُشَفِّعُهُ فِيَّ. قَالَ: فَكَانَ يَقُولُ هَذَا مِرَارًا. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: أَحْسَبُ أَنَّ فِيهَا: أَنْ تُشَفِّعَنِي فِيهِ. قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرَأَ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَالَ: اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ. وَلَمْ يُقِلِ الْأُخْرَى، وَكَأَنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ مُؤَمَّلٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ حِبَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ

عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ بِهِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَعَلَّهُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْحَبَطِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَهُ رَجُلٌ ضَرِيرٌ، فَشَكَا إِلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي قَائِدٌ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَتُجَلِّي بَصَرِي، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي " قَالَ عُثْمَانُ: فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلَا طَالَ الْحَدِيثُ بِنَا حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَامَانَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّهِ

أَنَّ خَالَهَا حَبِيبَ بْنَ فُوَيْكٍ حَدَّثَهَا أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ مُبْيَضَّتَانِ لَا يُبْصِرُ بِهِمَا شَيْئًا أَصْلًا، فَسَأَلَهُ " مَا أَصَابَكَ؟ " فَقَالَ: كُنْتُ أَمْرِي جَمَلًا لِي، فَوَقَعَتْ رِجْلِي عَلَى بَيْضِ حَيَّةٍ فَأُصِيبَ بَصَرِي. قَالَ: فَنَفَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ فَأَبْصَرَ، فَرَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَيُدْخِلُ الْخَيْطَ فِي الْإِبْرَةِ، وَإِنَّهُ لَابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَمُبْيَضَّتَانِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَذَا فِي كِتَابِهِ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ: حَبِيبُ بْنُ مُدْرِكٍ. قَالَ وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ، فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْضِعِهَا، فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أُصِيبَتْ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَقْتَلِ أَبِي رَافِعٍ مَسْحَهُ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ عَلَى رِجْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ وَقَدِ انْكَسَرَ سَاقُهُ، فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ يَدَ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ وَقَدِ احْتَرَقَتْ يَدُهُ بِالنَّارِ، فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَأَنَّهُ، عَلَيْهِ

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، نَفَثَ فِي كَفِّ شُرَحْبِيلَ الْجُعْفِيِّ فَذَهَبَتْ مِنْ كَفِّهِ سِلْعَةٌ كَانَتْ بِهِ.
قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرٍ تَفْلُهُ فِي عَيْنَيْ عَلِيٍّ وَهُوَ أَرْمَدُ فَبَرَأَ
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ حَدِيثَهُ فِي تَعْلِيمِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ السَّلَامُ، ذَلِكَ الدُّعَاءَ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ، فَحَفِظَهُ.
وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٍ:مَنْ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَنْسَى شَيْئًا مِنْ مَقَالَتِي ". قَالَ: فَبَسَطْتُهُ فَلَمْ أَنْسَ شَيْئًا مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ. فَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ حِفْظًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِكُلِّ مَا سَمِعَهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. قِيلَ: وَفِي غَيْرِهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَدَعَا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَبَرَأَ
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ دَعَا لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَرْضَةٍ مَرِضَهَا، وَطَلَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ رَبَّهُ، فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا. وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرًا طَيِّبًا أَشَرْنَا إِلَى أَطْرَافٍ مِنْهُ، وَتَرَكْنَا أَحَادِيثَ ضَعِيفَةَ الْإِسْنَادِ، وَاكْتَفَيْنَا بِمَا أَوْرَدْنَا عَمَّا تَرَكْنَا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ
حَدِيثٌ آخَرُ:
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ،

زَادَ مُسْلِمٌ: وَالْمُغِيرَةُ. كِلَاهُمَا عَنْ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيِّعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ قَدْ أَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَالَ: فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ وَدَعَا لِي، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ - وَفِي رِوَايَةٍ: فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الْإِبِلِ قُدَّامَهَا حَتَّى كُنْتُ أَحْبِسُ خِطَامَهُ فَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ - فَقَالَ: " كَيْفَ تَرَى جَمَلَكَ؟ " فَقُلْتُ: قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي مِقْدَارِ ثَمَنِهِ عَلَى رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَأَنَّهُ اسْتَثْنَى حُمْلَانَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَاءَهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ وَزَادَهُ، ثُمَّ أَطْلَقَ لَهُ الْجَمَلَ أَيْضًا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَهُوَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: فَزِعَ النَّاسُ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا، ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ، فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " لَنْ تُرَاعُوا، إِنَّهُ لَبَحْرٌ ". قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، أَنَا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيِّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، ثَنَا رَافِعُ بْنُ

سَلَمَةَ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جُعَيْلٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ:غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ وَأَنَا عَلَى فَرَسٍ لِي عَجْفَاءُ ضَعِيفَةٌ. قَالَ: فَكُنْتُ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " سِرْ يَا صَاحِبَ الْفَرَسِ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَجْفَاءُ ضَعِيفَةٌ. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِخْفَقَةً مَعَهُ فَضَرَبَهَا بِهَا، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِيهَا ". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا أُمْسِكُ بِرَأْسِهَا أَنْ تَقْدُمَ النَّاسَ، وَلَقَدْ بِعْتُ مِنْ بَطْنِهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، فَذَكَرَهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَعِيشَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَشْجَعِيِّ فَذَكَرَهُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": وَقَالَ رَافِعُ بْنُ زِيَادِ بْنِ الْجَعْدِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ أَخِي سَالِمٍ، عَنْ جُعَيْلٍ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً. فَقَالَ: " هَلَّا نَظَرْتُ إِلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا ". قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا. قَالَ: " عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟ " فَذَكَرَ شَيْئًا. قَالَ: " كَأَنَّهُمْ يَنْحِتُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذِهِ الْجِبَالِ! مَا عِنْدَنَا الْيَوْمَ شَيْءٌ نُعْطِيكَهُ، وَلَكِنْ سَأَبْعَثُكَ فِي وَجْهٍ تُصِيبُ فِيهِ ". فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ، وَبَعَثَ الرَّجُلَ فِيهِمْ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْيَتْنِي نَاقَتِي أَنْ تَنْبَعِثَ. قَالَ: فَنَاوَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ كَالْمُعْتَمِدِ عَلَيْهِ لِلْقِيَامِ، فَأَتَاهَا فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُهَا تَسْبِقُ بِهِ الْقَائِدَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " الصَّحِيحِ " عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعْينٍ، عَنْ مَرْوَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى بَعِيرًا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَعِيرًا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي فِيهِ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِيهِ ". فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا أَنْ نَفَقَ، ثُمَّ اشْتَرَى بَعِيرًا آخَرَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَعِيرًا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي فِيهِ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِيهِ ". فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّى نَفَقَ، ثُمَّ اشْتَرَى بَعِيرًا

آخَرَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِ اشْتَرَيْتُ بَعِيرَيْنِ، فَدَعَوْتَ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي فِيهِمَا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَحْمِلَنِي عَلَيْهِ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ احْمِلْهُ عَلَيْهِ ". فَمَكَثَ عِنْدَهُ عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَدُعَاؤُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، صَارَ إِلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمِيكَالِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا الْمُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقُلْنَا: إِنَّا نَشْتَهِي أَنْ نَشْهَدَ مَعَكَ مَشْهَدًا. قَالَ: " أَسْلَمْتُمْ؟ " قُلْنَا: لَا. قَالَ: " فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ". قَالَ: فَأَسْلَمْنَا، وَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصَابَتْنِي ضَرْبَةٌ عَلَى عَاتِقِي فَجَافَتْنِي، فَتَعَلَّقَتْ يَدِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَفَلَ فِيهَا وَأَلْزَقَهَا، فَالْتَأَمَتْ وَبَرَأَتْ، وَقَتَلْتُ الَّذِي ضَرَبَنِي، ثُمَّ تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ الَّذِي قَتَلْتُهُ وَضَرَبَنِي، فَكَانَتْ تَقُولُ: لَا عَدِمْتَ رَجُلًا وَشَّحَكَ هَذَا الْوِشَاحَ. فَأَقُولُ: لَا عَدِمْتِ رَجُلًا أَعْجَلَ أَبَاكِ إِلَى النَّارِ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ

أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فَتَفَلَ فِيهَا فَبَرَأَتْ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
ثَبْتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَلَاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: " مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ " قَالُوا: ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ: " اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْأَشْيَبِ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي - أَوْ قَالَ: مَنْكِبِي - شَكَّ سَعِيدٌ - ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ " وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الدَّعْوَةَ فِي ابْنِ عَمِّهِ، فَكَانَ إِمَامًا يُهْتَدَى بِهُدَاهُ، وَيُقْتَدَى بِسَنَاهُ فِي عُلُومِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا سِيَّمَا فِي عُلُومِ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ التَّفْسِيرُ، فَإِنَّهُ انْتَهَتْ إِلَيْهِ عُلُومُ الصَّحَابَةِ قَبْلَهُ، وَمَا كَانَ عَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَمِّهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَدْ قَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَدْرَكَ أَسْنَانَنَا مَا عَاشَرَهُ أَحَدٌ مِنَّا. وَكَانَ يَقُولُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ. هَذَا وَقَدْ تَأَخَّرَتْ وَفَاةُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِبِضْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا حَصَّلَهُ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَالَ: خَطَبَ النَّاسَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ، فَفَسَّرَ لَهُمْ سُورَةَ " الْبَقَرَةِ "، أَوْ قَالَ: سُورَةً فَفَسَّرَهَا تَفْسِيرًا لَوْ سَمِعَتْهُ الرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ لَأَسْلَمُوا. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ
حَدِيثٌ آخَرُ:
ثَبَتُ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، دَعَا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، فَكَانَ كَذَلِكَ، حَتَّى رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ: سَمِعَ أَنَسٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الْفَاكِهَةَ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ فِيهِ رَيْحَانٌ يَجِيءُ مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ وَقَدْ رُوِّينَا فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ لِصُلْبِهِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةٍ أَوْ مَا يُنَيِّفُ عَلَيْهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَطِلْ عُمْرَهُ ". فَعُمِّرَ مِائَةً.

وَقَدْ دَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَلِأَبِي طَلْحَةَ فِي غَابِرِ لَيْلَتِهِمَا، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ، فَجَاءَ مِنْ صُلْبِهِ تِسْعَةٌ كُلُّهُمْ قَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ. ثَبَتَ ذَلِكَ فِي " الصَّحِيحِ ".
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيِّ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ لِأُمِّهِ فَيَهْدِيهَا اللَّهُ، فَدَعَا لَهَا، فَذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَوَجَدَ أُمَّهُ تَغْتَسِلُ خَلْفَ الْبَابِ، فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، ثُمَّ ذَهَبَ فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَأَلَ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمَا أَنْ يُحَبِّبَهُمَا اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. فَدَعَا لَهُمَا فَحَصَلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَيْسَ مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤْمِنَةٌ إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّنَا. وَقَدْ صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَمِنْ تَمَامِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَنَّ اللَّهَ شَهَرَ ذِكْرَهُ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ، حَيْثُ يَذْكُرُهُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا مِنَ التَّقْيِيضِ الْقَدَرِيِّ وَالتَّقْدِيرِ الْمَعْنَوِيِّ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،دَعَا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ وَهُوَ مَرِيضٌ فَعُوفِيَ. وَدَعَا لَهُ أَنْ يَكُونَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَجِبْ دَعْوَتَهُ، وَسَدِّدْ رَمْيَتَهُ فَكَانَ كَذَلِكَ، فَنِعْمَ أَمِيرُ السَّرَايَا وَالْجُيُوشِ كَانَ، وَقَدْ دَعَا عَلَى أَبِي سَعْدَةَ أُسَامَةَ بْنِ قَتَادَةَ - حِينَ شَهِدَ فِيهِ بِالزُّورِ - بِطُولِ الْعُمْرِ

وَكَثْرَةِ الْفَقْرِ وَالتَّعَرُّضِ لِلْفِتَنِ، فَكَانَ ذَلِكَ، فَكَانَ إِذَا سُئِلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لِلسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ، فَطَالَ عُمُرُهُ، حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعًا وَتِسْعِينَ سَنَةً وَهُوَ تَامُّ الْقَامَةِ مُعْتَدِلٌ، وَلَمْ يَشِبْ مِنْهُ مَوْضِعُ أَصَابَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُتِّعَ بِحَوَاسِّهِ وَقُوَاهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، ثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، ثَنَا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْنُ مِنِّي ". فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ وَأَدِمْ جَمَالَهُ ". قَالَ: فَبَلَغَ بِضْعًا وَمِائَةً - يَعْنِي سَنَةً - وَمَا فِي لِحْيَتِهِ بَيَاضٌ إِلَّا نُبَذٌ يَسِيرَةٌ، وَلَقَدْ كَانَ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ لَمْ يَنْقَبِضْ وَجْهُهُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ. وَلَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ لِهَذَا نَظَائِرَ كَثِيرَةً، وَأَسْنَدَ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، تَشْفِي الْقُلُوبَ وَتُحَصِّلُ الْمَطْلُوبَ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى: ثَنَا مُعْتَمِرٌ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. قَالَ: فَمَرَّ رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الدَّارِ. قَالَ: فَرَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ قَتَادَةَ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ. قَالَ: وَكُنْتُ قَلَّ مَا رَأَيْتُهُ إِلَّا وَرَأَيْتُ كَأَنَّ عَلَى وَجْهِهِ الدِّهَانَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، دَعَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِالْبَرَكَةِ حِينَ رَأَى عَلَيْهِ ذَلِكَ الرَّدْعَ مِنَ الزَّعْفَرَانِ لِأَجْلِ الْعُرْسِ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَتَحَ لَهُ فِي الْمَتْجَرِ وَالْمَغَانِمِ حَتَّى حَصَلَ لَهُ مَالٌ جَزِيلٌ، بِحَيْثُ إِنَّهُ لَمَّا مَاتَ صُولِحَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ عَنْ رُبُعِ الثُّمُنِ، عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفًا.
وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَيَّ يُخْبِرُونَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا، لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ، وَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا لَهُ

بِالْبَرَكَةِ فِي الْبَيْعِ، فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ لَهُ: " بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ،عَنْ أَبِي عُقَيْلٍ، أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ، فَيَلْقَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عُمَرَ فَيَقُولَانِ: أَشْرِكْنَا فِي بَيْعِكَ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ. فَيُشْرِكُهُمْ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا ابْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَلَبِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُسْتَمْلِي، ثَنَا شَبَابَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ،عَنْ بِلَالٍ قَالَ: أَذَّنْتُ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا، فَقَالَ: " أَيْنَ النَّاسُ يَا بِلَالُ؟ " فَقُلْتُ: مَنَعَهُمُ الْبَرْدُ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَذْهِبِ عَنْهُمُ الْبَرْدَ " فَرَأَيْتُهُمْ يَتَرَوَّحُونَ. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ، وَنَظِيرُهُ قَدْ مَضَى فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنْ حُذَيْفَةَ فِي قِصَّةِ الْخَنْدَقِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، أَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهَبِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَهُ، فَعَرَضَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ مُحْرِمَةٌ، وَمَعِي زَوْجٌ لِي فِي بَيْتِي مِثْلُ الْمَرْأَةِ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعِي لِي زَوْجَكِ ". فَدَعَتْهُ وَكَانَ خَرَّازًا، فَقَالَ لَهُ: " مَا تَقُولُ فِي امْرَأَتِكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ " فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا جَفَّ رَأْسِي مِنْهَا. فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الشَّهْرِ؟! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُبْغِضِينَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَدْنِيَا رُءُوسَكُمَا ". فَوَضَعَ جَبْهَتَهَا عَلَى جَبْهَةِ زَوْجِهَا ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَهُمَا، وَحَبَّبَ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ " ثُمَّ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ النَّمَطِ وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَطَلَعَتِ الْمَرْأَةُ تَحْمِلُ أَدَمًا عَلَى رَأْسِهَا، فَلَمَّا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَحَتْهُ وَأَقْبَلَتْ، فَقَبَّلَتْ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَنْتِ وَزَوْجُكِ؟ " فَقَالَتْ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا طَارِفٌ وَلَا تَالِدٌ وَلَا وَالِدٌ

أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ". فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ اللَّهَبِيُّ، وَهُوَ كَثِيرُ الرِّوَايَةِ لِلْمَنَاكِيرِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَى يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَعْنَى هَذِهِ الْقِصَّةِ; إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ،عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ رَجُلًا وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ فَأَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَأَخَذَ بِجَبْهَتِهِ، فَنَبَتَتْ شَعْرَةٌ فِي جَبْهَتِهِ كَأَنَّهَا هُلْبَةُ فَرَسٍ، فَشَبَّ الْغُلَامُ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ الْخَوَارِجِ أَجَابَهُمْ، فَسَقَطَتِ الشَّعْرَةُ عَنْ جَبْهَتِهِ، فَأَخْذَهُ أَبُوهُ فَقَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ. قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَوَعَظْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى بَرَكَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَتْ؟ فَلَمْ نَزَلْ بِهِ حَتَّى رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِمْ. قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ تِلْكَ الشَّعْرَةَ إِلَى جَبْهَتِهِ إِذْ تَابَ
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ الْكَلْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، حَدَّثَنِي سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ:

فِرَاسُ بْنُ عَمْرٍو. أَصَابَهُ صُدَاعٌ شَدِيدٌ، فَذَهَبَ بِهِ أَبُوهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ بِجِلْدَةٍ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَجَذَبَهَا حَتَّى تَنَقَّضَتْ، فَنَبَتَتْ فِي مَوْضِعِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَةٌ، وَذَهَبٌ عَنْهُ الصُّدَاعُ فَلَمْ يُصَدَّعْ. وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ فِي الشَّعْرَةِ كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَرَادٍ الْعُقَيْلِيَّ، حَدَّثَنِي النَّابِغَةُ، يَعْنِي الْجَعْدِيَّ، قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْشَدْتُهُ مِنْ قَوْلِي:
عَلَوْنَا الْعَبَادَ عِفَّةً وَتَكَرُّمًا وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
قَالَ: " أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى؟ " قَالَ: قُلْتُ: إِلَى الْجَنَّةِ. قَالَ: " أَجَلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". ثُمَّ قَالَ: " أَنْشَدَنِي " فَأَنْشَدْتُهُ مِنْ قَوْلِي:
وَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الْأَمْرَ أَصْدَرَا
قَالَ: " أَحْسَنْتَ، لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ ". هَكَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.

وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلُ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ السُّكَّرِيُّ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّابِغَةَ نَابِغَةَ بَنِي جَعْدَةَ يَقُولُ:أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الشِّعْرَ فَأَعْجَبَهُ:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَثَرَاؤُنَا وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
فَقَالَ: " أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى؟ " قُلْتُ: إِلَى الْجَنَّةِ. قَالَ: " كَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ".
وَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الْأَمْرَ أَصْدَرَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَجَدْتَ، لَا يُفْضَضُ فُوكَ ". قَالَ يَعْلَى: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَلَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ نَيِّفٌ وَمِائَةُ سَنَةٍ وَمَا ذَهَبَ لَهُ سِنٌّ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ سَمِعْتُ نَابِغَةَ يَقُولُ:سَمِعَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُنْشِدُ مِنْ قَوْلِي:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ عِفَّةً وَتَكَرَّمًا وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا

ثُمَّ ذَكَرَ الْبَاقِي بِمَعْنَاهُ. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ سِنَّهُ كَأَنَّهَا الْبَرَدُ الْمُنْهَلُّ، مَا سَقَطَ لَهُ سَنٌّ وَلَا انْفَلَتَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: ثَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مَعْمَرٌ، ثَنَا ثَابِتٌ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ - لَا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ - ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ إِلَى طَاعَتِكَ وَحُطَّ مِنْ وَرَائِهِمْ ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ، فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْيَمَنِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ ". ثُمَّ نَظَرَ قِبَلَ الشَّامِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ ". ثُمَّ نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ، وَبَارَكَ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا ". وَهَكَذَا وَقَعَ الْأَمْرُ، أَسْلَمَ أَهْلُ الْيَمَنِ قَبْلَ أَهْلِ الشَّامِ، ثُمَّ كَانَ الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ قِبَلَ الْعِرَاقِ، وَوَعَدَ أَهْلَ الشَّامِ بِالدَّوَامِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَالْقِيَامِ بِنُصْرَةِ الدِّينِ إِلَى آخِرِ الْأَمْرِ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي

" مُسْنَدِهِ ": لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَحَوَّلَ خِيَارُ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ، وَيَتَحَوَّلُ شِرَارُ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى الْعِرَاقِ.

فَصْلٌ دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ
وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ: " كُلْ بِيَمِينِكَ ". قَالَ: لَا أسْتَطِيعُ. قَالَ: " لَا اسْتَطَعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبَرُ ". قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ إِيَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسْرَ بْنَ رَاعِي الْعِيرِ وَهُوَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: " كُلْ بِيَمِينِكَ ". قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: " لَا اسْتَطَعْتَ " قَالَ: فَمَا وَصَلَتْ يَدُهُ إِلَى فِيهِ بَعْدُ
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ، فَجَاءَنِي فَحَطَأَنِي حَطْأَةً أَوْ حَطْأَتَيْنِ، وَأَرْسَلَنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي حَاجَةٍ

فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ يَأْكُلُ، فَقُلْتُ: أَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَأَرْسَلَنِي الثَّانِيَةَ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَقُلْتُ: أَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ. فَقَالَ: " لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ "
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمْشَاذَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ:كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ، فَقُلْتُ: مَا جَاءَ إِلَّا إِلَيَّ. فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ عَلَى بَابٍ، فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً وَقَالَ: " اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ ". وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ. قَالَ: فَذَهَبْتُ فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَقِيلَ إِنَّهُ يَأْكُلُ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَأْكُلُ. فَقَالَ: " اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي ". فَأَتَيْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: " لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ ". قَالَ: فَمَا شَبِعَ بَعْدَهَا
قُلْتُ وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَا يَشْبَعُ بَعْدَهَا، وَوَافَقَتْهُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ فِي أَيَّامِ إِمَارَتِهِ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ طَعَامًا بِلَحْمٍ، وَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَشْبَعُ وَإِنَّمَا أَعْيَى.
وَقَدَّمْنَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنَّهُ مَرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ غُلَامٌ فَدَعَا عَلَيْهِ، فَأُقْعِدَ فَلَمْ يَقُمْ بَعْدَهَا. وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ أَوْرَدَهَا الْبَيْهَقِيُّأَنَّ رَجُلًا حَاكَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَلَامٍ وَاخْتَلَجَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنْ كَذَلِكَ ". فَلَمْ

يَزَلْ يَخْتَلِجُ وَيَرْتَعِشُ مُدَّةَ عُمُرِهِ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ أَبُو مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي عَلَيْهِ ثَوْبَانِ قَدْ خَلِقَا، وَلَهُ ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ وَلَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَهُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ؟! ". فَقَالَ الرَّجُلُ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَدْ وَرَدَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ تُفِيدُ الْقَطْعَ، كَمَا سَنُورِدُهَا قَرِيبًا فِي بَابِ فَضَائِلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " اللَّهُمَّ مَنْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَهْلًا فَاجْعَلْ ذَلِكَ قُرْبَةً لَهُ تُقَرِّبُهُ بِهَا عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَعْثَةِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ أَحَدُهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأَصْحَابُهُ، حِينَ طَرَحُوا عَلَى ظَهْرِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، سَلَا الْجَزُورِ، وَأَلْقَتْهُ عَنْهُ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ". ثُمَّ سَمَّى بَقِيَّةَ السَّبْعَةِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. الْحَدِيثَ. وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا هَاشِمٌ، ثَنَا سُلَيْمَانُ، يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ " الْبَقَرَةَ " وَ " آلَ عِمْرَانَ "، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: فَرَفَعُوهُ وَقَالُوا: هَذَا كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ. وَأُعْجِبُوا بِهِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللَّهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ وَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ قَرَأَ " الْبَقَرَةَ " وَ " آلَ عِمْرَانَ "، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ " الْبَقَرَةَ " وَ " آلَ عِمْرَانَ " عَزَّ فِينَا، يَعْنِي عَظُمَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْلِي عَلَيْهِ: غَفُورًا رَحِيمًا. فَيَكْتُبُ: عَلِيمًا حَكِيمًا، فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكْتُبْ كَذَا وَكَذَا، اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ ". وَيُمْلِي عَلَيْهِ: عَلِيمًا حَكِيمًا. فَيَقُولُ: أَكْتُبُ: سَمِيعًا بَصِيرًا؟

فَيَقُولُ: " اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ ". قَالَ: فَارْتَدَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَكْتُبُ إِلَّا مَا شِئْتُ. فَمَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَقْبَلُهُ ". قَالَ أَنَسٌ: فَحَدَّثَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهُ أَتَى الْأَرْضَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَهُ مَنْبُوذًا، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: مَا شَأْنُ هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالُوا: قَدْ دَفَنَاهُ مِرَارًا فَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ وَهَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ " الْبَقَرَةَ " وَ " آلَ عِمْرَانَ "، وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفِظَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ; نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ. فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ; نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ. فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقُوهُ

بَابُ الْمَسَائِلِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَ فِيهَا بِمَا يُطَابِقُ الْحَقَّ الْمُوَافِقَ لِمَا تَشْهَدُ بِهِ الْكُتُبُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمَوْرُوثَةُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ
قَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبِعْثَةِ مَا تَعَنَّتَتْ بِهِ قُرَيْشٌ، وَبَعَثَتْ إِلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ يَسْأَلُونَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَعَنْ أَقْوَامٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ فَلَا يُدْرَى مَا صَنَعُوا، وَعَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ فِي الْأَرْضِ بَلَغَ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ. فَلَمَّا رَجَعُوا سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، قَوْلَهُ تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ ] وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: " وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ". وَأَنْزَلَ سُورَةَ " الْكَهْفِ " يَشْرَحُ فِيهَا خَبَرَ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَآمَنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، وَأَفْرَدُوهُ بِالْعِبَادَةِ، وَاعْتَزَلُوا قَوْمَهُمْ، وَنَزَلُوا غَارًا وَهُوَ الْكَهْفُ، فَنَامُوا فِيهِ، ثُمَّ أَيْقَظَهُمُ اللَّهُ بَعْدَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَهٍ وَتِسْعِ سِنِينَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ قَصَّ خَبَرَ الرَّجُلَيْنِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمَا، ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرَ مُوسَى وَالْخَضِرِ وَمَا جَرَى لَهُمَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ

ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا [ سُورَةُ الْكَهْفِ ]. ثُمَّ شَرَحَ خَبَرَهُ وَمَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَمَا عَمِلَ مِنَ الْمَصَالِحِ فِي الْعَالَمِ، وَهَذَا الْإِخْبَارُ هُوَ الْوَاقِعُ، وَإِنَّمَا يُوَافِقُهُ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَا كَانَ مِنْهَا حَقًّا، وَأَمَّا مَا كَانَ مُحَرَّفًا مُبَدَّلًا فَذَاكَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ; لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ ]. وَذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قِصَّةَ إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهٍ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ:أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلَّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ "
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قِصَّةُ سُؤَالِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا

يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ; مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَإِلَى أُمِّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا ". ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَ الْوَلَدُ إِلَى أُمِّهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، فَذَكَرَ مُسَاءَلَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَسَأَلَهُ عَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ. بَدَلَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا شَمْسَيْنِ فَقَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ [ الْإِسْرَاءِ: 12 ]. فَالسَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتَ هُوَ الْمَحْوُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
حَدِيثٌ آخَرُ فِي مَعْنَاهُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَامٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحْبِيُّ أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ قَالَ:كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا

مُحَمَّدُ. فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا. قَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ قَالَ: قُلْتُ: أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولُ اللَّهِ؟! قَالَ: إِنَّمَا سَمَّيْتُهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اسْمِيَ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي مُحَمَّدٌ ". فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ " قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنِي. فَنَكَتَ بِعُودٍ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ " سَلْ ". فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ ". قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ: " فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ ". قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: " زِيَادَةُ كَبِدِ نُونٍ ". قَالَ: وَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهِ؟ قَالَ: " يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا ". قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: " مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ. قَالَ " يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثَتْكَ؟ " قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنِي. قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ. قَالَ: " مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ أَنَّثَا بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ وَإِنَّكَ لِنَبِيٌّ. ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ سَأَلَنِي هَذَا الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ وَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى أَتَانِي اللَّهُ بِهِ " وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ بِهِ. وَهَذَا الرَّجُلُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ

يَكُونَ غَيْرَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ:حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ يَوْمًا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ. قَالَ: " سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ إِنْ أَنَا حَدَّثَتْكُمْ بِشَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ صِدْقًا لَتُبَايِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ ". قَالُوا: لَكَ ذَلِكَ. قَالَ: " سَلُوا عَمَّا شِئْتُمْ ". قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا; أَخْبِرْنَا عَنِ الطَّعَامِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ مَاءِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ ذَكَرًا، وَكَيْفَ تَكُونُ الْأُنْثَى حَتَّى تَكُونَ أُنْثَى، وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ هَذَا النَّبِيُّ فِي النَّوْمِ، وَمَنْ وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ: " فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ لَتُبَايِعُنِّي ". فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدِ وَمِيثَاقٍ. قَالَ: " أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ - يَعْقُوبَ - مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا وَطَالَ سَقَمُهُ فِيهِ، فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانَ الْإِبِلِ، وَأَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانَ الْإِبِلِ؟ " قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ ". قَالَ:

" فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَأَنَّ مَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنَّ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنَّ عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ؟ " قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ ". قَالَ: " وَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ؟ " قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ ". قَالُوا: أَنْتَ الْآنَ حَدِّثْنَا عَنْ وَلِيِّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ أَوْ نُفَارِقُكَ. قَالَ: " وَلِيِّي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ ". قَالُوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ، لَوْ كَانَ وَلِيُّكَ غَيْرَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَتَابَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ. قَالَ: " فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُصَدِّقُوهُ؟ " قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ: 97 ]. وَنَزَلَتْ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ: 90 ]
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ حَتَّى نَسْأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [ الْإِسْرَاءِ: 101 ]. فَقَالَ: لَا تَقُلْ لَهُ: نَبِيٌّ. فَإِنَّهُ

لَوْ سَمِعَكَ لَصَارَتْ لَهُ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ. فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِئٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً أَوْ قَالَ: لَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ. شُعْبَةُ الشَّاكُّ - وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنَّ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ". قَالَ: فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ. قَالَ: " فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَتَّبِعَانِي؟ " قَالَا: إِنَّ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، دَعَا أَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخْشَى إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. قُلْتُ: وَفِي رِجَالِهِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي التِّسْعُ الْآيَاتِ بِالْعَشَرِ الْكَلِمَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَصَايَا الَّتِي أَوْحَاهَا اللَّهُ إِلَى مُوسَى وَكَلَّمَهُ بِهَا لَيْلَةَ الطُّورِ بَعْدَمَا خَرَجُوا مِنْ دِيَارِ مِصْرَ وَشَعْبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَوْلَ الطُّورِ حُضُورٌ، وَهَارُونُ وَمِنْ مَعَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وُقُوفٌ عَلَى الطُّورُ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى آمِرًا لَهُ بِهَذِهِ الْعَشْرِ كَلِمَاتٍ، وَقَدْ فُسِّرَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا التِّسْعُ الْآيَاتِ فَتِلْكَ دَلَائِلُ، وَخَوَارِقُ عَادَاتٍ أُيِّدَ بِهَا مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَهِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقَمْلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ وَالْجَدْبُ وَنَقْصُ الثَّمَرَاتِ، وَقَدْ بَسَطْنَا

الْقَوْلَ عَلَى ذَلِكَ فِي " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ دَعْوَةُ النَّصَارَى إِلَى الْمُبَاهَلَةِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ ": قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [ الْبَقَرَةِ: 94، 95 ]. وَمِثْلُهَا فِي سُورَةِ " الْجُمُعَةِ "، وَهِيَ قَوْلُهُ: قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [ الْجُمُعَةِ 6، 7 ]. وَذَكَرَنَا أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ; أَنْ يَدْعُوَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمُبْطِلِ مِنْهُمْ أَوِ الْمُسْلِمِينَ، فَنَكَلُوا عَنْ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ تَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ، وَيَعُودُ وَبَالُهَا إِلَيْهِمْ، وَهَكَذَا دَعَا النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ حِينَ حَاجُّوهُ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، فَأَمْرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [ آلِ عِمْرَانَ: 61 ]. وَهَكَذَا دَعَا عَلَى

الْمُشْرِكِينَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَاهَلَةِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا [ مَرْيَمَ: 75 ]. وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

حَدِيثٌ آخَرُ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَ الْيَهُودِ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَتَضَمَّنُ تَحَاكُمَهُمْ إِلَيْهِ وَرُجُوعَهُمْ إِلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَكِنْ بِقَصْدٍ مِنْهُمْ مَذْمُومٍ
وَذَلِكَ أَنَّهُمُ ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إِنْ حَكَمَ بِمَا يُوَافِقُ هَوَاهُمْ فَاتَّبَعُوهُ، وَإِلَّا فَاحْذَرُوا ذَلِكَ وَقَدْ ذَمَّهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: ثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعِنْدَ سَعِيدٍ رَجُلٌ وَهُوَ يُوَقِّرُهُ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، كَانَ أَبُوهُ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَقَدْ زَنَا رَجُلٌ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ بُعِثَ بِالتَّخْفِيفِ، فَإِنْ أَفْتَانَا حَدًّا دُونَ الرَّجْمِ فَعَلْنَاهُ، وَاحْتَجَجْنَا عِنْدَ اللَّهِ حِينَ نَلْقَاهُ بِتَصْدِيقِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ - قَالَ مُرَّةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَإِنْ أَمَرَنَا بِالرَّجْمِ عَصَيْنَاهُ، فَقَدْ عَصَيْنَا اللَّهَ فِيمَا كَتَبَ عَلَيْنَا مِنَ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا:

يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مِنَّا زَنَا بَعْدَ مَا أُحَصِنَ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، وَقَامَ مَعَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَتَوْا بَيْتَ مِدْرَاسِ الْيَهُودِ، فَوَجَدُوهُمْ يَتَدَارَسُونَ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ، الْيَهُودِ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ زَنَا إِذَا أُحْصِنَ؟ " قَالُوا: نُجَبِّيهِ وَالتَّجْبِيَةُ أَنْ يَحْمِلُوا اثْنَيْنِ عَلَى حِمَارٍ فَيُوَلُّوا ظَهْرَ أَحَدِهِمَا ظَهْرَ الْآخَرِ - قَالَ: وَسَكَتَ حَبْرُهُمْ، وَهُوَ فَتًى شَابٌّ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَةَ، فَقَالَ حَبْرُهُمْ: أَمَا إِذْ نَشَدْتَهُمْ فَإِنَّا نَجِدَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ عَلَى مَنْ أُحْصِنَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَا أَوَّلُ مَا تَرَخَّصْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ؟ " فَقَالَ: زَنَى رَجُلٌ مِنَّا ذُو قُرَابَةٍ بِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِنَا، فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْمَ فَزَنَا بَعْدَهُ آخَرُ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِكُ أَنْ يَرْجُمَهُ، فَقَامَ قَوْمُهُ دُونَهُ فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَرْجُمُهُ حَتَّى يَرْجُمَ فُلَانًا ابْنَ عَمِّهِ، فَاصْطَلَحُوا بَيْنَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ ". فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [ الْمَائِدَةِ: 44 ]. وَلَهُ شَاهِدٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا وَرَدَ فِي هَذَا السِّيَاقِ مِنَ الْأَحَادِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ [ الْمَائِدَةِ: 41 - 43 ]. يَعْنِي الْجَلْدَ وَالتَّحْمِيمَ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، وَابْتَدَعُوهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، يَعْنِي إِنْ حَكَمَ لَكُمْ مُحَمَّدٌ بِهَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا. يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ لَكُمْ بِذَلِكَ فَاحْذَرُوا قَبُولَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَى أَنْ قَالَ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ فَذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى سُوءِ قَصْدِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اعْتِقَادِهِمْ فِي كِتَابِهِمْ، وَإِنَّ فِيهِ حُكْمَ اللَّهِ بِالرَّجْمِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَعْلَمُونَ صِحَّتَهُ، ثُمَّ يَعْدِلُونَ عَنْهُ إِلَى مَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ الْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ وَالتَّجْبِيَةِ.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ فَذَكَرَهُ. وَعِنْدَهُ:فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ صُورِيَا: " أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ وَأُذَكِّرُكَ أَيَّامَهُ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَا بَعْدَ إِحْصَانِهِ بِالرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ؟ " فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، أَمَا وَاللَّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِمَا، فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ فِي

بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ قَالَ: ثُمَّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ الْآيَاتِ. وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صُورِيَا الْأَعْوَرِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَيْرٍ وَغَيْرِهِ بِرِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي " التَّفْسِيرِ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍأَنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَوَجَدَ أَبَاهُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا يَهُودِيُّ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ نَعْتِي وَصِفَتِي وَمَخْرَجِي؟ " فَقَالَ: لَا. فَقَالَ الْفَتَى: بَلَى وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَجِدُكَ فِي التَّوْرَاةِ; نَعْتَكَ وَصِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " أَقِيمُوا هَذَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَغَسِّلُوا أَخَاكُمْ " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:إِنَّ اللَّهَ

ابْتَعَثَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِدْخَالِ رَجُلٍ الْجَنَّةَ; فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً، فَإِذَا هُوَ بِيَهُودَ، وَإِذَا يَهُودِيٌّ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى صِفَتِهِ أَمْسَكَ. قَالَ: وَفِي نَاحِيَتِهَا رَجُلٌ مَرِيضٌ، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَكُمْ أَمْسَكْتُمْ؟ " فَقَالَ الْمَرِيضُ: إِنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا. ثُمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوْرَاةَ وَقَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ. فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَتِهِ، فَقَالَ هَذِهِ صِفَتُكَ وَصِفَةُ أُمَّتِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَسِّلُوا أَخَاكُمْ "
حَدِيثٌ آخَرُ:أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى مِدْرَاسِ الْيَهُودِ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ. فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ: " ذَلِكَ أُرِيدُ "

فَصْلُ اشْتِمَالِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى بِشَارَةِ النَّبِيِّ
فَالَّذِي يَقْطَعُ بِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَشَّرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، وَأَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَكْتُمُونَ ذَلِكَ وَيُخْفُونَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ

النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [ الْأَعْرَافِ: 157، 158 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [ الْأَنْعَامِ: 114 ]. وَقَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [ الْبَقَرَةِ: 146 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ [ آلِ عِمْرَانَ: 20 ]. وَقَالَ تَعَالَى: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ [ إِبْرَاهِيمَ: 52 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [ الْأَنْعَامِ: 19 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [ هُودٍ: 17 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لِيُنْذَرَ مَنْ كَانَ حَيًّا

وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [ يس: 70 ]
فَذَكَرَ تَعَالَى عُمُومَ بِعْثَتِهِ إِلَى الْأُمِّيِّينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ عَرِبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ، فَكُلُّ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٍّ وَلَا نَصْرَانِيٍّ وَلَا يُؤْمِنُ بِي إِلَّا دَخَلَ النَّارَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ:: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي; نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً وَفِيهِمَا: " بُعِثْتُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ ". قِيلَ: إِلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ. وَقِيلَ: إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَالصَّحِيحُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْبِشَارَاتِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْجُودَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمَوْرُوثَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، حَتَّى تَنَاهَتِ النُّبُوَّةُ إِلَى آخَرِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَامَ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَصَّ اللَّهُ خَبَرَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ الصَّفِّ: 6 ]. فَإِخْبَارُ مُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِأَنَّ

ذِكْرَهُ مَوْجُودٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَفِيمَا وَرَدَ عَنْهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَعْقَلِ الْخَلْقِ بِاتِّفَاقِ الْمُوَافِقِ وَالْمُفَارِقِ، يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِي ذَلِكَ قَطْعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاثِقًا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ الْمُنَفِّرَاتِ عَنْهُ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ عَاقِلٌ، وَالْغَرَضُ أَنَّهُ مِنْ أَعْقَلِ الْخَلْقِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يُخَالِفُهُ، بَلْ هُوَ أَعْقَلُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثُمَّ إِنَّهُ قَدِ انْتَشَرَتْ دَعْوَتُهُ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَعَمَّتَ دَوْلَةُ أُمَّتِهِ فِي أَقْطَارِ الْآفَاقِ عُمُومًا لَمْ يَحْصُلْ لِأُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، لَكَانَ ضَرَرُهُ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَحَذَّرَ عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ، وَلَنَفَّرُوا أُمَمَهُمْ مِنْهُ أَشَدَّ التَّنْفِيرِ، فَإِنَّهُمْ جَمِيعَهُمْ قَدْ حَذَّرُوا مِنْ دُعَاةِ الضَّلَالَةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَنَهَوْا أُمَمَهُمْ عَنِ اتِّبَاعِهِمْ، وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَنَصُّوا عَلَى الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ الْأَعْوَرِ الْكَذَّابِ، حَتَّى قَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَوَّلُ الرُّسُلِ - قَوْمَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى التَّحْذِيرِ مَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَلَا الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِشَيْءٍ خِلَافَ مَدْحِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالْبِشَارَةِ بِوُجُودِهِ، وَالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ، وَالنَّهْيِ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ آلِ عِمْرَانَ: 81، 82 ]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ; لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ

وَلَيَنْصُرَنَّهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أُمَّتِهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهْمُ أَحْيَاءٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَتَّبِعُنَّهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ وُجِدَتِ الْبِشَارَاتِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَحْصُرَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَبْلَ مَوْلِدِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، طَرَفًا صَالِحًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَرَّرْنَا فِي كِتَابِ " التَّفْسِيرِ " عِنْدَ الْآيَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ آثَارًا كَثِيرَةً، وَنَحْنُ نُورِدُ هَا هُنَا شَيْئًا مِمَّا وُجِدَ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي يَعْتَرِفُونَ بِصِحَّتِهَا، وَيَتَدَيَّنُونَ بِتِلَاوَتِهَا، مِمَّا جَمَعَهُ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِمَّنْ آمَنَ مِنْهُمْ، وَاطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِمُ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ; فَفِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ مِنَ التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا مَضْمُونُهُ وَتَعْرِيبُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ مَا سَلَّمَهُ مِنْ نَارِ النَّمْرُودِ أَنْ قُمْ فَاسْلُكِ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا لِوَلَدِكَ، فَلَمَّا قَصَّ ذَلِكَ عَلَى سَارَّةَ طَمِعَتْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَلَدِهَا مِنْهُ، وَحَرَصَتْ عَلَى إِبْعَادِ هَاجَرَ وَوَلَدِهَا، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا الْخَلِيلُ إِلَى بَرِّيَّةِ الْحِجَازِ وَجِبَالِ فَارَانَ، وَظَنَّ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّ هَذِهِ الْبِشَارَةَ تَكُونُ لِوَلَدِهِ إِسْحَاقَ، حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مَا مَضْمُونُهُ: أَمَّا وَلَدُكَ إِسْحَاقُ فَإِنَّهُ يُرْزَقُ ذُرِّيَّةً عَظِيمَةً، وَأَمَّا وَلَدُكَ إِسْمَاعِيلُ فَإِنِّي بَارَكْتُهُ وَعَظَّمْتُهُ، وَكَثَّرْتُ ذُرِّيَّتَهُ، وَجَعَلْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَاذَ مَاذَ - يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلْتُ فِي ذُرِّيَّتِهِ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَامًا، وَتَكُونُ لَهُ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَكَذَلِكَ بُشِّرَتْ هَاجَرُ حِينَ وَضْعَهَا الْخَلِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ، فَعَطِشَتْ وَحَزِنَتْ عَلَى وَلَدِهَا، وَجَاءَ الْمَلِكُ فَأَنْبَعَ لَهَا زَمْزَمَ، وَأَمَرَهَا بِالِاحْتِفَاظِ بِهَذَا الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ مِنْهُ عَظِيمٌ، لَهُ ذُرِّيَّةٌ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ، بَلْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ

أَعْظَمُ قَدْرًا وَلَا أَوْسَعُ جَاهًا، وَلَا أَعْلَى مَنْزِلَةً، وَلَا أَجَلُّ مَنْصِبًا مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَوْلَتْ دَوْلَةُ أُمَّتِهِ عَلَى الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَحَكَمُوا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ.
وَهَكَذَا فِي قِصَّةِ إِسْمَاعِيلَ مِنَ السِّفْرِ الْأَوَّلِ: أَنَّ وَلَدَ إِسْمَاعِيلَ تَكُونُ يَدُهُ عَلَى كُلِّ الْأُمَمِ، وَكُلُّ الْأُمَمِ تَحْتَ يَدِهِ وَبِجَمِيعِ مَسَاكِنِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ يَصْدُقُ عَلَى الطَّائِفَةِ إِلَّا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَيْضًا فِي السِّفْرِ الرَّابِعِ فِي قِصَّةِ مُوسَى، أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: سَأُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ أَقَارِبِهِمْ مِثْلَكَ يَا مُوسَى، وَأَجْعَلُ وَحْيِي بِفِيهِ وَإِيَّاهُ يَسْمَعُونَ.
وَفِي السِّفْرِ الْخَامِسِ، وَهُوَ سَفَرُ الْمِيعَادِ، أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، خَطَبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ سِنِي التِّيهِ، وَذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَأَيَادِيهِ عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَيَبْعَثُ لَكُمْ نَبِيًّا مَنْ أَقَارِبِكُمْ مِثْلَ مَا أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتِ، وَيَحْرِمُ عَلَيْكُمُ الْخَبَائِثَ، فَمَنْ عَصَاهُ فَلَهُ الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ.
وَأَيْضًا فِي آخِرِ السِّفْرِ الْخَامِسِ، وَهُوَ آخِرُ التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ: جَاءَ اللَّهُ مَنْ طُورِ سَيْنَاءَ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارانَ، وَظَهَرَ مِنْ رَبَوَاتِ

قُدْسِهِ، عَنْ يَمِينِهِ نُورٌ، وَعَنْ شِمَالِهِ نَارٌ، عَلَيْهِ تَجْتَمِعُ الْأُمَمُ وَعَلَيْهِ تَجْتَمِعُ الشُّعُوبُ. أَيْ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَشَرْعُهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَهُ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ، وَهِيَ جِبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، الْمَحِلَّةُ الَّتِي كَانَ بِهَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاسْتَعْلَنَ أَيْ ظَهَرَ وَعَلَا أَمْرُهُ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ، وَهِيَ جِبَالُ الْحِجَازِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; فَذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْأَمَاكِنَ الثَّلَاثَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوُقُوعِيَّ; ذَكَرَ مَحِلَّةَ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ بَلَدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمَّا أَقْسَمَ تَعَالَى بِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ ذَكَرَ الْفَاضِلَ أَوَّلًا، ثُمَّ الْأَفْضَلَ مِنْهُ، ثُمَّ الْأَفْضَلَ مِنْهُ، عَلَى قَاعِدَةِ الْقَسَمِ، فَقَالَ تَعَالَى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [ التِّينِ: 1 ]. وَالْمُرَادُ بِهَا مَحِلَّةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ كَانَ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَطُورِ سِينِينَ [ التِّينِ: 2 ]. وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ التِّينِ: 3 ]. وَهُوَ الْبَلَدُ الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّهُ مِنْهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ. وَفِي زَبُورِ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، صِفَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْجِهَادِ وَالْعِبَادَةِ، وَفِيهِ مَثَلٌ ضَرْبَهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ خِتَامُ الْقُبَّةِ الْمَبْنِيَّةِ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ: " مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهَا وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ

[ الْأَحْزَابِ: 40 ]. وَفِي الزَّبُورِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَتَنْبَسِطُ نُبُوَّتُهُ وَدَعْوَتُهُ وَتَنْفُذُ كَلِمَتُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَتَأْتِيهِ الْمُلُوكُ مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ طَائِعِينَ بِالْقَرَابِينِ وَالْهَدَايَا، وَأَنَّهُ يُخَلِّصُ الْمُضْطَرَّ، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ عَنِ الْأُمَمِ، وَيُنْقِذُ الضَّعِيفَ الَّذِي لَا نَاصِرَ لَهُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيُبَارِكُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمَ، وَيَدُومُ ذِكْرُهُ إِلَى الْأَبَدِ. وَهَذَا إِنَّمَا يَنْطَبِقُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي صُحُفِ شَعِيَا فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ فِيهِ مُعَاتَبَةٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفِيهِ: فَإِنِّي أَبْعَثُ إِلَيْكُمْ وَإِلَى الْأُمَمِ نَبِيًّا أُمِّيًّا، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظِ الْقَلْبِ، وَلَا سِخَابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، أُسَدِّدُهُ لِكُلِّ جَمِيلٍ، وَأَهَبَ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ، ثُمَّ أَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ، وَالْبَرَّ شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى فِي ضَمِيرِهِ، وَالْحِكْمَةَ مَعْقُولَهُ، وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ، وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ، وَالْهُدَى مِلَّتَهُ، وَالْإِسْلَامَ دِينَهُ، وَالْقُرْآنَ كِتَابَهُ، أَحْمَدُ اسْمُهُ، أَهْدِي بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَأَرْفَعُ بِهِ بَعْدَ الْخَمَالَةِ، وَأَجْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَأُؤَلِّفُ بِهِ بَيْنَ الْقُلُوبِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَجْعَلُ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، قَرَابِينُهُمْ دِمَاؤُهُمْ، أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، رُهْبَانًا بِاللَّيْلِ، لُيُوثًا بِالنَّهَارِ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
وَفِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ كَلَامِ شَعْيَا: يَدُوسُ الْأُمَمَ كَدَوْسِ الْبَيَادِرِ، وَيُنْزِلُ الْبَلَاءَ بِمُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَيَنْهَزِمُونَ قُدَّامَهُ.
وَفِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ: لِيُفْرِحَ أَرْضَ الْبَادِيَةِ الْعَطْشَى، وَيُعْطَى أَحْمَدُ مَحَاسِنَ لُبْنَانَ، وَيَرَوْنَ جَلَالَ اللَّهِ بِمُهْجَتِهِ.

وَفِي صُحُفِ إِلْيَاسَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ سَائِحًا، فَلَمَّا رَأَى الْعَرَبَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ قَالَ لِمَنْ مَعَهُ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ حُصُونَكُمُ الْعَظِيمَةَ. فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَا الَّذِي يَكُونُ مَعْبُودَهُمْ؟ فَقَالَ: يُعَظِّمُونَ رَبَّ الْعِزَّةِ فَوْقَ كُلِّ رَابِيَةٍ عَالِيَةٍ.
وَمِنْ صُحُفٍ حِزْقِيلَ: إِنَّ عَبْدَيْ خِيرَتِي أُنْزِلُ عَلَيْهِ وَحْيِي، يُظْهِرُ فِي الْأُمَمِ عَدْلِي، اخْتَرْتُهُ وَاصْطَفَيْتُهُ لِنَفْسِي، وَأَرْسَلْتُهُ إِلَى الْأُمَمِ بِأَحْكَامٍ صَادِقَةٍ.
وَمِنْ كِتَابِ النُّبُوَّاتِ أَنَّ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَرَّ بِالْمَدِينَةِ فَأَضَافَهُ بَنُو قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، فَلَمَّا رَآهُمْ بَكَى، فَقَالُوا لَهُ: مَا الَّذِي يُبْكِيكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَبِيٌّ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مِنَ الْحَرَّةِ، يُخَرِّبُ دِيَارَكُمْ وَيَسْبِي حَرِيمَكُمْ. قَالَ: فَأَرَادَ الْيَهُودُ قَتْلَهُ فَهَرَبَ مِنْهُمْ. وَمِنْ كَلَامِ حِزْقِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَقُولُ اللَّهُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ صَوَّرْتُكَ فِي الْأَحْشَاءِ قَدَّسْتُكَ وَجَعَلْتُكَ نَبِيًّا، وَأَرْسَلْتُكَ إِلَى سَائِرِ الْأُمَمِ.
فِي صُحُفِ شَعْيَا أَيْضًا مَثْلٌ مَضْرُوبٌ لِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ: افْرَحِي يَا عَاقِرُ بِهَذَا الْوَلَدِ الَّذِي يَهَبُهُ لَكِ رَبُّكِ، فَإِنَّ بِبَرَكَتِهِ تَتَّسِعُ لَكِ الْأَمَاكِنُ، وَتَثْبُتُ أَوْتَادُكِ فِي الْأَرْضِ وَتَعْلُو أَبْوَابُ مَسَاكِنِكَ، وَيَأْتِيكِ مُلُوكُ الْأَرْضِ عَنْ يَمِينِكِ وَشِمَالِكِ بِالْهَدَايَا وَالتَّقَادُمِ، وَوَلَدُكُ هَذَا يَرِثُ جَمِيعَ الْأُمَمِ، وَيَمْلِكُ سَائِرَ الْمُدُنِ وَالْأَقَالِيمِ، وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي، فَمَا بَقِيَ يَلْحَقُكِ ضَيْمٌ مِنْ عَدْوٍ أَبَدًا، وَجَمِيعُ أَيَّامِ تَرَمُّلِكِ تَنْسِيهَا. وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا حَصَلَ عَلَى يَدَيْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْعَاقِرِ مَكَّةُ، ثُمَّ صَارَتْ كَمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ لَا مَحَالَةَ. وَمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يَصْرِفَ هَذَا وَيَتَأَوَّلَهُ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهَذَا لَا يُنَاسِبُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِي صُحُفِ أَرْمِيَا: كَوْكَبٌ ظَهَرَ مِنَ الْجَنُوبِ أَشِعَّتُهُ صَوَاعِقُ، سِهَامُهُ خَوَارِقُ، دُكَّتْ لَهُ الْجِبَالُ. وَهَذَا الْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الْإِنْجِيلِ يَقُولُ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنِّي مُرْتَقٍ إِلَى جَنَّاتِ الْعُلَى، وَمُرْسِلٌ إِلَيْكُمُ الْفَارَقْلِيطَ رُوحَ الْحَقِّ يَعْلَمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَمْ يَقِلْ شَيْئًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْفَارَقْلِيطِ مُحَمَّدٌ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ الصَّفِّ: 6 ]. وَهَذَا بَابٌ مُتَّسِعٌ، وَلَوْ تَقَصَّيْنَا جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ النَّاسُ لَطَالَ هَذَا الْفَصْلُ جَدًّا، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى نُبَذٍ مِنْ ذَلِكَ يَهْتَدِي بِهَا مَنْ نَوَّرِ اللَّهِ بَصِيرَتَهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ النُّصُوصِ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَتَكَاتَمُونَهَا وَيُخْفُونَهَا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ الْمُنَادِي، ثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، ثَنَا صَالِحُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْفَلَتَانِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ:كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى رَجُلٍ، فَدَعَاهُ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَنَعْلَانِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يَقُولُ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " فَجَعَلَ لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَيَقُولُ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " فَيَأْبَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " وَالْإِنْجِيلَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، وَالْفُرْقَانَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ لَوْ شِئْتَ لَقَرَأْتُهُ. قَالَ: " فَأَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَأَشْيَاءَ حَلَّفَهُ بِهَا - تَجِدُنِي فِيهِمَا؟ " قَالَ: نَجِدُ مِثْلَ نَعْتِكَ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِكَ، كُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِينَا، فَلَمَّا خَرَجْتَ رَأَيْنَا أَنَّكَ هُوَ، فَلَمَّا نَظَّرْنَا إِذَا أَنْتَ لَسْتَ بِهِ. قَالَ: " مِنْ أَيْنَ؟ " قَالَ نَجْدُ مِنْ أُمَّتِكَ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ قَلِيلٌ. قَالَ: فَهَلَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرَ، وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّنِي لَأَنَا هُوَ، وَإِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَأَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ وَسَبْعِينَ "

حَدِيثٌ فِي جَوَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَ عَمَّا سَأَلَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِكْرَزٍ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي

جُلَسَاؤُهُ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ عَنْ وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ، وَقَالَ عَفَّانُ: ثَنَا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَمْ يَقِلْ: حَدَّثَنِي جُلَسَاؤُهُ. قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالَإِثِمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَفْتُونَهُ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّاهُمْ، فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: دَعُونِي فَأَدْنُوَ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ. قَالَ: " دَعُوا وَابِصَةَ ادْنُ يَا وَابِصَةُ ". مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي؟ " فَقُلْتُ: لَا بَلْ أَخْبِرْنِي. فَقَالَ: " جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ: " يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - الْبَرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ "

بَابُ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَائِنَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فِي حَيَّاتِهِ وَبَعْدَهُ، فَوَقَعَتْ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ
وَهَذَا بَابٌ عَظِيمٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاءُ جَمِيعِ مَا فِيهِ لِكَثْرَتِهَا، وَلَكِنْ نَحْنُ نُشِيرُ إِلَى طَرَفٍ مِنْهُ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، وَذَلِكَ مُنْتَزَعٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ.
أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْمُزَّمِّلِ " وَهِيَ مَنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلْ بِمَكَّةَ: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ الْمُزَّمِّلِ: 20 ]. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجِهَادَ لَمْ يُشْرَعْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ " اقْتَرَبَتْ "، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ أَمَ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [ الْقَمَرِ: 45، 44 ]. وَوَقَعَ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ تَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْعَرِيشِ، وَرَمَاهُمْ بِقَبْضَةٍ مِنَ الْحَصْبَاءِ، فَكَانَ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ، وَهَذَا مِصْدَاقُ ذَاكَ.
وَقَالَ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي

جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قُلْ هُوَ [ سُورَةُ الْمَسَدِ ]. فَأَخْبَرَ أَنَّ عَمَّهُ عَبْدَ الْعُزَّى بْنَ عَبْدِ الْمَطْلَبِ الْمُلَقَّبَ بِأَبِي لَهَبٍ سَيَدْخُلُ النَّارَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ، فَقَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّهُمَا مَاتَا عَلَى شِرْكِهِمَا لَمْ يُسْلِمَا، حَتَّى وَلَا ظَاهِرًا، وَهَذَا مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ الْبَاهِرَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [ الْإِسْرَاءِ: 88 ]. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ: 23، 24 ]. فَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ لَوِ اجْتَمَعُوا وَتَعَاضَدُوا وَتَنَاصَرُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فِي فَصَاحَتِهِ، وَبَلَاغَتِهِ، وَحَلَاوَتِهِ، وَإِحْكَامِ أَحْكَامِهِ، وَبَيَانِ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ، لَمَا اسْتَطَاعُوا ذَلِكَ، وَلَمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى عَشْرِ سُوَرٍ مِنْهُ، بَلْ وَلَا سُورَةٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ أَبَدًا، وَ " لَنْ " لِنَفْيِ التَّأْبِيدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّحَدِّي، وَهَذَا الْقَطْعِ، وَهَذَا الْإِخْبَارِ الْجَازِمِ، لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ وَاثِقٍ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ، عَالِمٍ بِمَا يَقُولُهُ، قَاطِعٍ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَارِضَهُ، وَلَا يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا الْآيَةَ [ النُّورِ: 55 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ; مَكَّنَ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ وَأَظْهَرَهُ وَأَعْلَاهُ وَنَشَرَهُ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ، وَأَنْفَذَهُ

وَأَمْضَاهُ، وَقَدْ فَسَّرَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ هَذِهِ الْآيَةَ بِخِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، وَلَا شَكَّ فِي دُخُولِهِ فِيهَا، وَلَكِنْ لَا تَخْتَصُّ بِهِ، بَلْ تَعُمُّهُ كَمَا تَعُمُّ غَيْرَهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ ":إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.
وَقَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ التَّوْبَةِ: 33 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ، وَعَمَّ هَذَا الدِّينُ، وَغَلَبَ وَعَلَا عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَعَلَتْ كَلِمَتُهُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعَدَهُمْ، وَذَلَّتْ لَهُمْ سَائِرُ الْبِلَادِ، وَدَانَ لَهُمْ جَمِيعُ أَهْلِهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ، وَصَارَ النَّاسُ إِمَّا مُؤْمِنًا دَاخِلًا فِي الدِّينِ، وَإِمَّا مُهَادِنًا بَاذِلًا الطَّاعَةَ وَالْمَالَ، وَإِمَّا مُحَارِبًا خَائِفًا وَجِلًا مِنْ سَطْوَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: " إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكَ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا
وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ الْآيَةَ [ الْفَتْحِ: 16 ]. وَسَوَاءٌ كَانَ هَؤُلَاءِ هُمْ هَوَازِنَ، أَوْ أَصْحَابَ مُسَيْلِمَةَ، أَوِ الرُّومَ، فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ.

وَقَالَ تَعَالَى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرًا [ الْفَتْحِ: 20، 21 ]. وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْأُخْرَى خَيْبَرَ أَوْ مَكَّةَ فَقَدْ فُتِحَتْ وَأُخِذَتْ كَمَا وَقَعَ بِهِ الْوَعْدُ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
وَقَالَ تَعَالَى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا [ الْفَتْحِ: 27 ]. فَكَانَ هَذَا الْوَعْدُ فِي سَنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ عَامَ سِتٍّ، وَوَقَعَ إِنْجَازُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ، عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَكُنْ تُخْبِرُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: " بَلَى، أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ عَامَكَ هَذَا؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ
وَقَالَ تَعَالَى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [ الْأَنْفَالِ: 7 ]. وَهَذَا الْوَعْدُ كَانَ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ لِيَأْخُذَ عِيرَ قُرَيْشٍ، فَبَلَغَ قُرَيْشًا خُرُوجَهُ إِلَى عِيرِهِمْ، فَنَفَرُوا فِي قَرِيبٍ مِنْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَلَمَّا تَحَقَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قُدُومَهُمْ وَعْدَهُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنْ سَيُظْفِرُهُ بِهَا، إِمَّا الْعِيرُ وَإِمَّا النَّفِيرُ، فَوَدَّ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ الْوَعْدُ لِلْعِيرِ; لِمَا فِيهِ مِنْ

الْأَمْوَالِ وَقِلَّةِ الرِّجَالِ، وَكَرِهُوا لِقَاءَ النَّفِيرِ; لِمَا فِيهِ مِنَ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ فَخَارَ اللَّهُ لَهُمْ وَأَنْجَزَ لَهُمْ وَعْدَهُ فِي النَّفِيرِ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ بَأْسَهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ، فَقُتِلَ مِنْ سَرَاتِهِمْ سَبْعُونَ، وَأُسِرَ سَبْعُونَ، وَفَادَوْا أَنْفُسَهُمْ بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ، فَجَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ [ الْأَنْفَالِ: 7 ]. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ.
وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ الْأَنْفَالِ: 70 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ; فَإِنَّ اللَّهَ عَوَّضَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ،أَنَّ الْعَبَّاسَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي، فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي، وَفَادَيْتُ عَقِيلًا فَقَالَ لَهُ: " خُذْ ". فَأَخَذَ فِي ثَوْبٍ مِقْدَارًا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُقِلَّهُ، ثُمَّ وَضَعَ مِنْهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْتَمِلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، وَانْطَلَقَ بِهِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ مَبْسُوطًا، وَهَذَا مِنْ تَصْدِيقِ هَذِهِ الْأَيَّةِ الْكَرِيمَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ الْآيَةَ [ التَّوْبَةِ: 28 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ; عَوَّضَهُمُ اللَّهُ عَمَّا كَانَ يَفِدُ إِلَيْهِمْ مَعَ حُجَّاجِ الْمُشْرِكِينَ، بِمَا شَرَعَهُ لَهُمْ; مِنْ قِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ

عَلَيْهِمْ، وَسَلْبِ أَمْوَالِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ عَلَى كُفْرِهِ، كَمَا وَقَعَ بِكُفَّارِ أَهْلِ الشَّامِ مِنَ الرُّومِ وَمَجُوسِ الْفُرْسِ بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ الَّتِي انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ عَلَى أَرْجَائِهَا، وَحَكَمَ عَلَى مَدَائِنِهَا وَفَيْفَائِهَا. قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
وَقَالَ تَعَالَى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ الْآيَةَ [ التَّوْبَةِ: 95 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ; لَمَّا رَجَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ كَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَقَدْ كَانُوا مَعْذُورِينَ فِي تَخَلُّفِهِمْ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ كَاذِبُونَ، فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يُجْرِيَ أَحْوَالَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا يَفْضَحَهُمْ عِنْدَ النَّاسِ، وَقَدْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى أَعْيَانِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مِمَّنْ يَعْرِفُهُمْ بِتَعْرِيفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ] الْإِسْرَاءِ: 76 ]. وَهَكَذَا وَقَعَ; لَمَّا اشْتَوَرُوا عَلَيْهِ لِيُثْبِتُوهُ أَوْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، ثُمَّ وَقَعَ الرَّأْيُ عَلَى الْقَتْلِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَخَرَجَ هُوَ وَصَدِيقُهُأَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَمِنَا فِي غَارِ ثَوْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ ارْتَحَلَا بَعْدَهَا، كَمَا قَدَّمْنَا، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: شَيْءٍ قَدِيرٌ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا

ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ التَّوْبَةِ: 40 ]. وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [ الْأَنْفَالِ: 40 ]. وَلِهَذَا قَالَ: ( وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ). وَقَدْ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ; فَإِنَّ الْمَلَأَ الَّذِينَ اشْتَوَرُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَلْبَثُوا بِمَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا رَيْثَمَا اسْتَقَرَّ رِكَابُهُ الشَّرِيفُ بِالْمَدِينَةِ وَتَابَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ فَقُتِلَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ، وَكُسِرَتْ تِلْكَ الرُّءُوسُ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ ذَلِكَ قَبْلَ كَوْنِهِ; مِنْ إِخْبَارِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ. فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا يَكْذِبُ. وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي بَابِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ يُشِيرُ لِأَصْحَابِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ إِلَى مَصَارِعِ الْقَتْلَى، فَمَا تَعَدَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَوْضِعَهُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ

مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [ الرُّومِ: 1 - 6 ]. وَهَذَا الْوَعْدُ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا غَلَبَتْ فَارِسُ الرُّومَ فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ، وَاغْتَمَّ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ; لِأَنَّ النَّصَارَى أَقْرَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْمَجُوسِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ الْفُرْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِبِضْعِ سِنِينَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ مُرَاهِنَةِ الصِّدِّيقِ رُءُوسَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَقَعُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، مَا هُوَ مَشْهُورٌ كَمَا قَرَّرْنَا فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ "، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ; غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ بَعْدَ غَلَبَهِمْ غَلَبًا عَظِيمًا جِدًّا، وَقِصَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بَسْطُهَا، وَقَدْ شَرَحْنَاهَا فِي " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ تَعَالَى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [ فُصِّلَتْ: 53 ]. وَكَذَلِكَ وَقَعَ; أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ وَدَلَائِلِهِ فِي أَنْفُسِ الْبَشَرِ وَفِي الْآفَاقِ; بِمَا أَوْقَعَهُ مِنَ النَّاسِ بِأَعْدَاءِ النُّبُوَّةِ وَمُخَالِفِي الشَّرْعِ; مِمَّنْ كَذَّبَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ مَا دَلَّ ذَوِي الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ عَنِ اللَّهِ صِدْقٌ، وَقَدْ أَوْقَعَ اللَّهُ لَهُ فِي صُدُورِ أَعْدَائِهِ وَقُلُوبِهِمْ رُعْبًا وَمَهَابَةً وَخَوْفًا، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ قَالَ:

نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَهَذَا مِنَ التَّأْيِيدِ وَالنَّصْرِ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ; وَكَانَ عَدُوُّهُ يَخَافُهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَقِيلَ: كَانَ إِذَا عَزَمَ عَلَى غَزْوِ قَوْمٍ أُرْعِبُوا قَبْلَ مَجِيئِهِ إِلَيْهِمْ وَوُرُودِهِ عَلَيْهِمْ بِشَهْرٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

فَصْلٌ ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَقْبَلَةِ
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى إِخْبَارِهِ بِمَا وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ; فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي قِصَّةِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي تَعَاقَدَتْ فِيهَا بُطُونُ قُرَيْشٍ، وَتَمَالَئُوا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمَطْلَبِ أَنْ لَا يُؤْوُوهُمْ، وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ; بِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ شِعْبَ أَبِي طَالِبٍ أَنِفِينَ لِذَلِكَ، مُمْتَنِعِينَ مِنْهُ أَبَدًا مَا بَقُوا، دَائِمًا مَا تَنَاسَلُوا وَتَعَاقَبُوا، وَفِي ذَلِكَ عَمِلَ أَبُو طَالِبٍ قَصِيدَتَهُ اللَّامِيَّةَ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَي مُحَمَّدًا وَلَمَّا نُقَاتِلْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ
وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ لَا أَبَا لَكَ سَيِّدًا
يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ
ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامَلِ يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمِ
فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ عَلَّقَتْ صَحِيفَةَ التَّعَاقُدِ فِي سَقْفِ الْكَعْبَةِ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْ مَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، لِئَلَّا يَجْتَمِعَ بِمَا فِيهَا مِنَ الظُّلْمِ

وَالْفُجُورِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا أَكَلَتْ مَا فِيهَا إِلَّا أَسْمَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، فَجَاءَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ أَخْبَرَنِي بِخَبَرٍ عَنْ صَحِيفَتِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَّطَ عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْهَا إِلَّا مَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - أَوْ كَمَا قَالَ - فَأَحْضَرُوهَا، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا أَسْلَمْتُهُ إِلَيْكُمْ، فَأَنْزَلُوهَا فَفَتَحُوهَا، فَإِذَا الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَقَضُوا حُكْمَهَا، وَدَخَلَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمَطْلَبِ مَكَّةَ، وَرَجَعُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا أَسْلَفْنَا ذِكْرَهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ. حِينَ جَاءَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ يَسْتَنْصِرُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَيَدْعُو لَهُمْ، لِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْإِهَانَةِ، فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، وَقَالَ: إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ "
وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ فِيهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، وَاللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي أَتَانَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ "
وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ. فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ؟! فَقَالَ: نَعَمْ فَتَلَاحَيَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي. ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ. قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ. وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ. قَالَ: إِيَّايَ؟! قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَاللَّهِ

مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ. فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ. قَالَ فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الصَّرِيخُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي، فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللَّهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الَّذِي كَانَ يَعْلِفُ حِصَانًا لَهُ، فَإِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنِّي سَأَقْتُلُكَ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَتْلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ كَمَا قَدَّمْنَا بَسْطَهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ عَنْ مَصَارِعِ الْقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ جَعَلَ يُشِيرُ قَبْلَ الْوَقْعَةِ إِلَى مَحَلِّهَا وَيَقُولُ: " هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ ". قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا رَامَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ لَا يَتْرُكُ لِلْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَفَرَاهَا بِسَيْفِهِ، وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقِيلَ: خَيْبَرَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ:

فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ فَقَالَ النَّاسُ: مَا أَغْنَى أَحَدٌ الْيَوْمَ مَا أَغْنَى فُلَانٌ. يُقَالُ: إِنَّهُ قُزْمَانِ. فَقَالَ: " إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ " فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: أَنَا صَاحِبُهُ. فَاتَّبَعَهُ فَجُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ ذُبَابَ سَيْفِهِ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَرَجَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ " وَمَا ذَاكَ " فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ عَنْ فَتْحِ مَدَائِنِ كِسْرَى وَقُصُورِ الشَّامِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ يَوْمَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ، لَمَّا ضَرَبَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ تِلْكَ الصَّخْرَةَ فَبَرِقَتْ مِنْ ضَرْبِهِ، ثُمَّ أُخْرَى، ثُمَّ أُخْرَى كَمَا قَدَّمْنَا.
وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ الذِّرَاعِ أَنَّهُ مَسْمُومٌ، فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، اعْتَرَفَ الْيَهُودُ بِذَلِكَ، وَمَاتَ مِنْ أَكْلِهِ مَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ،أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: " اللَّهُمَّ أَنْجِ أَصْحَابَ السَّفِينَةِ ". ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: " قَدِ اسْتَمَرَّتْ. وَالْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي " دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ " لِلْبَيْهَقِيِّ، وَكَانَتْ تِلْكَ السَّفِينَةُ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ، وَفِيهَا الْأَشْعَرِيُّونَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ بِخَيْبَرَ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ عَنْ قَبْرِ أَبِي رِغَالٍ حِينَ مَرِّ عَلَيْهِ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى الطَّائِفِ،

وَأَنَّ مَعَهُ غُصْنًا مِنْ ذَهَبٍ، فَحَفَرُوهُ فَوَجَدُوهُ كَمَا أَخْبَرَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِلْأَنْصَارِ لَمَّا خَطَبَهُمْ تِلْكَ الْخُطْبَةَ مُسَلِّيًا لَهُمْ عَمَّا كَانَ وَقَعَ فِي نُفُوسِ بَعْضِهِمْ; مِنَ الْإِيثَارِ عَلَيْهِمْ فِي الْقِسْمَةِ لَمَّا تَأَلَّفَ قُلُوبَ مَنْ تَأَلَّفَ مِنْ سَادَاتِ الْعَرَبِ، وَرُءُوسِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، فَقَالَ:أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ تَحُوزُونَهُ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ وَقَالَ:إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلَقَّوْنِي عَلَى الْحَوْضِ " وَقَالَ:إِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الْأَنْصَارُ " وَقَالَ لَهُمْ فِي الْخُطْبَةِ قَبْلَ هَذِهِ عَلَى الصَّفَا:بَلِ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ وَقَدْ وَقَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ،

وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا قَبِيصَةُ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفْعَهُ: " إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ " وَقَالَ: " لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ وَأَبِي عَوَانَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مِصْدَاقُ ذَلِكَ بَعْدَهُ فِي أَيَّامِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، اسْتَوْثَقَتْ هَذِهِ الْمَمَالِكُ فَتْحًا عَلَى أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْفَقَتْ أَمْوَالَ كُنُوزِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، وَكِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ أَنَّ مُلْكَ فَارِسَ قَدِ انْقَطَعَ فَلَا عَوْدَةَ لَهُ، وَمُلْكَ الرُّومِ لِلشَّامِ قَدْ زَالَ عَنْهَا، فَلَا يَمْلِكُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَالشَّهَادَةِ لَهُمْ بِالْعَدْلِ، حَيْثُ أُنْفِقَتِ الْأَمْوَالُ الْمَغْنُومَةُ فِي زَمَانِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْضِيِّ الْمَمْدُوحِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، ثَنَا النَّضْرُ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، ثَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أَنَا مَحَلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَى إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَى إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: " يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ ؟ ". قُلْتُ لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: " فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ مَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ - قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟ - وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى ". قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: " كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مَلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَلَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَوَلَدًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ ". قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ فَلَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزٍ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنِ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ
ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي مُجَاهِدٍ سَعْدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ مُحِلٍّ، عَنْهُ بِهِ. وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ مُحِلٍّ عَنْهُ: " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا:اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " وَكَذَلِكَ أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَدِيٍّ وَفِيهَا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيٍّ بِهِ. وَهَذِهِ كُلُّهَا شَوَاهِدُ لِأَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ الْإِخْبَارُ بِفَتْحِ مَدَائِنِ كِسْرَى وَقُصُورِهِ وَقُصُورِ الشَّامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ،

عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ مُتَوَسِّدًا بُرْدَةً لَهُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لَنَا وَاسْتَنْصِرْهُ. قَالَ: فَاحْمَرَّ لَوْنُهُ أَوْ تَغَيَّرَ، فَقَالَ: " لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ الْحُفْرَةُ وَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَشُقُّ، مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونُ عَظْمٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُسَدَّدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، ثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَنَا فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ إِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِيَ الْآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ كَرِوَايَةِ

اللَّيْثِ عَنْهُ. فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ أَشْيَاءُ، مِنْهَا: أَنَّهُ أَخْبَرَ الْحَاضِرِينَ أَنَّهُ فَرَطُهُمْ، أَيِ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَوْتِ، وَهَكَذَا وَقَعَ، فَإِنَّ هَذَا كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ وَإِنْ تَقَدَّمَ وَفَاتُهُ عَلَيْهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُعْطِيَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَيْ فُتِحَتْ لَهُ الْبِلَادُ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمْ تَفْتَحُونَهَا كَفْرًا كَفْرًا. أَيْ بَلَدًا بَلَدًا وَأَخْبَرَ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يُشْرِكُونَ بَعْدَهُ. وَهَكَذَا وَقَعَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَلَكِنْ خَافَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنَافِسُوا فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا فِي زَمَانِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمَا، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى زَمَانِنَا هَذَا.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَا ابْنُ عَوْنٍ أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ. كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ مُوسَى: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: " اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ قُتِلَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ شَهِيدًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. وَهَكَذَا ثَبَتَ

فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْبِشَارَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ مَاتَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ وَأَجْمَلِهَا، وَكَانَ النَّاسُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ فِي حَيَاتِهِ; لِإِخْبَارِ الصَّادِقِ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَكَذَلِكَ وَقَعَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ الْإِخْبَارُ عَنِ الْعَشَرَةِ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ ثَبَتَ أَيْضًا الْإِخْبَارُ عَنْهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. وَقِيلَ وَخَمْسَمِائَةٍ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَاشَ إِلَّا حَمِيدًا، وَلَا مَاتَ إِلَّا عَلَى السَّدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَالتَّوْفِيقِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَهَذَا مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّاتِ، وَدَلَالَاتِ الرِّسَالَةِ

فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ بِغُيُوبِ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانًا مَاتَ. فَقَالَ: " لَمْ يَمُتْ ". فَعَادَ الثَّانِيَةَ

فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا مَاتَ. فَقَالَ: " لَمْ يَمُتْ ". فَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ عِنْدَهُ. فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ زُهَيْرٌ عَنْ سِمَاكٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا فِي الصَّلَاةِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي شَهْمٍ قَالَ:مَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ بِالْمَدِينَةِ فَأَخَذْتُ بِكَشْحِهَا. قَالَ: وَأَصْبَحَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَلَمْ يُبَايِعْنِي، فَقَالَ: " صَاحِبُ الْجُبَيْذَةِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَعُودُ. قَالَ فَبَايَعَنِي. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيِّ عَنْ أَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُرَيْجٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي شَهْمٍ فَذَكَرَهُ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; خَشْيَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا شَيْءٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمْنَا

وَانْبَسَطْنَا.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ:وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ أَحَدُنَا يَكُفُّ عَنِ الشَّيْءِ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ وَإِيَّاهَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ; تَخَوُّفًا أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِي الْحَافِرَ: " أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ". فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ فَجَاءَ، وَجِيءَ بِالطَّعَامِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ وَوَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيهِمْ فَأَكَلُوا، فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا ". قَالَ: فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يُشْتَرَى لِي شَاةٌ فَلَمْ تُوجَدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ بِهَا إِلَيَّ بِثَمَنِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَطْعِمِيهِ الْأُسَارَى

فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ:قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا مَقَامًا مَا تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، وَقَدْ كُنْتُ أَرَى الشَّيْءَ قَدْ كُنْتُ نَسِيتُهُ فَأَعْرِفُهُ كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إِذَا غَابَ عَنْهُ فَرَآهُ فَعَرَفَهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ; مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِيَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ. وَفِيهِ دَخَنٌ ". قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ؟ فَقَالَ: " قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ". قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ". قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا قَالَ: " هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ". قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَلْزَمُ

جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ. قَالَ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنَّ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ " وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:لَقَدْ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ: مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْهَا؟.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَعْلَمُنَا أَحَفَظُنَا. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: " وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ".

وَكَذَا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ التَّوْبَةِ: 33 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ [ النُّورِ: 55 ].
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ; فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ". وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمِسْوَرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَذَكَرَ قِصَّةَ بَعْثِ أَبِي عُبَيْدَةَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَفِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْبَسِطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ "
فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ،

عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: " هَلْ لَكَمَ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَّى يَكُونُ لَنَا أَنْمَاطٌ؟ فَقَالَ: " أَمَّا إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ ". قَالَ: فَأَنَا أَقُولُ لِامْرَأَتِي نَحِّي عَنِّي أَنْمَاطَكِ. فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ: " أَنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ " ؟ فَأَتْرُكُهَا
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَ " الْمَسَانِيدِ " وَ " السُّنَنِ " وَغَيْرِهَا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُفْتَحُ الْيَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ". كَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَمَالِكِ بْنِ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ، وَأَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، وَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ

جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامٍ. وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ بِهِ بِنَحْوِهِ.
ثُمَّ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ أَنَّ بُسْرَ بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ فِي مَجْلِسِ اللَّيْثِيِّينَ يَذْكُرُونَ أَنَّ سُفْيَانَ أَخْبَرَهُمْ، فَذَكَرَ قِصَّةً، وَفِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: وَيُوشِكُ الشَّامُ أَنَّ يَفْتَتِحَ فَيَأْتِيَهُ رِجَالٌ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ - يَعْنِي الْمَدِينَةَ - فَيُعْجِبُهُمْ رِيفُهُ وَرَخَاؤُهُ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ حَوَالَةَ.
وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ: مَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ " وَهُوَ فِي

" الصَّحِيحِ " وَكَذَا حَدِيثُ الْمَوَاقِيتِ لِأَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ، وَهُوَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ: " إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ "
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: " اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ " فَذَكَرُ مَوْتَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانًا - وَهُوَ الْوَبَاءُ - ثُمَّ كَثْرَةَ الْمَالِ، ثُمَّ فِتْنَةً، ثُمَّ هُدْنَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّومِ. وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِيمَا بَعْدُ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: " إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا ; فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا " قَالَ: فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجَ مِنْهَا. يَعْنِي دِيَارَ مِصْرَ عَلَى يَدَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ، كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ

بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا; فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَحَكَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ " ذِمَّةً وَرَحِمًا ". فَقَالَ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ هَاجَرَ كَانَتْ قِبْطِيَّةً. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: أُمُّ إِبْرَاهِيمَ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُمَا قِبْطِيَّتَانِ، كَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَ ذَلِكَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " ذِمَّةً ". يَعْنِي بِذَلِكَ هَدِيَّةَالْمُقَوْقِسِ إِلَيْهِ وَقَبُولَهُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَذَلِكَ نَوْعٌ ذِمَامٍ وَمُهَادَنَةٍ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَحَلِّ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي فَتْحِ كُنُوزِ كِسْرَى وَانْتِشَارِ الْأَمْنِ وَفَيَضَانِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَتَقَبَّلَهُ أَحَدٌ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَدِيًّا شَهِدَ الْفَتْحَ، وَرَأَى الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ إِلَى مَكَّةَ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، قَالَ: وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَأَخِّرًا إِلَى زَمَنِ الْمَهْدِيِّ، كَمَا جَاءَ فِي صِفَتِهِ، أَوْ إِلَى زَمَنِ نُزُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ قَتْلِهِ الدَّجَّالَ، فَإِنَّهُ

قَدْ وَرَدَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ يَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا مَا كَانَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يُخْرِجُ كَذَّابُونَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وَلَيَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَنْزَ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ قَصْرَ كِسْرَى، وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ " الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر ٍ، عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ " أَخْرَجَاهُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمُرَادُ زَوَالُ مُلْكِ قَيْصَرَ عَنِ الشَّامِ، وَلَا يَبْقَى كَبَقَاءِ مُلْكِهِ عَلَى الرُّومِ; لِقَوْلِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا عَظَّمَ كِتَابُهُ: " ثُبِّتَ مُلْكُهُ ". وَأَمَّا مُلْكُ فَارِسَ فَبَادٍ بِالْكُلِّيَّةِ لِقَوْلِهِ لَهُ: " مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ ".
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - وَرَوَيْنَا فِي طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا جِيءَ بِفَرْوَةِ كِسْرَى وَسَيْفِهِ وَمِنْطَقَتِهِ وَتَاجِهِ

وَسِوَارَيْهِ، أَلْبَسَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ وَقَالَ: قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَلْبَسَ ثِيَابَ كِسْرَى لِرَجُلٍ أَعْرَابِيٍّ مِنَ الْبَادِيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا أَلْبَسَهُ ذَلِكَ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسُرَاقَةَ وَنَظَرَ إِلَى ذِرَاعَيْهِ: " كَأَنِّي بِكَ قَدْ لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى ". وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:مُثِّلَتْ لِيَ الْحِيرَةُ كَأَنْيَابِ الْكِلَابِ، وَإِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَهَا ". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ لِيَ ابْنَةَ بُقَيْلَةَ. قَالَ " هِيَ لَكَ ". فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهَا. فَجَاءَ أَبُوهَا فَقَالَ: أَتَبِيعَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَبِكَمْ؟ احْكُمْ مَا شِئْتَ. قَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ. قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا. فَقَالُوا لَهُ: لَوْ قُلْتَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا لَأَخَذَهَا. فَقَالَ: وَهَلْ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ؟.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، أَنَّ ابْنَ زُغْبٍ الْإِيَادِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: نَزَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ فَقَالَ لِي: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ، فَرَجَعَنَا وَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا، وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا، فَقَامَ فِينَا فَقَالَ: " اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ ". ثُمَّ قَالَ: " لَتُفْتَحَنَّ لَكُمُ الشَّامُ وَالرُّومُ وَفَارِسُ - أَوِ: الرُّومُ وَفَارِسُ - وَحَتَّى يَكُونَ لِأَحَدِكُمْ مِنَ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْبَقَرِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْغَنَمِ كَذَا

وَكَذَا، وَحَتَّى يُعْطَى أَحَدُكُمْ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا ". ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي أَوْ عَلَى هَامَتِي فَقَالَ: " يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتِ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَا: ثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنِي بُجَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي قُتَيْلَةَ، عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ; جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ ". فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ " عَلَيْكَ بِالشَّامِ; فَإِنَّهُ خِيرَةُ اللَّهِ مَنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهِ خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِهِ; فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ " وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ عِصَامِ بْنِ خَالِدٍ وَعَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَرِيزِ

بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ شُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَلْقَمَةَ نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ، يَرُدُّ الْحَدِيثَ إِلَى جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ الْعُرْيَ وَالْفَقْرَ وَقِلَّةَ الشَّيْءِ، فَقَالَ: " أَبْشِرُوا، فَوَاللَّهِ لَأَنَا بِكَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ، وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَرْضَ الشَّامِ - أَوْ قَالَ: أَرْضَ فَارِسَ - وَأَرْضَ الرُّومِ وَأَرْضَ حِمْيَرَ، وَحَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا ثَلَاثَةً; جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ، وَحَتَّى يُعْطَى الرِّجْلُ الْمِائَةَ فَيَسْخَطَهَا ". قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهِ الرُّومُ ذَوَاتُ الْقُرُونِ؟! قَالَ: " وَاللَّهِ لَيَفْتَحَنَّهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَلَيَسْتَخْلِفَنَّكُمْ فِيهَا، حَتَّى تَظَلَّ الْعِصَابَةُ الْبَيْضُ مِنْهُمْ قُمُصُهُمْ، الْمُلْحِمَةُ أَقْفَاؤُهُمْ قِيَامًا عَلَى الرُّوَيْجِلِ الْأَسْوَدِ مِنْكُمُ الْمَحْلُوقِ، مَا أَمَرَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَعَلُوهُ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أَبُو عَلْقَمَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ

يَقُولُ: فَعَرَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي جَزْءِ بْنِ سُهَيْلٍ السُّلَمِيِّ، وَكَانَ عَلَى الْأَعَاجِمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ نَظَرُوا إِلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ قِيَامًا حَوْلَهُ، فَيَتَعَجَّبُونَ لِنَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَفِيهِمْ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ لَقِيطٍ التُّجِيبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا ". قَالُوا: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مَوْتِي، وَمِنْ قَتْلِ خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ بِالْحَقِّ يُعْطِيهِ، وَالدَّجَّالِ "
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ دَوْمَةٍ، وَعِنْدَهُ كَاتِبٌ لَهُ يُمْلِي عَلَيْهِ، فَقَالَ:أَلَّا نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ " قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. فَأَعْرَضُ عَنِّي وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ مَرَّةً فِي الْأُولَى: " نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ " قُلْتُ: فِيمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

فَأَعْرَضَ عَنِّي - وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَلَّا نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ " قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. فَأَعْرَضَ عَنِّي وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ. قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِي الْكِتَابِ عُمَرُ، فَقُلْتُ: إِنَّ عُمَرَ لَا يَكْتُبُ إِلَّا فِي خَيْرٍ. ثُمَّ قَالَ: " أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: " يَا ابْنَ حَوَالَةَ، كَيْفَ تَفْعَلُ فِي فِتْنَةٍ تَخْرُجُ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِي بَقَرٍ؟ " قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: " فَكَيْفَ تَفْعَلُ فِي أُخْرَى تَخْرُجُ بَعْدَهَا كَأَنَّ الْأُولَى مِنْهَا انْتِفَاجَةُ أَرْنَبٍ؟ " قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: " اتَّبِعُوا هَذَا ". قَالَ: وَرَجُلٌ مُقَفٍّ حِينَئِذٍ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَسَعَيْتُ وَأَخَذْتُ بِمَنْكِبِهِ، فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ. قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ

الْعِلْمِ: هَذَا مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ; حَيْثُ أَخْبَرَ عَمَّا ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالْقُفْزَانِ، وَعَمَّا ضَرَبَ مِنَ الْخَرَاجِ بِالشَّامِ وَمِصْرَ، قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " مَنَعَتِ الْعِرَاقُ ". إِلَى آخِرِهِ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسْلِمُونَ فَيَسْقُطُ عَنْهُمُ الْخَرَاجُ. وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ الطَّاعَةِ وَلَا يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ الْمَضْرُوبَ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: " وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ". أَيْ رَجَعْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ: " إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ "
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يَجِيءَ إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ. قُلْنَا: مَنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّامِ أَنْ لَا يَجِيءَ إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً. ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا، لَا يَعُدُّهُ عَدًّا ". قَالَ الْجُرَيْرِيُّ: فَقُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ وَأَبِي الْعَلَاءِ: أَتَرَيَانِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَا: لَا. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ