36//1--البداية والنهاية عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).
ذِكْرُ تَخْرِيبِهِ إِيَّاهَا، قَبَّحَهُ اللَّهُ،
وَشَرَّفَهَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ
الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَيَسْلُبُهَا
حِلْيَتَهَا، وَيُجَرِّدُهَا مِنْ كِسْوَتِهَا، وَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ
أُصَيْلِعَ أُفَيْدِعَ، يَضْرِبُ عَلَيْهَا بِمِسْحَاتِهِ وَمِعْوَلِهِ ".
انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَهْيِيجِ الْحَبَشَةِ، حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ
حُنَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتْرُكُوا الْحَبَشَةَ مَا تَرَكُوكُمْ; فَإِنَّهُ لَا
يَسْتَخْرِجُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ إِلَّا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ
".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
الْأَخْنَسِ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ - وَهُوَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ - أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَيْهِ، أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَنْقُضُهَا حَجَرًا حَجَرًا ".
يَعْنِي الْكَعْبَةَ.
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ،
عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ
ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ،
يُخَرِّبُ بَيْتَ اللَّهِ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، بِهِ. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ
رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
الدَّرَاوَرْدِيِّ، كِلَاهُمَا " عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ
أَبِي الْغَيْثِ، سَالِمٍ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً
بِسَوَاءٍ. وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ ذَا السُّوَيْقَتَيْنِ،
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ; فَإِنَّ هَذَا مِنْ قَحْطَانَ، وَذَاكَ مِنَ
الْحَبَشَةِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى
يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ: جَهْجَاهُ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ
بِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمَ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ الْحَبَشِيِّ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَخْرُجُ أَهْلُ مَكَّةَ ثُمَّ لَا يُعْبَرُ بِهَا - أَوْ
لَا يَعْبُرُ بِهَا إِلَّا قَلِيلٌ - ثُمَّ تَمْتَلِئُ وَتُبْنَى، ثُمَّ
يَخْرُجُونَ مِنْهَا، فَلَا يَعُودُونَ فِيهَا أَبَدًا ". وَرَوَاهُ
الْبَزَّارُ.
فَصْلُ ( الْمَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ لَا يَدْخُلُهَا
الدَّجَّالُ )
وَأَمَّا الْمَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ كَمَا
تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَدْخُلُهَا وَلَا مَكَّةَ، وَأَنَّهُ يَكُونُ
عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهَا مِنْهُ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمٍ
الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَدْخُلُهَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ، وَلَا الطَّاعُونُ
". وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُخَيِّمُ بِظَاهِرِهَا، وَأَنَّهَا تَرْجُفُ
بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ
وَمُنَافِقَةٍ، وَفَاسِقٍ وَفَاسِقَةٍ، وَيَثْبُتُ فِيهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ
وَمُؤْمِنَةٍ، وَمُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَيُسَمَّى يَوْمَئِذٍ يَوْمَ الْخَلَاصِ،
وَأَكْثَرُ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَهِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا طَيْبَةُ، تَنْفِي خَبَثَهَا
وَيَنْصَعُ طِيبُهَا ".
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ
لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ الْآيَةَ [ النُّورِ: 26 ].
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمَدِينَةَ تَكُونُ عَامِرَةً أَيَّامَ الدَّجَّالِ، ثُمَّ
تَكُونُ كَذَلِكَ فِي زَمَنِ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ رَسُولِ اللَّهِ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حَتَّى تَكُونَ وَفَاتُهُ بِهَا، وَدَفْنُهُ
بِهَا، ثُمَّ تُخَرَّبُ بَعْدَ ذَلِكَ.
كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيَسِيرَنَّ الرَّاكِبُ فِي
جَنَبَاتِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ لَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ فِي هَذَا حَاضِرٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ كَثِيرٌ ". قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَلَمْ يَجُزْ بِهِ
حَسَنٌ الْأَشْيَبُ جَابِرًا. انْفَرَدَ بِهِمَا أَحْمَدُ.
خُرُوجُ الدَّابَّةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ
دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا
يُوقِنُونَ [ النَّمْلِ: 82 ]. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ
بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ "،
وَأَوْرَدْنَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ مَا فِيهِ
كِفَايَةٌ، وَلَوْ كَتَبْتُ مَجْمُوعَهَا هَاهُنَا كَانَ حَسَنًا كَافِيًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: تُكَلِّمُهُمْ، أَيْ
تُخَاطِبُهُمْ مُخَاطَبَةً. وَرَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ: تُخَاطِبُهُمْ فَتَقُولُ
لَهُمْ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ وَحَكَاهُ عَنْ
عَلِيٍّ، وَعَطَاءٍ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تُكَلِّمُهُمْ:
تُجَرِّحُهُمْ. يَعْنِي تَكْتُبُ عَلَى جَبِينِ الْكَافِرِ: " كَافِرٌ "
وَعَلَى جَبِينِ الْمُؤْمِنِ: " مُؤْمِنٌ ". وَعَنْهُ: تُخَاطِبُهُمْ
وَتَجْرَحُهُمْ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَنْتَظِمُ الْمَذْهَبَيْنِ، وَهُوَ قَوِىٌّ
حَسَنٌ جَامِعٌ لَهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَهْلُ
السُّنَنِ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا
عَشْرَ آيَاتٍ: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانُ، وَالدَّابَّةُ،
وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ، وَخُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ،
وَالدَّجَّالُ، وَثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ
بِالْمُشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ
عَدَنَ، تَسُوقُ النَّاسَ - أَوْ تَحْشُرُ النَّاسَ - تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ
بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ".
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَادِرُوا
بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ،
أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ
الْعَامَّةِ ".
وَلَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا:
الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ ".
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ، وَابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانِ
بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَالدَّجَّالَ، وَخُوَيْصَةَ
أَحَدِكُمْ، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ ". تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَجَرِيرِ
بْنِ حَازِمٍ; فَأَمَّا
طَلْحَةُ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ حَدَّثَهُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ أَبِي سَرِيحَةَ، وَأَمَّا جَرِيرٌ فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَحَدِيثُ طَلْحَةَ أَتَمُّ وَأَحْسَنُ، قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ، فَقَالَ: لَهَا ثَلَاثُ خَرَجَاتٍ فِي الدَّهْرِ، فَتَخْرُجُ خَرْجَةً مِنْ أَقْصَى الْبَادِيَةِ، وَلَا يَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ - يَعْنِي مَكَّةَ - ثُمَّ تَكْمُنُ زَمَانًا طَوِيلًا، ثُمَّ تَخْرُجُ خَرْجَةً أُخْرَى دُونَ تِلْكَ، فَيَعْلُو ذِكْرُهَا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَيَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ ". يَعْنِي مَكَّةَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثُمَّ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ عَلَى اللَّهِ حُرْمَةً وَأَكْرَمِهَا; الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَهِيَ تَرْغُو بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، تَنْفُضُ عَنْ رَأْسِهَا التُّرَابَ، فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا شَتَّى وَمَعًا، وَثَبَتَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَنْ يُعْجِزُوا اللَّهَ، فَبَدَأَتْ بِهِمْ، فَجَلَتْ وُجُوهُهُمْ حَتَّى جَعَلَتْهَا كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، وَوَلَّتْ فِي الْأَرْضِ، لَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ، وَلَا يَنْجُو مِنْهَا هَارِبٌ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَعَوَّذُ مِنْهَا بِالصَّلَاةِ فَتَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِهِ، فَتَقُولُ: يَا فُلَانُ، الْآنَ تُصَلِّي؟! فَيُقْبِلُ عَلَيْهَا، فَتَسِمُهُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ تَنْطَلِقُ، وَيَشْتَرِكُ النَّاسُ فِي الْأَمْوَالِ، وَيَصْطَحِبُونَ فِي الْأَمْصَارِ، يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ، حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَقُولُ: يَا كَافِرُ، اقْضِنِي حَقِّي. وَحَتَّى إِنَّ الْكَافِرَ لَيَقُولُ: يَا مُؤْمِنُ، اقْضِنِي حَقِّي ". هَكَذَا رَوَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا السِّيَاقِ، وَفِيهِ
غَرَابَةٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ
حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ
الْيَمَانِ مَرْفُوعًا، وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ فِي زَمَانِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو،
حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:ذَهَبَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْضِعٍ بِالْبَادِيَةِ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ،
فَإِذَا أَرْضٌ يَابِسَةٌ حَوْلَهَا رَمْلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ
". فَإِذَا فِتْرٌ فِي شِبْرٍ. قَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ: فَحَجَجْتُ بَعْدَ
ذَلِكَ بِسِنِينَ، فَأَرَانَا عَصًا لَهُ، فَإِذَا هُوَ بِعَصَايَ هَذِهِ، هَكَذَا
وَهَكَذَا. يَعْنِي أَنَّهُ كُلَّمَا لَهُ يَتَّسِعُ حَتَّى يَكُونَ وَقْتُ
خُرُوجِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ،
قَالَ: هِيَ دَابَّةٌ ذَاتُ زَغَبٍ، لَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ، تَخْرُجُ مِنْ
بَعْضِ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ. وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عُثْمَانَ
بْنِ مَطَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ صَدْعٍ مِنَ الصَّفَا،
كَجَرْيِ الْفَرَسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لَا يَخْرُجُ
ثُلُثُهَا.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ قَالَ " تَخْرُجُ الدَّابَّةُ
مِنْ تَحْتِ صَخْرَةٍ بِشِعْبِ أَجْيَادٍ، فَتَسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقَ، فَتَصْرُخُ
صَرْخَةً تُنْفِذُهُ، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الشَّامَ، فَتَصْرُخُ صَرْخَةً
تُنْفِذُهُ، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الْمَغْرِبَ، فَتَصْرُخُ صَرْخَةً تُنْفِذُهُ،
ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الْيَمَنَ، فَتَصْرُخُ صَرْخَةً تُنْفِذُهُ، ثُمَّ تَرُوحُ
مِنْ مَكَّةَ، فَتُصْبِحُ بِعُسْفَانَ. قِيلَ لَهُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ
لَا أَعْلَمُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ لَيْلَةَ جَمْعٍ.
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ حَكَى عَنْ عُزَيْرٍ النَّبِيِّ، أَنَّهُ
قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ تَحْتِ سَدُومَ. يَعْنِي مَدِينَةَ قَوْمِ
لُوطٍ، فَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَعَارِضَةٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّهُ قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنَ الصَّفَا
أَوِ الْمَرْوَةِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ
مَعِينٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِئْسَ
الشِّعْبُ شِعْبُ جِيَادٍ ". مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، قَالُوا: وَلِمَ
ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " تَخْرُجُ مِنْهُ الدَّابَّةُ،
فَتَصْرُخُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ، فَيَسْمَعُهَا مَنْ بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ ".
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ فَرْقَدِ بْنِ الْحَجَّاجِ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ
أَبِي الْحَسْنَاءِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ مِنْ
جِيَادٍ، فَيَبْلُغُ صَدْرُهَا الرُّكْنَ، وَلَمْ يَخْرُجْ ذَنَبُهَا بَعْدُ
". قَالَ: " وَهِيَ دَابَّةٌ ذَاتُ وَبَرٍ وَقَوَائِمَ ".
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَبَهْزِ بْنِ
أَسَدٍ، وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَخْرُجُ
دَابَّةُ الْأَرْضِ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ، فَتَخْطِمُ
أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ، وَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا، حَتَّى
إِنَّ أَهْلَ الْخِوَانِ الْوَاحِدِ لَيَجْتَمِعُونَ، فَيَقُولُ هَذَا: يَا
مُؤْمِنُ. وَيَقُولُ هَذَا: يَا كَافِرُ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ،
عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ،
عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:
فَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْعَصَا،
وَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْخَاتَمِ ". وَهَذَا
أَنْسَبُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ
اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ الدَّابَّةَ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ،
مَا بَيْنَ قَرْنَيْهَا فَرْسَخٌ لِلرَّاكِبِ. وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا
دَابَّةٌ لَهَا رِيشٌ وَزَغَبٌ وَحَافِرٌ، وَمَا لَهَا ذَنَبٌ، وَلَهَا لِحْيَةٌ،
وَإِنَّهَا لَتَخْرُجُ حُضْرَ الْفَرَسِ الْجَوَادِ ثَلَاثًا، وَمَا خَرَجَ
ثُلُثَاهَا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ وَصَفَ الدَّابَّةَ،
فَقَالَ: رَأْسُهَا رَأْسُ ثَوْرٍ، وَعَيْنُهَا عَيْنُ خِنْزِيرٍ، وَأُذُنُهَا
أُذُنُ فِيلٍ، وَقَرْنُهَا قَرْنُ إِيَّلٍ، وَعُنُقُهَا عُنُقُ نَعَامَةٍ،
وَصَدْرُهَا صَدْرُ أَسَدٍ، وَلَوْنُهَا لَوْنُ نَمِرٍ، وَخَاصِرَتُهَا خَاصِرَةُ
هِرٍّ، وَذَنَبُهَا ذَنَبُ كَبْشٍ، وَقَوَائِمُهَا قَوَائِمُ بَعِيرٍ، بَيْنَ كُلِّ
مَفْصِلَيْنِ اثَنَا عَشَرَ ذِرَاعًا، يَخْرُجُ مَعَهَا عَصَا مُوسَى، وَخَاتَمُ
سُلَيْمَانَ، فَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ إِلَّا نَكَتَتْ فِي وَجْهِهِ بِعَصَا مُوسَى
نُكْتَةً بَيْضَاءَ، فَتَفْشُو تِلْكَ النُّكْتَةُ حَتَّى يَبْيَضَّ لَهَا
وَجْهُهُ، وَلَا يَبْقَى كَافِرٌ إِلَّا نَكَتَتْ فِي وَجْهِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ
بِخَاتَمِ سُلَيْمَانَ، فَتَفْشُو تِلْكَ النُّكْتَةُ حَتَّى يَسْوَدَّ لَهَا
وَجْهُهُ، حَتَّى إِنَّ النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ: بِكَمْ ذَا يَا
مُؤْمِنُ؟ بِكَمْ ذَا يَا كَافِرُ؟ وَحَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَجْلِسُونِ
عَلَى مَائِدَتِهِمْ، فَيَعْرِفُونَ مُؤْمِنَهُمْ مِنْ كَافِرِهِمْ، ثُمَّ تَقُولُ
لَهُمُ الدَّابَّةُ: يَا فُلَانُ، أَبْشِرْ، أَنْتَ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَ: يَا فُلَانُ، أَنْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَذَلِكَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ
دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا
يُوقِنُونَ [ النَّمْلِ: 82 ]. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّ الدَّابَّةَ تَقْتُلُ إِبْلِيسَ الرَّجِيمَ، وَذَلِكَ فِيمَا
رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ " الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ
"، تَصْنِيفِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا
طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى،
فَأَيَّتُهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا
قَرِيبًا ". أَيْ أَوَّلُ الْآيَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مَأْلُوفَةً، وَإِنْ
كَانَ الدَّجَّالُ، وَنُزُولُ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ السَّمَاءِ
قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَكُلُّ ذَلِكَ أُمُورٌ
مَأْلُوفَةٌ، لِأَنَّهُمْ بَشَرٌ، مُشَاهَدَتُهُمْ وَأَمْثَالُهُمْ مَعْرُوفَةٌ
مَأْلُوفَةٌ، فَأَمَّا خُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى شَكْلٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ،
وَمُخَاطَبَتُهَا النَّاسَ، وَوَسْمُهَا إِيَّاهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ،
فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَجَارِي الْعَادَاتِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ الْآيَاتِ
الْأَرْضِيَّةِ، كَمَا أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوَّلُ الْآيَاتِ
السَّمَاوِيَّةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهَا الْمَأْلُوفَةِ.
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي سَلَمَةَ - الْمَاجِشُونُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ دِلَافٍ الْمُزَنِيِّ، لَا أَعْلَمُ
إِلَّا أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَتَسِمُ النَّاسَ
عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ ثُمَّ يَغْمُرُونَ فِيكُمْ حَتَّى يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ
الْبَعِيرَ فَيُقَالُ: مِمَّنِ اشْتَرَيْتَهُ؟ فَيَقُولُ: مِنْ أَحَدِ
الْمُخْطَمِينَ " وَقَالَ يُونُسُ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ -: " ثُمَّ
يَغْمُرُونَ فِيكُمْ " وَلَمْ يَشُكَّ. قَالَ: فِي رَفْعِهِ. تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ.
ذِكْرُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ
الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ
يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا. الْآيَةَ [
الْأَنْعَامِ: 158 ]. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمَ يَأْتِي
بَعْضُ آيَتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا.
قَالَ: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ.
وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ - عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ،
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ
عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ
مِنْ قَبْلُ ". وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ - إِلَّا
التِّرْمِذِيَّ - مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ،
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا
مِثْلَهُ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ
وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِيَنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا
إِيمَانُهَا ". ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ
الصَّنْعَانِيِّ بِهِ، وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ
الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ سَلْمَانَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا
إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا
خَيْرًا; طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ
". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرِ
بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، بِهِ،
نَحْوَهُ.
وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ
جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَيْضًا، فَعَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ
أَسِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ; طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا.... ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ،
وَأَهْلُ السُّنَنِ، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
وَمِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَادِرُوا
بِالْأَعْمَالِ سِتًّا ". فَذَكَرَ مِنْهُنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ
هَذِهِ الشَّمْسُ إِذَا غَرَبَتْ " ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي. قَالَ: "
إِنَّهَا تَنْتَهِي فَتَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ، فَيُوشِكُ
أَنْ يُقَالَ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ. وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ
نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ
كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ،
قَالَ: جَلَسَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَرْوَانَ
بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعُوهُ يَقُولُ وَهُوَ يُحَدِّثُ فِي الْآيَاتِ: إِنَّ
أَوَّلَهَا خُرُوجُ الدَّجَّالِ. قَالَ: فَانْصَرَفَ النَّفَرُ إِلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثُوهُ بِالَّذِي سَمِعَ مِنْ مَرْوَانَ فِي
الْآيَاتِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَمْ يَقُلْ مَرْوَانُ شَيْئًا، قَدْ حَفِظْتُ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ
حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا،
وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ ضُحًى، فَأَيَّتُهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا
فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا، قَرِيبًا ". ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ،
وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ: وَأَظُنُّ أُولَاهُمَا خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا كُلَّمَا غَرَبَتْ أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ
فَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَأُذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ،
حَتَّى إِذَا بَدَا لِلَّهِ أَنْ تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا فَعَلَتْ كَمَا
كَانَتْ تَفْعَلُ; أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ فَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فِي
الرُّجُوعِ، فَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ،
فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ، فَلَا
يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ
أَنْ يَذْهَبَ، وَعَرَفَتْ أَنَّهُ إِنْ أَذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ لَمْ
تُدْرِكِ الْمَشْرِقَ، قَالَتْ: رَبِّ، مَا أَبْعَدَ الْمَشْرِقَ، مَنْ لِي
بِالنَّاسِ؟ حَتَّى إِذَا صَارَ الْأُفُقُ كَأَنَّهُ
طَوْقٌ، اسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَيُقَالُ لَهَا:
ارْجِعِي مِنْ مَكَانِكِ فَاطْلُعِي. فَطَلَعَتْ عَلَى النَّاسِ مِنْ مَغْرِبِهَا،
ثُمَّ تَلَا عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةَ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ
رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ
كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [ الْأَنْعَامِ: 158 ].
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ "، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ
مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَيَّانَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ
أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ...
وَذَكَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ
هَاهُنَا الَّتِي لَيْسَتْ مَأْلُوفَةً، بَلْ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْعَادَاتِ،
وَقَدْ ظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
مُتَقَدِّمٌ عَلَى خُرُوجِ الدَّابَّةِ، وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ وَمُنَاسِبٌ،
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ
الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ "، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ زِبْرِيقٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ
بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ حُيَيِّ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا خَرَّ إِبْلِيسُ
سَاجِدًا يُنَادِي وَيَجْهَرُ: إِلَهِي، مُرْنِي أَنْ أَسْجُدَ لِمَنْ شِئْتَ
". قَالَ: " فَتَجْتَمِعُ إِلَيْهِ زَبَانِيَتُهُ، فَيَقُولُونَ: يَا
سَيِّدَهُمْ، مَا هَذَا التَّضَرُّعُ؟
فَيَقُولُ: إِنَّمَا سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُنْظِرَنِي
إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، وَهَذَا الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ. قَالَ: "
ثُمَّ تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ مِنْ صَدْعٍ فِي الصَّفَا ". قَالَ:
" فَأَوَّلُ خُطْوَةٍ تَضَعُهَا بِأَنْطَاكِيَةَ، فَتَأْتِي إِبْلِيسَ
فَتَلْطِمُهُ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَرَفْعُهُ فِيهِ
نَكَارَةٌ، لَعَلَّهُ مِنَ الزَّامِلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَصَابَهُمَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ الْيَرْمُوكِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَكَانَ
يُحَدِّثُ مِنْهُمَا أَشْيَاءَ غَرَائِبَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ
حَمَّادٍ فِي " الْفِتَنِ "، أَنَّ الدَّابَّةَ تَقْتُلُ إِبْلِيسَ.
وَهَذَا مِنْ أَغْرَبِ الْأَخْبَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي حَدِيثِ طَالُوتَ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ فَضَّالِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ صُدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي " تَفْسِيرِهِ
": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أَوْفَى، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "
لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ لَيْلَةٌ تَعْدِلُ ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنْ
لَيَالِيكُمْ هَذِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ يَعْرِفُهَا الْمُتَنَفِّلُونَ،
يَقُومُ أَحَدُهُمْ، فَيَقْرَأُ حِزْبَهُ، ثُمَّ يَنَامُ، ثُمَّ يَقُومُ،
فَيَقْرَأُ حِزْبَهُ، ثُمَّ يَنَامُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ صَاحَ النَّاسُ
بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَيَفْزَعُونَ إِلَى الْمَسَاجِدِ،
فَإِذَا هُمْ بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا، حَتَّى إِذَا صَارَتْ
فِي وَسَطِ السَّمَاءِ رَجَعَتْ فَطَلَعَتْ مِنْ مَطْلِعِهَا ". قَالَ:
" فَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا ".
ثُمَّ سَاقَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا آيَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا؟
فَقَالَ: " تَطُولُ تِلْكَ اللَّيْلَةُ حَتَّى تَكُونَ قَدْرَ لَيْلَتَيْنِ،
فَيَنْتَبِهُ الَّذِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهَا، فَيَعْمَلُونَ كَمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ قَبْلَهَا، وَالنُّجُومُ لَا تُرَى; قَدْ بَاتَتْ مَكَانَهَا، ثُمَّ
يَرْقُدُونَ، ثُمَّ يَقُومُونَ، فَيُصَلُّونَ، ثُمَّ يَرْقُدُونَ، ثُمَّ
يَقُومُونَ، فَتَكِلُّ عَلَيْهِمْ جُنُوبُهُمْ حِينَ يَتَطَاوَلُ اللَّيْلُ،
فَيَفْزَعُ النَّاسُ وَلَا يُصْبِحُونَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَنْتَظِرُونَ طُلُوعَ
الشَّمْسِ مِنْ مَشْرِقِهَا إِذْ طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا
النَّاسُ آمَنُوا، وَلَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي "
الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ": أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُصَيْرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي أَبِي،
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ سَعْدِ
بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِجُلَسَائِهِ:
أَرَأَيْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ؟ [
الْكَهْفِ: 86 ] مَاذَا يَعْنِي بِهَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: إِنَّهَا إِذَا غَرَبَتْ سَجَدَتْ لَهُ وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ، ثُمَّ
كَانَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَإِذَا حَضَرَ طُلُوعُهَا، سَجَدَتْ لَهُ
وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ ثُمَّ اسْتَأْذَنَتْهُ، فَيُؤْذَنُ لَهَا، فَإِذَا
كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي تُحْبَسُ فِيهِ، سَجَدَتْ لَهُ وَسَبَّحَتْهُ
وَعَظَّمَتْهُ ثُمَّ اسْتَأْذَنَتْهُ، فَيُقَالُ لَهَا: اثْبُتِي. فَإِذَا حَضَرَ
طُلُوعُهَا سَجَدَتْ لَهُ وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ ثُمَّ اسْتَأْذَنَتْهُ
فَيُقَالُ: اثْبُتِي. فَتُحْبَسُ مِقْدَارَ لَيْلَتَيْنِ. قَالَ: وَيَفْزَعُ
الْمُتَهَجِّدُونَ، وَيُنَادِي الرَّجُلُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ جَارَهُ: يَا
فُلَانُ، مَا شَأْنُنَا اللَّيْلَةَ؟ لَقَدْ نِمْتُ حَتَّى شَبِعْتُ وَصَلَّيْتُ
حَتَّى أَعْيَيْتُ. ثُمَّ يُقَالُ لَهَا: اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ غَرَبْتِ. فَذَلِكَ
يَوْمٌ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ
الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ: 158 ].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ
عُبَيْدٍ، يَرُدُّهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنِ ابْنِ
السَّعْدِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا دَامَ
الْعَدُوُّ يُقَاتِلُ ". فَقَالَ مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ;
إِحْدَاهُمَا أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ، وَالْأُخْرَى أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتِ التَّوْبَةُ،
وَلَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ،
فَإِذَا طَلَعَتْ، طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ، وَكُفِيَ النَّاسُ
الْعَمَلَ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ
مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ -
وَصَحَّحَهُ - وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي
النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ فَتَحَ
بَابًا قِبَلَ الْمَغْرِبِ عَرْضُهُ سَبْعُونَ - أَوْ قَالَ: أَرْبَعُونَ - عَامًا
لِلتَّوْبَةِ، لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ ".
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ، مَعَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ إِيمَانًا، أَوْ تَوْبَةً بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا
الدَّالَّةِ عَلَى اقْتِرَابِهَا وَدُنُوِّهَا، فَعُومِلَ ذَلِكَ الْوَقْتُ
مُعَامَلَةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا
أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ
آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا
إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [ الْأَنْعَامِ: 158 ].
وَقَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا
آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ
يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي
قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [ غَافِرٍ: 84، 85 ].
وَقَالَ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ
بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ
ذِكْرَاهُمْ [ مُحَمَّدٍ: 18 ].
وَقَدْ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ الْآيَاتِ
ظُهُورًا خُرُوجُ الدَّجَّالِ، ثُمَّ نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ثُمَّ فَتْحُ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، ثُمَّ خُرُوجُ الدَّابَّةِ، ثُمَّ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا، قَالَ: لِأَنَّهَا إِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ مَنْ
عَلَيْهَا، فَلَوْ كَانَ نُزُولُ عِيسَى بَعْدَهَا، لَمْ يَلْقَ كَافِرًا.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّ إِيمَانَ أَهْلِ الْأَرْضِ
يَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، فَمَنْ أَحْدَثَ إِيمَانًا أَوْ تَوْبَةً يَوْمَئِذٍ لَمْ
تُقْبَلْ مِنْهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا أَوْ تَائِبًا قَبْلَ ذَلِكَ،
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُزُولِ عِيسَى فِي آخِرِ الزَّمَانِ:
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [
النِّسَاءِ: 159 ]. أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، وَبَعْدَ نُزُولِهِ يُؤْمِنُ
جَمِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِهِ إِيمَانًا ضَرُورِيًّا، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ
يَتَحَقَّقُونَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَالنَّصْرَانِيُّ يَعْلَمُ
كَذِبَ نَفْسِهِ فِي دَعْوَاهُ فِيهِ الرُّبُوبِيَّةَ وَالْبُنُوَّةَ،
وَالْيَهُودِيُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ، لَا وَلَدَ
زَانِيَةٍ، كَمَا كَانَ الْمُجْرِمُونَ مِنْهُمْ يَزْعُمُونَ ذَلِكَ، عَلَيْهِمْ
لِعَائِنُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ الْمُتَدَارِكُ.
ذِكْرُ الدُخَّانِ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ
يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [
الدُّخَانِ: 10 - 16 ]. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي
سُورَةِ الدُّخَانِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ، وَقَدْ نَقَلَ
الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِمَا كَانَ يَحْصُلُ
لِقُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، بِسَبَبِ الْقَحْطِ الَّذِي دَعَا عَلَيْهِمْ
بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ
يَرَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ.
وَهَذَا التَّفْسِيرُ غَرِيبٌ جِدًّا، وَلَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ غَيْرِهِ، وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ
رَدَّ ذَلِكَ، وَمُعَارَضَتَهُ بِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَرِيحَةَ
حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ
". فَذَكَرَ فِيهِنَّ الدُّخَانَ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:
بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا ". فَذَكَرَ فِيهِنَّ الدُّخَانَ،
وَالْحَدِيثَانِ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مَرْفُوعَانِ، وَالْمَرْفُوعُ
مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَوْقُوفٍ، وَفِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى
وُجُودِ دُخَانٍ مِنَ السَّمَاءِ يَغْشَى
النَّاسَ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ عَامٌّ، وَلَيْسَ كَمَا
رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ خَيَالٌ فِي أَعْيُنِ قُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ
الْجُوعِ.
قَالَ تَعَالَى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ. أَيْ:
ظَاهِرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ، لَيْسَ خَيَالًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ،
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ. أَيْ: يُنَادِي أَهْلُ
ذَلِكَ الزَّمَانِ رَبَّهُمْ بِهَذَا الدُّعَاءِ; يَسْأَلُونَ كَشْفَ هَذِهِ الشِّدَّةِ
عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا، وَأَيْقَنُوا بِمَا وُعِدُوا بِهِ مِنَ
الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الْكَائِنَةِ، بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
حَيْثُ يُمْكِنُ رَفْعُهُ، وَيُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ
مَسْرُوقٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ قَالَ: يَجِيءُ
دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ
وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ. فَفَزِعْنَا،
فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ. قَالَ: وَكَانَ مُتَّكِئًا. فَغَضِبَ فَجَلَسَ، فَقَالَ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ
فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا
يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. [ ص: 86 ]
وَإِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الْإِسْلَامِ، فَدَعَا
عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "
اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ ". فَأَخَذَتْهُمْ
سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، وَيَرَى
الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَجَاءَهُ
أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ،
وَقَوْمُكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ. فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا
عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ إِلَى
قَوْلِهِ: إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ أَفَيُكْشَفُ
عَنْهُمْ عَذَابُ الْآخِرَةِ إِذَا جَاءَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ
[ الدُّخَانِ: 16 ]. فَذَاكَ يَوْمُ بَدْرٍ، فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [
الْفُرْقَانِ: 77 ] فَذَاكَ يَوْمُ بَدْرٍ، الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى
الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ الرُّومِ: 1 - 3 ]،
وَالرُّومُ قَدْ مَضَى، فَقَدْ مَضَتِ الْأَرْبَعُ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ،
وَمَنْصُورٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَدْ مَضَى الْقَمَرُ،
وَالدُّخَانُ، وَالرُّومُ، وَاللِّزَامُ. وَقَدْ سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ
طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وَقَوْلُ هَذَا الْقَاصِّ: إِنَّ
هَذَا
الدُّخَانَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لَيْسَ بِجَيِّدٍ،
وَمِنْ هُنَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ بِالرَّدِّ، بَلْ قَبْلَ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ يَكُونُ وُجُودُ هَذَا الدُّخَانِ، كَمَا يَكُونُ وُجُودُ الْآيَاتِ،
مِنَ الدَّابَّةِ وَالدَّجَّالِ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ
الْأَحَادِيثُ عَنْ أَبَى سَرِيحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ
الصَّحَابَةِ، وَكَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِيهَا، وَأَمَّا النَّارُ الَّتِي
تَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا
تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ، تَبِيتُ
مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ
تَخَلَّفَ مِنْهُمْ.
ذِكْرُ الصَّوَاعِقِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ اقْتِرَابِ
السَّاعَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا
عُمَارَةٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَكْثُرُ الصَّوَاعِقُ عِنْدَ
اقْتِرَابِ السَّاعَةِ حَتَّى يَأْتِيَ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَيَقُولُ: مَنْ
صُعِقَ قِبَلَكُمُ الْغَدَاةَ؟ فَيَقُولُونَ: صُعِقَ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ثَنَا أَرْطْأَةُ -
يَعْنِي ابْنَ الْمُنْذِرِ - سَمِعْتُ ضَمْرَةَ بْنَ حَبِيبٍ سَمِعْتُسَلَمَةَ
بْنَ نُفَيْلٍ السَّكُونِيَّ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ
أُتِيتَ بِطَعَامٍ مِنَ السَّمَاءِ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: وَبِمَاذَا؟
قَالَ: " بِمِسْخَنَةٍ " قَالَ: فَهَلْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْكَ
قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: فَمَا فُعِلَ بِهِ؟
قَالَ: " رُفِعَ، وَهُوَ يُوحَى إِلَيَّ أَنِّي مَكْفُوتٌ غَيْرُ لَابِثٍ
فِيكُمْ وَلَسْتُمْ لَابِثِينَ بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا بَلْ تَلْبَثُونَ حَتَّى
تَقُولُوا: مَتَى؟ وَسَتَأْتُونَ أَفْنَادًا يُفْنِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَبَيْنَ
يَدَيِ السَّاعَةِ مُوتَانٌ شَدِيدٌ وَبَعْدَهُ سَنَوَاتُ الزَّلَازِلِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: الْآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ فَإِنْ يُقْطَعِ
السِّلْكُ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا ". انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
ذِكْرُ وُقُوعِ الْمَطَرِ الشَّدِيدِ قَبْلَ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ،
حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى تُمْطِرَ السَّمَاءُ مَطَرًا لَا تُكَنُّ مِنْهُ بُيُوتُ الْمَدَرِ، وَلَا
تُكَنُّ مِنْهُ إِلَّا بُيُوتُ الشَّعَرِ ".
بَابُ ذِكْرِ أُمُورٍ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَكُونَ، مِنْهَا مَا قَدْ وَقَعَ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَقَعْ بَعْدُ
قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَلْنَذْكُرْ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنْ
ذَلِكَ، وَإِيرَادَ شَيْءٍ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى
اقْتِرَابِهَا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ. وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ،
دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ. وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ،
وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَكْثُرَ الْفِتَنُ،
وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ. وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ
كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ
اللَّهِ. وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ
فَيَقُولُ: لَيْتَنِي مَكَانَكَ. وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا
أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [ الْأَنْعَامِ: 158 ]
وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ
الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ "، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبُرَيْدَةَ، وَأَبِي بَكْرَةَ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،
وَغَيْرِهِمْ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا
التُّرْكَ عِرَاضَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ
الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ " الْحَدِيثَ. وَهُمْ
بَنُو قَنْطُورَاءَ، وَهِيَ جَارِيَةُ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ
وَالزِّنَى، وَتُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيُكْثُرَ النِّسَاءُ
حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ ".
وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ
مُرُوجًا وَأَنْهَارًا، أَوْ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ،
فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ،
وَيَنْجُو وَاحِدٌ ". وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
سُهَيْلٍ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ،
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ
دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ ". طَاغِيَةِ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا
يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْعَلَاءِ،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ،
حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ
كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ [ التَّوْبَةِ: 33 ] أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا. فَقَالَ: "
إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا
طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ
مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ
آبَائِهِمْ ".
وَفَى جُزْءِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا
أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: " نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ
الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ " الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إِذْ أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ، فَسَأَلَهُ عَنِ
الْإِيمَانِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَتَى
السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: " مَا الْمَسَئُولُ عَنْهَا بِأعْلَمَ مِنَ السَائِلِ،
وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا؟ إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا،
فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رُءُوسَ
النَّاسِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا
اللَّهُ ". ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ لُقْمَانَ: 34 ]. ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: "
رُدُّوهُ عَلَيَّ ". فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: " هَذَا
جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ ". أَخْرَجَاهُ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ ".
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخِطَابِ نَحْوُ
هَذَا بِأَبْسَطَ مِنْهُ.
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا ".
يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْإِمَاءَ يَكُنَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ هُنَّ الْمُشَارُ
إِلَيْهِنَّ بِالْحِشْمَةِ، تَكُونُ الْأَمَةُ تَحْتَ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ دُونَ
غَيْرِهَا مِنَ الْحَرَائِرِ، وَلِذَلِكَ قَرَنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ تَرَى
الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ ".
يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ رُءُوسَ النَّاسِ، قَدْ كَثُرَتْ
أَمْوَالُهُمْ، وَامْتَدَّتْ وَجَاهَتُهُمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ دَأَبٌ وَلَا هِمَّةٌ
إِلَّا التَّطَاوُلُ فِي الْبِنَاءِ، وَهَذَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ
الْمُتَقَدِّمِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَحْظَى النَّاسِ بِالدُّنْيَا
لُكَعُ ابْنُ لُكَعَ ". وَفَّى الْحَدِيثِ الْآخَرِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى يَسُودَ كُلَّ قَبِيلَةٍ رُذَّالُهَا " وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ. وَمَنْ
فَسَّرَ هَذَا بِكَثْرَةِ السَّرَارِي لِكَثْرَةِ الْفُتُوحَاتِ، فَقَدْ كَانَ
هَذَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَثِيرًا جِدًّا، وَلَيْسَ هَذَا بِهَذِهِ
الصِّفَةِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الْمُتَاخِمَةِ لِوَقْتِهَا، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ " الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ":
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي
إِسْحَاقَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ الْحَافِظُ،
حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَسْكَرِيُّ،
حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ مِسْكِينٍ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عُتَيٌّ: خَرَجْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، فَقَدِمْتُ
الْكُوفَةَ فَإِذَا أَنَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَلْ لِلسَّاعَةِ مِنْ عَلَمٍ تُعْرَفُ بِهِ؟ فَقَالَ:
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ،
فَقَالَ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ غَيْظًا،
وَالْمَطَرُ قَيْظًا، وَتَفِيضُ الْأَشْرَارُ فَيْضًا، وَتَغِيضُ الْأَخْيَارُ
غَيْضًا وَيُصَدَّقُ الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ
الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ الْأَمِينُ، وَيَسُودُ كُلَّ قَبِيلَةٍ مُنَافِقُوهَا،
وَكُلَّ سُوقٍ فُجَّارُهَا، وَتُزَخْرَفُ الْمَحَارِيبُ، وَتَخْرَبُ الْقُلُوبُ،
وَيَكْتَفِي الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَيَخْرَبُ
عُمْرَانُ الدُّنْيَا، وَيَعْمُرُ خَرَابُهَا، وَتَظْهَرُ الْفِتْنَةُ وَأَكْلُ
الرِّبَا، وَتَظْهَرُ الْمَعَازِفُ وَالْكُبُورُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَتَكْثُرُ
الشُّرَطُ وَالْغَمَّازُونَ وَالْهَمَّازُونَ ". ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
هَذَا إِسْنَادٌ فِيهِ ضَعْفٌ، إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ أَلْفَاظِهِ قَدْ رُوِيَتْ
بِأَسَانِيدَ أُخَرَ مُتَفَرِّقَةٍ.
قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ فَصْلٌ فِيهِ مَا يَقَعُ
مِنَ الشُّرُورِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَفِيهِ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ لِهَذَا
الْحَدِيثِ. وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: "
إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ". قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ،
وَكَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ فَقَالَ: " إِذَا وُسِّدَ
الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ:
وَأَحْسَبُهُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ، أَيَّامٌ يَزُولُ فِيهَا الْعِلْمُ،
وَيَظْهَرُ فِيهَا الْجَهْلُ ". فَقَالَ أَبُو مُوسَى: الْهَرْجُ بِلِسَانِ
الْحَبَشِ: الْقَتْلُ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
يَخْرُجَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَيُخْبِرَهُ نَعْلُهُ، أَوْ سَوْطُهُ، أَوْ
عَصَاهُ، بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ ".
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ
الْحُدَّانِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ
عَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ
أَهْلُهُ بَعْدَهُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ
ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ
لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُمْطِرَ السَّمَاءُ، وَلَا تُنْبِتَ الْأَرْضُ،
وَحَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ، وَحَتَّى إِنَّ
الْمْرْأَةَ لَتَمُرُّ بِالْبَعْلِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا فَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ
لِهَذِهِ مَرَّةً رَجُلٌ. قَالَ أَحْمَدُ: ذَكَرَهُ حَمَّادٌ مَرَّةً هَكَذَا،
وَقَدْ ذَكَرَهُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَشُكُّ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ أَيْضًا: عَنْ أَنَسٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْسَبُ. إِسْنَادُهُ
جَيِّدٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ، قَالَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَقِلَّ
الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ قَيِّمَ خَمْسِينَ امْرَأَةً
رَجُلٌ وَاحِدٌ " تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ فِي " الصَّحِيحِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى
الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ،
وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا:
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ،
حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ
السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ
كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ
كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ " وَالسَّعَفَةُ: الْخُوصَةُ، زَعَمَ سُهَيْلٌ.
وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا كَامِلٌ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ تَذْهَبَ الدُّنْيَا حَتَّى تَصِيرَ لِلُكَعَ
ابْنِ لُكَعَ ". إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ وَسُرَيْجٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَبْلَ السَّاعَةِ
سُنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ،
وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَنْطِقُ
فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ". قَالَ سُرَيْجٌ: وَيُنْظَرُ فِيهَا لِلرُّوَيْبِضَةِ
". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ،
عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى
رُعَاةُ الشَّاءِ رَءُوسَ النَّاسِ، وَأَنْ يُرَى الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ
الْجُوَّعُ يَتَبَارَوْنَ فِي الْبِنَاءِ، وَأَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّهَا أَوْ
رَبَّتَهَا ". وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ
قُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا تَنْطَحَ ذَاتُ
قَرْنٍ جَمَّاءَ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ
أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ،
وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ " قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟
قَالَ: " الْقَتْلُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ،
حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ صَدَقَةَ مَالِهِ، وَيُقْبَضَ
الْعِلْمُ، وَيَقْتَرِبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ
الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ". قَالُوا:
الْهَرْجُ أَيُّمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ، الْقَتْلُ
".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ،
وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ ".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ،
كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ
وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا
إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا
خَيْرًا [ الْأَنْعَامِ: 158 ] ". وَهَذَا ثَابِتٌ فِي " الصَّحِيحِ
".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، حدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ
الْيَمَامِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي
بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا تَنْقَضِي
هَذِهِ الدُّنْيَا حَتَّى يَقَعَ بِهِمُ الْخَسْفُ،
وَالْقَذْفُ، وَالْمَسْخُ ". قَالُوا: وَمَتَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: " إِذَا رَأَيْتَ النِّسَاءَ رَكِبْنَ السُّرُوجَ، وَكَثُرَتِ
الْقَيْنَاتُ، وَفَشَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ، وَاسْتَغْنَى الرِّجَالُ
بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ ".
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَعْزُبَ الْعُقُولُ، وَتَنْقُصَ
الْأَحْلَامُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ،
حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ، وَهُوَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَيَّارٍ
أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ جُلُوسًا، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: قَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ.
فَقَامَ، وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ رَأَيْنَا النَّاسَ
رُكُوعًا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ وَرَكَعَ وَرَكَعْنَا، ثُمَّ
مَشَيْنَا، وَصَنَعْنَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ، فَمَرَّ رَجُلٌ يُسْرِعُ، فَقَالَ:
عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ. فَلَمَّا صَلَّيْنَا وَرَجَعْنَا دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ،
وَجَلَسْنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَمَا سَمِعْتُمْ رَدَّهُ عَلَى
الرَّجُلِ، صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ وَبَلَّغَتْ
رُسُلُهُ؟ أَيُّكُمْ يَسْأَلُهُ؟ فَقَالَ طَارِقٌ: أَنَا
أَسْأَلُهُ. فَسَأَلَهُ حِينَ خَرَجَ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ،
وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ،
وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ،
وَظُهُورَ الْقَلَمِ ".
ثُمَّ رَوَى أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ بَشِيرٍ،
عَنْ سَيَّارٍ أَبِي حَمْزَةَ. قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ،
وَسَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ لَمْ يَرْوِ عَنْ طَارِقٍ شَيْئًا.
صِفَةُ أَهْلِ آخِرِ الزَّمَانِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ،
حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى يَأْخُذَ اللَّهُ شَرِيطَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَيَبْقَى فِيهَا
عَجَاجَةٌ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا ".
وَحَدَّثَنَاهُ عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَرْفَعْهُ،
وَقَالَ: حَتَّى يَأْخُذَ اللَّهُ شَرِيطَتَهُ مِنَ النَّاسِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَشِرَارُ النَّاسِ
الَّذِينَ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْأَقْمَرِ، سَمِعْتُ أَبَا الْأَحْوَصِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ،
عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ بِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ يَقِلُّ الرِّجَالُ،
وَتَكْثُرُ النِّسَاءُ، حَتَّى
يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ،
يَلُذْنَ بِهِ، وَأَنَّهُمْ يَتَسَافَدُونَ فِي الطُّرُقَاتِ، كَمَا يَتَسَافَدُ
الْبَهَائِمُ. وَقَدْ أَوْرَدْنَاهَا بِأَسَانِيدِهَا وَأَلْفَاظِهَا بِمَا
أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ
حَرْبٍ، عَنْ عَفَّانَ بِهِ. وَلَفْظُهُ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا
يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ:
اللَّهُ اللَّهُ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ ".
وَهَذَا الْإِسْنَادُ ثُلَاثِيٌّ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ "،
وَإِنَّمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوعًا،
وَقَالَ: حَسَنٌ. ثُمَّ رَوَاهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُثَنَّى، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ،
مَوْقُوفًا. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْأَوَّلِ.
وَفَى مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَتَّى لَا يُقَالَ
فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ ". قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ
أَنَّ أَحَدًا لَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا وَلَا يَزْجُرُ أَحَدٌ أَحَدًا إِذَا رَآهُ
قَدْ تَعَاطَى مُنْكَرًا، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " حَتَّى لَا
يُقَالَ: اللَّهُ اللَّهُ ". كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو: فَيَبْقَى فِيهَا عَجَاجَةٌ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلَا
يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا ". وَالْقَوْلُ الثَّانِي: حَتَّى لَا يُذْكَرَ
اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُعْرَفَ اسْمُهُ فِيهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ فَسَادِ
الزَّمَانِ، وَدَمَارِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، وَكَثْرَةِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ
وَالْعِصْيَانِ يَتَوَاكَلُونَ الْخَيْرَ بَيْنَهُمْ، حَتَّى لَا يَقُولَ أَحَدٌ
لِأَحَدٍ: اتَّقِ اللَّهَ خَفِ اللَّهَ، وَهَذَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ ". وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ الشَّيْخَ
الْكَبِيرَ وَالْعَجُوزَ الْكَبِيرَةَ يَقُولَانِ: " أَدْرَكْنَا النَّاسَ
وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". ثُمَّ يَتَفَاقَمُ
الْأَمْرُ، وَيَتَزَايَدُ الْحَالُ، حَتَّى يُتْرَكَ ذِكْرُ اللَّهِ جُمْلَةً فِي
الْأَرْضِ، وَيُنْسَى بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا يُعْرَفَ فِيهَا، وَأُولَئِكَ هُمْ
شِرَارُ النَّاسِ، وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي
الْحَدِيثِ: وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ ".
وَفِي لَفْظٍ: شِرَارُ النَّاسِ الَّذِينَ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ
أَحْيَاءٌ ".
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَزْدَادُ النَّاسُ إِلَّا شُحًّا، وَلَا
يَزْدَادُ الزَّمَانُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى
شِرَارِ النَّاسِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ،
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ
أَبِيهِ،عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: " يَا عَائِشَةُ، قَوْمُكِ أَسْرَعُ
أُمَّتِي لَحَاقًا بِي ". قَالَتْ: فَلَمَّا جَلَسَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، لَقَدْ دَخَلْتَ وَأَنْتَ تَقُولُ كَلَامًا
أَذْعَرَنِي، قَالَ: " وَمَا هُوَ؟ " قَالَتْ: تَزْعُمُ أَنَّ قَوْمِي
أَسْرَعُ أُمَّتِكَ بِكَ لَحَاقًا، قَالَ؟ " نَعَمْ ". قَالَتْ: وَعَمَّ
ذَاكَ؟ قَالَ: " تَسْتَحِلُّهُمُ الْمَنَايَا، فَتَنْفَسُ عَلَيْهِمْ
أُمَّتُهُمْ ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَكَيْفَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ:
" دَبًا يَأْكُلُ شِدَادُهُ ضِعَافَهُ، حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ
". وَالدَّبَا: الْجَنَادِبُ الَّتِي لَمَّ تَنْبُتْ أَجْنِحَتُهَا.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ
بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِلْبَاءَ السُّلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ ". تَفَرَّدَ بِهِ، وَقَدْ
رَوَاهُ أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ بِهِ.
وَلِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِهِ، بِإِسْنَادِهِ: "
لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ:
جَهْجَاهُ ".
ذِكْرُ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كُلَّ طَرْفَةِ عَيْنٍ، أَنَّهُ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ
كَهَاتَيْنِ ".
رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْمُهَاجِرِ الدِّمَشْقِيَّ - قَالَ:قَدِمَ أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَسَأَلَهُ: مَاذَا
سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ بِهِ
السَّاعَةَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " أَنْتُمْ وَالسَّاعَةُ كَتَيْنِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، وَقَتَادَةَ، وَحَمْزَةَ، وَهُوَ
ابْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ
هَكَذَا ". وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وَكَانَ قَتَادَةُ
يَقُولُ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ حَمْزَةَ الضَّبِّيِّ هَذَا، وَأَبِي التَّيَّاحِ،
كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ، بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بُعِثْتُ
أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ". وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ
بِهِ - وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَأَبِي
التَّيَّاحِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ، بِهِ - وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ
صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بُعِثْتُ
وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ". وَمَدَّ إِصْبَعَيْهِ، السَّبَّابَةَ
وَالْوُسْطَى. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا
أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَنَزِيِّ، عَنْ أَنْسِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ". تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ". وَبَسَطَ إِصْبَعَيْهِ،
السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى. وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ
حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ يَزِيدَ بْنِ حُمَيْدٍ - وَزَادَ
مُسْلِمٌ: وَحَمْزَةَ الضَّبِّيِّ - عَنْ أَنَسٍ، بِهِ.
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ،
هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ
قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ،
وَإِنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا،
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ". ثُمَّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَتَحْمَرُّ
وَجْنَتَاهُ، وَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ إِذَا ذَكَرَ السَّاعَةَ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ
جَيْشٍ، ثُمَّ يَقُولُ: " أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ، بُعِثْتُ أَنَا
وَالسَّاعَةَ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ؟ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى -
صَبَّحَتْكُمُ السَّاعَةُ وَمَسَّتْكُمْ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ
تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ ". الضَّيَاعُ: وَلَدُهُ
الْمَسَاكِينُ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَّائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ
طُرُقٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، بِهِ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ: بُعِثْتُ
أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ".
رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّهُ
سَمِعَسَهْلًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى، وَهُوَ يَقُولُ:
" بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ هَكَذَا ". تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ:
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ".
وَضَمَّ إِصْبَعَيْهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عُثْمَانَ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ
ذَكْوَانَ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ". ثُمَّ قَالَ
الْبُخَارِيُّ: وَتَابَعَهُ إِسْرَائِيلُ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هَنَّادِ
بْنِ السَّرِيِّ، وَأَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ
بِهِ، وَقَالَ: وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي جَبِيرَةَ بْنِ الضَّحَّاكِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ فِي
نَسَمِ السَّاعَةِ ". يَقُولُ: حِينَ بَدَتْ فِي
أَوَّلِ وَقْتِهَا. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنَ
الْكُتُبِ، وَلَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإنَّمَا رَوَى لِأَبِي
جَبِيرَةَ حَدِيثًا آخَرَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّنَابُزِ بِالْأَلْقَابِ.
حَدِيثٌ فِي تَقْرِيبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سَلَفَ مِنَ الْأَزْمِنَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: " إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ
قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ
الشَّمْسِ، أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا، حَتَّى
إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ
أُعْطِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلَاةِ
الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيتُمُ
الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأُعْطِيتُمْ
قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ: رَبَّنَا، هَؤُلَاءِ أَقَلُّ
عَمَلًا، وَأَكْثَرُ أَجْرًا ! فَقَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ
شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا. فَقَالَ: فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ.
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ،
كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.... ". فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ وَطُولِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، سَمِعْتُ
سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ، يُحَدِّثُ عَنْ مُجَاهِدٍ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَالشَّمْسُ عَلَى قُعَيْقِعَانَ، بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: " مَا
أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى، إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ
فِيمَا مَضَى مِنْهُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ،
لَا بَأْسَ بِهِ. طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ
زَيْدٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ، فَنَظَرَ إِلَى
الشَّمْسِ حِينَ تَدَلَّتْ مِثْلَ التُّرْسِ لِلْغُرُوبِ، فَبَكَى وَاشْتَدَّ
بُكَاؤُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ
وَقَفْتَ مَعِي مِرَارًا فَلَمْ تَصْنَعْ هَذَا؟! فَقَالَ: ذَكَرْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِمَكَانِي هَذَا،
فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فِيمَا مَضَى
مِنْهَا، إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ،
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَلَا إِنَّ مَثَلَ آجَالِكُمْ فِي آجَالِ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، كَمَا بَيْنَ
صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مُغَيْرِبَانِ الشَّمْسِ ". وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، مِنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ،
نَحْوَهُ، بِأَبْسَطَ مِنْهُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَطِيِّةَ
الْعَوْفِيِّ، وَوَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ ذَلِكَ.
وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ
إِلَى مَا مَضَى مِنْهَا شَيْءٌ
يَسِيرٌ، لَكِنْ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَا مَضَى مِنْهَا
إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا مَا بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنْ
لَهَا أَشْرَاطٌ إِذَا وُجِدَتْ كَانَتْ قَرِيبَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ
يَجِئْ فِي حَدِيثٍ تَحْدِيدٌ يَصِحُّ سَنَدُهُ عَنِ الْمَعْصُومِ، حَتَّى يُصَارَ
إِلَيْهِ، وَيُعْلَمَ نِسْبَةُ مَا بَقِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ
قَلِيلٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَاضِي، وَتَعْيِينُ وَقْتِ السَّاعَةِ
لَمْ يَأْتِ بِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، بَلِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى
أَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ،
دُونَ خَلْقِهِ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الْآتِي
بَعْدَ هَذَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ، وَعَلَيْهِ
التُّكْلَانُ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي
" مُسْنَدِهِ " قَائِلًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:صَلَّى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ
حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: " أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ
هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ
الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ ". قَالَ عَبْدُ اللَهِ: فَوَهَلَ
النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تِلْكَ، إِلَى مَا يُحَدِّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ،
وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَبْقَى
مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ ". يُرِيدُ بِذَلِكَ
أَنَّهُ يَنْخَرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ بِسَنَدِهِ
وَلَفْظِهِ سَوَاءً، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الْحَكَمِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ
شُعَيْبٍ، بِهِ. فَقَدْ فَسَّرَ الصَّحَابِيُّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ
بِمَا فَهِمَهُ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْفَهْمِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَنَّهُ
يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ قَرْنُهُ ذَلِكَ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ
هُوَ كَائِنٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ حِينِ
قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَى مِائَةِ سَنَةٍ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ;
هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِذَلِكَ الْقَرْنِ؟ أَوْ عَامٌّ فِي كُلِّ قَرْنٍ أَنَّهُ لَا
يَبْقَى أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالتَّخْصِيصُ
بِذَلِكَ الْقَرْنِ الْمُعَيَّنِ الْأَوَّلِ أَوْلَى; فَإِنَّهُ قَدْ شُوهِدَ
أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ سَنَةٍ، وَذَلِكَ طَائِفَةٌ
كَثِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي
وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سُئِلَ عَنِ السَّاعَةِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ، فَقَالَ: "
تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ نَفْسًا يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ
سَنَةٍ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ
رِجَالُهُ ثِقَاتٌ; أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِجَالِ
الصَّحِيحَيْنِ، وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدِيثُهُ
عِنْدَ أَهْلِ السُّنَنِ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ مِنَ
الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ الْكِبَارِ، وَرِوَايَتُهُ مُخَرَّجَةٌ فِي الصِّحَاحِ
كُلِّهَا وَغَيْرِهَا.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ،
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: " تَسْأَلُونِي عَنِ
السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى
الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ ".
وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَجَّاجِ بْنِ
الشَّاعِرِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
حَاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي " الصَّحِيحِ "، بَابُ تَقْرِيبِ قِيَامِ
السَّاعَةِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ،
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ:كَانَ الْأَعْرَابُ إِذَا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَنَظَرَ إِلَى
أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ: " إِنْ يَعِشْ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ
الْهَرَمُ، قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ
مُسْلِمٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ،أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَتَّى تَقُومُ
السَّاعَةُ؟ وَعِنْدَهُ غُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ
لَهُ: مُحَمَّدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلَامُ، فَعَسَى أَنْ لَا يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ
حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا
مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَجُلًا
سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَتَى تَقُومُ
السَّاعَةُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هُنَيْهَةً ثُمَّ نَظَرَ إِلَى غُلَامٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ،
فَقَالَ: " إِنْ عُمِّرَ هَذَا، لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ
السَّاعَةُ ". قَالَ أَنَسٌ: ذَاكَ الْغُلَامُ مِنْ أَتْرَابِي يَوْمَئِذٍ.
تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا
عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ:مَرَّ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يُؤَخَّرْ
هَذَا فَلَنْ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ هَمَّامٍ، بِهِ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ تَدُلُّ عَلَى تَعْدَادِ هَذَا السُّؤَالِ وَهَذَا
الْجَوَابِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَحْدِيدَ وَقْتِ السَّاعَةِ الْعُظْمَى
إِلَى وَقْتِ هَرَمِ هَذَا الْغُلَامِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ
سَاعَتُهُمْ، وَهُوَ انْقِرَاضُ قَرْنِهِمْ وَعَصْرِهِمْ، وَأَنَّ قُصَارَاهُ
تَتَنَاهَى فِي مُدَّةِ عُمْرِ ذَلِكَ الْغُلَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي
الْحَدِيثِ: تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ
اللَّهِ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ
مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ ". وَيُؤَيِّدُ
ذَلِكَ رِوَايَةُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَامَتْ عَلَيْكُمْ
سَاعَتُكُمْ ". وَذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ فَقَدْ دَخَلَ فِي حُكْمِ
الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ عَالَمَ الْبَرْزَخِ قَرِيبٌ مِنْ عَالَمِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ الدُّنْيَا أَيْضًا، وَلَكِنْ هُوَ أَشْبَهُ
بِالْآخِرَةِ، ثُمَّ إِذَا تَنَاهَتِ الْمُدَّةُ الْمَضْرُوبَةُ لِلدُّنْيَا
أَمَرَ اللَّهُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، فَجُمِعَ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ
لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
ذِكْرُ دُنُوِّ السَّاعَةِ وَاقْتِرَابِهَا وَأَنَّهَا آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا،
وَأَنَّهَا لَا تَأْتِي إِلَّا بَغْتَةً، وَلَا يَعْلَمُ وَقْتَهَا عَلَى التَّعْيِينِ
إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ
مُعْرِضُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 1 ]. وَقَالَ تَعَالَى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا
تَسْتَعْجِلُوهُ [ النَّحْلِ: 1 ]. وَقَالَ: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ
قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ
تَكُونُ قَرِيبًا [ الْأَحْزَابِ: 63 ]. وَقَالَ تَعَالَى: سَأَلَ سَائِلٌ
بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي
الْمَعَارِجِ. إِلَى قَوْلِهِ: يُبَصَّرُونَهُمْ [ الْمَعَارِجِ: 1 - 11 ].
وَقَالَ تَعَالَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [ الْقَمَرِ: 1 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً
مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [ يُونُسَ: 45 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [
النَّازِعَاتِ: 46 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا
وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ
لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ [ الشُّورَى: 17، 18 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُنْفَخُ
فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [ طَهَ: 102 ]
الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِنْ
لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [
الْمُؤْمِنُونَ: 112 - 114 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ
أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا
إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا
بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ
اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [ الْأَعْرَافِ: 187 ].
وَقَالَ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ
أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا [ النَّازِعَاتِ: 42 - 44 ].
وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ
نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [ طَهَ: 15، 16 ]. وَقَالَ تَعَالَى: بَلِ ادَّارَكَ
عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ
[ النَّمْلِ: 66 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ لُقْمَانَ: 34 ].
وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ لَهُ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ
السَّائِلِ ". يَعْنِي قَدِ اسْتَوَى فِيهَا عِلْمُ كُلِّ مَسْئُولٍ
وَسَائِلٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى " لِأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ
الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمَسْئُولِ وَالسَّائِلِ لِلْعَهْدِ
عَائِدَةً عَلَيْهِ وَعَلَى جِبْرِيلَ، فَكُلُّ أَحَدٍ
مِمَّنْ سِوَاهُمَا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى،
وَإِنْ كَانَتْ لِلْجِنْسِ عَمَّتْ بِطَرِيقِ اللَّفْظِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ شَيْئًا مِنْ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، ثُمَّ قَالَ: فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ.
ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الْآيَةَ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ
لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [ يُونُسَ: 53 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي
لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي
السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا
فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٍ [
سَبَأٍ: 3 - 5 ].
فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِهِ
فِيهِنَّ عَلَى إِتْيَانِ الْمَعَادِ، وَإِعَادَةِ الْخَلْقِ، وَجَمْعِهِمْ
لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُنَّ رَابِعَةٌ مِثْلُهُنَّ، وَلَكِنْ فِي
مَعْنَاهُنَّ كَثِيرٌ; قَالَ تَعَالَى:
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ
اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لَا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ
إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ النَّحْلِ: 38 - 40 ].
وَقَالَ تَعَالَى: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [
لُقْمَانَ: 28 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ [ غَافِرٍ: 59 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا [ النَّازِعَاتِ: 27 ].
إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا
أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا
قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ
وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ
فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [
الْإِسْرَاءِ: 50 - 52 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ
زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا
وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا
جَدِيدًا أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا
رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا [ الْإِسْرَاءِ: 97 - 99 ].
وَقَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ
فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [ يس: 77 ]. إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ
الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ الْأَحْقَافِ: 33 ]
وَقَالَ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ
بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ
تَخْرُجُونَ. الْآيَاتِ الثَّلَاثِ إِلَى
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ الرُّومِ: 25 - 27 ].
وَقَالَ تَعَالَى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي
الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا
رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [ الْحَجِّ: 6 - 7 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا
أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا
لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ فُصِّلَتْ: 39 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ
إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ
وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ [ الْمُؤْمِنُونَ: 12 - 17 ].
فَيَسْتَدِلُّ تَعَالَى بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ عَلَى إِحْيَاءِ
الْأَجْسَادِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَفَنَائِهَا وَتَمَزُّقِهَا، وَصَيْرُورَتِهَا
تُرَابًا وَعِظَامًا وَرُفَاتًا، وَكَذَلِكَ يَسْتَدِلُّ بِبَدْأَةِ الْخَلْقِ
عَلَى إِعَادَةِ النَّشْأَةِ الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [ الرُّومِ: 127 ]
وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ
الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ الْعَنْكَبُوتِ: 20 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِي
نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا
كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [ الزُّخْرُفِ: 11 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ الَّذِي
أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ
فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ [ فَاطِرٍ: 9
]. وَفِي " الْأَعْرَافِ ": كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ [ الْأَعْرَافِ: 57 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ
دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ
لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [ الطَّارِقِ: 5 - 9 ]. وَكَذَلِكَ سُورَةُ
" ق " مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فِيهَا ذِكْرُ بَعْثٍ وَنُشُورٍ،
وَكَذَلِكَ سُورَةُ " الْوَاقِعَةِ "، وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ طَافِحٌ
بِهَذَا، وَلَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا
بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا [ الْإِنْسَانِ: 28 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى
أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ [ الْمَعَارِجِ: 39
- 41 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ
أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [ النَّازِعَاتِ:
10 - 14 ]. وَسُورَةُ " الصَّافَّاتِ " فِيهَا آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ
عَلَى الْمَعَادِ، وَكَذَلِكَ سُورَةُ " الْكَهْفِ " وَغَيْرِهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى، وَأَنَّهُ أَحْيَا
قَوْمًا بَعْدَ مَوْتِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي سُورَةِ "
الْبَقَرَةِ " ; فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا؟ فِي قِصَّةِ بَنِي
إِسْرَائِيلَ حِينَ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمَّا عَبَدُوا الْعِجْلَ، فِي
أَوَّلِ السُّورَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ
مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ الْبَقَرَةِ: 56 ]. وَفَى قِصَّةِ
الْبَقَرَةِ: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ
الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [ الْبَقَرَةِ: 73 ].
فَإِنَّهُ أَحْيَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ لَمَّا ضَرَبُوهُ بِبَعْضِهَا. وَفَى قِصَّةِ
الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ
لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ
[ الْبَقَرَةِ: 243 ]. وَفَى قِصَّةِ الَّذِي: مَرَّ عَلَى
قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ
بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ثُمَّ أَحْيَا
حِمَارَهُ، وَالْقِصَّةُ مَعْرُوفَةٌ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ
أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ الْبَقَرَةِ: 259 ]. وَالْخَامِسَةُ
قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالطَّيْرِ: وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ
قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ
الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ
جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ [ الْبَقَرَةِ: 260 ].
وَذَكَرَ تَعَالَى قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَكَيْفَ أَبْقَاهُمْ فِي
نَوْمِهِمْ ثَلَاثَمِائةِ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائةٍ وَتِسْعُ
سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ، وَقَالَ فِيهَا: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ
لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا
الْآيَةَ [ الْكَهْفِ: 21 ]. فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى
إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِتْيَانِ السَّاعَةِ لَا رَيْبَ فِيهَا. وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ زَوَالِ الدُّنْيَا وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ
أَوَّلُ شَيْءٍ يَطْرُقُ أَهْلَ الدُّنْيَا بَعْدَ وُقُوعِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
نَفْخَةُ الْفَزَعِ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَأْمُرُ إِسْرَافِيلَ
فَيَنْفُخُ فِي الصُّورِ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيُطَوِّلُهَا، فَلَا يَبْقَى
أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا السَّمَاوَاتِ إِلَّا فَزِعَ، إِلَّا مَنْ
شَاءَ اللَّهُ، وَلَا يَسْمَعُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا أَصْغَى
لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا - أَيْ رَفَعَ صَفْحَةَ عُنُقِهِ وَأَمَالَ الْأُخْرَى -
يَسْتَمِعُ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ الَّذِي قَدْ هَالَ
النَّاسَ وَأَزْعَجَهُمْ عَمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا،
وَشُغْلِهِمْ بِهَا، وَوُقُوعُ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ
اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [
النَّمْلِ: 87، 88 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا
مِنْ فَوَاقٍ [ ص: 15 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [
الْمُدَّثِّرِ: 8 - 10 ]. وَقَالَ تَعَالَى: قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ [ الْأَنْعَامِ: 73 ].
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ أَنْ
يَنْفُخَ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَصْعَقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ فَيَنْفُخُ فِيهِ أُخْرَى
فَيَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ; كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ
يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ
بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ [ الزُّمَرِ: 68، 69 ] الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ
السُّورَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ
يَخِصِّمُونَ
[ يس: 48، 49 ] الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَا
اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ [ يس: 67 ].
وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهرَةِ
[ النَّازِعَاتِ: 13، 14 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ
كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [ الْكَهْفِ: 99 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُفِخَ فِي
الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ [
الْمُؤْمِنُونَ: 101 ].
وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ. إِلَى
قَوْلِهِ: لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ [ الْحَاقَّةِ: 13 - 37 ].
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [
النَّبَإِ: 18 ] الْآيَاتِ.
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ
يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [ طه: 102 ]. الْآيَاتِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، مَا الصُّورُ؟ قَالَ: " قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ ". ثُمَّ
رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ طَرْخَانَ
التَّيْمِيِّ، بِهِ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ، والتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ
أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ، بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَسَنٌ، وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ
عَطِيَّةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [
الْمُدَّثِّرِ: 8 ]. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ،
وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ ؟ ". فَقَالَ
أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
كَيْفَ نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ،
عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ". انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو
كُدَيْنَةَ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ
عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ،
وَحَنَى جَبْهَتَهُ، وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْظُرُ مَتَى يُؤْمَرُ؟ " قَالَ
الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا:
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ".
وَأَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: حَسَنٌ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ
طَهْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، بِهِ، وَحَسَّنَهُ أَيْضًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي " الْأَطْرَافِ ":
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو يَحْيَى التَّيْمِيُّ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. كَذَا قَالَ رَحِمَهُ
اللَّهُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، فِي كِتَابِ
" الْأَهْوَالِ "، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الصُّورَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ
يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ فَيَنْفُخَ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ ".
وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ ( أَبُو
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ): حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ
بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ الْحَرَّانِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَعَنْ عِمْرَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَنْعَمُ - أَوْ:
" كَيْفَ أَنْتُمْ ". شَكَّ أَبُو طَالِبٍ -
" وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ بِفِيهِ، وَأَصْغَى سَمْعَهُ،
وَحَنَى جَبِينَهُ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ ". قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَاحِبَ الصُّورِ، فَقَالَ: " عَنْ يَمِينِهِ جِبْرِيلُ، وَعَنْ
يَسَارِهِ مِيكَائِيلُ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ صَاحِبَيِ
الصُّورِ بِأَيْدِيهِمَا - أَوْ: فِي أَيْدِيهِمَا - قَرْنَانِ، يُلَاحِظَانِ
النَّظَرَ مَتَى يُؤْمَرَانِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي مُرَيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: النَّفَّاخَانِ فِي
السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، رَأْسُ أَحَدِهِمَا بِالْمَشْرِقِ وَرِجْلَاهُ
بِالْمَغْرِبِ - أَوْ قَالَ: رَأْسُ أَحَدِهِمَا بِالْمَغْرِبِ، وَرِجْلَاهُ
بِالْمَشْرِقِ - يَنْتَظِرَانِ مَتَى يُؤْمَرَانِ يَنْفُخَانِ فِي الصُّورِ،
فَيَنْفُخَانِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَأَبُو مُرَيَّةَ هَذَا اسْمُهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو
الْعِجْلِيُّ، وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، وَلَعَلَّ هَذَيْنِ
الْمَلَكَيْنِ أَحَدُهُمَا إِسْرَافِيلُ، وَهُوَ الَّذِي يَنْفُخُ فِي الصُّورِ،
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ الصُّورِ بِطُولِهِ، وَالْآخَرُ هُوَ
الَّذِي يَنْقُرُ فِي النَّاقُورِ، وَقَدْ يَكُونُ الصُّورُ وَالنَّاقُورُ اسْمَ
جِنْسٍ يَعُمُّ أَفْرَادًا كَثِيرَةً، أَوِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِمَا
لِلْعَهْدِ، وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَتْبَاعٌ يَفْعَلُونَ
كَفِعْلِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَرِيرٍ،
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ،
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ يَزِيدَ
بْنِ الْأَصَمِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ صَاحِبَ الصُّورِ لَمْ
يَطْرِفْ مُنْذُ وُكِّلَ بِهِ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ،
يَنْظُرُ تُجَاهَ الْعَرْشِ; مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ قَبْلَ
أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُشْكُدَانَةُ،
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَطْرَفَ
صَاحِبُ الصُّورِ مُنْذُ وُكِّلَ بِهِ، مُسْتَعِدٌّ، يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ
مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأَنَّ
عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ ".
حَدِيثُ الصُّورِ بِطُولِهِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ":
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ
الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَافِعٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي
طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا فَرَغَ مِنْ
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضِ خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ،
فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ، شَاخِصٌ إِلَى الْعَرْشِ بِبَصَرِهِ يَنْتَظِرُ
مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الصُّورُ؟
قَالَ: " قَرْنٌ ". قُلْتُ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: " عَظِيمٌ،
وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّ عِظَمَ دَائِرَةٍ فِيهِ كَعَرْضِ
السَّماوَاتِ والْأَرْضِ، يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثُ نَفَخَاتٍ; الْأُولَى نَفْخَةُ
الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ
الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ
الْأُولَى، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الْفَزَعِ. فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ
الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ
اللَّهُ، وَيَأْمُرُهُ تَعَالَى فَيَمُدُّهَا وَيُطِيلُهَا وَلَا يَفْتُرُ، وَهِيَ
الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً
وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ [ ص: 15 ]. فَتَسِيرُ
الْجِبَالُ سَيْرَ السَّحَابِ فَتَكُونُ سَرَابًا،
وَتَرْتَجُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا رَجًّا فَتَكُونُ كَالسَّفِينَةِ الْمُوبَقَةِ
فِي الْبَحْرِ، تَضْرِبُهَا الْأَمْوَاجُ تُكْفَأُ بِأَهْلِهَا، كَالْقِنْدِيلِ
الْمُعَلَّقِ بِالْعَرْشِ تُرَجِّحُهُ الْأَرْوَاحُ، أَلَا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ
تَعَالَى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ
يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ [ النَّازِعَاتِ: 6 - 9 ].
فَتَمِيدُ بِالنَّاسِ عَلَى وَجْهِهَا، وَتَذْهَلُ الْمَرَاضِعُ، وَتَضَعُ
الْحَوَامِلُ، وَيَشِيبُ الْوِلْدَانُ، وتَطيِرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً مِنَ
الْفَزَعِ حَتَّى تَأْتِيَ الْأَقْطَارَ، فَتَلْقَاهَا الْمَلَائِكَةُ، فَتَضْرِبُ
وُجُوهَهَا، فَتَرْجِعُ، ثُمَّ يُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ
عَاصِمٍ، يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
يَوْمَ التَّنَادِ [ غَافِرٍ: 32 ]. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ
تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ تَصَدُّعَيْنِ، مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَرَأَوْا
أَمْرًا عَظِيمًا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ مِنَ الْكَرْبِ
وَالْهَوْلِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، ثُمَّ تُطْوَى السَّمَاءُ فَإِذَا هِيَ
كَالْمُهْلِ، ثُمَّ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَانْتَثَرَتْ نُجُومُهَا، وَخَسَفَتْ
شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا ".
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْأَمْوَاتُ
لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ حِينَ يَقُولُ: فَفَزِعَ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [ النَّمْلِ: 87 ]
قَالَ: " أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، إِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى
الْأَحْيَاءِ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَوَقَاهُمُ
اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَمَّنَهُمْ مِنْهُ، وَهُوَ عَذَابُ اللَّهِ
يَبْعَثُهُ عَلَى شِرَارِ خَلْقِهِ وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ
السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى
وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [ الْحَجِّ: 1، 2 ].
فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ مَا شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، إِلَّا
أَنَّهُ يَطُولُ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ
الصَّعْقِ، فَيُصْعَقُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ
اللَّهُ، فَإِذَا هُمْ خَمَدُوا، جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ
تَعَالَى، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَاتَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا
مَنْ شِئْتَ. فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ: مَنْ بَقِيَ؟
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الِّذِي لَا يَمُوتُ، وَبَقِيَتْ
حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ
اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: لِيَمُتْ جِبْرِيلُ ومِيكَائِيلُ. فَيُنْطِقُ سُبْحَانَهُ
الْعَرْشَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، يَمُوتُ جِبْرِيلُ ومِيكَائِيلُ؟ فَيَقُولُ
اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْعَرْشِ: اسْكُتْ، إِنِّي كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى كُلِّ
مَنْ كَانَ تَحْتَ عَرْشِي. فَيَمُوتَانِ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى
الْجَبَّارِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ
وَمِيكَائِيلُ. فَيَقُولُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ: فَمَنْ بَقِيَ؟
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَبَقِيَ
حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَلْيَمُتْ
حَمَلَةُ عَرْشِي. فَيَمُوتُونَ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَرْشَ
فَيَقْبِضُ الصُّورَ مِنْ إِسْرَافِيلَ، وَإِسْرَافِيلُ مِنْ جُمْلَةِ حَمَلَةِ
الْعَرْشِ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ، عَزَّ وَجَلَّ،
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ. فَيَقُولُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ،
بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي
لَا يَمُوتُ، وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
أَنْتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ، فَمُتْ. فَيَمُوتُ،
فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ - قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ أَبُو
نُبَاتَةَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ آخِرَ مَنْ يَمُوتُ مِنَ الْخَلْقِ مَلَكُ
الْمَوْتِ، يُقَالُ لَهُ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، مُتْ مَوْتًا لَا تَحْيَا
بَعْدَهُ أَبَدًا. قَالَ: فَيَصْرُخُ عِنْدَ ذَلِكَ صَرْخَةً لَوْ سَمِعَهَا
أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَمَاتُوا فَزَعًا، ثُمَّ يَمُوتُ، ثُمَّ
يَقُولُ تَعَالَى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [
غَافِرٍ: 16 ].
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا بِهَذَا.
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
كَعْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِيهِ: " يَا مَلَكُ، أَنْتَ خَلْقٌ
مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ، فَمُتْ، ثُمَّ لَا تَحْيَا أَبَدًا
". قَالَ أَبُو مُوسَى: لَمْ يُتَابَعْ إِسْمَاعِيلُ عَلَى هَذِهِ
اللَّفْظَةِ،
وَلَمْ يَقُلْهَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ - قَالَ: فَإِذَا مَاتَ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ، الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا، طَوَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ، ثُمَّ دَحَاهُمَا، ثُمَّ تَلَقَّفَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: أَنَا الْجَبَّارُ. ثَلَاثًا، ثُمَّ يَهْتِفُ بِصَوْتِهِ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُولُ لِنَفْسِهِ تَعَالَى: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. وَيُبَدِّلُ اللَّهُ الْأَرْضَ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، فَيَبْسُطُهَا وَيَسْطَحُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ، لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا، ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْأُولَى، مَنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا، وَمَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا، ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ، فَتُمْطِرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ فَوْقَهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَجْسَادَ أَنْ تَنْبُتَ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ، أَوْ كَنَبَاتِ الْبَقْلِ، حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتْ أَجْسَادُهُمْ، فَكَانَتْ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِتَحْيَا حَمَلَةُ عَرْشِي. فَيَحْيَوْنَ، وَيَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ فَيَأْخُذُ الصُّورَ، فَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ، ثُمَّ يَقُولُ: لِيَحْيَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ. فَيَحْيَيَانِ، ثُمَّ يَدْعُو اللَّهُ بِالْأَرْوَاحِ فَيُؤْتَى بِهَا، تَتَوَهَّجُ أَرْوَاحُ الْمُسْلِمِينَ نُورًا، وَالْأُخْرَى ظُلْمَةً، فَيَقْبِضُهَا جَمِيعًا، ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي الصُّورِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ نَفْخَةَ
الْبَعْثِ، فَيَنْفُخَ نَفْخَةَ الْبَعْثِ فَتَخْرُجَ الْأَرْوَاحُ مِنَ الصُّورِ كَأَنَّهَا النَّحْلُ، قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَتَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا. فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَرْضِ إِلَى الْأَجْسَادِ، فَتَدْخُلُ فِي الْخَيَاشِيمِ، ثُمَّ تَمْشِي ضِدَّ الْأَجْسَادِ مَشْيَ السُّمِّ فِي اللَّدِيغِ، ثُمَّ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْكُمْ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، فَتَخْرُجُونَ مِنْهَا سِرَاعًا إِلَى رَبِّكُمْ تَنْسِلُونَ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [ الْقَمَرِ: 8 ]. حُفَاةً عُرَاةً غُلْفًا غُرْلًا، ثُمَّ تَقِفُونَ مَوْقِفًا وَاحِدًا مِقْدَارَ سَبْعِينَ عَامًا، لَا يُنْظَرُ إِلَيْكُمْ، وَلَا يُقْضَى بَيْنَكُمْ، فَتَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ تَدْمَعُونَ دَمًا، وَتَعْرَقُونَ حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ مِنْكُمْ أَنْ يُلْجِمَكُمْ، أَوْ يَبْلُغَ الْأَذْقَانَ، فَتَضِجُّونَ وَتَقُولُونَ: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا لِيَقْضِيَ بَيْنَنَا. فَيَقُولُونَ: مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ؟ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قِبَلًا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَأْتِي، فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَستَقْرُونَ الْأَنْبِيَاءَ نَبِيًّا نَبِيًّا، كُلَّمَا جَاءُوا نَبِيًّا أَبَى عَلَيْهِمْ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَتَّى يَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ، حَتَّى آتِيَ الْفَحْصَ، فَأَخِرُّ سَاجِدًا ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْفَحْصُ؟ قَالَ: " قُدَّامُ الْعَرْشِ، حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ إِلَيَّ مَلَكًا، فَيَأْخُذُ بِعَضُدِي فَيَرْفَعُنِي، فَيَقُولُ لِي: يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولُ: نَعَمْ، لَبَّيْكَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: مَا شَأْنُكَ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ، فَشَفِّعْنِي فِي خَلْقِكَ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ. فَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَفَّعْتُكَ، أَنَا
آتِيكُمْ فَأَقْضِي بَيْنَكُمْ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَرْجِعُ، فَأَقِفُ مَعَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ وُقُوفٌ إِذْ سَمِعْنَا حِسًّا مِنَ السَّمَاءِ شَدِيدًا، فَنَزَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا مِثْلَ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ قُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا، وَهُوَ آتٍ. ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، بِمِثْلِ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَمِثْلِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا، وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ حَتَّى يَنْزِلَ الْجَبَّارُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلَائِكَةُ، وَيَحْمِلُ عَرْشَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ، وَهُمُ الْيَوْمَ أَرْبَعَةٌ، أَقْدَامُهُمْ عَلَى تُخُومِ الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَالسَّمَاوَاتُ إِلَى حُجَزِهِمْ، وَالْعَرْشُ عَلَى مَنَاكِبِهِمْ، لَهُمْ زَجَلٌ مِنْ تَسْبِيحِهِمْ، يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ فَيَضَعُ اللَّهُ تَعَالَى كُرْسِيَّهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَرْضِهِ، ثُمَّ يَهْتِفُ بِصَوْتِهِ، فَيَقُولُ تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ
لَكُمْ مِنْ يَوْمِ خَلَقْتُكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا، أَسْمَعُ قَوْلَكُمْ، وَأَرَى أَعْمَالَكُمْ، فَأَنْصِتُوا لِيَ الْيَوْمَ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ وَصُحُفُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ. ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَهَنَّمَ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [ يس: 60 - 63 ]. أَوْ: بِهَا تُكَذِّبُونَ. شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ. وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [ يس: 59 ]. فَيَمِيزُ اللَّهُ النَّاسَ، وَتَجْثُو الْأُمَمُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ الْجَاثِيَةِ: 28 ]. فَيَقْضِي اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ; الْإِنْسَ وَالْجِنَّ، فَيَقْضِي بَيْنَ الْوُحُوشِ وَالْبَهَائِمِ; حَتَّى إِنَّهُ لَيُقِيدُ الْجَمَّاءَ مِنْ ذَاتِ الْقَرْنِ، فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ تَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لِأُخْرَى، قَالَ اللَّهُ لَهَا: كُونِي تُرَابًا. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا [ النَّبَإِ: 40 ]. ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَا يَقْضِي فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيَأْتِي كُلُّ قَتِيلٍ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ كُلَّ مَنْ قُتِلَ فَيَحْمِلُ رَأْسَهُ، تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ فَيَقُولُ تَعَالَى وَهُوَ أَعْلَمُ: فِيمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: صَدَقْتَ. فَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ مِثْلَ نُورِ السَّمَاوَاتِ، ثُمَّ تَسُوقُهُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَأْتِي كُلُّ مَنْ كَانَ قُتِلَ عَلَى غَيْرِ
ذَلِكَ، فَيَأْمُرُ مَنْ قُتِلَ، فَيَحْمِلُ رَأْسَهُ
تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟
فَيَقُولُ وَهُوَ أَعْلَمُ: فِيمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلْتُهُ
لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِي. فَيَقُولُ لَهُ: تَعِسْتَ. ثُمَّ مَا تَبْقَى نَفْسٌ
قَتَلَهَا إِلَّا قُتِلَ بِهَا، وَلَا مَظْلَمَةٌ إِلَّا أُخِذَ بِهَا، وَكَانَ
فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَحِمَهُ.
ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ بَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ خَلْقِهِ، حَتَّى لَا تَبْقَى
مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ إِلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ
الظَّالِمِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُكَلِّفُ شَائِبَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ ثُمَّ
يَبِيعُهُ أَنْ يُخَلِّصَ اللَّبَنَ مِنَ الْمَاءِ. فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ
ذَلِكَ نَادَى مُنَادٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ
بِآلِهَتِهِمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَلَا يَبْقَى
أَحَدٌ عَبَدَ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَّا مُثِّلَتْ لَهُ آلِهَتُهُ بَيْنَ
يَدَيْهِ، وَيُجْعَلُ يَوْمَئِذٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ
عُزَيْرٍ، وَمَلَكٌ عَلَى صُورَةِ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَيَتْبَعُ
هَذَا الْيَهُودُ، وَيَتْبَعُ هَذَا النَّصَارَى، ثُمَّ تَقُودُهُمْ آلِهَتُهُمْ
إِلَى النَّارِ، فَهَذَا الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ
آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 99 ].
فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ; جَاءَهُمُ
اللَّهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ هَيْئَةٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ذَهَبَ
النَّاسُ، فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. فَيَقُولُونَ:
وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ، مَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ.
فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي يَأْتِيهِمْ، فَيَمْكُثُ عَنْهُمْ
مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ، فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ
تَعْبُدُونَ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا
كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ. فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي
يَأْتِيهِمْ، فَيَمْكُثُ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَمْكُثَ، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ، فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ
تَعْبُدُونَ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا
كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ. فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ مِنْ
عَظَمَتِهِ مَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، فَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا عَلَى
وُجُوهِهِمْ، وَيَخِرُّ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلَى قَفَاهُ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَصْلَابَ الْمُنَافِقِينَ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ، ثُمَّ يَأْذَنُ
اللَّهُ لَهُمْ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ.
وَيَضْرِبُ اللَّهُ بِالصِّرَاطِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ كَقَدِّ الشَّعَرِ
- أَوْ كَعَقْدِ الشَّعَرِ - وَكَحَدِّ السَّيْفِ، عَلَيْهِ كَلَالِيبُ
وَخَطَاطِيفُ، وَحَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ، دُونَهُ جِسْرٌ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ،
فَيَمُرُّونَ كَطَرْفِ الْبَصَرِ، أَوْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، أَوْ كَمَرِّ
الرِّيحِ، أَوْ كَجِيَادِ الْخَيْلِ، أَوْ كَجِيَادِ الرِّكَابِ، أَوْ كَجِيَادِ
الرِّجَالِ، فَنَاجٍ سَالِمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي
جَهَنَّمَ.
فَإِذَا أَفْضَى أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ حُبِسُوا دُونَهَا قَالُوا:
مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَنَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ فَيَقُولُونَ: مَنْ
أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ؟ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ
فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قِبَلًا. فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ
إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ
عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ; فإنَهُ أَوَّلُ رُسُلِ اللَّهِ. فَيُؤْتَى
نُوحٌ، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا،
وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ إِبْرَاهِيمَ.
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا،
وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى. فَيَأْتُونَ
مُوسَى، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا، وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ
عَلَيْكُمْ بِرُوحِ اللَّهِ وَكَلِمَتِهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. فَيَأْتُونَ
عِيسَى فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ،
وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَأْتُونِي،
وَلِي عِنْدَ رَبِّي ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ وَعَدَنِيهِنَّ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي
الْجَنَّةَ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، ثُمَّ أَسْتَفْتِحُ فَيُفْتَحُ لِي،
فَأُحَيَّا، وَيُرَحَّبُ لِي، فَإِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَنَظَرْتُ إِلَى
رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ خَرَرْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي مِنْ
حَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ بِشَيْءٍ مَا أَذِنَ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ
يَقُولُ اللَّهُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ،
وَسَلْ تُعْطَهْ. فَإِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي قَالَ اللَّهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ: مَا
شَأْنُكَ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ، فَشَفِّعْنِي فِي
أَهْلِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ:
قَدْ شَفَّعْتُكَ، وَأَذِنْتُ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ. فَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " وَالَّذِي بَعَثَنِي
بِالْحَقِّ مَا أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَعْرَفَ بِأَزْوَاجِكُمْ
وَمَسَاكِنِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَزْوَاجِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ.
فَيَدْخُلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً،
سَبْعِينَ مِمَّا يُنْشِئُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَثِنْتَيْنِ آدَمِيَّتَيْنِ
مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، لَهُمَا فَضْلٌ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ اللَّهُ،
بِعِبَادَتِهِمَا اللَّهَ فِي الدُّنْيَا، يَدْخُلُ عَلَى الْأُولَى مِنْهُمَا فِي
غُرْفَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ،
عَلَيْهِ سَبْعُونَ زَوْجًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، وَإِنَّهُ لَيَضَعُ
يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى يَدِهِ مِنْ صَدْرِهَا، مِنْ
وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا، وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى مُخِّ سَاقِهَا
كَمَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى السِّلْكِ فِي قَصَبَةِ الْيَاقُوتَةِ، كَبِدُهُ
لَهَا مِرْآةٌ، وَكَبِدُهَا
لَهُ مِرْآةٌ، فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَهَا لَا يَمَلُّهَا
وَلَا تَمَلُّهُ، لَا يَأَتِيهَا مَرَّةً إِلَّا وَجَدَهَا عَذْرَاءَ، مَا
يَفْتُرُ ذَكَرُهُ، وَلَا يَشْتَكِي قُبُلُهَا، إِلَّا أَنَّهُ لَا مَنِيَّ وَلَا
مَنِيَّةَ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ نُودِيَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا
أَنَّكَ لَا تَمَلُّ وَلَا تُمَلُّ، إِلَّا أَنَّ لَكَ أَزْوَاجًا غَيْرَهَا.
فَيَخْرُجُ فَيَأْتِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا جَاءَ وَاحِدَةً
قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنْكَ، وَمَا فِي
الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ ".
قَالَ: " وَإِذَا وَقَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا
خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ خَلْقِ رَبِّكَ أَوْبَقَتْهُمْ أَعْمَالُهُمْ; فَمِنْهُمْ
مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى قَدَمَيْهِ لَا تُجَاوِزُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ
تَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ جَسَدَهُ كُلَّهُ إِلَّا
وَجْهَهُ، وَحَرَّمَ اللَّهُ صُورَتَهُ عَلَى النَّارِ ". قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَقُولُ: يَا رَبِّ،
شَفِّعْنِي فِيمَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّتِي. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. يَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى
مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثَمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ، فَلَا يَبْقَى
نَبِيٌّ وَلَا شَهِيدٌ إِلَّا شُفِّعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
أَخْرِجُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ زِنَةَ الدِّينَارِ إِيمَانًا.
فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ ثُمَّ يَشْفَعُ مَنْ
شَاءَ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ إِيمَانًا
ثُلُثَيْ دِينَارٍ، وَنِصْفَ دِينَارٍ، وَثُلُثَ دِينَارٍ، وَرُبُعَ دِينَارٍ،
ثُمَّ يَقُولُ: وَسُدُسَ دِينَارٍ، ثُمَّ يَقُولُ: وَقِيرَاطًا. ثُمَّ يَقُولُ:
حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ. فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ،
وَحَتَّى لَا يَبْقَى فِي النَّارِ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ خَيْرًا قَطُّ ; وَحَتَّى
لَا يَبْقَى أَحَدٌ لَهُ شَفَاعَةٌ إِلَّا شُفِّعَ، حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ
لَيَتَطَاوَلُ لِمَا يَرَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، رَجَاءَ أَنْ
يُشْفَعَ لَهُ. ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: بَقِيتُ أَنَا، وَأَنَا
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَيُدْخِلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَدَهُ فِي جَهَنَّمَ،
فَيُخْرِجُ مِنْهَا مَا
لَا يُحْصِيهِ غَيْرُهُ، كَأَنَّهُمْ خَشَبٌ مُحْتَرِقٌ،
فَيَبُثُّهُمُ اللَّهُ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَوَانِ.
فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، فَمَا يَلِي
الشَّمْسَ مِنْهَا أُخَيْضِرٌ، وَمَا يَلِي الظِّلَّ مِنْهَا أُصَيْفِرٌ،
فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الطَّرَاثِيثِ، حَتَّى يَكُونُوا أَمْثَالَ الدُّرِّ،
مَكْتُوبٌ فِي رِقَابِهِمْ: الْجَهَنَّمِيُّونَ، عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ عَزَّ
وَجَلَّ. يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ الْكِتَابِ، مَا عَمِلُوا
خَيْرًا قَطُّ، فَيَبْقَوْنَ فِي الْجَنَّةِ ".
فَذِكْرُهُ إِلَى هُنَا كَانَ فِي أَصْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِئِ، عَنْ
أَبِي يَعْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ
جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي كُتُبِهِمْ، كَابْنِ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ،
والطَّبَرَانِيِّ فِي الطِّوَالَاتِ وَغَيْرِهَا، وَالْبَيْهَقِيِّ فِي كِتَابِ
" الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ "، وَالْحَافِظِ أَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ
فِي الطِّوَالَاتِ أَيْضًا - مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
رَافِعٍ قَاصِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ بِسَبَبِهِ. وَفِي
بَعْضِ سِيَاقَاتِهِ نَكَارَةٌ وَاخْتِلَافٌ، وَقَدْ
بَيَّنْتُ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ.
قُلْتُ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ الْمَدِينِيُّ لَيْسَ مِنَ الْوَضَّاعِينَ،
وَكَأَنَّهُ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ وَأَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ،
وَسَاقَهُ سِيَاقَةً وَاحِدَةً، فَكَانَ يَقُصُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ،
وَقَدْ حَضَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ فِي عَصْرِهِ، وَرَوَاهُ
عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكِبَارِ; كَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، وَالْوَلِيدِ بْنِ
مُسْلِمٍ، وَمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ
شَابُورَ، وَعَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ
قَتَادَةُ، يَقُولُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ،
عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَتَارَةً يُسْقِطُ الرَّجُلَ.
وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ
رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَ الرَّجُلَ الْأَوَّلَ، قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ
الْمِزِّيُّ: وَهَذَا أَقْرَبُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَلَهُ عَلَيْهِ مُصَنَّفٌ بَيَّنَ شَوَاهِدَهُ مِنَ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ
بَعْدَ إِيرَادِهِ لَهُ بِتَمَامِهِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِي
إِسْنَادِهِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، فَعَامَّةُ مَا فِيهِ يُرْوَى مُفَرَّقًا
بِأَسَانِيدَ ثَابِتَةٍ. ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى غَرِيبِهِ.
قُلْتُ: وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فَصْلًا فَصْلًا،
وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
فَصْلُ ( النَّفْخِ فِي الصُّورِ )
فَأَمَّا النَّفَخَاتُ فِي الصُّورِ فَثَلَاثٌ; نَفْخَةُ الْفَزَعِ، ثُمَّ
نَفْخَةُ الصَّعْقِ، ثُمَّ نَفْخَةُ الْبَعْثِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ
فِي حَدِيثِ الصُّورِ بِطُولِهِ. وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ
": حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ
أَرْبَعُونَ ". قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ:
أَبَيْتُ. قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالُوا: أَرْبَعُونَ
سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: " ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ ". قَالَ: " وَلَيْسَ
مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ
الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ.
وَحَدِيثُ عَجْبِ الذَّنَبِ، وَأَنَّهُ لَا يَبْلَى، وَأَنَّ الْخَلْقَ يَبْدَأُ
مِنْهُ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ
أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ يَحْيَى
الْقَطَّانِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، ثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَبْلَى،
وَيَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ، وَفِيهِ
يُرَكَّبُ ". انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي
عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَأْكُلُ التُّرَابُ كُلَّ
شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنَبِهِ ". قِيلَ: وَمِثْلُ مَا
هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، مِنْهُ
تَنْبُتُونَ ".
وَالْمَقْصُودُ هُنَا إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ النَّفْخَتَيْنِ، وَأَنَّ بَيْنَهُمَا
أَرْبَعِينَ; إِمَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً، وَهَاتَانِ
النَّفْخَتَانِ هُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَنَفْخَةُ
الْقِيَامِ لِلْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، بِدَلِيلِ إِنْزَالِ الْمَاءِ بَيْنَهُمَا،
وَذِكْرِ عَجْبِ الذَّنَبِ الَّذِي مِنْهُ يُخْلَقُ الْإِنْسَانُ، وَفِيهِ
يُرَكَّبُ عِنْدَ بَعْثِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ نَفْخَةِ الْفَزَعِ وَنَفْخَةِ الصَّعْقِ، وَهُوَ
الَّذِي نُرِيدُ ذِكْرَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا
بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ بَيْنَ نَفْخَتَيِ الْفَزَعِ وَالصَّعْقِ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا
أُمُورٌ عِظَامٌ، مِنْ ذَلِكَ زَلْزَلَةُ الْأَرْضِ وَارْتِجَاجُهَا،
وَمَيَدَانُهَا بِأَهْلِهَا، وتَكَفِّيهَا يَمِينًا وَشِمَالًا، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا [ الزَّلْزَلَةِ: 1 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ
شَيْءٌ عَظِيمٌ [ الْحَجِّ: 1 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ
رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا الْآيَاتِ كُلِّهَا إِلَى قَوْلِهِ: هَذَا نُزُلُهُمْ
يَوْمَ الدِّينِ [ الْوَاقِعَةِ: 1 - 56 ].
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ النَّفْخَةُ - أَعْنِي نَفْخَةَ الْفَزَعِ - أَوَّلَ
مَبَادِئِ الْقِيَامَةِ، كَانَ اسْمُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ صَادِقًا عَلَى ذَلِكَ
كُلِّهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا فَلَا
يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ
انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ
السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ
السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا ".
وَهَذَا إِنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى مَا قَبْلَ نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَعَبَّرَ عَنْ
نَفْخَةِ الْفَزَعِ بِأَنَّهَا السَّاعَةُ لَمَّا كَانَتْ أَوَّلَ مَبَادِئِهَا،
وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ أَهْلِ آخِرِ الزَّمَانِ أَنَّهُمْ شِرَارُ
النَّاسِ، وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ رَافِعٍ فِي حَدِيثِ الصُّورِ الْمُتَقَدِّمِ،
أَنَّ السَّمَاءَ تَنْشَقُّ فِيمَا بَيْنَ نَفْخَتَيِ الْفَزَعِ وَالصَّعْقِ،
وَأَنَّ نُجُومَهَا تَتَنَاثَرُ، وَيَخْسِفُ شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا. وَالظَّاهِرُ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ نَفْخَةِ الصَّعْقِ
حِينَ:
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ
وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ
مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى
وُجُوهَهُمُ النَّارُ [ إِبْرَاهِيمَ: 48 - 50 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِذَا
السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ الْآيَاتِ [
الِانْشِقَاقِ: 1، 2 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ
الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ أَلْقَى
مَعَاذِيرَهُ [ الْقِيَامَةِ: 7 - 15 ].
وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ هَذَا كُلِّهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ نَفْخَةِ
الصَّعْقِ، وَأَمَّا زِلْزَالُ الْأَرْضِ وَانْشِقَاقُهَا بِسَبَبِ تِلْكَ
الزَّلْزَلَةِ، وَفِرَارُ النَّاسِ إِلَى أَقْطَارِهَا وَأَرْجَائِهَا -
فَمُنَاسِبٌ أَنَّهُ بَعْدَ نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَقَبْلَ الصَّعْقِ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى، إِخْبَارًا عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَالَ: وَيَا
قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ
مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ [ غَافِرٍ: 32، 33 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا
مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا
بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا
شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ [ الرَّحْمَنِ: 33 - 36 ].
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ،
وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لَنْ
تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ ". فَذَكَرَهُنَّ، إِلَى أَنْ قَالَ:
" وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى
الْمَحْشَرِ ". وَهَذِهِ النَّارُ تَسُوقُ الْمَوْجُودِينَ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ فِي سَائِرِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ مِنْهَا،
وَهِيَ بُقْعَةُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ.
ذِكْرُ أَمْرِ هَذِهِ النَّارِ، وَحَشْرِهَا النَّاسَ إِلَى
أَرْضِ الشَّامِ
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ
طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ وَرَاهِبِينَ. وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى
بَعِيرٍ. وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ. وَتَحْشُرُ
بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ
حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ
أَمْسَوْا ".
وَرَوَى أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ أَوَّلِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ; فَقَالَ: " نَارٌ تَحْشُرُ
النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ". الْحَدِيثَ بِطُولِهِ،
وَهُوَ فِي " الصَّحِيحِ ".
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حَسَنٍ، وَعَفَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ; صِنْفٌ
مُشَاةٌ، وَصِنْفٌ رُكْبَانٌ، وَصِنْفٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ ". قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قَالَ: " إِنَّ
الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ
يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَمَا إِنَّهُمْ يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ
حَدَبٍ وَشَوْكٍ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ
إِبْرَاهِيمَ، لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ
أَرَضُوهُمْ، وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، تَحْشُرُهُمُ
النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا،
وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ ". وَرَوَى
الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْبَعْثِ
وَالنُّشُورِ ": أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ عَفَّانَ، حدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ
الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ
الْقُرَشِيُّ ( ح ).
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ
حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ:سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا [ الْإِسْرَاءِ: 97 ]. فَقَالَ
أَبُو ذَرٍّ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ
أَفْوَاجٍ، فَوْجٍ طَاعِمِينَ كَاسِينَ رَاكِبِينَ، وَفَوْجٍ يَمْشُونَ
وَيَسْعَوْنَ، وَفَوْجٍ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ. قُلْنَا:
قَدْ عَرَفْنَا هَذَيْنِ، فَمَا بَالُ الَّذِينَ يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ؟ قَالَ:
" يُلْقِي اللَّهُ الْآفَةَ عَلَى الظَّهْرِ حَتَّى لَا يَبْقَى ذَاتُ
ظَهْرٍ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطِي الْحَدِيقَةَ الْمُعْجِبَةَ
بِالشَّارِفِ ذَاتِ الْقَتَبِ ". لَفْظُ الْحَاكِمِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَلَمْ
يَذْكُرْ تِلَاوَةَ أَبِي ذَرٍّ لِلْآيَةِ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: " فَلَا
يَقْدِرُ عَلَيْهَا ".
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ بَهْزٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِيهِ
حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ
الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ:
تُحْشَرُونَ هَهُنَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَحْوِ
الشَّامِ - مُشَاةً، وَرُكْبَانًا، وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ، وتُعْرَضُونَ
عَلَى اللَّهِ وَعَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ، فَأَوَّلُ مَا يُعْرِبُ عَنْ
أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ ". وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ
جَعْفَرٍ، قَالَ.: ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ رَافِعِ
بْنِ بِشْرٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ؟ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ حَبْسِ سَيَلٍ
تَسِيرُ سَيْرَ بَطِيئَةِ الْإِبِلِ، تَسِيرُ النَّهَارَ وَتُقِيمُ اللَّيْلَ،
تَغْدُو وَتَرُوحُ، يُقَالُ: غَدَتِ النَّارُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَاغْدُوا،
قَالَتِ النَّارُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَقِيلُوا، رَاحَتِ النَّارُ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ فَرُوحُوا. مَنْ أَدْرَكَتْهُ أَكَلَتْهُ ". تَفَرَّدَ بِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ بِشْرٍ أَبِي رَافِعٍ السُّلَمِيِّ،
وَفِيهِ. " تُضِيءُ لَهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى ".
فَهَذِهِ السِّيَاقَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا
الْحَشْرَ هُوَ حَشْرُ الْمَوْجُودِينَ فِي آخِرِ الدُّنْيَا مِنْ أَقْطَارِ
الْأَرْضِ إِلَى مَحَلَّةِ الْمَحْشَرِ، وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ، وَأَنَّهُمْ
يَكُونُونَ عَلَى أَصْنَافٍ ثَلَاثَةٍ; فَقِسْمٍ طَاعِمِينَ كَاسِينَ رَاكِبِينَ،
وَقِسْمٍ يَمْشُونَ تَارَةً وَيَرْكَبُونَ أُخْرَى، وَهُمْ يَعْتَقِبُوَنَ عَلَى
الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": "
اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ". إِلَى أَنْ قَالَ:
" وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ". يَعْتَقِبُونَهُ مِنْ قِلَّةِ الظَّهْرِ،
كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، "
وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ ". وَهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ
عَدَنَ، فَتُحِيطُ بِالنَّاسِ مِنْ وَرَائِهِمْ، تَسُوقُهُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ، وَمَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ أَكَلَتْهُ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ آخِرِ الدُّنْيَا، حَيْثُ يَكُونُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالرُّكُوبُ
مَوْجُودًا، وَالْمُشْتَرَى وَغَيْرُهُ، وَحَيْثُ تُهْلِكُ الْمُتَخَلِّفِينَ
مِنْهُمُ النَّارُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا بَعْدَ نَفْخَةِ الْبَعْثِ لَمْ يَبْقَ
مَوْتٌ، وَلَا ظَهْرٌ يُشْتَرَى، وَلَا أَكْلٌ وَلَا شُرْبٌ وَلَا لُبْسٌ فِي
الْعَرَصَاتِ.
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ الْبَيْهَقِيَّ بَعْدَ
رِوَايَتِهِ لِأَكْثَرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَمَلَ هَذَا الرُّكُوبَ عَلَى
أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَصَحَّحَ ذَلِكَ، وَضَعَّفَ مَا قُلْنَاهُ،
وَاسْتَدَلَّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ نَحْشُرُ
الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى
جَهَنَّمَ وِرْدًا [ مَرْيَمَ: 85، 86 ].
وَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ادَّعَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ
بِالْحَدِيثِ، وَفِيهِ أَنَّ مِنْهُمْ: " اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ،
وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ "، وَقَدْ جَاءَ
التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ الظَّهْرِ؟! هَذَا لَا يَلْتَئِمُ مَعَ
هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ نَجَائِبَ الْمُتَّقِينَ مِنَ الْجَنَّةِ،
يَرْكَبُونَهَا مِنَ الْعَرَصَاتِ إِلَى الْجَنَّاتِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ،
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ الْوَارِدُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةُ،
وَغَيْرُهُمْ: " إِنَّكُمْمَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [ الْأَنْبِيَاءِ: 104 ]
". فَذَلِكَ حَشْرٌ غَيْرُ هَذَا، ذَاكَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ
نَفْخَةِ الْبَعْثِ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا، أَيْ غَيْرَ مُخْتَتَنِينَ، وَكَذَلِكَ حَشْرُ الْكَافِرِينَ إِلَى
جَهَنَّمَ وِرْدًا; أَيْ عِطَاشًا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ
عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ
سَعِيرًا [ الْإِسْرَاءِ: 97 ]. فَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُمْ حِينَ يُؤْمَرُ
بِهِمْ إِلَى النَّارِ مِنْ مُقَامِ الْمَحْشَرِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ
كُلِّهِ فِي مَوَاضِعِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: أَنَّ الْأَمْوَاتَ لَا يَشْعُرُونُ بِشَيْءٍ
مِمَّا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَأَنَّ الَّذِينَ
اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى إِنْمَّا هُمُ الشُّهَدَاءُ،
لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ،
فَهُمْ يَشْعُرُونَ بِهَا وَلَا يَفْزَعُونَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ لَا يُصْعَقُونَ
بِسَبَبِ نَفْخَةِ الصَّعْقِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُسْتَثْنَيْنَ مِنْهَا عَلَى أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا هَذَا، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِيهِ، وَقِيلَ: بَلْ هُمْ
جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ. وَقِيلَ:
وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ أَنَّهُ يَطُولُ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا
مُدَّةُ مَا بَيْنَ نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَنَفْخَةِ الصَّعْقِ، وَهُمْ
يُشَاهِدُونَ تِلْكَ الْأَهْوَالَ، وَالْأُمُورَ الْعِظَامَ.
نَفْخَةُ الصَّعْقِ
يَمُوتُ بِسَبَبِهَا جَمِيعُ الْمَوْجُودِينَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ، مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ; إِلَّا مَنْ شَاءَ
اللَّهُ، فَقِيلَ: هُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَجِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ،
وَمَلَكُ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ
فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ
قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [ الزُّمَرِ: 68 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُفِخَ فِي
الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا
دَكَّةً وَاحِدَةً إِلَى قَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ
خَافِيَةٌ [ الْحَاقَّةِ: 13 - 18 ].
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَأْمُرُ إِسْرَافِيلَ فَيَقُولُ لَهُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الصَّعْقِ. فَيَنْفُخُ،
فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ،
فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَكِ الْمَوْتِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ:
فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أَنْتَ، الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ،
وَبَقِيَتْ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ ".
فَيَأْمُرُهُ اللَّهُ بِقَبْضِ رُوحِ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ
بِقَبْضِ أَرْوَاحِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَمُوتَ، وَهَوَ
آخِرُ مَنْ يَمُوتُ مِنَ الْخَلَائِقِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا بَلَغَهُ، وَعَنْهُ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: " أَنْتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي،
خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ، فَمُتْ، ثُمَّ لَا تَحْيَا ". وَقَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ كَعْبٍ فِيمَا بَلَغَهُ، فَيَقُولُ لَهُ: " مُتْ مَوْتًا لَا تَحْيَا
بَعْدَهُ أَبَدًا، فَيَصْرُخُ عِنْدَ ذَلِكَ صَرْخَةً لَوْ سَمِعَهَا أَهْلُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَمَاتُوا فَزَعًا ". قَالَ الْحَافِظُ أَبُو
مُوسَى الْمَدِينِيُّ: لَمْ يُتَابَعْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ عَلَى هَذِهِ
اللَّفْظَةِ، وَلَمْ يَقُلْهَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ.
قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَى هَذَا: " مُتْ مَوْتًا لَا
تَحْيَا بَعْدَهُ أَبَدًا ". يَعْنِي: لَا تَكُونُ بَعْدَ هَذَا مَلَكَ
مَوْتٍ أَبَدًا، لِأَنَّهُ لَا مَوْتَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ، كَمَا ثَبَتَ فِي
" الصَّحِيحِ ": يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةِ
كَبْشٍ أَمْلَحَ،
فَيُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ:
يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ
وَلَا مَوْتَ ".
فَمَلَكُ الْمَوْتِ وَإِنْ حَيِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مَلَكَ مَوْتٍ
بَعْدَهَا أَبَدًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، بَلْ يُنْشِئُهُ اللَّهُ خَلْقًا آخَرَ
غَيْرَ ذَلِكَ كَالْمَلَائِكَةِ. وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا اللَّفْظِ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا
يَحْيَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَبَدًا، فَيَكُونُ التَّأْوِيلُ الْمُتَقَدِّمُ بَعِيدَ
الصِّحَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
فَصْلٌ ( اللَّهُ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الْأَرَضِينَ وَتَكُونُ السَّمَاوَاتُ بِيَمِينِهِ )
قَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ
الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا، طَوَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ، ثُمَّ دَحَاهُمَا،
ثُمَّ تَلَقَّفَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: أَنَا الْجَبَّارُ. ثَلَاثًا،
ثُمَّ يُنَادِي: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَا يُجِيبُهُ
أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى مُجِيبًا لِنَفْسِهِ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ
الْقَهَّارِ ".
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ
جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [ الزُّمَرِ: 67 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا
بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ.
وَقَالَ تَعَالَى: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا
يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ
الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
[ غَافِرٍ: 15، 16 ].
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقْبِضُ اللَّهُ
تَعَالَى الْأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا
الْمَلِكُ، أَنَا الْجَبَّارُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟
أَيْنَ الْمتُكَبِّرُونَ ".
وَفِيهِمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرَضِينَ،
وَتَكُونُ السَّمَاوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ ".
وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ "، و " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، مِنْ
حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى
الْمِنْبَرِ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [ الزُّمَرِ: 67 ]. وَرَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ، وَيُحَرِّكُهَا،
يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ " يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ: أَنَا
الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْعَزِيزُ، أَنَا
الْكَرِيمُ " فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمِنْبَرُ، حَتَّى قُلْنَا: لَيَخِرَّنَّ بِهِ. وَهَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ، وَقَدْ
ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الْمُتَعَلِّقَةَ
بِهَذَا الْمَقَامِ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ
كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِأَسَانِيدِهَا وَأَلْفَاظِهَا، بِمَا
فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: " وَيُبَدِّلُ اللَّهُ الْأَرْضَ غَيْرَ
الْأَرْضِ فَيَبْسُطُهَا، وَيَسْطَحُهَا، وَيَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ
الْعُكَاظِيِّ، إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [ إِبْرَاهِيمَ: 48 ]
" الْآيَةَ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:سُئِلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ: " هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ
الْجِسْرِ ".
وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَبْدِيلًا آخَرَ غَيْرَ هَذَا الْمَذْكُورِ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَنْ تُبَدَّلَ مَعَالِمُ الْأَرْضِ فِيمَا بَيْنَ
النَّفْخَتَيْنِ; نَفْخَةِ الصَّعْقِ، وَنَفْخَةِ الْبَعْثِ، فَتَسِيرُ الْجِبَالُ
وَتُمَدُّ الْأَرْضُ، وَيَبْقَى الْجَمِيعُ صَعِيدًا وَاحِدًا، لَا اعْوِجَاجَ
فِيهِ وَلَا رَوَابِيَ وَلَا أَوْدِيَةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا
تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [ طه: 105 - 107 ]. أَيْ لَا انْخِفَاضَ
فِيهَا وَلَا ارْتِفَاعَ. وَقَالَ تَعَالَى: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا
جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ
شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [ النَّمْلِ: 88 ] وَقَالَ تَعَالَى:
وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا [ النَّبَإِ: 20 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [ الْقَارِعَةِ: 5 ]. وَقَالَ
تَعَالَى:
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً
وَاحِدَةً [ الْحَاقَّةِ: 14 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ
وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [
الْكَهْفِ: 47 ] الْآيَاتِ.
فَصْلٌ ( سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )
قَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: "،ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ
مَاءً، فَتُمْطِرُ السَّمَاءُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ
فَوْقَكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ الْأَجْسَادَ أَنْ
تَنْبُتَ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ، وَهِيَ صِغَارُ الْقِثَّاءِ، أَوْ كَنَبَاتِ
الْبَقْلِ ". وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَمُسْلِمٌ،ثُمَّ يُرْسِلُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ، أَوِ الظِّلُّ، فَتَنْبُتُ
مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ
يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ
". إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، قَدْ تَقَدَّمَ بِطُولِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ،
ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: " أَبَيْتُ ". قَالَ:
" ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتَنْبُتُونَ، كَمَا
يَنْبُتُ الْبَقْلُ "، قَالَ: وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا
يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ
الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَا
ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ ذِكْرُ نُزُولِ الْمَاءِ إِلَى
آخِرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
": حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ
الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا
الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ
أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: سِتُّ
آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ إِذْ
ذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ وَقَعَتِ الْجِبَالُ
عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَتَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ وَاخْتَلَطَتْ، وَفَزِعَتِ
الْجِنُّ إِلَى الْإِنْسِ، وَالْإِنْسُ إِلَى الْجِنِّ، وَاخْتَلَطَتِ الدَّوَابُّ
وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ، فَمَاجُوا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، وَإِذَا الْوُحُوشُ
حُشِرَتْ [ التَّكْوِيرِ: 5 ]. قَالَ: انْطَلَقَتْ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ
[ التَّكْوِيرِ: 4 ] قَالَ: أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ
[ التَّكْوِيرِ: 6 ] قَالَ الْجِنُّ لِلْإِنْسِ: نَحْنُ نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ،
فَانْطَلَقُوا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا هُوَ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَبَيْنَمَا هُمْ
كَذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ صَدْعَةً وَاحِدَةً، إِلَى الْأَرْضِ
السَّابِعَةِ السُّفْلَى، وَإِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا،
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهُمْ رِيحٌ فَأَمَاتَتْهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عُمَرَ الْقُرَشِيُّ،
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ
بْنِ جَابِرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ السَّكْسَكِيِّ، قَالَ: يَبْعَثُ اللَّهُ
رِيحًا طَيِّبَةً بَعْدَ قَبْضِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَعِنْدَ دُنُوٍّ مِنَ السَّاعَةِ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ،
وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحُمُرِ، عَلَيْهِمْ
تَقُومُ السَّاعَةُ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ
بَعَثَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ الْخَوْفَ،
فَتَرْجُفُ بِهِمْ أَقْدَامُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ، فَتَخْرُجُ الْجِنُّ،
وَالْإِنْسُ، وَالشَّيَاطِينُ إِلَى سِيفِ الْبَحْرِ، فَيَمْكُثُونَ كَذَلِكَ مَا
شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَقُولُ الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ: هَلُمَّ نَلْتَمِسُ
الْمَخْرَجَ، فَيَأْتُونَ خَافِقَ الْمَغْرِبِ، فَيَجِدُونَهُ قَدْ سُدَّ
وَعَلَيْهِ الْحَفَظَةُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ
عَلَى ذَلِكَ إِذْ أَشْرَفَتْ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ، وَيَسْمَعُونَ مُنَادِيًا
يُنَادِي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [
النَّحْلِ: 1 ]، قَالَ: فَمَا الْمَرْأَةُ بِأَشَدَّ اسْتِمَاعًا مِنَ الْوَلِيدِ
فِي حِجْرِهَا، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ،
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَطْلُعُ
السَّاعَةُ عَلَيْكُمْ سَحَابَةً سَوْدَاءَ مِثْلَ التُّرْسِ مِنْ قِبَلِ
الْمَغْرِبِ، فَمَا تَزَالُ تَرْتَفِعُ وَتَرْتَفِعُ حَتَّى
تَمْلَأَ السَّمَاءَ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: أَيُّهَا
النَّاسُ، إِنَّ أَمْرَ اللَّهِ قَدْ أَتَى، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ
الرَّجُلَيْنِ لَيَنْشُرَانِ الثَّوْبَ فَمَا يَطْوِيَانِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ
لَيَلُوطُ حَوْضَهُ فَمَا يَشْرَبُ مِنْهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَحْلُبُ
لِقْحَتَهُ، فَمَا يَشْرَبُ مِنْهَا شَيْئًا ".
وَقَالَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ: وَإِنَّ الطَّيْرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
لَتَضْرِبُ بِأَذْنَابِهَا، وَتَرْمِي بِمَا فِي حَوَاصِلِهَا مِنْ هَوْلِ مَا
تَرَى، لَيْسَ عِنْدَهَا طَلِبَةٌ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي "
الْأَهْوَالِ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْعَبْدِيُّ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ،
سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ الصَّنْعَانِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَأْيَ
عَيْنٍ، فَلْيَقْرَأْ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ
انْفَطَرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ.
نَفْخَةُ الْبَعْثِ
قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [
الزُّمَرِ: 68 ]. الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَقَالَ: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [ النَّبَإِ: 18 ].
الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ
فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ [ الْإِسْرَاءِ: 52 ] الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى:
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [ النَّازِعَاتِ:
13، 14 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ
الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ:
وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [
يس: 51 - 65 ].
وَذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ بَعْدَ نَفْخَةِ الصَّعْقِ وَفَنَاءِ الْخَلْقِ،
وَبَقَاءِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ، الَّذِي كَانَ قَبْلَ كُلِّ
شَيْءٍ، وَهُوَ الْآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ يُبَدِّلُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ عَلَى
الْأَرْضِ، الَّذِي تُخْلَقُ مِنْهُ الْأَجْسَادُ فِي قُبُورِهَا، وَتَتَرَكَّبُ
فِي أَجْدَاثِهَا، كَمَا كَانَتْ فِي حَيَاتِهَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، ثُمَّ
يَدْعُو اللَّهُ بِالْأَرْوَاحِ، فَيُؤْتَى بِهَا تَتَوَهَّجُ أَرْوَاحُ
الْمُؤْمِنِينَ نُورًا، وَالْأُخْرَى ظُلْمَةً، فَتُوضَعُ فِي الصُّورِ،
وَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ أَنْ يَنْفُخَ نَفْخَةَ الْبَعْثِ،
فَتَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ كَأَنَّهَا النَّحْلُ قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَتَدْخُلُ كُلُّ رُوحٍ عَلَى جَسَدِهَا الَّتِي كَانَتْ
فِيهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَتَمْشِي الْأَرْوَاحُ فِي الْأَجْسَادِ مَشْيَ
السُّمِّ فِي اللَّدِيغِ، ثُمَّ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُمْ، كَمَا تَنْشَقُّ
عَنْ نَبَاتِهَا فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا سِرَاعًا إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [
الْقَمَرِ: 8 ]. حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا
كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [ الْمَعَارِجِ: 43 ]. إِلَى آخِرِ
السُّورَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ
مَكَانٍ قَرِيبٍ [ ق: 41 ]. إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: خُشَّعًا
أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [
الْقَمَرِ: 7 - 8 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ
يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ
[ الْمُدَّثِّرِ: 8 - 10 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَمِنْهَا
نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [ طه: 55 ]. وَقَالَ: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا [ نُوحٍ:
17، 18 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْبَعْثِ
وَالنُّشُورِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يُرْسِلُ اللَّهُ قَبْلَ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ رِيحًا فِيهَا صِرٌّ بَارِدَةً، وَزَمْهَرِيرًا بَارِدًا; فَلَا
تَذَرُ عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنًا إِلَّا كُفِتَ بِتِلْكَ الرِّيحِ، ثُمَّ تَقُومُ
السَّاعَةُ عَلَى النَّاسِ، فَيَقُومُ مَلَكٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
بِالصُّورِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ، فَلَا يَبْقَى خَلْقٌ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ يَكُونُ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَكُونَ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، فَتَنْبُتُ
جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ
مِنَ الثَّرَى، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَذَلِكَ النُّشُورُ [ فَاطِرٍ: 9
]. ثُمَّ يَقُومُ مَلَكٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِالصُّورِ، فَيَنْفُخُ
فِيهِ، فَتَنْطَلِقُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَى جَسَدِهَا، فَتَدْخُلُ فِيهِ،
وَيَقُومُونَ، فَيَجِيئُونَ قِيَامًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: يَبْلَوْنَ فِي
الْقُبُورِ، فَإِذَا سَمِعُوا الصَّرْخَةَ عَادَتِ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَبْدَانِ،
وَالْمَفَاصِلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا سَمِعُوا النَّفْخَةَ
الثَّانِيَةَ وَثَبَ الْقَوْمُ قِيَامًا عَلَى أَرْجُلِهِمْ، يَنْفُضُونَ
التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ، يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ: سُبْحَانَكَ مَا
عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.
ذِكْرُ أَحَادِيثَ فِي الْبَعْثِ
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي
الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا فِيهَا صِرٌّ
بَارِدَةً، وَزَمْهَرِيرًا بَارِدَةً، فَلَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ
إِلَّا كُفِتَ بِتِلْكَ الرِّيحِ، ثُمَّ تَقُومُ السَّاعَةُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَقَالِ قَبْلَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ
عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ،عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي
خَلْقِهِ؟ قَالَ: " يَا أَبَا رَزِينٍ، أَمَا مَرَرْتَ بِوَادِي أَهْلِكَ
مَحْلًا، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُ خَضِرًا ؟ ". قُلْتُ: بَلَى. قَالَ:
" فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى، وَذَلِكَ آيَتُهُ فِي
خَلْقِهِ ". وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَغُنْدَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، بِهِ، نَحْوَهُ أَوْ مِثْلَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى،عَنْ أَبِي
رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟
قَالَ: " أَمَرَرْتَ بِأَرْضٍ مِنْ أَرْضِكَ مُجْدِبَةٍ، ثُمَّ مَرَرْتَ
بِهَا مُخْصِبَةً ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " كَذَلِكَ
النُّشُورُ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ:
" أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،
وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ أَحَبُّ إِلَيْكَ
مِنْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ، وَأَنْ تُحِبَّ غَيْرَ ذِي نَسَبٍ لَا تُحِبُّهُ
إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ حُبُّ
الْإِيمَانِ فِي قَلْبِكَ، كَمَا دَخَلَ حُبُّ الْمَاءِ قَلْبَ الظَّمْآنِ فِي
الْيَوْمِ الْقَائِظِ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ لِي بِأَنْ
أَعْلَمَ أَنِّي مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: " مَا مِنْ أُمَّتِي، أَوْ هَذِهِ
الْأُمَّةِ عَبْدٌ يَعْمَلُ حَسَنَةً، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا حَسَنَةٌ، وَأَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَازِيهِ بِهَا خَيْرًا، وَلَا يَعْمَلُ سَيِّئَةً، فَيَعْلَمُ
أَنَّهَا سَيِّئَةٌ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا، وَيَعْلَمُ
أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ إِلَّا هُوَ - إِلَّا وَهُوَ مِؤْمِنٌ ". تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ.
حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ فِي الْبَعْثِ
وَالنُّشُورِ
أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْمِزِّيُّ - تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ - وَغَيْرُ وَاحِدٍ
مِنَ الْمَشَايِخِ، قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا
فَخْرُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرُ
وَاحِدٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُكَبِّرُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ؟ ابْنُ الْمُذْهِبِ
التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ
بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي " مُسْنَدِ أَبِيهِ "، قَالَ:
كَتَبَ إِلَيَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ
مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ الزُّبَيْرِيُّ: كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ،
وَقَدْ عَرَضْتُهُ، وَسَمِعْتُهُ عَلَى مَا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْكَ، فَحَدِّثْ
بِذَلِكَ عَنِّي. قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ
الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَيَّاشٍ السَّمَعِيُّ
الْأَنْصَارِيُّ الْقُبَائِيُّ - مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ دَلْهَمِ
بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاجِبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
الْمُنْتَفِقِ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ،
قَالَ دَلْهَمٌ: وَحَدَّثَنِيهِ أَبِي الْأَسْوَدُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ
-أَنَّ لَقِيطًا خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، يُقَالُ لَهُ: نَهِيكُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ، قَالَ لَقِيطٌ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتَّى
قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِانْسِلَاخِ رَجَبٍ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْنَاهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكُمْ صَوْتِي مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَلَا لِأُسْمِعَنَّكُمْ، أَلَا فَهَلْ مِنِ امْرِئٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ، فَقَالُوا: اعْلَمْ لَنَا مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَا ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يُلْهِيَهُ حَدِيثُ نَفْسِهِ، أَوْ حَدِيثُ صَاحِبِهِ، أَوْ يُلْهِيَهُ الضَّلَالُ، أَلَا إِنِّي مَسْئُولٌ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ أَلَا اسْمَعُوا تَعِيشُوا، أَلَا اجْلِسُوا، أَلَا اجْلِسُوا ". قَالَ: فَجَلَسَ النَّاسُ، وَقُمْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، حَتَّى إِذَا فَرَغَ لَنَا فُؤَادُهُ وَبَصَرُهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَكَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ؟ فَضَحِكَ لَعَمْرُ اللَّهِ، وَهَزَّ رَأْسَهُ، وَعَلِمَ أَنِّي أَبْتَغِي لِسَقْطِهِ، فَقَالَ: " ضَنَّ رَبُّكَ، عَزَّ وَجَلَّ، بِمَفَاتِيحَ خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ، لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ ". وَأَشَارَ بِيَدِهِ، قُلْتُ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: " عِلْمُ الْمَنِيَّةِ، قَدْ عَلِمَ مَتَى مَنِيَّةُ أَحَدِكُمْ وَلَا تَعْلَمُونَهُ، وَعِلْمُ الْمَنِيِّ حِينَ يَكُونُ فِي الرَّحِمِ، قَدْ عَلِمَهُ وَلَا تَعْلَمُونَ، وَعِلْمُ مَا فِي غَدٍ وَمَا أَنْتَ طَاعِمٌ غَدًا وَلَا تَعْلَمُهُ، وَعِلْمُ يَوْمِ الْغَيْثِ يُشْرِفُ عَلَيْكُمْ آزِلِينَ مُسْنِتِينَ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ، قَدْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَكُمْ إِلَى قَرِيبٍ ". قَالَ لَقِيطٌ: قُلْتُ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا. " وَعِلْمُ يَوْمِ السَّاعَةِ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنَا مِمَّا تُعَلِّمُ النَّاسَ، وَمَا تَعْلَمُ، فَإِنَّا مِنْ قَبِيلٍ لَا يُصَدِّقُونَ تَصْدِيقَنَا أَحَدٌ مِنْ مَذْحِجٍ الَّتِي تَرْبُو عَلَيْنَا،
وَخَثْعَمٍ الَّتِي تُوَالِينَا، وَعَشِيرَتِنَا الَّتِي نَحْنُ مِنْهَا. قَالَ: " تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ، ثُمَّ يُتَوَفَّى نَبِيُّكُمْ، ثُمَّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ، ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحَةُ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، وَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَصْبَحَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ يَطُوفُ فِي الْأَرْضِ، وَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبِلَادُ، فَأَرْسَلَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاءَ تَهْضِبُ مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ مَصْرَعِ قَتِيلٍ، وَلَا مَدْفَنِ مَيِّتٍ إِلَّا شَقَّتِ الْقَبْرَ عَنْهُ، حَتَّى تُخْلِفَهُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، فَيَسْتَوِيَ جَالِسًا، فَيَقُولُ رَبُّكَ: مَهْيَمْ؟ لِمَا كَانَ فِيهِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَمْسِ، الْيَوْمَ، فَلِعَهْدِهِ بِالْحَيَاةِ يَحْسَبُهُ حَدِيثًا بِأَهْلِهِ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَجْمَعُنَا بَعْدَمَا تُمَزِّقُنَا الرِّيَاحُ وَالْبِلَى وَالسِّبَاعُ ؟ قَالَ: " أُنْبِئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ، الْأَرْضُ أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ مَدَرَةٌ بَالِيَةٌ "، فَقُلْتُ: لَا تَحْيَا أَبَدًا. " ثُمَّ أَرْسَلَ رَبُّكَ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهَا السَّمَاءَ، فَلَمْ تَلْبَثْ عَلَيْكَ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا، وَهِيَ شَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَكُمْ مِنَ الْمَاءِ، عَلَى
أَنْ يَجْمَعَ نَبَاتَ الْأَرْضِ، فَتَخْرُجُونَ مِنَ
الْأَصْوَاءِ، وَمِنْ مَصَارِعِكُمْ، فَتَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَيَنْظُرُ
إِلَيْكُمْ ".
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ وَنَحْنُ مِلْءُ الْأَرْضِ، وَهُوَ
شَخْصٌ وَاحِدٌ يَنْظُرُ إِلَيْنَا، وَنَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: "
أُنْبِئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ آيَةٌ مِنْهُ صَغِيرَةٌ، تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ سَاعَةً
وَاحِدَةً، لَا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا، وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ
أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَرَاكُمْ وَتَرَوْنَهُ مِنْهُمَا ". قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا يَفْعَلُ بِنَا رَبُّنَا، عَزَّ وَجَلَّ، إِذَا لَقِينَاهُ
؟ قَالَ: " تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بَادِيَةً لَهُ صَفَحَاتُكُمْ، لَا يَخْفَى
عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ، فَيَأْخُذُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدِهِ غُرْفَةً
مِنَ الْمَاءِ، فَيَنْضَحُ قَبِيلَكُمْ بِهَا، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تُخْطِئُ
وَجْهَ أَحَدِكُمْ مِنْهَا قَطْرَةٌ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ
مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطِمُهُ بِمِثْلِ
الْحُمَمِ الْأَسْوَدِ، أَلَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ، وَيَنْصَرِفُ
الصَّالِحُونَ عَلَى أَثَرِهِ،
فَتَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنَ النَّارِ، فَيَطَأُ أَحَدُكُمُ
الْجَمْرَ فَيَقُولُ: حَسِّ. فَيَقُولُ رَبُّكَ، عَزَّ وَجَلَّ: أَوَ أَنَّهْ.
فَتَطْلُعُونَ عَلَى حَوْضِ الرَّسُولِ عَلَى أَظْمَإِ - وَاللَّهِ - نَاهِلَةٍ
قَطُّ رَأَيْتُهَا، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يَبْسُطُ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ
إِلَّا وَقَعَ عَلَيْهَا قَدَحٌ يُطَهِّرُهُ مِنَ الطَّوْفِ، وَالْبَوْلِ،
وَالْأَذَى، وَتُحْبَسُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَلَا تَرَوْنَ مِنْهُمَا
وَاحِدًا ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَبِمَ نُبْصِرُ ؟ قَالَ:
" بِمِثْلِ بَصَرِكَ سَاعَتَكَ هَذِهِ، وَذَلِكَ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي
يَوْمٍ أَشْرَقَتْ فِيهِ الْأَرْضُ وَوَاجَهَتْهُ الْجِبَالُ ".
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَبِمَ نُجْزَى مِنْ سَيِّئَاتِنَا
وَحَسَنَاتِنَا ؟ قَالَ: " الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا،
وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْجَنَّةُ وَمَا النَّارُ ؟ قَالَ: " لَعَمْرُ
إِلَهِكَ إِنَّ لِلنَّارِ لَسَبْعَةَ أَبْوَابٍ، مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلَّا
يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا، وَإِنَّ لِلْجَنَّةِ لِثَمَانِيَةَ
أَبْوَابٍ، مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلَّا يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا
سَبْعِينَ عَامًا ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
فَعَلَامَ نَطَّلِعُ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: " عَلَى
أَنْهَارٍ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى، وَأَنْهَارٍ مِنْ كَأْسٍ مَا بِهَا مِنْ صُدَاعٍ
وَلَا نَدَامَةٍ، وَأَنْهَارٍ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَمَاءٍ
غَيْرِ آسِنٍ، وَفَاكِهَةٍ لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَعْلَمُونَ، وَخَيْرٌ مِنْ
مِثْلِهِ مَعَهُ، وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
وَلَنَا فِيهَا أَزْوَاجٌ؟ أَوَ مِنْهُنَّ مُصْلِحَاتٌ ؟ قَالَ: "
الصَّالِحَاتُ لِلصَّالِحِينَ، تَلَذُّونَهُنَّ مِثْلَ لَذَّاتِكُمْ فِي
الدُّنْيَا وَيَلْذَذْنَ بِكُمْ غَيْرَ أَنَّ لَا تَوَالُدَ ".
قَالَ لَقِيطٌ: فَقُلْتُ: أَقْصَى مَا نَحْنُ بَالِغُونَ وَمُنْتَهُونَ إِلَيْهِ;
فَلَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، عَلَامَ أُبَايِعُكَ ؟ قَالَ: فَبَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، وَقَالَ: " عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ،
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَزِيَالِ الْمُشْرِكِ، وَأَنْ لَا تُشْرِكَ بِاللَّهِ
غَيْرَهُ ".
قَالَ: قُلْتُ: وَإِنَّ لَنَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ؟ فَقَبَضَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، وَظَنَّ أَنِّي مُشْتَرِطٌ
شَيْئًا لَا يُعْطِينِيهِ. قَالَ: قُلْتُ: نَحِلُّ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا، وَلَا
يَجْنِي عَلَى امْرِئٍ إِلَّا نَفْسُهُ، فَبَسَطَ يَدَهُ وَقَالَ: " ذَلِكَ
لَكَ، تَحِلُّ حَيْثُ شِئْتَ وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ إِلَّا نَفْسُكَ ".
قَالَ: فَانْصَرَفْنَا، فَقَالَ:
إِنَّ هَذَيْنِ - لَعَمْرُ إِلَهِكَ - مِنْ أَتْقَى
النَّاسِ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ". فَقَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ
الْخُدَارِيِّةِ، أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ؟ قَالَ: " بَنُو الْمُنْتَفِقِ أَهْلُ ذَلِكَ ". قَالَ:
فَانْصَرَفْنَا، وَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ
لِأَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى خَيْرٌ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ ؟ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
عُرْضِ قُرَيْشٍ: وَاللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ الْمُنْتَفِقَ لَفِي النَّارِ. قَالَ:
فَلَكَأَنَّهُ وَقَعَ حَرٌّ بَيْنَ جِلْدِي وَوَجْهِي وَلَحْمِي; مِمَّا قَالَ
لِأَبِي، عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: وَأَبُوكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ؟ ثُمَّ إِذَا الْأُخْرَى أَجْمَلُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
وَأَهْلُكَ ؟ قَالَ: " وَأَهْلِي، لَعَمْرُ اللَّهِ مَا أَتَيْتَ عَلَيْهِ
مِنْ قَبْرِ عَامِرِيٍّ أَوْ قُرَشِيٍّ مِنْ مُشْرِكٍ، فَقُلْ: أَرْسَلَنِي
إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ، فَأُبَشِّرُكَ بِمَا يَسُوءُكَ ; تُجَرُّ عَلَى وَجْهِكَ
وَبَطْنِكَ فِي النَّارِ ".
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانُوا
عَلَى عَمَلٍ لَا يُحْسِنُونَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَقَدْ كَانُوا يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ ؟ قَالَ: " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ فِي آخِرِ
كُلِّ سَبْعِ أُمَمٍ - يَعْنِي نَبِيًّا - فَمَنْ عَصَى نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ
الضَّالِّينَ، وَمَنْ أَطَاعَ نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ
" عَنْ أَبِي دَاوُدَ، " عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ،
بِهِ، قَالَ شَيْخُنَا: لَعَلَّهُ مِنْ زِيَادَاتِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَقَدْ جَمَعَ أَحَادِيثَ وَآثَارًا فِي
مُجَلَّدٍ تَشْهَدُ لِحَدِيثِ الصُّورِ فِي مُتَفَرِّقَاتِهِ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ
بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي
الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ [ ق: 141 ] قَالَ: مَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى
صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يُنَادِي: أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ،
وَالْأَوْصَالُ الْمُتَقَطِّعَةُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَجْتَمِعْنَ
لِفَصْلِ الْقَضَاءِ. وَبِهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَا يُفَتَّرُ عَنْ أَهْلِ
الْقُبُورِ عَذَابُ الْقَبْرِ إِلَّا فِيمَا بَيْنَ نَفْخَةِ الصَّعْقِ وَنَفْخَةِ
الْبَعْثِ، فَلِذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ حِينَ يُبْعَثُ: يَا وَيْلَنَا مَنْ
بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [ يس: 152 ] يَعْنِي تِلْكَ الْفَتْرَةَ، فَيَقُولُ
لَهُ الْمُؤْمِنُ: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [ يس: 52
].
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ
بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ
بَكْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنِي مَعْدِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَانَ أَبُو
مُحَلِّمٍ الْجَسْرِيُّ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ، وَكَانَ
حَكِيمًا، وَكَانَ إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَنُفِخَ
فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قَالُوا
يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ
وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [ 51، 52 ]، بَكَى، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْقِيَامَةَ
لَمَعَارِيضُ، صِفَةٌ ذَهَبَتْ فَظَاعَتُهَا بِأَوْهَامِ الْعُقُولِ، أَمَا
وَاللَّهِ، لَئِنْ كَانَ الْقَوْمُ فِي رَقْدَةٍ مِثْلِ ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ لَمَا
دَعَوْا بِالْوَيْلِ عِنْدَ أَوَّلِ وَهْلَةٍ مِنْ بَعْثِهِمْ، وَلَمْ يُوقَفُوا
بَعْدُ مَوْقِفَ عَرْضٍ وَلَا مُسَاءَلَةٍ، إِلَّا وَقَدْ عَايَنُوا خَطَرًا
عَظِيمًا، وَحُقِّقَتْ عَلَيْهِمُ الْقِيَامَةُ بِالْجَلَائِلِ مِنْ أَمْرِهَا،
وَلَئِنْ كَانُوا فِي طُولِ الْإِقَامَةِ فِي الْبَرْزَخِ; كَانُوا يَأْلَمُونَ
وَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَمَا دَعَوْا بِالْوَيْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِ
ذَلِكَ عَنْهُمْ إِلَّا وَقَدْ نُقِلُوا إِلَى طَامَّةٍ هِيَ أَعْظَمُ مِنْهُ،
وَلَوْلَا أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى ذَلِكَ لَمَا اسْتَصْغَرَ الْقَوْمُ مَا كَانُوا
فِيهِ فَسَمَّوْهُ رُقَادًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنْ
أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا يُقَالُ هَذَا الشَّيْءُ عِنْدَ هَذَا
الشَّيْءِ رُقَادًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ شَدَائِدُ وَأَهْوَالٌ، وَلَكِنَّهُ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ وَأَدْهَى وَأَمَرُّ كَأَنَّهُ
رُقَادٌ، وَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ لَدَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ، حِينَ يَقُولُ: فَإِذَا
جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى [ النَّازِعَاتِ: 34 ]، قَالَ: ثُمَّ يَبْكِي
حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ،
حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا
إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ: اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى سَائِحٍ بَيْنَ
الْعِرَاقِ وَالشَّامِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَامَ
فِيهِمْ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مَيِّتُونَ، ثُمَّ مَبْعُوثُونَ
إِلَى الْإِدَانَةِ وَالْحِسَابِ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ
رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يَبْعَثُهُ اللَّهُ أَبَدًا، رَأَيْتُهُ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ
فِي مَوْسِمٍ مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، فَوَطِئَتْهُ الْإِبِلُ بِأَخْفَافِهَا،
وَالدَّوَابُّ بِحَوَافِرِهَا، وَالرَّجَّالَةُ بِأَرْجُلِهَا، حَتَّى رَمَّ
فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ أُنْمُلَةٌ. فَقَالَ السَّائِحُ: بَيْدَ أَنَّكَ مِنْ قَوْمٍ
سَخِيفَةٍ أَحْلَامُهُمْ، ضَعِيفٍ يَقِينُهُمْ، قَلِيلٍ عِلْمُهُمْ، لَوْ أَنَّ
الضَّبُعَ بَيَّتَتْ تِلْكَ الرِّمَّةَ فَأَكَلَتْهَا، ثُمَّ ثَلَطَتْهَا، ثُمَّ
غَدَتْ عَلَيْهِ النَّابُ فَأَكَلَتْهُ وَبَعَرَتْهُ، ثُمَّ غَدَتْ عَلَيْهِ
الْجَلَّالَةُ فَالْتَقَطَتْهُ، ثُمَّ أَوْقَدَتْهُ تَحْتَ قِدْرِ أَهْلِهَا،
ثُمَّ نَسَفَتِ الرِّيَاحُ رَمَادَهُ - لَأَمَرَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كُلَّ شَيْءٍ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا أَنْ يَرُدَّهُ، فَرَدَّهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ
اللَّهُ لِلْإِدَانَةِ وَالثَّوَابِ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ
بْنِ جَابِرٍ ; أَنَّ شَيْخًا مِنْ شُيُوخِ الْجَاهِلِيَّةِ الْقُسَاةِ قَالَ: يَا
مُحَمَّدُ، ثَلَاثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُهُنَّ، لَا يَنْبَغِي لِذِي عَقْلٍ
أَنْ يُصَدِّقَكَ فِيهِنَّ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَارِكَةٌ
مَا كَانَتْ تَعْبُدُ هِيَ وَآبَاؤُهَا، وَإِنَّا سَنَظْهَرُ عَلَى كُنُوزِ
كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَإِنَّا سَنُبْعَثُ بَعْدَ أَنْ نَرِمَّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أَجَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَتْرُكَنَّ الْعَرَبُ
مَا كَانَتْ تَعْبُدُ هِيَ وَآبَاؤُهَا، وَلَتَظْهَرَنَّ عَلَّى كُنُوزِ كِسْرَى
وَقَيْصَرَ، وَلَتَمُوتَنَّ ثُمَّ لَتُبْعَثَنَّ، ثُمَّ لَآخُذَنَّ بِيَدِكَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَأُذَكِّرَنَّكَ مَقَالَتَكَ هَذِهِ ". قَالَ: وَلَا
تَضِلُّنِي فِي الْمَوْتَى وَلَا تَنْسَانِي؟ قَالَ: " وَلَا أَضِلُّكَ فِي
الْمَوْتَى وَلَا أَنْسَاكَ ". قَالَ: فَبَقِيَ ذَلِكَ الشَّيْخُ حَتَّى
قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّمَ، وَرَأَى ظُهُورَ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى كُنُوزِ كِسْرَى، وَقَيْصَرَ، فَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ
إِسْلَامُهُ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَسْمَعُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ نَحِيبَهُ وَبُكَاءَهُ، فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِعْظَامِهِ مَا كَانَ وَاجَهَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عُمَرُ يَأْتِيهِ وَيُسَكِّنُ مِنْهُ،
وَيَقُولُ: قَدْ أَسْلَمْتَ وَوَعَدَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْوُدَّ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِكَ، وَلَا يَأْخُذُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ أَحَدٍ إِلَّا أَفْلَحَ وَسَعِدَ، إِنْ
شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، قَالَ:جَاءَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمٍ حَائِلٍ فَفَتَّهُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ،
أَيَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ، ثُمَّ
يُحْيِيكَ، ثُمَّ يُدْخِلُكَ نَارَ جَهَنَّمَ ". فَنَزَلَتْ وَضَرَبَ لَنَا
مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ
يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [
يس: 78، 79 ].
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ
الْأُولَى
[ الْوَاقِعَةِ: 62 ]،. قَالَ: خَلْقُ آدَمَ وَخَلْقُكُمْ،
فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ [ الْوَاقِعَةِ: 57 ]، قَالَ: فَهَلَّا تُصَدِّقُونَ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: عَجَبًا لِمَنْ يُكَذِّبُ
بِالنَّشْأَةِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الْأُولَى، يَا عَجَبًا كُلَّ
الْعَجَبِ لِمَنْ يُكَذِّبُ بِالنَّشْرِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ يُنْشَرُ فِي
كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [ الرُّومِ: 27 ]، قَالَ:
إِعَادَتُهُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنَ ابْتِدَائِهِ، وَكُلٌّ عَلَيْهِ يَسِيرٌ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: كَذَّبَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي
كَمَا بَدَأَنِي. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ
وَلَدًا. وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ". وَهُوَ ثَابِتٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
"
وَفِيهِمَا قِصَّةُ الَّذِي عَهِدَ إِلَى بَنِيهِ إِذَا
مَاتَ أَنْ يَحْرِقُوهُ، ثُمَّ يَذْرُوا - يَوْمَ رِيحٍ - نِصْفَ رَمَادِهِ فِي
الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ
عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَدَّخِرْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنَةً وَاحِدَةً.
فَلَمَّا مَاتَ فَعَلَ بِهِ بَنُوهُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ. فَأَمَرَ اللَّهُ
الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، فَإِذَا
هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى
هَذَا؟ قَالَ: خَشْيَتُكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ غَفَرَ لَهُ.
وَعَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَقَابِرَ نِصْفَ النَّهَارِ،
فَنَظَرْتُ إِلَى الْقُبُورِ كَأَنَّهُمْ قَوْمٌ صُمُوتٌ، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ
مَنْ يُحْيِيكُمْ ويَنْشُرُكُمْ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْبِلَى. فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ
مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْحُفَرِ: يَا صَالِحُ، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ
السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ
إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ [ الرُّومِ: 25 ]. قَالَ: فَخَرَرْتُ وَاللَّهِ
مَغْشِيًّا عَلَيَّ.
ذِكْرُ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ فِي كِتَابِ " الْعَاقِبَةِ
": يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَدْرَاكَ
مَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ ؟ يَوْمُ الْحَسْرةِ وَالنَّدَامَةِ، يَوْمٌ يَجِدُ كُلُّ عَامِلٍ عَمَلَهُ أَمَامَهُ، يَوْمُ الدَّمْدَمَةِ، يَوْمُ الزَّلْزَلَةِ، يَوْمُ الصَّاعِقَةِ، يَوْمُ الْوَاقِعَةِ، يَوْمُ الرَّاجِفَةِ، يَوْمُ الْوَاجِفَةِ، يَوْمُ الرَّادِفَةِ، يَوْمُ الْغَاشِيَةِ، يَوْمُ الدَّاهِيَةِ، يَوْمُ الْآزِفَةِ، يَوْمُ الْحَاقَّةِ، يَوْمُ الطَّامَّةِ، يَوْمُ الصَّاخَّةِ، يَوْمُ التَّلَاقِ، يَوْمُ الْفِرَاقِ، يَوْمُ الْمَشَاقِّ، يَوْمُ الْإِشْفَاقِ، يَوْمُ الْإِشْتَاقِ، يَوْمُ الْقِصَاصِ، يَوْمُ لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، يَوْمُ التَّنَادِ، يَوْمُ الْأَشْهَادِ، يَوْمُ الْمَعَادِ، يَوْمُ الْمِرْصَادِ، يَوْمُ الْمُسَاءَلَةِ، يَوْمُ الْمُنَاقَشَةِ، يَوْمُ الْحِسَابِ، يَوْمُ الْمَآبِ، يَوْمُ الْعَذَابِ، يَوْمُ الثَّوَابِ، يَوْمُ الْفِرَارِ لَوْ وُجِدَ الْفِرَارُ، يَوْمُ الْقَرَارِ إِمَّا فِي الْجَنَّةِ، وَإِمَّا فِي النَّارِ، يَوْمُ الْقَضَاءِ، يَوْمُ الْجَزَاءِ، يَوْمُ الْبُكَاءِ، يَوْمُ الْبَلَاءِ، يَوْمُ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا، يَوْمُ الْحَشْرِ، يَوْمُ النَّشْرِ، يَوْمُ الْجَمْعِ، يَوْمُ الْبَعْثِ، يَوْمُ الْعَرْضِ، يَوْمُ الْوَزْنِ، يَوْمُ الْحَقِّ، يَوْمُ الْحُكْمِ، يَوْمُ الْفَصْلِ، يَوْمٌ عَقِيمٌ، يَوْمٌ عَسِيرٌ، يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ، يَوْمٌ عَصِيبٌ، يَوْمُ النُّشُورِ، يَوْمُ الْمَصِيرِ، يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمُ الْيَقِينِ، يَوْمُ النَّفْخَةِ، يَوْمُ الصَّيْحَةِ، يَوْمُ الرَّجْفَةِ، يَوْمُ السَّكْرَةِ، يَوْمُ الرَّجَّةِ، يَوْمُ الْفَزَعِ، يَوْمُ الْجَزَعِ، يَوْمُ الْقَلَقِ، يَوْمُ الْفَرَقِ، يَوْمُ الْعَرَقِ، يَوْمُ الْمِيقَاتِ، يَوْمٌ تَخْرُجُ الْأَمْوَاتُ، يَوْمٌ تَظْهَرُ الْخَبِيئَاتُ، يَوْمُ الِانْشِقَاقِ، يَوْمُ الِانْكِدَارِ، يَوْمُ الِانْفِطَارِ، يَوْمُ الِانْتِشَارِ، يَوْمُ الِافْتِقَارِ، يَوْمُ الْوُقُوفِ، يَوْمُ الْخُرُوجِ، يَوْمُ الِانْصِدَاعِ، يَوْمُ الِانْقِطَاعِ، يَوْمٌ مَعْلُومٌ، يَوْمٌ مَوْعُودٌ، يَوْمٌ مَشْهُودٌ، يَوْمُ تُبْلَى السَّرَائِرُ، يَوْمُ يَظْهَرُ مَا فِي الضَّمَائِرِ، يَوْمُ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا، يَوْمُ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا، يَوْمُ يُدْعَى فِيهِ إِلَى النَّارِ، يَوْمُ لَا سِجْنَ إِلَّا النَّارُ، يَوْمُ تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، يَوْمُ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ - وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ - يَوْمُ تُقَلَّبُ
وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ، يَوْمُ الْبُرُوزِ، يَوْمُ
الْوُرُودِ، يَوْمُ الصُّدُورِ مِنَ الْقُبُورِ إِلَى اللَّهِ، يَوْمُ لَا
يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، يَوْمُ لَا تَنْفَعُ الْمَعْذِرَةُ، يَوْمُ لَا
يُرْتَجَى فِيهِ إِلَّا الْمَغْفِرَةُ.
قَالَ: وَأَهْوَلُ أَسْمَائِهِ وَأَبْشَعُ أَلْقَابِهِ يَوْمُ الْخُلُودِ، وَمَا
أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْخُلُودِ، يَوْمٌ لَا انْقِطَاعَ لِعِقَابِهِ، وَلَا
يُكْشَفُ فِيهِ عَنْ كَافِرٍ مَا بِهِ، فنَعُوذُ بِاللَّهِ، ثُمَّ نَعُوذُ
بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ، وَعِقَابِهِ، وَبَلَائِهِ، وَسُوءِ قَضَائِهِ،
بِرَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ
إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
ذِكْرُ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هُوَ يَوْمُ النَّفْخِ فِي الصُّورِ لِبَعْثِ
الْأَجْسَادِ مِنْ قُبُورِهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ
وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ:
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ،
وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ
السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ
السَّاعَةِ، إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا
عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ
إِيَّاهُ ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ
مَالِكٍ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ،
عَنِ ابْنِ الْهَادِ، بِهِ نَحْوَهُ، وَهُوَ أَتَمُّ.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ "، مِنْ
طَرِيقِ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ
إِلَّا فِي الْأَذَانِ ". قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: يَعْنِي أَذَانَ الْفَجْرِ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ
": أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ
عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَزْهَرِ مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
طَلْحَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ يَقُولُ:أَتَى جِبْرِيلُ بِمِرْآةٍ بَيْضَاءَ فِيهَا وَكْتَةٌ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذِهِ؟ ". قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ
فُضِّلْتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ، فَالنَّاسُ لَكُمْ فِيهَا تَبَعٌ الْيَهُودُ،
وَالنَّصَارَى، وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا
مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، وَهُوَ عِنْدَنَا
يَوْمُ الْمَزِيدِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
يَا جِبْرِيلُ، وَمَا يَوْمُ الْمَزِيدِ؟ " قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ
اتَّخَذَ فِي الْفِرْدَوْسِ وَادِيًا أَفْيَحَ، فِيهِ كُثُبُ
مِسْكٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، أَنْزَلَ اللَّهُ مَا شَاءَ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ، وَنَزَلَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَحَفَّ حَوْلَهُ مَنَابِرَ مِنْ
نُورٍ، عَلَيْهَا مَقَاعِدُ النَّبِيِّينَ، وَحَفَّ تِلْكَ الْمَنَابِرَ بمَنابِرَ
مِنَ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، عَلَيْهَا الشُّهَدَاءُ
وَالصِّدِّيقُونَ، فَجَلَسُوا مِنْ وَرَائِهِمْ، عَلَى تِلْكَ الْكُثُبِ،
فَيَقُولُ اللَّهُ: أَنَا رَبُّكُمْ، قَدْ صَدَّقْتُمْ وَعْدِي، فَسَلُونِي
أُعْطِكُمْ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، نَسْأَلُكَ رِضْوَانَكَ. فَيَقُولُ: قَدْ
رَضِيتُ عَنْكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مَا تَمَنَّيْتُمْ، وَلَدَيَّ مَزِيدٌ. فَهُمْ
يُحِبُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ رَبُّهُمْ مِنَ الْخَيْرِ،
وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ رَبُّكُمْ عَلَى الْعَرْشِ، وَفِيهِ خَلَقَ
آدَمَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ.
ثُمَّ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَيْضًا،
حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، شَبِيهًا
بِهِ، قَالَ: وَزَادَ فِيهِ أَشْيَاءَ. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذَا
الْحَدِيثِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فِي كِتَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ
بِشَوَاهِدِهِ وَأَسَانِيدِهِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ
الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ
الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ
مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلَاتُنَا وَقَدْ أَرِمْتَ؟ يَعْنِي وَقَدْ
بَلِيتَ. قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ
أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ
الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ مِثْلَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، بَدَلَ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ شَيْخُنَا وَذَلِكَ
وَهْمٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ
الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَهُ، وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ،
مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى، وَفِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ: خَلَقَ
اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ أَدَمَ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ
تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُسْأَلُ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا
إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِيَّاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ
حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا سَمَاءٍ،
وَلَا أَرْضٍ، وَلَا رِيَاحٍ، وَلَا جِبَالٍ، وَلَا بَحْرٍ إِلَّا وَهُنَّ
يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ زُهَيْرٍ،
بِهِ.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: إِنَّ السَّاعَةَ
تَقُومُ وَقْتَ الْأَذَانِ
لِلْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ".
وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ
" أَنَّ قِيَامَ السَّاعَةِ يَوْمُ جُمُعَةٍ لِلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ
رَمَضَانَ. وَهَذَا غَرِيبٌ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَثِيرٍ،
حَدَّثَنَا قُرْطُ بْنُ حُرَيْثٍ أَبُو سَهْلٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ
الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: يَوْمَانِ وَلَيْلَتَانِ لَمْ يَسْمَعِ
الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ، لَيْلَةٌ تَبِيتُ مَعَ أَهْلِ الْقُبُورِ،
وَلَمْ تَبِتْ لَيْلَةً قَبْلَهَا مِثْلَهَا، وَلَيْلَةٌ صَبِيحَتُهَا تُسْفِرُ
عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَوْمُ يَأْتِيكَ الْبَشِيرُ مِنَ اللَّهِ إِمَّا
بِالْجَنَّةِ وَإِمَّا بِالنَّارِ، وَيَوْمُ تُعْطَى كِتَابَكَ إِمَّا بِيَمِينِكَ
وَإِمَّا بِشِمَالِكَ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ قَيْسٍ، وَهَرِمِ بْنَ
حَيَّانَ وَغَيْرِهِمَا؟ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْظِمُونَ اللَّيْلَةَ الَّتِي
يُسْفِرُ صَبِيحَتُهَا عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ "، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا
مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ جُنَيْدٍ قَالَ: بَيْنَمَا الْحَسَنُ فِي يَوْمٍ مِنْ
رَجَبٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي يَدِهِ قُلَيْلَةٌ، وَهُوَ يَمُصُّ مَاءَهَا، ثُمَّ
يَمُجُّهُ فِي الْحَصَى، إِذْ تَنَفَّسَ تَنَفُّسًا شَدِيدًا، ثُمَّ بَكَى حَتَّى
أُرْعِدَ مَنْكِبَاهُ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ بِالْقُلُوبِ حَيَاةً، لَوْ أَنَّ
بِالْقُلُوبِ صَلَاحًا، لَأَبْكَيْتُكُمْ مِنْ لَيْلَةٍ صَبِيحَتُهَا يومُ
الْقِيَامَةِ. أَيْ: لَيْلَةٌ تَمَخَّضُ عَنْ صَبِيحَةِ
يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَا سَمِعَ الْخَلَائِقُ بِيَوْمٍ قَطُّ أَكْثَرَ فِيهِ
عَوْرَةً بَادِيَةً، وَلَا عَيْنًا بَاكِيَةً مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
ذِكْرُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو
صَالِحٍ، حَدَّثَنَا هِقْلٌ، يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ،
حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنِي
أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ
يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا
سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ
تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، أَخْبَرَنَا
حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ
شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ،
فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ
الطُّورِ، أَوْ بُعِثَ قَبْلِي ؟ ). وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا
السِّيَاقِ.
وَالْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ
الْأَرْضُ، فَأَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ
قَبْلِي، أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ ).
فَذِكْرُ مُوسَى فِي هَذَا السِّيَاقِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَعْضِ
الرُّوَاةِ; دَخَلَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ ; فَإِنَّ التَّرْدِيدَ هَاهُنَا
فِيهِ لَا يَظْهَرُ، لَا سِيَّمَا قَوْلُهُ: " أَمْ جُوزِيَ بَصعْقَةِ
الطُّورِ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، هُوَ ابْنُ
دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ،
قَالَ: كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَبَيْنَ يَهُودِيٍّ مُنَازَعَةٌ، فَقَالَ
الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَي مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَلَطَمَهُ أَبُو
بَكْرٍ، فَأَتَى الْيَهُودِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا يَهُودِيُّ )، أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ
عَنْهُ الْأَرْضُ، فَأَجِدُ مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي هَلْ
كَانَ قَبْلِي، أَوْ جُوزِيَ بِالصَّعْقَةِ ).
وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
" مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ
بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ; وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ
اللَّاطِمَ لِهَذَا الْيَهُودِيِّ إِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، لَا
الصِّدِّيقُ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ أَحْسَنِهَا سِيَاقًا: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ
يَصْعَقُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَأَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا
بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَصَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي،
أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ ). وَهَذَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ يَقْتَضِي
أَنَّ هَذَا الصَّعْقَ يَكُونُ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ صَعْقٌ آخَرُ
غَيْرُ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ، وَكَأَنَّ سَبَبَ هَذَا الصَّعْقِ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ التَّجَلِّي، يَعْنِي تَجَلِّيَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ إِذَا جَاءَ
لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، فَيَصْعَقُ النَّاسُ كَمَا خَرَّ مُوسَى صَعِقًا يَوْمَ
الطُّورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" كَأَنِّي أَرَانِي أَنْفُضُ رَأْسِي مِنَ التُّرَابِ، فَأَلْتَفِتُ، فَلَا
أَرَى أَحَدًا إِلَّا مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَمِمَّنِ
اسْتَثْنَى اللَّهُ أَنْ لَا تُصِيبَهُ النَّفْخَةُ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي ".
وَهَذَا مُرْسَلٌ أَيْضًا، وَهُوَ أَضْعَفُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ
النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ،
عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
يَعْقُوبَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدٍ آدَمَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ
الْأَرْضُ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ، بِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ
تَحْتِي آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ ). لَمْ يُخَرِّجُوهُ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ
بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ،
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
وَقَالَ غَيْرُ أَبِي سَلَمَةَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ (أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ،
ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ أَذْهَبُ إِلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ،
فَيُحْشَرُونَ مَعِي، ثُمَّ أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ فَيُحْشَرُونَ مَعِي،
فَأُحْشَرُ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ ).
وَقَالَ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ:دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ،
وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُمَرُ عَنْ يَسَارِهِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ
عَلَيْهِمَا، قَالَ: ( هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، أَنَّ
كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: مَا مِنْ فَجْرٍ يَطْلُعُ إِلَّا نَزَلَ سَبْعُونَ
أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، حَتَّى يَحُفُّوا بِالْقَبْرِ، يَضْرِبُونَ
بِأَجْنِحَتِهِمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا أَمْسَوْا عَرَجُوا، وَهَبَطَ مِثْلُهُمْ فَصَنَعُوا
مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا انْشَقَّتِ الْأَرْضُ خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُوَقِّرُونَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عُمَرَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ سَيْفٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُحْشَرُ
النَّاسُ رِجَالًا، وَأُحْشَرُ رَاكِبًا عَلَى الْبُرَاقِ، وَبِلَالٌ بَيْنَ
يَدَيَّ، عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ، فَإِذَا بَلَغْنَا مَجْمَعَ النَّاسِ نَادَى
بِلَالٌ بِالْأَذَانِ، فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَدَّقَهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ
". وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ذِكْرُ بَعْثِ النَّاسِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، وَذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ يُكْسَى
يَوْمَئِذٍ مِنَ النَّاسِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَا ". قَالَ:
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ
بِالْعَوْرَاتِ؟ فَقَالَ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ
يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [ عَبَسَ: 37 ] وَأَخْرَجَاهُ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا
الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، شَيْخٌ مِنَ النَّخَعِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ
بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ:قَامَ فِينَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْعِظَةٍ، فَقَالَ: "
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا
كُنَّا فَاعِلِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 104 ]. أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلْقِ
يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِأُنَاسٍ مِنْ
أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَلَأَقُولَنَّ: أَصْحَابِي.
فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَلَأَقُولَنَّ
كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ
فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ
لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ الْمَائِدَةِ: 117، 118 ]
فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ
مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوعًا: (إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ
إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا
". وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا "، فَقَالَتْ
زَوْجَتُهُ: أَيَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلَى عَوْرَةِ بَعْضٍ ؟ فَقَالَ: " يَا
فُلَانَةُ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [ عَبَسَ 37 ].
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى،
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا
الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ،
عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا قِيَامًا أَرْبَعِينَ
سَنَةً، شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَيُلْجِمُهُمُ
الْعَرَقُ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ، ثُمَّ يُقَالُ: اكْسُوا إِبْرَاهِيمَ.
فَيُكْسَى قُبْطِيَّتَيْنِ مِنْ قَبَاطِيِّ الْجَنَّةِ. قَالَ: ثُمَّ يُنَادَى
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُفَجَّرُ لَهُ الْحَوْضُ،
وَهُوَ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ. قَالَ: فَيَشْرَبُ وَيَغْتَسِلُ،
وَقَدْ تَقَطَّعَتْ أَعْنَاقُ الْخَلَائِقِ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْعَطَشِ. قَالَ:
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأُكْسَى
مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، فَأَقُومُ عَنْ - أَوْ عَلَى - يَمِينِ الْكُرْسِيِّ
لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ يَقُومُ ذَلِكَ الْمَقَامَ يَوْمَئِذٍ غَيْرِي،
فَيُقَالُ: سَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ".
فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَتَرْجُو لِوَالِدَيْكَ شَيْئًا؟
فَقَالَ: ( إِنِّي شَافِعٌ لَهُمَا، أُعْطِيتُ أَوْ مُنِعْتُ، وَلَا أَرْجُو
لَهُمَا شَيْئًا ".
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَدْ يَكُونُ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ النَّهْيِ عَنْ
الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَالصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى الْخَلِيلُ
قُبْطِيَّتَيْنِ، ثُمَّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةَ
حِبَرَةٍ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِ " التَّذْكِرَةِ
": وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ،
وَعَلْقَمَةَ، وَأَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى
إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اكْسُوا خَلِيلِي.
فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ، فَيَلْبَسُهُمَا، ثُمَّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ
الْعَرْشِ، ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي، فَأَلْبَسُهَا، فَأَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ
قِيَامًا لَا يَقُومُهُ أَحَدٌ غَيْرِي يَغْبِطُنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ
وَالْآخِرُونَ ".
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي " مِنْهَاجِ الدِّينِ
" لَهُ: وَرَوَى عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ، قَالَ: إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُلَبِّينَ يَخْرُجُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
مِنْ قُبُورِهِمْ، يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ، وَيُلَبِّي
الْمُلَبِّي، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ النَّبِيُّونَ، ثُمَّ
الْمُؤَذِّنُونَ. وَذَكَرَ تَمَامَهُ.
ثُمَّ شَرَعَ الْقُرْطُبِيُّ يَذْكُرُ الْمُنَاسَبَةَ فِي تَقْدِيمِ إِبْرَاهِيمَ
الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْكِسْوَةِ يَوْمَئِذٍ، مِنْ
ذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ مُبَالَغَةً فِي التَّسَتُّرِ،
وَأَنَّهُ جُرِّدَ يَوْمَ أُلْقِي فِي النَّارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ،
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنَ
يَسَارٍ، عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُبْعَثُ النَّاسُ
حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ، فَبَلَغَ شُحُومَ
الْآذَانِ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاسَوْأَتَاهْ، يَنْظُرُ
بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ؟! قَالَ: " يُشْغَلُ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ، لِكُلِّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [ عَبَسَ: 37 ]. إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ،
وَلَيْسَ هُوَ فِي الْمُسْنَدِ وَلَا فِي الْكُتُبِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سعيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ
الْحَمِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ
عَطَاءِ بْنَ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً كَمَا
بَدَءُوا ". قَالَتْ
أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَنْظُرُ
بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ؟! قَالَ: " شُغِلَ النَّاسُ ". قُلْتُ: وَمَا
شَغَلَهُمْ؟ قَالَ: " نَشْرُ الصُّحُفِ فِيهَا مَثَاقِيلُ الذَّرِّ،
وَمَثَاقِيلُ الْخَرْدَلِ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ،
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، يَعْنِي الثَّوْرِيَّ،
عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا ". قَالَ الْبَزَّارُ: أَحْسَبُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ شَبَّةَ غَلِطَ
فِيهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَتْنُ حَدِيثٍ فِي إِسْنَادِ حَدِيثٍ، وَإِنَّمَا هَذَا
الْحَدِيثُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: وَلَيْسَ لَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ
مُسْنَدٌ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ،
بِهِ مِثْلَهُ، وَزَادَ: وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ
حُرَيْثٍ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَائِذِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ:سَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الرِّجَالُ؟ فَقَالَ:
" حُفَاةً عُرَاةً ". ثُمَّ انْتَظَرَتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ النِّسَاءُ؟ قَالَ:
" كَذَلِكَ، حُفَاةً عُرَاةً ". قَالَتْ:
وَاسَوْأَتَاهْ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: " وَعَنْ أَيِّ ذَلِكَ
تَسْأَلِينَ؟ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ لَا يَضُرُّكِ كَانَ عَلَيْكِ
ثِيَابٌ أَمْ لَا ". قَالَتْ: أَيُّ آيَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [ عَبَسَ: 37 ].
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ حَاتِمٍ،
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْكَوْثَرِ، وَهُوَ ابْنُ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يُحْشَرُ النَّاسُ كَمَا وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا ". فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَالنِّسَاءُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟!
فَقَالَ: " نَعَمْ ". فَقَالَتْ: وَاسَوْأَتَاهْ! فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ عَجِبْتِ
يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟ " فَقَالَتْ: عَجِبْتُ مِنْ حَدِيثِكَ، يُحْشَرُ
الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى
بَعْضٍ. قَالَ: فَضَرَبَ عَلَى مَنْكِبِهَا، فَقَالَ: " يَا بِنْتَ أَبِي
قُحَافَةَ، شُغِلَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّظَرِ، وَسَمَوْا بِأَبْصَارِهِمْ
إِلَى السَّمَاءِ، مَوْقُوفُونَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَأْكُلُونَ وَلَا
يَشْرَبُونَ، شَاخِصِينَ بِأَبْصَارِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً،
فَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْعَرَقُ قَدَمَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ
سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ بَطْنَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ
الْعَرَقُ، مِنْ طُولِ الْوُقُوفِ، ثُمَّ يَتَرَحَّمُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
عَلَى الْعِبَادِ، فَيَأْمُرُ الْمَلَائِكَةَ الْمقُرَّبِينَ، فَيَحْمِلُونَ
عَرْشَهُ مِنَ السَّمَاوَاتِ إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى يُوضَعَ عَرْشُهُ فِي أَرْضٍ
بَيْضَاءَ لَمْ يُسْفَكْ عَلَيْهَا دَمٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ،
كَأَنَّهَا الْفِضِّةُ الْبَيْضَاءُ، ثُمَّ تَقُومُ الْمَلَائِكَةُ حَافِّينَ مَنْ
حَوْلِ الْعَرْشِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ يَوْمٍ نَظَرَتْ فَيهِ عَيْنٌ إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى، فَيَأْمُرُ مُنَادِيًا فَيُنَادِي بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ الثَّقَلَانِ
الْجِنُّ وَالْإِنْسُ: أَيْنَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ ؟ أَيْنَ فُلَانُ ابْنُ
فُلَانٍ ؟ فَيَشْرَئِبُّ النَّاسُ لِذَلِكَ الصَّوْتِ، وَيَخْرُجُ ذَلِكَ
الْمُنَادَى مِنَ الْمَوْقِفِ، فَيُعَرِّفُهُ اللَّهُ
النَّاسَ، ثُمَّ يُقَالُ: تُخْرَجُ مَعَهُ حَسَنَاتُهُ.
فَيُعَرِّفُ اللَّهُ أَهْلَ الْمَوْقِفِ تِلْكَ الْحَسَنَاتِ، فَإِذَا وَقَفَ
بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قِيلَ: أَيْنَ أَصْحَابُ الْمَظَالِمِ؟
فَيَجِيئُونَ، رَجُلًا رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: أَظَلَمْتَ فُلَانًا كَذَا
وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي تَشْهَدُ
عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ، فَتُؤْخَذُ حَسَنَاتُهُ، فَتُدْفَعُ إِلَى مَنْ ظَلَمَهُ يَوْمَ لَا
دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِلَّا أَخْذٌ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَرَدٌّ مِنَ
السَّيِّئَاتِ، فَلَا يَزَالُ أَصْحَابُ الْمَظَالِمِ يَسْتَوْفُونَ مِنْ
حَسَنَاتِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ، ثُمَّ يَقُومُ مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ
لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، فَيَقُولُونَ: مَا بَالُ غَيْرِنَا اسْتَوْفَى وَبَقِينَا؟
فَيُقَالُ لَهُمْ: لَا تَعْجَلُوا. فَيُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَتُرَدُّ
عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ ظَلَمَهُ بِمَظْلَمَةٍ، فَيُعَرِّفُ اللَّهُ
أَهْلَ الْمَوْقِفِ أَجْمَعِينَ ذَلِكَ، فَإِذَا فُرِغَ مِنْ حِسَابِهِ قِيلَ:
ارْجِعْ إِلَى أُمِّكَ الْهَاوِيَةِ، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ، إِنَّ
اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، وَلَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مَلَكٌ وَلَا نَبِيٌّ
مُرْسَلٌ وَلَا صِدِّيقٌ وَلَا شَهِيدٌ وَلَا بَشَرٌ، إِلَّا ظَنَّ، لِمَا رَأَى
مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ، أَنَّهُ لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ ".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِبَعْضِهِ شَاهِدٌ فِي "
الصَّحِيحِ "، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْمُزَنِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُحْشَرُ
النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً ". فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَرَى بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ: " إِنَّ
الْأَبْصَارَ يَوْمَئِذٍ شَاخِصَةٌ. وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ،
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتِي. قَالَ:
" اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتَهَا ".
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ
ابْنُ الْخُرَاسَانِيِّ الْمُعَدَّلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ
الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ،
عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ " عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ
بِثِيَابٍ جُدُدٍ، فَلَبِسَهَا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:
إِنَّ الْمُسْلِمَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا. فَهَذَا
حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ " السُّنَنِ "، عَنِ الْحَسَنِ
بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ.
ثُمَّ شَرَعَ الْبَيْهَقِيُّ يُجِيبُ عَنْ هَذَا لِمُعَارَضَتِهِ الْأَحَادِيثَ
الْمُتَقَدِّمَةَ فِي بَعْثِ النَّاسِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، بِثَلَاثَةِ
أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَبْلَى بَعْدَ قِيَامِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ، فَإِذَا
وَافَوُا الْمَوْقِفَ يَكُونُونَ عُرَاةً، ثُمَّ يُكْسَوْنَ مِنْ ثِيَابِ
الْجَنَّةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا كُسِيَ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ
الصِّدِّيقُونَ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ، فَتَكُونُ كِسْوَةُ
كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ جِنْسِ مَا يَمُوتُ فِيهِ، ثُمَّ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ
أُلْبِسُوا مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ هَهُنَا الْأَعْمَالُ، أَيْ يُبْعَثُ
فِي أَعْمَالِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا [ الْأَعْرَافِ: 26 ]. وَقَالَ:
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [ الْمُدَّثِّرِ: 4 ]. قَالَ قَتَادَةُ: عَمَلَكَ
فَأَخْلِصْهُ.
ثُمَّ اسْتَشْهَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الْأَخِيرِ بِمَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ
عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ". قَالَ: وَرُوِّيَنَا عَنْ فَضَالَةَ بْنِ
عُبَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ
قَالَ: مَنْ مَاتَ عَلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ بُعِثَ عَلَيْهَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
، وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ صَالِحٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ هَانِئٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ،
قَالَ: أَوْصَانِي مُعَاذٌ بِامْرَأَتِهِ، وَخَرَجَ، فَمَاتَتْ، فَدَفَنَّاهَا
فَجَاءَنَا وَقَدْ رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَفْنِهَا، فَقَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ
كَفَّنْتُمُوهَا؟ قُلْنَا: فِي ثِيَابِهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَنُبِشَتْ،
وَكَفَّنَهَا فِي ثِيَابٍ جُدُدٍ، وَقَالَ: أَحْسِنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ؟
فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ فِيهَا.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَيَّارِ بْنِ
نَصْرٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
يُحْشَرُ الْمَوْتَى فِي أَكْفَانِهِمْ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ.
وَعَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ
قُبُورِهِمْ فِي أَكْفَانٍ دَسِمَةٍ، وَأَبْدَانٍ بَالِيَةٍ، مُتَغَيِّرَةٌ
وُجُوهُهُمْ، شَعِثَةٌ رُءُوسُهُمْ، نَهِكَةٌ أَجْسَامُهُمْ، طَائِرَةٌ
قُلُوبُهُمْ مِنْ صُدُورِهِمْ وَحَنَاجِرِهِمْ، لَا يَدْرِي الْقَوْمُ مَا
مَوْئِلُهُمْ إِلَّا عِنْدَ انْصِرَافِهِمْ مِنَ الْمَوْقِفِ، فَمُنْصَرَفٌ بِهِ
إِلَى الْجَنَّةِ، وَمُنْصَرَفٌ بِهِ إِلَى النَّارِ، ثُمَّ صَاحَ بِأَعْلَى
صَوْتِهِ: يَا سَوْءَ مُنْصَرَفَاهْ، إِنْ أَنْتَ لَمْ تَغَمَّدْنَا مِنْكَ
بِرَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ، لِمَا قَدْ ضَاقَتْ صُدُورُنَا مِنَ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ،
وَالْجَرَائِمِ الَّتِي لَا غَافِرَ لَهَا غَيْرُكَ.
ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ
السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ الْآيَاتِ [ الْحَاقَّةِ: 15، 16 ].
وَقَالَ تَعَالَى وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ
الْآيَاتِ [ ق: 41 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ لَدَيْنَا
أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا إِلَى
قَوْلِهِ: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ
شِيبًا السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا [ الْمُزَّمِّلِ: 12
- 18 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً
مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ الْآيَةَ [ يُونُسَ: 45 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً
وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ:
وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [ الْكَهْفِ: 47 - 49 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [ الزُّمَرِ:
67 - 75 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ
بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ آخِرِ
السُّورَةِ: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ
الْفَائِزُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ: 110 - 111 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَكُونُ
السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: وَجَمَعَ فَأَوْعَى [
الْمَعَارِجِ: 8 - 18 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ إِلَى
آخِرِ السُّورَةِ [ عَبَسَ: 33 - 42 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا جَاءَتِ
الطَّامَّةُ الْكُبْرَى إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [ النَّازِعَاتِ: 34 - 46 ].
وَقَالَ تَعَالَى: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [ الْفَجْرِ: 21 - 30
]. وَقَالَ تَعَالَى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ الْآيَاتِ إِلَى
قَوْلِهِ: وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [ الْغَاشِيَةِ: 1 - 16 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ إِلَى قَوْلِهِ: هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [
الْوَاقِعَةِ: 1 - 56 ]. ذَكَرَ فِيهَا سُبْحَانَهُ جَزَاءَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ
الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، كَمَا، ذَكَرَ مَا
يُبَشَّرُونَ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِمْ وَاحْتِضَارِهِمْ فِي
آخِرِهَا، كَأَنَّ الْإِنْسَانَ يُشَاهِدُ ذَلِكَ مُشَاهَدَةً.
وَقَالَ تَعَالَى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ
نُكُرٍ الْآيَاتِ. وَقَالَ فِي آخِرِهَا: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ
وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [ الْقَمَرِ: 6 - 55 ].
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ
وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ [ إِبْرَاهِيمَ: 48 - 51 ].
وَقَالَ تَعَالَى: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ
أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يَوْمَ
هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ
الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ وَقَالَ بَعْدَهَا: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ
لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ
إِلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ [ غَافِرٍ: 15 - 20 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ
فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ
الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: فَلَا يَخَافُ
ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [ طه: 99 - 111 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ
الظَّالِمُونَ [ الْبَقَرَةِ: 254 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ
إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [
الْبَقَرَةِ: 281 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ
وُجُوهٌ الْآيَةَ. [ آلِ عِمْرَانَ: 106 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَغْلُلْ
يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْآيَةَ [ آلِ عِمْرَانَ: 161 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ
الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا
يَتَسَاءَلُونَ [ الْقَصَصِ: 65، 66 ].
وَقَالَ تَعَالَى: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ
فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [ الْمُرْسَلَاتِ: 35 - 37 ].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ تَنْفَعُهُمْ. وَالْآيَاتُ
فِي أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا فِي أَكْثَرِ سُوَرِ
الْقُرْآنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " مَا
يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ آيَةٍ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَةِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَمِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْمُفَسِّرَةِ ذَلِكَ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ
رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [ الْأَنْعَامِ: 23 ]. وَقَوْلُهُ: يَوْمَ
يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [
الْمُجَادَلَةِ: 18 ]. فَهَذَا يَكُونُ فِي حَالٍ آخَرَ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ
الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ [
الصَّافَّاتِ: 27 - 75 ] وَالْآيَاتُ فِي ذِكْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَأَهْوَالِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، مِثْلُ الْآيَاتِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ
" هُودٍ ": إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ
يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ إِلَى عَطَاءً غَيْرَ
مَجْذُوذٍ أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ [ هُودٍ: 103 - 108 ]، وَكَذَلِكَ سُورَةُ عَمَّ
يَتَسَاءَلُونَ، وَسُورَةُ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَسُورَةُ إِذَا السَّمَاءُ
انْفَطَرَتْ، وَسُورَةُ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَسُورَةُ "
الْمُطَفِّفِينَ " بِكَمَالِهَا، وَسُورَةُ " الْمُرْسَلَاتِ "، و
" النَّازِعَاتِ "، وَسُورَةُ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَسُورَةُ
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَإِذَا زُلْزِلَتِ، وَآخِرُ " الْعَادِيَاتِ
"، وَ " الْقَارِعَةِ "، وَآخِرُ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، وَ
" الْهُمَزَةِ ".
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ الْقَاصُّ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ يَزِيدَ الصَّنْعَانِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ
يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ، فَلْيَقْرَأْ إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ. وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ. وَإِذَا السَّمَاءُ
انْشَقَّتْ. وَأَحْسَبُهُ أَنَّهُ قَالَ: " وَسُورَةُ هُودٍ ". وَكَذَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
بِهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق